ردٌ على رجاء قصة: روبرت فالزر


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 19:15
المحور: الادب والفن     

ردٌ على رجاء
قصة: روبرت فالزر
Robert Walser
ترجمة: خليل كلفت (عن الإنجليزية)
تسألنى ما إذا كانت عندى فكرةٌ لك، نوع من إسكتش لعلنى أكتبه، مشهد، أو رقصة، أو پانتومايم، أو أىّ شيء آخر يمكنك أن تستخدمه كخطوط عريضة تتَّبعها. وفكرتى باختصار هى التالية: احصلْ على بعض الأقنعة، ونصف دزينة من الأنوف، وجِباه، وخصل شعر، وحواجب، وعشرين صوتا. إنْ أمكن، اذهبْ إلى رسام، يكون ترزيًّا أيضا واجعلْه يصنع لك مجموعة من الملابس، وتأكدْ من الحصول على قليل من القِطَع الجيدة والصلبة من المناظر، بحيث يمكنك، لابسا معطفا أسود، أن تصعد على سلم ما أو تتطلَّع إلى الخارج نحو نافذة، وأن تُطلق عندئذ زئيرا، زئيرا قصيرا، أَسَدِيًّا، غليظا، حادًّا، لتجعل الناس يصدِّقون حقا أن روحا، قلبا بشريا، يزأر.
وأنا أطلب منك أن تهتمّ بهذه الصرخة، وأن تضع فيها أناقة، وأن تجعلها تبدو نقية وملائمة، ثم، كما تشاء، يمكنك أن تصل إلى خصلة من خصل شعرك وأن تضعها، بلُطف doucement، على الأرض. وسيكون لهذا، إذا تمَّ برشاقة، تأثير مرعب. سيتصور الناس أن الألم أصابك بالخبل. ولكىْ تحصل على تأثير مأساوىّ، عليك أن تستخدم أقرب وكذلك أبعد الوسائل؛ وأنا أقول هذا حتى تفهم الآن أنه سيكون جيدا، بعد ذلك، أن تضع إصبعك فى أنفك وتلفُّه حول نفسه بقوة. سيبكى بعض المشاهدين عندما يرون هذا، عندما يرون شخصا نبيلا رزينا مثلك، يتصرف بوقاحة وبطريقة يُرْثَى لها إلى هذا الحد. ويتوقف هذا على نوع الوجه الذى تُظْهِرُهُ وعلى الزاوية التى يتجه منها الضوء إليك. تأكَّدْ من أن تدفع كهربائيك فى الضلوع بحيث يصيبه القدر الملائم من الاضطراب، وقبل كل شيء نَسِّقْ ملامحك، وإيماءاتك، وذراعيْك، ورِجْليْك، وفمك.
تذكَّرْ ما قلته لك من قبل؛ أعنى – وأرجو أن تكون ما زلت تدركه – أن من الممكن لعين واحدة بمفردها، مفتوحة أو مغمضة، أن تحقق تأثير الرعب، أو الجمال، أو الحزن، أو الحب، أو ما يكون لديْك. ولا يحتاج إظهار الحب إلى كثير من الجهد، ولكنْ، فى وقت أو آخر فى حياتك الكارثية، والحمد لله، لا بد أنك أحسستَ، بأمانة وبساطة، ما هو الحب وكيف يحبّ الحب أن يتصرف. وهو نفس الشيء، بالطبع، مع الغضب، ومع أحاسيس الحزن الصامت؛ وباختصار، مع كل إحساس بشرى. وعلى فكرة، أنصحك بأداء تمارين ألعاب قوى كثيرا فى غرفتك، وأن تقوم بجولات فى الغابة، وأن تقوم بتقوية جناحىْ رئتيْك، وأن تمارس الرياضة، ولكنْ فقط رياضات منتقاة ومتوازنة، وأن تذهب إلى السيرك وتلاحظ سلوك المهرِّجين، وعندئذ أن تفكِّر بجدية بأىّ حركات سريعة يمكنك أن تُظْهِر بأفضل صورة تشنُّجًا فى الروح. والمسرح هو الحنجرة المفتوحة الحسية للشعر، و، يا سيدى العزيز، رِجْلاك هما اللتان يمكن أن تُظْهِرا بصورة مدهشة حالات محددة تماما للروح، وناهيك بوجهك وإيماءاته الكثيرة للغاية. وعليك أن تتحكم فى شعرك، إذا كان لا بد، لكىْ يتم إظهار الفزع، أن ينتصب واقفا، بحيث يحملق فيك المشاهدون، الذين هم أصحاب بنوك وبقّالين، برعب.
وعندئذ ستكون صامتا، وستكون، غارقا فى التفكير، وستكون قد انتزعت أنفك مثل طفل وقح وغير عاقل، وعندئذ تبدأ الكلام. ولكنْ عندما تكون على وشك الكلام، يزحف ثعبان متحمس ضارب إلى الخضرة ويشق طريقه إلى خارج فمك الذى يتلوَّى ألمًا، مما يجعل كل أطرافك تبدو مرتعشة من الفزع. يسقط الثعبان على الأرض ويلتف حول خصلة الشعر الساكنة، وتنطلق صرخة رعب وكأنما من فمٍ واحد عبر المسرح بكامله؛ ولكنك ستكون بدأتَ بالفعل فى تقديم شيء جديد، فأنت تغرز سكينا طويلا مقوَّسا فى عين، بحيث يظهر رأس السكين، وهو يقطُر دما، من الجزء الأسفل من رقبتك، بالقرب من الحنجرة؛ وبعد هذا، تُشعل سيجارة وتتصرف بارتياح بصورة غريبة، وكأنك مستمتع بينك وبين نفسك بشأن شيء ما. ويصير الدم الذى يلوِّث جسمك نجوما، وترقص النجوم حول كل منطقة المسرح، مشتعلة ووحشية، ولكنك عندئذ تلتقطها جميعا فى فمك المفتوح، وتجعلها تختفى، نجمةً نجمة. وسيكون هذا قد وصل بفنك المسرحى بصورة جوهرية إلى درجة الكمال. وعندئذ تنهار منازل المناظر المرسومة، مثل سكِّيرِين مخيفِين، وتدفنك. وستُرى يدٌ واحدة من يديْك، حيث ترتفع من الدمار الذى ينبعث منه الدخان. وما تزال اليد تتحرك قليلا، وعندئذ ينزل الستار.
1917