البنطلونات قصة: روبرت فالزر


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 07:58
المحور: الادب والفن     

البنطلونات
قصة: روبرت فالزر
Robert Walser
ترجمة: خليل كلفت (عن الإنجليزية)
أنا مستثار لكونى أكتب تقريرا عن موضوع دقيق مثل البنطلونات، ولأننى مسموح لى بالتالى بأن أغوص فى التأمل بشأنها؛ حتى وأنا أكتب، تُغَطِّى ابتسامة متلهفة، يمكن أن أحسّ بها، وجهى بكامله. والنساء لذيذات، وسوف يَكُنَّ دائما كذلك. حسنا إذن، فيما يتعلق بالأزياء فى البنطلونات، التى تميل بالفعل إلى إثارة كل القلوب والعقول، وإلى تسريع كل نبضة، تلك الأزياء لا يمكن إلا أن تقود تفكير أىّ رجل يفكر بجدية قبل كل شيء نحو ما يُبْرِزه ويغطِّيه إلى حد كبير: الساق. وبهذا تنتقل ساق المرأة، إلى حد ما، إلى المقدمة أكثر وضوحا. وأىّ شخص يحب، ويقدِّر، وتعجبه سيقان النساء، كما أفعل أنا، لا يمكن بالتالى، كما قد يبدو، إلا أن يتوافق مع زىٍّ كهذا، كما أتوافق معه حقا، رغم أننى بالفعل أحبِّذ الجونيلات أيضا كثيرا جدا. والجونيلة نبيلة، ومثيرة للرهبة، ولها طابع مبهم. والبنطلونات غير محتشمة بصورة أكبر بما لا يُقارَن وهى تكتسح روح الذكر، إلى حد ما، بقشعريرة. ومرة أخرى، من ناحية أخرى، لماذا لا يسيطر علينا الرعب نحن الناس الحديثين، بصورة طفيفة؟ يبدو لى أننا نحتاج بالفعل كثيرا جدا إلى أن يتم إيقاظنا، إلى أن يتم هزُّنا.
ولكنْ، إذا سار الناس جميعا فى طريقى، وليس هذا هو الحال لحسن الحظ، لسرورى الشديد (فماذا سيكون علىَّ عندئذ أن أفعل، أنا الرجل البائس!)، ستكون البنطلونات أضيق بصورة كبيرة، بحيث يضغط اللحم المستدير الناعم للساق على القماش بإحكام شديد، أو، إذا عبَّرنا بأناقة أكثر، يختبئ فيه. وبالنسبة لى، سيكون هذا نصرا للأزياء، وسأموت من الابتهاج، أو على الأقل أرتطم بالأرض مصابا بإغماء، إذا حدث مثل هذا التحول يوما فى مجال تكون فيه ملابس النساء هى المسألة. ومع هذا، يبدو لى أن هذا هو الحد الذى نصل إليه، و، فيما يتعلق بنا نحن سادة الإبداع المنبوذين والمؤسفين، فإنه يحقّ لنا أن نتوقع باستثارة ما سيأتى ولم يأت بعد. وأنا أتخيَّل أن شيئا ما سيأتى. ويوجد الآن، دون شك، تغيير فى الطريق؛ من الواضح أننا نحن الرجال فقدنا نصلنا الحادّ، وهكذا تفوقت النساء علينا الآن، وفى الحقيقة، بدأن بالفعل، لابساتٍ البنطلونات التى ما تزال مؤقتا، بلا شك، تشبه الجونيلات، يتصرَّفْنَ بقسوة أمام أعيننا. الكلسونات الفضفاضة تحت الركبة! يوجد فيها شيء ما آسيوى، شيء ما تركىّ، شيء ما، يجب أن أعترف، بلا سِحْر. والبنطلونات التركية والعمامات التركية لا تكاد تملك سِحْرا بالنسبة لى. لكننى ما أزال أعتقد أنه قد يكون آتيا لنا قريبا ازدهارٌ وكمالٌ للبنطلونات. فالبنطلونات ما تزال ليست بنطلونات بما يكفى تماما. فهى، بالطريقة التى توجد بها الآن، تدلّ على مجرد الغباء. إنها ما تزال من الناحية الجوهرية متحفظة أكثر مما ينبغى، خجولة أكثر مما ينبغى. يا معشر النساء، أنْصِتْنَ، يجب أن تُنْصِتْنَ: إذا كنتنَّ تُرِدْنَ حقا التأثير فينا نحن الرجال، فَلْتَكُنَّ أكثر جرأة وتحدِّيا، وكمالا فى مطالبكن البنطلونية، البنطالية، البنطلوناتية! أيتها النساء اللطيفات! ولا شك فى أنهن فى الشوارع وفى ميادين المدن سوف يَتَبَنْطَلْنَ ذات يوم بطريقة مختلفة تماما.
