بين الجوهري والميعاري وعش الدبابير: تزوير الجوهر والافتراء الفجّ على الشيوعيين!

عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 7297 - 2022 / 7 / 2 - 09:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


نقل إليّ بعض رفاقي الأسبوع الماضي مادة نشرها على صفحته أو جريدته على الانترنت صحافي في عمان لم أعرفه من قبل اسمه شاكر الجوهري تحت عنوان: "الشيوعيون الفلسطينيون احتفلوا مع بن غوريون بإعلان استقلال إسرائيل واسطفوا معها ضد رجعية الأنظمة العربية".

وكلمة "اسطفوا" هنا كتبها الجوهري في الأصل بهذا الشكل وقد اشتق منها في مكان آخر (المصدر استطفاف حينا واسطفاف حينا آخر)، وهو يقصد أن يستعمل كلمة اصطف، واصطفاف، غير أن لغته العربية لم تسعفه كثيرا لأنها قد لا تكون أفضل حالا من فكره القومي المتآكل.

واستعرض الجوهري في منشوره بحماس منقطع النظير ما لخصّه من محاضرة وتحليلات المحامي محمد ميعاري الذي وصل من حيفا الى عمان في استضافة "منتدى الفكر الديمقراطي" في مقره في المدينة. وفي معرض وصفه للحدث اعتبر الجوهري "أن المناضل الفلسطيني الثمانيني محمد ميعاري القومي التوجهات (أطال الله عمره)، قد نكش عش دبابير راكد"، وأضاف ان "ميعاري استعرض تاريخ النضال الوطني الفلسطيني منذ ما قبل العام 1948 وحتى الآن.. وتوقف أمام مواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني المبكرة".

وقبل أن آتي على تفاصيل ما نقله الجوهري من مضامين محاضرة السيد ميعاري، وقبل التوقف عند جهل الميعاري المطبق والفاضح أحيانا بمواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني المبكرة (واللاحقة) كما تشي الاقتباسات من أقواله، لفتتنني فكرة أن المحاضر "قومي التوجهات"، سافر الى عمان ليحاضر حول "تاريخ النضال الوطني الفلسطيني ما قبل ال-48 وحتى الآن"، وبذلك وقعت في يديه فرصة لا تعوّض من عمان بالذات ليصفي حسابه – حساب الشعب الفلسطيني التاريخي- مع أولئك من الحكام العرب الذين اقتنصوا من الشعب الفلسطيني تاريخيا حقوقه القومية وفي طليعتها حقه في تقرير المصير ومنعوا قيام دولته المستقلة، واقتنصوا من الشعب الفلسطيني المنكوب المناطق التي خصصها قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 لتقوم عليها الدولة العربية الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجليل على قرابة 45 % من مساحة فلسطين، وقاموا بضم هذه المناطق الى ممالكهم وإماراتهم أو وضعها تحت إدارتهم، والتوقيع بالمقابل على اتفاقات هدنة تسلم ما تبقى من مناطق الدولة العربية في المثلث والجليل والساحل لدولة إسرائيل، بعد أن كانوا قد أرسلوا جيوشهم الى فلسطين في أيار 1948، ليس لمنع قيام الدولة اليهودية وانما لمنع قيام الدولة العربية الفلسطينية!

لكن السيد ميعاري كما نقل عنه الجوهري، ليس بهذه الشجاعة ليخوض في هذا البعد ، فلم يجد في "تاريخ النضال الوطني الفلسطيني" ما يمكن خوضه في عمان غير "عش دبابير"، الافتراءات السخيفة على الشيوعيين وتزوير تاريخهم وتزييف وعي الشعوب الذي ترعاه مؤسسات البترودولار الخليجية، وهو أكثر ما يحتاج اليه المتآمرون على قضية الشعب الفلسطيني في هذه الأيام بالذات في المنطقة العربية، عبر اتفاقات أبراهام، وصفقة القرن وعمليات التطبيع مع إسرائيل والتحضيرات للإعلان عن تأسيس حلف عسكري إقليمي (ناتو شرق اوسطي) تقوده إسرائيل يعلن عنه ويباركه الرئيس بايدن في زيارته القريبة للمنطقة.. وهل هناك أكثر من نكش عش دبابير العداء والتضليل والافتراء على الشيوعيين وتاريخهم والتشكيك بوطنيتهم، من شأنه أن يخدّر الوعي الشعبي ويخنق الفكر الوطني الصادق والوعي القومي المعادي للإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ويثير الأحقاد الدفينة ضد الشيوعيين دون غيرهم بجريرة أنهم كانوا تاريخيا، هم من فضح الدور الوظيفي للرجعية العربية في خدمة المشاريع الامبريالية والصهيونية وتكامل أدوار هذا الثلاثي في التآمر على القضية الفلسطينية!



//النكش في عش الدبابير وبال على الناكشين أولا!



