نحو قرن من تجربة الحركة الشيوعية في البلاد:النضال الأممي هو الجواب في الصراع القومي الدامي! (1)


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 09:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

*تحاول هذه الدراسة أن تستشرف مضامين وحدة النضال الأممي اليهودي العربي و ماذا تعني في ظروف نشوء الحزب الشيوعي الفلسطيني والمقدمات التي صقلته، في ظل الانتداب البريطاني ومشروع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني، وفي ظروف النضال داخل اسرائيل ومواجهة سياساتها لاحقًا*

إن أخوّة الشعوب اليهودية العربية، وخصوصا أخوّة الكادحين اليهود والعرب، كانت محفورة على رايات حزبنا، الذي عرف أن يدافع عن هذه الشعارات ويذود عنها في كل الظروف وفي وجه كل العواصف. (ماير فلنر- الامين العام الاسبق للحزب الشيوعي الاسرائيلي: "خمسون عاما على الحركة الشيوعية في البلاد " ص 35، 1970 )
نحاول في هذه الدراسة أن نستشرف مضامين وحدة النضال الأممي اليهودي العربي و ماذا تعني في ظروف نشوء الحزب الشيوعي الفلسطيني والمقدمات التي صقلته، في ظل الانتداب البريطاني ومشروع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني، وفي ظروف النضال داخل اسرائيل ومواجهة سياساتها لاحقًا. لقد باتت الدعوة الى النضال اليهودي العربي المشترك عاملا أساسيا وبعضا من "لبنات" الحركة الشيوعية في البلاد، ولكنها تتميز وتختلف عن كل دعوة أخرى.. فهي مشروطة بالمضامين التي تلازمها.. ومحددة بمفهوم طبقي، نضالي، تقدمي، ثوري واضح المعالم. وسنحاول أن نعرض مفهومنا للنضال اليهودي – العربي، وما هي طبيعة المعركة التي يخدمها؟
للإجابة على هذه الاسئلة، لا بد أن نحاول تحديد المفهوم كما صاغه الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي بدأ تبلوره على أرضية التناقضات الناشئة في التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ابتداء من عام 1919، وأخذ طابعه يكتمل ابتداء من العام 1924 مع اعتراف الكومنتيرن (الاممية الشيوعية ) بالحزب وقبول عضويته فيها. " وبذلك تكون قد ظهرت عام 1919 القوتان الرئيسيتان اللتان ستقودان الحركة الجماهيرية المعادية للمشروع الكولونيالي في فلسطين: الحركة الوطنية الفلسطينية، ثم الحركة الشيوعية في فلسطين".(سميح سمارة – العمل الشيوعي في فلسطين – الطبقة والشعب في مواجهة الكولونيالية، ص43).
وجد الحزب نفسه في عام 1924 أمام أربعة خطوط عمل يتوجب عليه اقتحامها لتطبيق توصية الكومنتيرن بتعريب الحزب، وترجمة هذا الهدف على ارض الواقع:
* خلق قناة اتصال بينه وبين الجماهير العربية الفلاحية والبدوية انطلاقا من عداء الطرفين المشترك لشراء الاراضي واستيطانها.
* الثاني: الدفاع عن مصالح العمال العرب وحقهم بالتصدي لمبدأ "احتلال العمل" الصهيوني، والنضال من أجل نقابة عمالية أممية.
* الثالث – اختراق الاحزاب الصهيونية والمؤسسات التابعة لها مثل الهستدروت ومحاولة ضربها من داخلها وضم العناصر المتقدمة فيها الى الحزب.
* الرابع – المساهمة في بناء حركة شيوعية في المشرق العربي تسمح للحزب أن يعتبر نفسه جزءا من حركة التحرر العربية.




