ليست إسرائيل هي الضحية.. وليست الحل !


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 3880 - 2012 / 10 / 14 - 07:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

*يشكل إعلان الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، رفض إسرائيل المشاركة في مؤتمر هلسنكي الدولي تحت رعاية الامم المتحدة حول إعلان الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية تحديا إسرائيليا إضافيا للمنظومة الدولية وللسلام العالمي*




إن حكومة اليمين في اسرائيل التي تبجحت حتى فترة قريبة، زورا وبهتانا بأن سياساتها الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية المتطرفة، قد انقذت إسرائيل من تبعات أزمة الرأسمالية العالمية، وانعكاساتها على الحالة الاسرائيلية، هي الحكومة نفسها التي تضطر في هذه الايام الى الاعتراف بأن الازمة قد أخذت تعصف بالرأسمالية الإسرائيلية بقوة وتدك اقتصادها.
وبالرغم من ان حكومة نتتنياهو – شتاينتس لخصت منذ وقت طويل أن سياساتها الاقتصادية "الحكيمة" قد نجحت في تجاوز مخاطر الازمة الرأسمالية العالمية وتأثيرها على الاقتصاد الاسرائيلي، على خلاف ما حدث ويحدث في دول مركزية في أوروبا الغربية من اليونان الى إسبانيا ومن البرتغال الى إيطاليا، فقد أخذت تقر باستفحال الازمة لديها، وبات جل ما تحاول القيام به الان، يتمثل في قيام الحكومة بتهريب الازمة – مرة عن طريق القفز الى الانتخابات المبكرة- والمناورات الاجتماعية الاقتصادية،. ومرة أخرى عن طريق إلقاء عبء الازمة وتحميل أثمانها على كاهل الطبقة العاملة والشرائح الشعبية الواسعة.
إن حكومة اليمين في إسرائيل لا تملك أجوبة إقتصادية على الوضع الاقتصادي المأزوم الذي قادت سياساتها بشكل منهجي اليه،.تماما كما أنها لا تملك مخارج سياسية من المأزق السياسي الخانق والأفق المغلق الذي زجت شعبها ، وشعوب المنطقة فيه. ولذلك ليس من قبيل المصادفة أن يترافق تعمق الازمة، مع ارتفاع في منسوب الأصوات المغامرة في الحكم في إسرائيل، التي تبحث عن مخارج عسكرية كلما تعمقت الازمة، وتلجأ الى التهويش وقرع طبول الحرب ضد إيران ولبنان وغزة وسوريا وتطلق التهديدات الوجودية بحق القيادة الفلسطينية كلما ارتطمت سياسة الرفض الاسرائيلية على المستويين الاجتماعي والسياسي بالجداروالافق المسدود. إن حكام اسرائيل العاجزين عن تقديم أية مخارج من الازمة يعمقون من ضلوع إسرائيل في المشاريع الامبريالية، لتفكيك البنى والكيانات التاريخية القائمة في المنطقة وإعادة تشكيلها في نظام جديد، في إطار مشروع "الشرق الوسط الكبير" تحت الهيمنة الأمريكية، وعماده تحالف الرأسمالية المحلية التابعة والفاسدة، والعسكر وتنظيمات الاسلام السياسي.
إن العنصر الآخر في لجوء حكومة اليمين الاسرائيلية الى استراتيجية التحريض على شن الحرب العدوانية على إيران يتمثل في محاولتها استبدال الأجندة السياسية في المنطقة، من خلال دفع المسألة الإيرانية الى المقدمة على حساب القضية الفلسطينية والحل السياسي السلمي للصراع في المنطقة. مع ما يحمله ذلك من تغييب القضايا المحرقة مثل الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، والاحتلال الاسرائيلي المتواصل وتوسيع المستوطنات وتراجعها الى مؤخرة جدول الاعمال.