ويضيف الكاتب الجوهري في تقريره المنشور أن المحامي محمد ميعاري قد لخّص تحليله حول: تاريخ النضال الوطني الفلسطيني منذ ما قبل العام 1948 وحتى الآن"بعدد من النقاط"، وسأتوقف عند بعض هذه النقاط بحثا عن البنية الفكرية والمنطق السياسي الذي ميّز المحاضرة، على ان أعود اليها قريبا في معالجة تالية لا يتسع لها هذا المقال، وفي غمرة التهويش التحريضي على الشيوعيين من دون رادع ومن دون وازع ضمير وطني، لفتني ما نسبه الجوهري الى الميعاري من اتهام الشيوعيين بالـ:

"استطفاف (اصطفاف) الحزب (الشيوعي) ضد مصر والرئيس جمال عبد الناصر خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956ـ 1957.. دفاعا عن دولة إسرائيل". (واستطفاف هي كما جاءت في الأصل)! فهل حقاً هناك من فحص هذه الفرية؟ أم أن كل شيء بات متاحا خاصة اذا تغرّب الشاب؟ ووجدت في جريدة "الاتحاد" لسان حال الحزب الشيوعي في 2.11.1956 (في اليوم الثالث للعدوان الثلاثي المذكور) العنوان التالي: "إلغاء جلسة الكنيست للحيلولة دون بحث اقتراح الكتلة الشيوعية بنزع الثقة عن الحكومة" وجاء في الخبر أن "كتلة الحزب الشيوعي في الكنيست قدمت اقتراحا بنزع الثقة عن الحكومة، بالنظر الى شروع إسرائيل بالعدوان العسكري على مصر". وفي كلمة الاتحاد في العدد نفسه جاء: "إن حكومة إسرائيل بقيامها بدور أداة في يد الأوساط الاستعمارية الراغبة في إعادة حكم الاستعباد الاستعماري الى الشرق، إنما تحدّت بذلك جميع الشعوب العربية وكل شعوب الشرق المناضلة ضد نظام المستعمرات، والسبيل الذي انتهجته الأوساط الإسرائيلية المتطرفة الحاكمة هو سبيل مجرم.. الخ"، فما المبرر لاختلاق الافتراءات المقيتة وإلقاء القاذورات صوب الشيوعيين؟ ألم يلاحظ السيد ميعاري أو السيد الجوهري أنهما يلقيان بمصداقيتهما في عش الدبابير الذي نكشاه في عمان؟

في تقريره حول ما جاء على لسان الميعاري بشأن "اصطفاف الحزب الشيوعي ضد مصر عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي، دفاعا عن إسرائيل" والذي فندته الحقائق التاريخية الموثقة كتب الجوهري: "إلى هذا الحد لم يتمكن أحد الحضور (يبدو أنه شيوعي اردني) من ضبط اعصابه فصرخ بأعلى صوته (هذا حكي بنحكى)..؟! محاولا التشويش على المتحدث القادم من حيفا.. لكن الأستاذ ميعاري امتص الموقف معلنا أنه قدم حقائق وعلى كل واحد أن يفهمها كما يريد ويبني عليها ما يشاء من المواقف.. وأنه لا يملي وجهة نظره على أحد".

فهل حقاً قدّم الميعاري حقائق؟! أم قدّم افتراءات لا تمت الى الحقيقة بصلة، بل تجافي الحقيقة وتناقضها؟ فهل له او للسيد الجوهري ان يمدنا ويمد القراء بمصادر "الحقائق" التي ذكرها ويناقشنا بها؟ أو يعتذر عن هذا التضليل؟



//التطاول على التاريخ



ثم يضيف تقرير الجوهري عن ندوة عمان "التاريخية":

"عند هذا الحد من ديماغوجية الذين يؤيدون الآن ايران في احتلالها لخمس دول عربية، (يقصد الشيوعيين)، صار لا بد من كشف ما لم يكن قد كشف عنه المناضل الأستاذ ميعاري بعد، فتم توجيه سؤال للأستاذ ميعاري في ضوء ما سبق: هل حاولتم محاورة الحزب الشيوعي الفلسطيني/الإسرائيلي بشأن هذه المواقف..؟ وهل حاول الحزب مراجعة مواقفه حيال هذه الأمور ممارسا نقدا ذاتيا..؟ وهل خرجت من داخل الحزب مواقف ناقدة لهذه السياسات..؟ وهل خرجت كوادر من داخل الحزب على خلفية رفض هذه المواقف..؟ وهل صحيح أن بعض قادة الحزب الشيوعي من العرب شاركوا في حفل إعلان ديفيد بن غوريون قيام دولة اسرائيل..؟". وبعد هذا الوابل من الأسئلة الباليستية المُدينة للشيوعيين، يكتب الجوهري كلاما جوهريا يقول:

"أجاب الأستاذ ميعاري، فيما يخص الشق الأول من السؤال: لم يحدث شيء من هذا

وأجاب عن الشق الآخر من السؤال: نعم.. شارك بعض قادة الحزب إلى جانب بن غوريون في حفل إعلان قيام دولة اسرائيل من بينهم إميل حبيبي وتوفيق طوبي". هيك خبط لزق!.. فما دام الرجل في عش الدبابير فلا وازع يحد من قدرته على الافتراء على القادة التاريخيين لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني وللحزب الشيوعي!