لنستأنفْ: من العار أن تعتزم الجونيلات الآن أن تختفى، وأن تجرى إهانة مشاعرنا الثقافية. ما هذا؟ يسأل شخص. هل هجرتْ پاريس أفكار الفساتين القصيرة؟ وفيما يتعلق بالأفكار، يبدو أن پاريس صارت شديدة الفقر. إنه عارٌ مفزع، موت پاريس الرائعة تلك، پاريس الأحاسيس والأحلام. پاريس ماتت. لأن هذه هى النقطة بكاملها. فأزياء البنطلونات لا تعرف شيئا عن الفساتين القصيرة. وإذا كان هناك فى يوم من الأيام شيء ما يتعلق بامرأة كانت جميلة وآسرة للحواسّ، كان هذا الشيء هو الفساتين القصيرة، بصورة فريدة؛ وهذه السمة الأكثر لذة على وجه التحديد غائبة الآن. وبالبنطلونات، بصورة مشروطة، يجب أن يرتبط فستان قصير. شيء ما لا بد أن يمرّ عبر جسدى مثل سكين، والأهم، يجب أن ينتشر إلى أعلى وإلى أسفل. ولا مناص من أن ينطوى على توتُّر. وفى الوقت الحالى، لم تَعُدْ للنساء ظهور. فقد تلاشى ظهر المرأة، الرائع، المنتفخ، وكأنه مصقول. وهذا شيء يبعث على الأسَى. المظهر! لم تَعُدْ لدى النساء إرادة صحية تجاه المظهر؛ ولم يَعُدْنَ يرغبن فى إبراز أىِّ شيء، والكفّ عن هذه الرغبة هو البرهان الأوضح على أنهن فى حالة تمرُّد، على أنهن يحتقرننا نحن السادة والأساتذة. وأىّ شخص أحاول وأبذل قصارى جهدى لإسعاده أحسّ أنا بأنه أساتذى. هذا واضح تماما. ومن هذه الأمور والأمور المماثلة يتألف سرّ البنطلون-الجونيلة: التمرُّد، والانشقاق، والمقارنة، والإصرار على موقف ينبغى اتخاذه. آه، وضعٌ مؤسفٌ يُرْثَى له. يا رجال، يا رجال، يا لها من هزيمة مخزية تكبَّدتموها.
ومع هذا - مجرد همسة فى أُذُنِك: إلى تلك الهزيمة تمَّ جَرُّ المرأة أيضا، البنطلونات، وهذه الهزيمة الكبرى الخفية لكلا الجنسيْن تعنى – تقليل الجاذبية المتبادلة! فالنساء يُرِدْنَ أن يجعلن أنفسهن بائسات عن طريق إجبارهم على النظر إليهن على أنهن رفاق، زملاء-بنطلونات. تلك هى الطريقة التى يخبرنا بها القلب، وهذا أمر محزن. والأهم، أن أهل البنطلونات يؤثِّرون بصورة أساسية على مشكلة التفعيل السياسى للنساء. وفى البنطلونات يمكن للغاليات الفقيرات أن يُوسِعْنَ الخُطَى بطريقة مريحة أكثر كثيرا إلى صناديق الاقتراع. إنهن مخدوعات، يا إلهى، الغاليات الفقيرات، ليتهن عرفن كم هو مُضْجِرٌ بصورة محزنة أن نُدْلِى بالأصوات. إنهُنَّ يُرِدْنَ اغتيال أنفسهن. فليكنْ. وفيما يتعلق برجل لطيف مع النساء لم يبقَ شيء يفعله سوى أن يدفن رأسه يائسًا فى يديْه ويتمنى أن تخطفه سكتة دماغية. هذا هو جوهر وعاقبة البنطلونات. مفزع!
1911