تناقضات الموقف الاسرائيلي في المسألة النووية !
ويشكل إعلان الحكومة الإسرائيلية مؤخرا، رفض إسرائيل المشاركة في مؤتمر هلسنكي الدولي تحت رعاية الامم المتحدة حول إعلان الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية تحديا إسرائيليا إضافيا للمنظومة الدولية وللسلام العالمي. ومن المثير أنه في حين لا تتوقف اسرائيل عن الزعيق والإلحاح على تحذيراتها من أن خطرا كارثيا سيحدق بوجودها، حينما تمتلك أية دولة في المنطقة سلاحا نوويا، هي إسرائيل نفسها التي تنبري دون غيرها، للإعلان عن رفضها لفكرة إخلاء الشرق الاوسط من السلاح النووي، وأول من تعلن مقاطعتها لمؤتمر هلسنكي برعاية الامم المتحدة.
وفي هذا السياق تستغل حكومة الرفض الاسرائيلية التصريحات الموتورة التي يطلقها الرئيس الايراني محمود أحمدي النجاد، من أجل تضليل الجمهور في إسرائيل، والكذب على العالم ونشر الوهم بأن امتلاك إيران قنبلة نووية يشكل خطرا مباشرا على وجود دولة اسرائيل، وأن القضاء على المشروع النووي الإيراني هو الخيار الوحيد لتجنب القضاء على اسرائيل.
إن الغالبية الساحقة من الخبراء الاستراتيجيين المعتبرين في إسرائيل عبروا عن قناعاتهم، بأنه حتى في حالة امتلاك إيران قنبلة نووية فإنها لن تشكل خطرا على وجود إسرائيل، وأنها في "أسوأ" الاحوال قد تشكل جزئيا ثقلا موازيا للخطر الذي تمثله الترسانة النووية الاسرائيلية الهائلة.
إن الامر المؤكد أن حربا إسرائيلية مجنونة ضد إيران لن تكون حربا للدفاع عن وجود إسرائيل، كما حاول رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نيتنياهو إيهام الرأي العام من على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإنما حربا كارثية للدفاع عن احتكار إسرائيل للسلاح النووي في الشرق الاوسط.
لقد بات الآن واضحا أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك لغالبية الاسرائيليين، أنه لا توجد إمكانية لاستمرار احتكار السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في منطقة الشرق الاوسط من جانب واحد. فإذا استمر وجود هذا السلاح في منطقة الشرق الاوسط، فإنه لن يكون محصورا في يد طرف واحد دون غيره.
وبذلك، فإن وجود كميات هائلة من الأسلحة النووية في إسرائيل، ليس فقط أنه لن يردع الدول الأخرى من تطوير هذه الأسلحة، وإنما سيكون بشكل عملي محفزا لها على محاولة الحصول عليها وعلى أسلحة غير تقليدية أخرى ردا على ذلك.



