الجريمة النظرية ضد تقسيم البشر إلى فئتيْن


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4139 - 2013 / 6 / 30 - 19:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

الجريمة النظرية
ضد تقسيم البشر إلى فئتيْن
بقلم: خليل كلفت
1: فى هذا الزمن الجميل جمال الثورة، القبيح قبح شبح الحكم الدينى الإسلامى الذى يبدأ بكل هذا الانقسام والدعوة إليه والتحريض عليه وممارسته بوسائل شتى منها القتل بدم بارد، يحوم فوق رأس مصر والمصريِّين الشبح الثقيل الأسود لتقسيم البشر إلى فئتيْن: من ناحية، المسلمون الإسلاميون الإخوان والسلفيون الأنقياء الأبرار الأطهار، ومن الناحية الأخرى، جميع الأغيار الذين هم عامة المسلمين وكل المسيحيِّين ومن هؤلاء وأولئك ليبراليون وعلمانيون ويساريون وتقدميون وديمقراطيون وزنادقة وملاحدة وكفار وشيعة وبهائيون؛ ولهؤلاء جميعا جهنم وسوء المصير والمنقلب فى الدنيا والآخرة. فنحن إذن إزاء ملائكة من الإنس وشياطين من الإنس دخلوا فى الصراع الحاسم النهائى (هرمجدون) بين الخير والشر. فلا مناص إذن من حرب بلا هوادة لتطهير أرض الإسلام من كل النبت الشيطانى غير الإسلاموىّ من شياطين البشر من مسلمين ومسيحيِّين وغيرهم وما يتفرع عنهم جميعا من كُفْر وإلحاد وعلمانية. إننا إذن من جديد وجها لوجه أمام نفس المعادلة الجهنمية التى عانى البشر ويلاتها: السادة والعبيد، الحضارة والهمجية، الغرب والباقى، المؤمن والكافر فى كل دين وملَّة، الإيمان والكفر (بدلا من "لكم دينكم ولى دين")... إلخ.. وهلمجرا.. وهكذا دواليك..
2: وليس فى كل هذا جديد. فالبشر يقهرون البشر منذ انقسامهم وتقسيمهم إلى فئتين: انقسامهم الاجتماعى المادى فى الحياة الفعلية وتقسيمهم الفكرى المرتبط به فى الأيديولوچيا التى تسيطر على حياتهم وفكرهم وعقولهم وقلوبهم وأرواحهم فى كل حين. وليس بالقضية الحقيقية أن نعرف لأيهما كان السبق: للانقسام الاجتماعى الفعلى أم للتقسيم الفكرى الأيديولوچى؟ وستقول لنا أىّ نظرية مادية تاريخية تقليدية إن الوجود الاجتماعى يسبق الوعى الاجتماعى؛ بمعنى أن الانقسام الاجتماعى سبق التقسيم الأيديولوچى. غير أن الانقسام والتقسيم بهذا المحتوى الاجتماعى إنما حدثا فى مرحلة أحدث من مراحل تطور البشرية، أىْ منذ فجر التاريخ عندما بلغ الإنسان مرحلة من نضجه الاجتماعى والعقلى ونُضج وصقل ارتباط النظرية والممارسة. وقد حدثا بالتدريج مترابطين، يدًا فى يدٍ، بحيث يستحيل افتراض مرحلة من الوجود الاجتماعى (الانقسام المادى) أعقبتها مرحلة تالية من الوعى الاجتماعى (التقسيم الفكرى). فعند الإنسان الكرومانيونى، وهو الحيوان الناطق بعمله وفكره وخياله ولغته وتوقُّعه وتخطيطه وتنفيذه جميعا معًا، لن تجد هذا منفصلا عن ذاك ولا ذاك منفصلا عن هذا، بل ستجدهما دوما مندمجين ممتزجين غير قابلين للانفصام، فالإنسان يوجد ويفكر، ويتابع تطوره بفكره. والصحيح أن الوجود الاجتماعى والفكر الاجتماعى مترابطان بصورة وثيقة ويواصل كل منهما خلق الآخر.