*صراع بين اليهود والعرب أم صراع مع الامبريالية وعميلتها الصهيونية؟!*


عرضت كل من الامبريالية البريطانية والحركة الصهيونية الصراع في فلسطين، على أنه صراع بين اليهود والعرب، بينما عرضه الشيوعيون على أنه صراع مع الامبريالية وعميلتها الصهيونية، وأن القضية الفلسطينية هي معركة تحرر وطني. وأنه في سبيل منع تحرر فلسطين لجأت الامبريالية البريطانية الى "سياسة فرق تسد"، وجندت عملاءها في قيادة الحركة الصهيونية وفي قيادة الحركة الوطنية العربية لخدمة أهدافها، وفجرت من خلالهم الاحتراب الدموي بين اليهود والعرب لتثبّت وجودها وتحوّل الامبريالية من المشكلة الى الحل، ومن المستعمر (بكسر الميم )، الى المخرج من الازمة والطرف "الضروري" لوقف الصدام القومي. كانت الامبريالية تهدف الى عرقلة استقلال البلاد وتحررها من هيمنتها بشكل منهجي. إن المفهوم الأممي العمالي، للنضال العربي اليهودي المشترك الذي صاغه الشيوعيون في مواجهة الامبريالية والصهيونية، هو الرد على هذه السياسة وهو الجواب على هذه المفاهيم المضللة وهو نقيضها الكفاحي.
واستخلص الشيوعيون أن " التناقض القومي " العربي اليهودي، هو الاساس الذي تستند اليه سياسة الامبريالية الانجليزية المتواطئة مع البرجوازية اليهودية الصهيونية ومع القيادة الاقطاعية القومية العربية. واعتبروا أن تصفية جذور "التناقض القومي" في فلسطين تتطلب التركيز على المسألة الطبقية الاجتماعية كقاسم مشترك يجمع ما بين الكادحين العرب واليهود في البلاد، والعمل من أجل دفع الطبقة العاملة الفلسطينية الى أن تتصدّر النضال العربي - اليهودي المشترك، من أجل حل معضلات المسألة القومية الكولونيالية في فلسطين.
وفي الواقع لم يكن أمام الشيوعيين الفلسطينيين في تلك المرحلة (في سنوات التأسيس،ع.م) سوى الخيار الطبقي – الاجتماعي الذي حتّمته خصوصية نشأة حركتهم داخل التجمع الاستيطاني اليهودي الغريب عن الواقع العربي، وهذا ما دفعهم بالتالي الى المغالاة في التركيز على الطابع الاجتماعي للنضالات التي كانت تخوضها الجماهير العربية ضد الامبريالية والصهيونية. (ماهر الشريف - الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948، ص 20).
وحدد ماير فلنر "أن الحزب الشيوعي ربط بشكل وثيق، بين النضال المعادي للامبريالية، وبين النضال العام للتقدم والاشتراكية، وتضامن دائما مع حركات التحرر القومي والاجتماعي في العالم، ورأى بالاتحاد السوفييتي حصن السلام، وحرية الشعوب والاشتراكية في العالم كله." (ماير فلنر – خمسون عاما).
ويذكر إميل توما بعدا إضافيا حين يشير الى أن "الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي يقوم على العضوية اليهودية بالأساس في حينه، دعا انطلاقا من مبادئه الثورية الاممية، الى النضال ضد الامبريالية والصهيونية، وأيد النضال القومي العربي بقدر انصباب هذا النضال ضد الامبريالية البريطانية، وبمدى ما تقف حركته الوطنية في مواجهة مع الامبريالية، وبقدر ما تعادي برامجها وتناضل ضد الانتداب البريطاني.. ودعا الجماهير اليهودية الى تأييد هذا الكفاح باعتباره يعبر عن مصالحها الحقيقية." (اميل توما، جذور القضية الفلسطينية"، ص 207)
ويعتبر المفكر الماركسي وولف إيرليخ إن نشاط الصهيونية يشكل جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العالمية للامبريالية. قد يكون للصهيونية مصالحها الخاصة والمنفصلة عن المشروع الامبريالي، ولكنها غير قادرة على تحقيق مشروعها إلا في إطار وفي سياق المشروع الامبريالي في المنطقة وكجزء منه. ويعتبر وولف إيرليخ أنه منذ تصريح بلفور تحول الاستيطان الصهيوني في فلسطين، إلى أداة أساسية في يد سلطات الانتداب البريطاني في صراعها مع حركة تحرر الشعب الفلسطيني، وأداة لإثارة الكراهية والأحقاد القومية ولتنفيذ سياسة التفرقة، وبذلك يكون الحكم البريطاني قد استغل لأهدافه كلا من الرجعية اليهودية والرجعية العربية، وإن كان سنده وعميله الاساسي هو الرجعية الصهيونية التي قادت التجمع الاستيطاني في فلسطين. (و. إيرليخ – قوة الفكرة، ص 190)
من دون فهم هذا التداخل الجوهري البنيوي بين مصالح الامبريالية والصهيونية، وحاجة الامبريالية الى الصهيونية لسد الطريق أمام حركة التحرر القومي العربية في فلسطين وفي المنطقة العربية،( وهو ما يفسر تواطؤ الرجعيات العربية والتقاء مصالحها مع الامبريالية حتى يومنا هذا)، لن يكون هناك إمكانية لفهم حقيقي لطبيعة الموقف الاممي الذي تطرحه القوى التقدمية والحركة الشيوعية في البلاد على مدى سنوات الصراع القومي الدامي في فلسطين وعليها، بديلا وردا على هذه السياسة الاجرامية التي تتاجر بدماء شعبي هذه البلاد.