شراكة استراتيجية :من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية
إن الدعوات الاسرائيلية المتواصلة للقضاء على المشروع النووي الإيراني من جهة، ورفض الحكومة الاسرائيلية المشاركة في مؤتمر هلسنكي الدولي من الجهة الاخرى، توضح أن إسرائيل هي المحرضة الاكبر على الحرب، وتشكل مصدر الخطر على السلام في المنطقة وعلى السلام العالمي، وهي التي تقود سباق التسلح النووي في الشرق الاوسط دون غيرها.
وتجهد الولايات المتحدة واسرائيل في العمل على إبعاد الرأي العام المحلي والعالمي عن حقيقة أن كلتا الدولتين ترفض خيار الحل الدبلوماسي الواقعي للازمة الايرانية في إطار مشروع الامم المتحدة من أجل إعلان منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الاوسط.
إن الولايات المتحدة واسرائيل تعارضان هذا الخيار وتعملان على التخريب عليه من خلال قرع طبول الحرب في الحالة الاسرائيلية وتعميق العقوبات الاقتصادية على ايران من جهة، في حين يجري غض الطرف والكيل بمكيالين من الجهة الاخرى بخصوص الواقع النووي الخطير القائم في إسرائيل، كما فعل الرئيس الأمريكي براك أوباما بشكل صارخ في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخرا.
لقد حان الوقت للمجاهرة بالحقيقة بصوت عال وواضح : على عكس ما تحاول إسرائيل أن تصور نفسها، فليست هي الضحية، ولا الجواب على المشكلة النووية القائمة في الشرق الاوسط، إن اسرائيل هي لب المشكلة النووية في المنطقة. ليست هي المفتاح لوقف لوقف سباق التسلح النووي، وإنما هي سبب سباق التسلح النووي ومبرره.
لقد أعلنت إسرائيل الرسمية أنها لن تذهب للمشاركة في مؤتمر هلسنكي من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، وهو ما يضع على قوى السلام والتقدم مهمة جلب هلسنكي الى إسرائيل. وردا على قرار الحكومة الاسرائيلية مقاطعة هذا المؤتمر الهام ، فقد بادر معهد الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية على اسم القائد الشيوعي الكبير ومؤرخ القضية الفلسطينية د. إميل توما القائم في حيفا، إلى تنظيم مؤتمر دولي في إسرائيل في آذار 2013، من أجل منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الاوسط. إننا ندعوكم كأحزاب كتلة اليسار في البرلمان الاوروبي الى الانضمام كشريك استراتيجي لنا في دفع وتنظيم هذا المؤتمر.
نحن نهدف من خلال هذه المبادرة أن ننقل الى الجمهور في إسرائيل رسالة مفادها أن أمنه وسلامه وازدهاره، لن يضمنه خوض الحروب المدمرة، ولا مئات الرؤوس النووية المخزّنة في إسرائيل، ولا اعتماده على الغواصات حاملة الرؤوس النووية المصنعة في ألمانيا، ولا استناده إلى صواريخ كروز المصنعة أمريكيا، ولن يضمنه المفاعل النووي الفرنسي الصنع في ديمونا الجنوبية ولا تضمنه سياسة التلون والكيل بمكيالين في المسالة النووية، كما تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا. إن السلام والأمن والازدهار يمكن تحقيقها من خلال نزع شامل للاسلحة النووية في الشرق الاوسط وبالقضاء على جميع أسلحة الدمار الشامل، وتبني سياسة مخلصة لتحقيق سلام عادل مع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. إن هذا الخيار هو الذي تحاول الحكومة الاسرائيلية التستير عليه وإبعاد الانظار عنه.
عندما يجري إحراج القيادة الاسرائيلية في مسألة معارضتها تحويل الشرق الاوسط الى منطقة خالية من السلاح النووي، فإن هذه القيادة تلجأ الى القول بأنها لن تكون مستعدة لمناقشة هذا الموضوع إلا بعد أن يتم إنجاز السلام
الشامل والثابت مع جميع الاطراف في المنطقة. وينطلق هذا الادعاء المضلل من الافتراض بأن الترسانة النووية الاسرائيلية، تشكل في الواقع شرطا مسبقا لتحقيق السلام في المنطقة. إنه تضليل اسرائيلي ووهم مخادع آخر يفترض ألا ينطلي على أحد، بل يكون علينا جميعا أن نرفضه ونرده.
إن الحقيقة مغايرة. فالرفض الاسرائيلي للتقدم في أي حل سياسي عادل، والتهديدات الاسرائيلية المستمرة بشن الحرب والعدوان في المنطقة، وتنكرها للحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني، إضافة الى رفضها الامتثال لقرارات الامم المتحدة والقانون الدولي ومواصلة توسيع الاستيطان وتعميق الاحتلال – كل هذه لم تكن ممكنة، من دون اعتماد إسرائيل على احتكارها السلاح النووي في المنطقة من جهة، والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تحظى به من الولايات المتحدة من الجهة الأخرى. ولذلك نقول إن الرفض الاسرائيلي في المسألة النووية، هو الذي يؤسس للرفض الاسرائيلي في المسألة السياسية ويعززه.
المطلوب شقلبة المعادلة الاسرائيلية رأسا على عقب : ليس السلام الشامل في المنطقة، هوالشرط المسبق لنزع المنطقة من الاسلحة النووية، وإنما العكس هو الصحيح، إن نزع الاسلحة النووية في المنطقة ووقف جميع البرامج لتطويرها بما في ذلك في إسرائيل وإيران، يجب أن يكون عنصرا جوهريا ومنطلقا أساسيا في تحقيق السلام.
إن معارضة حرب اسرائيلية مجنونة على إيران - بمشاركة الولايات المتحدة أو من دون مشاركتها، قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية أو بعدها – يجب أن تترافق مع تصعيد الضغط الشعبي على إسرائيل لمطالبتها بالتوقيع على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية للمراقبة الدولية، والانضمام الى مبادرة تحويل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية.
إننا ندعو جميع قوى السلام والتقدم في المنطقة وفي أوروبا وفي العالم كله، الى رفع صوت معارض للحرب، وإدانة التحريض الاسرائيلي المستمر على العدوان وإلحاحها على قرع طبول الحرب. إن أخطار شن حرب إسرائيلية على إيران مرعبة حقا، ولكنها ليست قدرا من السماء. بمقدورنا ، ولا يزال ممكنا أن نمنعها. دعونا نتحرك معا لتحقيق هذا الهدف.




(مقاطع أساسية من مداخلة مخول أمام كتلة اليسار في البرلمان الاوروبي التي عقدت الاسبوع الماضي في نيقوسيا)