زاهي كركبي - حلقة الوصل بين تاريخ مجيد، وحاضر معقد..


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 09:14
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     



امتنع زاهي كركبي، عن الاعتراف بمنطقة وسطى ما بين الموت أو اللاموت.. فمات.. وكأننا كنا واثقين أنك باق معنا، خميرة تركها لنا الشيوعيون الأولون، نخمّر بها نضالنا الوطني والطبقي، ونعجن بها نضالنا الثوري ونهجنا الأممي، كفاف يومنا وكفاف مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة...
اعتمدناك موقفا، واعتمدناك مرجعا ومرجعية، واعتمدناك مثقفا (بفتح القاف) واعتمدناك مثقفا (بكسر القاف)، واعتمدناك امتدادا قادما من أعماق التاريخ النضالي الحديث لهذا الوطن، ولشعبك وطبقته العاملة، ولهذا الحزب الأممي العربي – اليهودي. امتدادا لطريق وعر وشاق، شقه في عكس التيار، جيل من العمالقة رصفوه وهذبوه وأناروه، الى ان صرنا نمضي عليه بأمان.
استأنسنا بك معنا، امتدادا لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني، وحزب شيوعي أممي، خضت في إطاره معركة البقاء والدفاع عن الاحياء العربية الباقية في مدينة حيفا، والبيوت العربية المهجرة، والمرشحة للتهجير، يدا بيد، وكتفا الى كتف، مع رفاقك الشيوعيين اليهود والعرب، تواجه معهم فظاظة محتليها وفظاعة مهجّريها(بكسر الجيم) والمتآمرين لدثر معالمها ومسح تاريخها.
بعد نكبتها، كنت عمادا في إعادة بناء طابع هذه المدينة المتميز، بجماهيرها العربية، وقواها التقدمية اليهودية، تطرح بديلا للوضع الناشئ المشوه، ونموذجا للعيش الكريم المشترك.. عيشا مشتركا، لا يقوم إلا على أساس انتماء الجماهير العربية الواضح الى الشعب الفلسطيني، وإلى العمق الانساني التقدمي، والاعتراف بهذه الجماهير أقلية قومية في وطنها لا مجرد "أقليات"، والاعتراف بحقها في المواطنة الكريمة الكاملة، والمساواة في الحقوق المدنية والقومية، في دولة إسرائيل التي قامت في وطنها وعلى وطنها. عيشا مشتركا لا يقوم إلا على أساس القناعة الراسخة بأن الناس العاديين وجمهور العاملين من اليهود والعرب، لهم مصلحة موضوعية، في العيش المشترك، والنضال المشترك، والمستقبل المشترك، في مواجهة واعية مع الفكر والسياسة والنخب المهيمنة.
إن التقسيمة التي اعتمدتها أبو خالد، رفضت أن تضع العرب، كل العرب، لمجرد أنهم عرب في جهة واحدة، مقابل اليهود، كل اليهود، لمجرد أنهم يهود، في الجهة الأخرى. ولكنك وضعت في الجانب الواحد من المعادلة، كل أولئك الذين لهم مصلحة في الحفاظ على النظام السياسي، والاقتصادي، والطبقي، والأيديولوجي القائم، مقابل أولئك من العرب واليهود، الذين لهم مصلحة حياتية في تغيير هذا النظام تغييرا ثوريا، وقلبه رأسا على عقب. وفي طليعة هؤلاء، كنت أنت وحزبك ورفاق دربك وراياتك الحمراء.
لم يتوقف زاهي كركبي عن العطاء الثوري، منذ انضمامه الى عصبة التحرر الوطني في عكا في أربعينيات القرن الماضي، وتدرجه في قيادة الحزب الشيوعي الاسرائيلي، في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، ورئيسا للجنة المراقبة المركزية. ومن موقعه قائدا لمنطقة حيفا الحزبية، وممثلا للحزب الشيوعي والجبهة في بلدية حيفا فاتحا بذلك عهدا جديدا من التأثير الوطني التقدمي على ساحة العمل البلدي، لا زلنا نواصله حتى اليوم وسنواصله بقوة غدا.
شغل أبو خالد منصب المدير العام لمعهد إميل توما لسنوات طويلة، وكان أحد الأعمدة الرئيسية التي قام عليها المعهد منذ تأسيسه، وبقي ناشطا فعالا في برامجه، محاضرا ومشاركا، حتى الاسابيع الاخيرة من حياته.
كان لأبي خالد باع طويل في التثقيف الفكري والسياسي، الماركسي اللينيني لأجيال متتالية من الشيوعيين وحلفائهم، وكتب عشرات الدراسات الهامة من خلال رئاسته تحرير "مجلة الدرب" الفكرية، ورئيسا للجنة التثقيف الفكري والسياسي في الحزب، وعضوا في هيئة تحرير مجلة "قضايا السلم والاشتراكية " في براغ.
أبو خالد، يا حلقة الوصل.. يا حلقة الوصل بين تاريخ مجيد، وحاضر معقد.. "يا زمان الوصل في الأندلس ".. يا من أنشدتنا: "هنا ميسلون ".. ما أشد حاجتنا الى صوتك الرخيم اليوم، يصدح من قلب بحر الدموع والدماء والموت، وجحيم المؤامرة والإرهاب المتخلف.. هنا ميسلون، هنا دمشق الشام.. هنا الشهباء.. هنا معلولا.. هنا الموقف الوطني ووحدة الوطنيين جميعا، تتحطم عليها المؤامرة، وتتحطم عليها مخططات الحرب الامبريالية الارهابية، وأحلام العدوان الامريكي المؤجل على سوريا.
في السادسة تماما من كل صباح كان زاهي كركبي المثابر أبدا، يرسم آثار خطاه على رمال شاطئ حيفا، فيمحوها موج النهار.. يعود في السادسة من الصباح التالي ليرسمها، ويعود الموج ليمحوها، في سباق وتحدٍّ لا يعرف الكلل..
إلا في هذه المرة، في شوط سباحتك الاخير، ما تزال آثار خطاك أبو خالد، كل خطاك، واضحة، ناصعة، وراسخة على الدرب وعلى مسيرة الوحدة الكفاحية، والنضال الديمقراطي الأممي، نعتز بها ونحافظ عليها. ومثلك تبقى، خالدة معنا وفينا.




(ألقيت في حفل تأبين الراحل زاهي كركبي في حيفا)