3: وعلى هذا فإنه يمكن القول إن الانقسام والتقسيم إلى فئتين متعاديتين متأصلان وراسخان فى حياة البشر المادية الاجتماعية الطبقية والثقافية. ولأن حياة البشر منذ بداية التاريخ وانقسام المجتمع إلى طبقات اجتماعية تنتظم فى إطار نظام اجتماعى اقتصادى فلا ينتهى نظامٌ إلا ويحلّ محله نظام لاحق يقوم بدوره على الاستغلال الاقتصادى من جانب طبقة اجتماعية لأخرى. ولا مناص لهذا المجتمع المنقسم اجتماعيا والذى يمثل الاستغلالُ طبيعته الجوهرية بكل ما يستتبعه من القهر والقمع والاضطهاد، من خلق ترسانة كاملة من التبرير الأيديولوچى للاستغلال والقهر بحيث يجد ضميرُه ذاتُه جوهرَه فى هذا الانقسام، وبحيث ينشأ ويتوطد بنيان فكرى كامل من الرؤية المزدوجة للإنسان الذى لا يبقى إنسانا بل ينقسم بين أنا والآخر، بين الذات والآخر المختلف. وهنا تجد الذاتُ جوهرَها ورفاهية وسعادة حياتها فى استغلال وقهر الآخر. وفى عهود ما قبل التاريخ كان هذا الآخر يوجد دائما ليس داخل الجماعة، القبيلة أو العشيرة أو الاتحاد القَبَلى، بل خارجها، فى العشائر والقبائل والاتحادات القبَلية الأخرى، فيما تسود علاقات المساواة والتعاون والتضامن والسلام والطيبة الحقيقية داخلها. أما المجتمع المنقسم فإن السوس ينخر فيه، كامنًا فى أعماقه داخل الثمرة، مؤديا إلى صورة أو أخرى من صُوَر "شيطنة" الآخر. فالآخر دائما شيطان مَريد فى غياب ثقافة الاختلاف، وثقافة الاختلاف غائبة فى مجتمع فقد جوهر وحدته الإنسانية لأنه مجتمع مزدوج لا مكان فيه للإخاء بلا تمييز من أىّ نوع بين الإنسان والإنسان، تاركا المجال واسعا لاستغلال واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان، لحرب الكل ضد الكل، لشيطنة الآخر، فردا كان أو جماعة، أو مجموعا، فئة طبقية أو إثنية أو قومية أو دينية، أو مذهبية، أو فلسفية، أو فكرية، ذكرا أو أنثى، أبيض أو أسود أو أسمر أو أصفر أو أحمر؛ كما قيل عن الهنود الأمريكيِّين الذين تعرّضوا لإبادة جماعية لا نظير لها فى التاريخ كله إلى يومنا هذا. وكما يُثْبِت التاريخ كله فإن قيام إنسان بشيطنة الآخر تُحَوِّله فى نفس اللحظة إلى شيطان يصوره خداع النفس لصاحبه ملاكا تتمثل مهمته المقدسة فى تطهير الأرض من كل الشياطين.
4: وتجرى شيطنة كلِّ آخرٍ، كلِّ مختلفٍ: الآخر الغريب أو الأجنبى مختلف وشيطان إلى هذا الحد أو ذاك، والفقير شيطان من وجهة نظر الغنى، والعبد حقير محروم من كل حق وُلد به فى نظر السيد، والنساء مقهورات مضطهدات ناقصات عقل ودين فى كل المجتمعات وبمقتضى كل الوثنيات والديانات، والآخر المختلف بدين آخر أو بوثنية أخرى يتلبَّس روحَه شيطانٌ يحرم عقله وقلبه وروحه من الهداية إلى دين الله، ويغدو كلُّ آخرٍ مرفوضا مضطهدا محكوما عليه بالحرمان من حقه الطبيعى فى المساواة مع باقى البشر دون تمييز. ومن كل هذه الشيطنة، من نظرية شيطنة الآخر، يتولد بصورة طبيعية تماما منطق لا إنسانى، يبدأ بجعل الدم البشرى رخيصا كالماء (فى الأيام الخوالى السعيدة لوفرة الماء، وليس فى هذه الأزمنة الراهنة البائسة لندرة الماء) ولا تنتهى عند جعل سفك الدم البشرى بدم بارد حلالا، بل واجبا، بل فريضة. غير أن كل هذا الشر، كل هذا الدافع الإجرامى إلى سفك الدماء وتنظيم المذابح والإبادة الجماعية للبشر، لا ينفصل مطلقا عن الحياة الطبيعية لمجتمع منقسم ومقسَّم وعن الفكر النابع منه، بل يغدو هذا الشر قانونا لكل مجتمع منقسم اجتماعيا يتولد منه العنف والقسوة والحرب. فلكىْ أعيش سيدا عزيزا كريما مكرَّما لا مناص من جلب واستخدام واستغلال العبيد "الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وكلما صار نظام اجتماعى مستحيلا لعجزه عن الاتساق والتوافق مع القوانين التقنية التصاعدية لحياة البشر ومع مقتضيات التطور الاجتماعى والثقافى للبشر حلَّ محله نظام اجتماعى لاحق يجد الإنسان نفسه فيه إزاء عهود كبرى من العبودية المباشرة أو الإقطاعية أو الرأسمالية أو رأسمالية الدولة باسم الاشتراكية.