* النضال الأممي على أرض فلسطين في مواجهة سياسة "احتلال الارض" و"احتلال العمل"؟*


في إطار هذه الرؤية للتضامن العمالي الأممي وتطبيقها على أرض فلسطين، تجلى موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني من سياسة "احتلال العمل " الصهيونية بشكل ساطع، خلال الاحداث التي وقعت في نيس تسيونا في شباط 1932. فقد تصدى الشيوعيون في هذه المستوطنة، للفصيل الصدامي الذي شكلته الهستدروت لطرد العمال العرب بالقوة،من أماكن عملهم، ووزعوا بيانا، وقّعه عدد كبير من العمال اليهود، فضحوا فيه مناورات الهستدروت ودعَوا الى تشكيل جبهة أممية موحدة، تجمع العمال العرب واليهود، في النضال ضد تفشي البطالة، ومقاومة سياسة "احتلال العمل" العنصرية والعدوانية التي تبنتها الهستدروت، بما تعنيه من طرد العمال العرب من أماكن عملهم لاستيعاب عمال يهود محلهم. وبسبب هذه "الجريمة"، جلس الشيوعيون اليهود في قفص الاتهام في المحكمة الهستدروتية في مستوطنة نيس تسيونا، في آذار- نيسان 1932، وكان بن غوريون يمثل الادعاء فطالب بتجريمهم، ورد عليه أحد الرفاق الشيوعيين مدافعا أمام المحكمة موضحا موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني في الممارسة، وكاشفا عن عمق العداء والتناقض بين الطرفين الشيوعي والصهيوني قائلا: "إن معركة العمال التي تضع طرد العامل العربي من المستوطنة هدفا لها، لانه عربي، هي معركة سافلة وعمل إجرامي ونوع من الفاشية، على كل عامل ان يكافحها.
وانه لواجب مقدس على العامل الواعي أن يمزق القناع عن وجوه جميع هؤلاء الشركاء الذين تواطأوا معا لابعاد العامل اليهودي عن العامل العربي. وأنه لواجب مقدس على العامل اليهودي الواعي، أن يبرهن للفلاح، أن لا دخل له بأولئك الذين يحتلون أرضه، وأن يظهر للعامل العربي، أن لا دخل له مع أولئك الذين يحتلون عمله.. فقط هكذا يمكن إخراج العامل اليهودي من مستنقع الشوفينية، وفك العامل العربي من شبكة الرجعية الاقطاعية، ودمجهما معا في حلف أخوّة متين ". ( ماهر الشريف – الشيوعية والمسألة القومية، موسى البديري – The Palestine Communist Party pp> 107-109)، ماير فلنر – خمسون عاما على الحركة الشيوعية في البلاد ). (يتبع)