في اواسط أيار 1948 إبان إعلان قيام دولة إسرائيل كان توفيق طوبي وإميل حبيبي من أبرز قادة عصبة التحرر الوطني، وكان اميل حبيبي ما زال عالقا في بيروت بعد أن سافر اليها في مهمة حزبية من قبل العصبة. وفي هذه الاثناء كان اميل توما معتقلا في سجن بعلبك. وكان توفيق طوبي يقود مع من بقي من قادة عصبة التحرر الوطني المعركة على البقاء في الوطن وثني الناس عن الرحيل، وفي الثالث من أيار 1948 بادر مع رفيقه في قيادة العصبة، الشاعر عصام العباسي الى إصدار بيان طبع على ماكنة الستانسل وجرى توزيعه في ميناءي حيفا وبيروت، يدعو مهجري حيفا المتجمعين في انتظار قوارب اللجوء في ميناء حيفا ومن وصل منهم الى ميناء بيروت الى العودة الى بيوتهم وأماكن عملهم في المدينة، لأن الحركة الصهيونية تخطط لمنع عودتهم نهائيا والاستيلاء على بيوتهم وأملاكهم وأماكن عملهم.

وفي الأيام التي تلت كانت عصبة التحرر الوطني هي التنظيم السياسي الفلسطيني الوحيد الذي لم يفقد تماسكه وواصل توجيهه للناس في معركة البقاء، في وقت قام فيه الشيوعيون بإلقاء أنفسهم أمام شاحنات التهجير في العديد من المواقع. ودعوا في أماكن أخرى الى تأسيس الجبهات الشعبية في كل بلدة لإدارة شؤون الناس اليومية وحماية بلداتهم من العدوان والتهجير في تموز 1948. وفي أيلول 1948 بينما نهر الدم ومجازر التهجير تتزاحم صدرت وثيقة عصبة التحرر الوطني تخاطب الشعب الفلسطيني وتوجهه في مذكرة تاريخية: "لماذا علينا أن نناضل في سبيل قيام دولة عربية مستقلة في فلسطين". فما الذي يريده السيدان ميعاري والجوهري بهذا الافتراء على قادة وطنيين فلسطينيين بقامة توفيق طوبي واميل حبيبي، اللذين احتضنا محمد ميعاري لسنوات طويلة على منصات الحزب الشيوعي وأطر الوحدة الكفاحية التي بادر اليها الحزب الشيوعي بما فيها لجنة الدفاع عن الأراضي واللجنة التحضيرية لمؤتمر الجماهير العربية المحظور بأمر عسكري من مناحيم بيغن في كانون الأول في العام 1980.



وبناء على تقرير الجوهري فإن المحامي ميعاري لم يتورع في محاضرته عن اتهام الشيوعيين "بتحويل الفلسطينيين الى إسرائيليين".. وحتى لا يفوت السيدين الجوهري والميعاري دور الحزب الشيوعي في صياغة الهوية الوطنية للجماهير العربية الباقية في وطنها والمواطنة في دولة إسرائيل، بما فيهم السيد ميعاري نفسه، لا بد من العودة الى وثيقة السادس من حزيران 1980، التي بادر اليها الحزب الشيوعي ونشرتها جريدة الاتحاد الحيفاوية لسان حال الحزب الشيوعي لتكون الأساس الفكري لمؤتمر الجماهير العربية المحظور في كانون الأول 1980 وميثاقنا الوطني، والتي جمعت عليها عشرات ألوف التواقيع في كل نواحي البلاد من النقب وحتى حدود لبنان، وقامت على أساسها اللجنة الشعبية التحضيرية الواسعة والتي قادها المؤرخ والقائد الشيوعي العريق اميل توما، نرد بها على الاجماع القومي الصهيوني وعلى سياسة القمع والاضطهاد القومي والمد الفاشي تجاه الجماهير العربية الفلسطينية داخل إسرائيل مؤكدين على مبدأين نافذين جاءا في صدر الوثيقة: "نحن أهل هذا الوطن، ولا وطن لنا غير هذا الوطن... لم ننكر ولا يمكن ان ننكر، حتى لو جوبهنا بالموت نفسه أصلنا العريق، نحن جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني. لم نتنازل ولا يمكن أن نتنازل عن حق هذا الشعب في تقرير مصيره وفي الحرية والاستقلال على ترابه الوطني".. أما نحن فهذا هو كلامنا الجوهري!