5: وبدلا من أن تصير كل فكرة، أو نظرة، أو وثنية، أو ديانة، أو فلسفة، أو رؤية جديدة نظرية تتكامل مع رُؤَى نظريات أخرى لتدشِّن رؤية إنسانية توحِّد البشر، وتدفع معها إلى التقدم، يجد الناس أنفسهم فى كل مرة مع نظرية تمتد جذورها عميقةً فى انقسام المجتمع فتقسِّم البشر من جديد، تقسيما ينطوى على الخطر، خطر الاندفاع فى اتجاه التخلص من الآخر المختلف. ولهذا تنطوى كل نظرية تقوم على التسليم بأسس المجتمع القديم وأركانه على ثمرتها الطبيعية: الجريمة النظرية، حيث لا تبقى النظرية محلِّقة فى سماء النظرية بل تنطلق بالضرورة نحو الميل الطبيعى لكل فئة من الفئتين المتعارضتين إلى استخدامها فى استئصال الأخرى. وهكذا فإن كل نظرية أو أيديولوچيا اجتماعية الأصل تتخذ شكل فلسفة أو شكل ديانة من الديانات المسماة بالوثنية أو الديانات المسماة بالسماوية، وهذه الأخيرة هى التى نشأت فى منطقتنا العربية الحالية ثم انتشرت إلى باقى العالم، ولا تأتى نظرية منها إلا منطوية على صراع وصراعات وحرب وحروب، وتموِّه الأيديولوچيا طبيعة المصلحة الاجتماعية الاستغلالية الكامنة وراءها فتُخفى كل الرذائل وراء واجهة براقة زاهية الألوان من الفضائل. وقد تحاربتْ طوال التاريخ مجتمعات لا حصر لها على المصالح فكان تاريخا للغزوات والفتوحات العدوانية تحت رايات دعاوى نشر الحضارة ومحاربة الهمجية أو الرسالة الدينية لمحاربة الكفار وهداية مَنْ يبقى منهم بعد الإبادة. وهكذا تختفى الجريمة النظرية بما تنطلق منه أو تنطوى عليه من مصالح اجتماعية مع ما يلازمها من دوافع سياسية وراء كل نظرية اجتماعية تتخذ شكلا من أشكال الأيديولوچيا. وإلى جانب الحروب بين الدول القومية والإمپراطوريات هجوما ودفاعا، هناك صراعات وحروب لا نهاية لها منها الحروب الداخلية، الأهلية. وإذا كانت الحروب الدفاعية ضد الفتوحات الأجنبية العدوانية أو الحروب الأهلية الدفاعية، ضد الدول والأغلبيات التى تحارب شعوبها أو أقلياتها، حروبا عادلة فإن الحروب العدوانية الخارجية والأهلية لا تنفصل مطلقا عن الجريمة النظرية أىْ النظرية الاجتماعية ذات المظهر العنصرى أو القومى أو الدينى التى تقتضى جريمة إبادة الآخر واستعباده وتبرر هذه الجريمة.
6: وعلى هذا فإن كل نظرية تبدأ بتقسيم الناس إلى فئتين إنما هى جريمة نظرية تنطوى فى نهاية الأمر على العنف والدم والنار والحرب. ومثلما تمتد جذور كل جريمة فردية ذات دوافع سيكولوچية أو لصوصية إلى الانقسام الاجتماعى باستغلاله واضطهاده وإذلاله وإهانته لكرامة البشر وإهداره لدمهم، وهى فى الأغلب الأعمّ جريمة جرى تدبيرها وتدبُّرها وتقليب الرأى فيها ووضع خطة ملائمة لها وكذلك تبريرها فكريا، فإن الجريمة النظرية التى تنتج عن نظريات اجتماعية كبرى تنتج عنها جرائم كبرى تصل إلى حد المذابح والإبادة الجماعية والحروب والفتوحات الإمپراطورية لاستعباد واستغلال الشعوب الأخرى الهمجية أو الكافرة باسم نشر الحضارة أو باسم نشر الدين.
7: وفى رواية قصيرة للكاتب البرازيلى العظيم ماشادو ده أسيس (1839-1908) بعنوان "طبيب الأمراض العقلية"، "فى هذه الأنتى-يوتوپيا أو الديستوپيا القصيرة، نلتقى بالجريمة النظرية كأساس لرواية وبالتالى لرؤية للحياة، ليس كما يطبقها شاب صغير لا حول له ولا قوة يريد أن ينقذ بجريمة واحدة وحيدة هى قتل مرابية عجوز ("إذا جاز أن تُسمَّى جريمة!") حياة إنسان عظيم فى تقديره لنفسه لا ينقصه سوى أن يتخطى عقبة بؤسه الراهن بثروة يحصل عليها فى الحال (راسكولنيوكوڤ-;---;--)، بل كما يطبقها سيمون باكامارته، طبيب الأمراض العقلية الرهيب، المؤيَّد من كل سلطة قائمة، ليمارس على البشر، كل البشر الواقعين داخل نطاق سلطاته، نظريته الأولى ثم نظريته الثانية المناقضة تمامًا للأولى عن الجنون، بكل إخلاص العالم لفكرته وباستبعاد أو سحق كلّ دور لهؤلاء البشر فى تقرير حياتهم ومصيرهم، والنتيجة: شقاء البشر فى ظلّ استبداد من نوع أو آخر. وطوال القرن العشرين، سيخرج سيمون باكامارته الرهيب، الذى أبدعه ماشادو فى 1882، من سجن الرواية القصيرة إلى العالم الحقيقى، عالم البشر، ومن بلدة ’إتاجواى‘ الصغيرة فى البرازيل إلى مساحات شاسعة فوق الكرة الأرضية ليحقق نظرية هنا من وراء قناع، ونظرية أخرى هناك من وراء قناع آخر، ونظريات عديدة فى مكان واحد مع تغيير الأقنعة، لتصل مأساة الجريمة النظرية، التى ربما كانت إطارًا عامًّا لحياة الإنسان منذ فجر التاريخ (البشر بوصفهم موضوعًا للتاريخ وأيضًا: فئرانًا لتجاربه الجماعية)، إلى أبعاد ومستويات لم تخطر من قبل على بال بشر"، كما قلتُ فى تذييل ترجمتى لتلك الرواية. وكانت النتيجة المنطقية تماما لنظرية سيمون باكامارته التى قدمتْ فى البداية تعريفا للجنون بأنه أقل اختلال فى القوى العقلية ثم انتهى إلى أن الجنون يتمثل فى أدقّ التوازن فى القوى العقلية على خلفية حياة "مجنونة"، وبالتالى لتقسيم البشر إلى مجانين وأصحاء عقليا تقسيما متعسفا للغاية. وصارت النظرية أساسا لمعاناة رهيبة تمثلت فى "سجن" ثلاثة أرباع سكان منطقة واسعة فى مستشفى الأمراض العقلية لفترة غير قصيرة وفقا للنظرية الأولى، ولنخبة قليلة منتقاة وفقا للنظرية الثانية، ولثورة وثورة مضادة، وقتلى وجرحى، وتدخُّل عسكرى كولونيالى من جانب الاحتلال الإمپراطورى الپرتغالى لاستعادة استتباب الأمن، وكان احتمال توسيع تلك النظرية ينطوى على خطر توسيع نطاق تطبيقها وبالتالى توسيع نطاق ويلات وأهوال جريمة أدت إليها نظرية فى علم النفس. وللكاتب نفسه قصة قصيرة بعنوان "حكاية سَكَنْدَرِيَّة" تجرى أحداثها فى الإسكندرية البطلمية حيث يتم تطبيق نظرية لفيلسوفين قادمين من قبرص تتعلق بتغيير صفات البشر باستخلاص عناصر لخصائص بعينها من طيور وفئران لزرعها جراحيا فى البشر، وكانت هذه النظرية الفلسفية الطبية فاتحة مباشرة بمجرد تطبيقها لجريمة "ناجحة" لمعاناة فعلية ومحتملة لحيوانات فى البداية ثم لبشر يبدأون بنزلاء السجون بعد إقناع الملك پطلميوس فى زمن الإسكندرية الپطلمية. ودمرت نظرية فيلسوفىْ "حكاية سَكَنْدَرِيَّة" هذين الفيلسوفين اللذين تحوَّلا بتطبيقها على نفسهما للتحقق النهائى من صحتها إلى لِصَّيْن، سرقا كل ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه من الإسكندرية وتم اعتقالهما أثناء هروبهما وإخضاعهما لتجارب نظريتهما، إلى جانب ضحايا من فئران وبشر فيما كان هناك كلب يضحك إلى أن يأتى الدور على الكلاب، وكما دمرت نظرية سيمون باكامارته، طبيب الأمراض العقلية، صاحبها، بعد معاناة رهيبة من قتل فعلى ومعنوى تعرَّض لها سكان منطقة واسعة من البرازيل، عندما أودع نفسه المستشفى للتحقق النهائى من نظريته بوصفه التجسيد الحىّ للتوازن الدقيق للقوى العقلية ومات بداخله.
8: ورغم أن جريمة "الجريمة والعقاب" للكاتب الروسى العظيم فيودور دوستويڤ-;---;--سكى (1821-1881) لم تمتد إلى كثيرين فإنها تظل المثل الأشمل فى الأدب العالمى للجريمة النظرية التى تنطوى على خطر النطاق الأوسع لجريمة ناتجة مباشرة من نظرية، إذْ إنها تنطلق من تقسيم البشر إلى فئتين حيث نلتقى ﺑ-;---;-- راسكولنيكوڤ-;---;--.. الذى هو فى المقام الأول مؤلف المقال إيّاه الذى يقسّم البشر إلى فئتين ويعنى دفْعُ هذه الفكرة إلى أقصاها القتلَ الجماعى لصالح نابليون مّا أو آخر، و راسكولنيكوڤ-;---;-- شخص "مولود من فكرة" شخص ("أكلته" فكرة، مثل كيريلوڤ-;---;-- فى رواية الشياطين) أو كما يقول هو نفسه: "إن مشاريعى استحوذت علىّ تماما، ورؤيتُها تتحقق أصبحت هدف حياتى" (هنا يقدم دوستويڤ-;---;--سكى مفهوم "الجريمة النظرية"). فقد أصبح لدينا راسكولنيكوڤ-;---;-- الذى يستحوذ عليه تصوُّرٌ يقسم الناس إلى "نابليونات" و"بؤساء" ويحلّ للفئة الأولى أن تتخطى العقبة عند الضرورة حتى بالقتل، حتى بالقتل بالجملة. وتستولى على هذا الشاب، بحكم طيشه وبحكم خلفيته الاجتماعية البائسة، الرغبة فى أن يكون نابليونا، فى أن يتخطى العقبة، لإنقاذ نفسه وأسرته والإنسانية قاطبة... وهذا الهدف الظالم يحتّم "الوسائل والنتائج" التى تقوم بدورها بكشف "الهدف الحقيقى" الذى يموّهه "خداع النفس". وتتمثل الجريمة النظرية فى واقع أن الدوافع وراء جريمة راسكولنيكوڤ-;---;-- تشتمل على الجنون ﺑ-;---;-- نابليون الذى يحجبه خداع النفس حول "الأهداف النبيلة"، وهناك ضحايا آخرون بالإضافة إلى المرابية العجوز، وهم يشملون ليزاڤ-;---;--يتا التى كانت حُبْلَى وأمَّ راسكولنيكوڤ-;---;--، و ميكولكا الذى نجا بشقّ النفس من الأشغال الشاقّة، وقد دمرت نظرية راسكولنيكوڤ-;---;-- واضعها إلى جانب آخرين وإنْ كان قد أنقذه حبه المتبادل مع سونيا ("الحب ردّهما إلى الحياة، وكان قَلْبُ كلِّ منهما يحمل ينابيع لا نهاية لها من الحياة لقلب الآخر"). وفى أحلامه يرى راسكولنيكوڤ-;---;-- العالم بأسره يهلك!