الربيع العربي : دولة مدنية أو الحرب الأهلية؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3515 - 2011 / 10 / 13 - 16:01
المحور: ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي     

أيهما أهم برأيك، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام حقوق جميع القوميات والأديان، أم بناء دول على أساس قومي و أثنية، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها؟

الحل الأمثل هو خيار الدولة المدنية بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى: فصل الإسلام عن الدولة بشكل مطلق. اعتماد القانون الوضعي، المساواة أمام القانون، احترام الحريات الشخصية،المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة، ضمان حقوق الأقليات – دينية، فلسفية، جنسية... – التداول على السلطة... يجب التذكير دائما أن الديمقراطية هي أولا و قبل كل شيء حماية للأقليات و ليس هيمنة الأكثريات. ينبغي التفريق بين الديمقراطية و الديمقراطوية.

كيف ترى سبل حل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفقا للمواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة؟

لا طريق سوى طريق المفاوضات و الاستناد إلى الشرعية الدولية و لئن كنا نعرف أن إسرائيل هي التي تغذي غباء حماس من أجل إبعاد الفلسطينيين عن الحل السلمي، حل الدولتين. على الفلسطينيين أن يحرروا أنفسهم أولا من حماس قبل أي شيء إذ وجود حماس الأصولية هو المشكل الأساس أمام تحقيق الفلسطينيين لمبتغاهم. ربما يقول قائل لقد صوّت الفلسطينيون لحماس، و هو كذلك و لكن ليس لأول مرة يقع فيها شعب في الفخ ، الألمان انتخبوا هتلر و رأينا النتيجة التي أوصلهم إليها اقتراعهم، الشعوب غير منزهة عن الخطأ تحت ظروف معينة.. الجزائريون أيضا أوقعهم الأصوليون في الفخ، و ربما يقع المصريون في فخ عصابة الإخوان المسلمين...و ربما التونسيون. ألم يعلمنا التاريخ، كما يقول، هيغل أن الشعوب لم تتعلم من التاريخ شيئا ؟

كيف تقيّم الموقف الأمريكي والدول الغربية المناهض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد خطوة الزعيم الفلسطيني وتوجهه إلى الأمم المتحدة لتحقيق ذلك؟

لا يمكن للأمريكيين بل لن يستطيعوا فعل ما يمكن أن يعزل إسرائيل و كذلك أغلبية الدول الغربية، و محاولة تجاهل ذلك غباء سياسي لا أكثر و لا أقل. كيف يمكن أن ننتظر غير ذلك وفي غزة منظمة أصولية تهدد باستعادة كل فلسطين و توحي للغربيين أنها تستعد لرمي الإسرائيليين في البحر مقدمة أحسن الخدمات لليمين الإسرائيلي و الأصوليين اليهود؟

ما هي برأيك الأسباب الرئيسية للموقف السلبي من قبل الدول الكبرى تجاه إقامة دولة كردية مستقلة، تجمع أطرافها الأربع في دول الشرق الأوسط ، وهو مطلب شعبي كردي وحق من حقوقهِ ، ولماذا يتم تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض الأوساط الفكرية والقومية في العالم العربي ؟


لا يجب الخوف من قول الحقيقة هناك عنصرية ضد الأكراد و عنجهية عربية متعالية تجاه كل الأثنيات الأخرى. أما التحليلات الأخرى فعلى أهميتها فتبقى ثانوية ما دامت العقول ملوثة بعقدة العدد. ما هو هذا الخطر الذي يمكن أن يأتي من دولة كردية في المنطقة؟ الأكراد شعب ككل الشعوب الأخرى و له الحق في دولة على أرضه ككل الشعوب و على المجتمع الدولي أن يضمن له حق الاستفتاء و تقرير المصير و أن تتجاوب بقية الدول المعنية في المنطقة مع هذه الرغبة قبل أن يتحول الأمر إلى مسألة تصفية استعمار كما هو الشأن في تركيا. أما عن تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض المرضى بقوميتهم الضيقة فهو كلام مضحك ينم عن ضيق أفق مزمن لدى هؤلاء. هذا يذكرني بالعنوان الحزين الذي قرأته على صدر صحيفة جزائرية في بداية الثمانينيات حينما كان الأمازيغ يطالبون بحقوقهم الثقافية في هذا البلد و حينما كانوا يتعرضون للقمع ، كان العنوان أكراد الجزائر و كان يهدف من ورائه ذم الأمازيغ و اتهامهم بالعمالة و معاداة العروبة ، بكلمة واحدة يعني أكراد! تصوروا...

هل يمكن للتغیّرات الراهنة في المنطقة - الانتفاضات والمظاهرات الأخيرة – من أن تؤدي إلى خلق آفاق جديدة أرحب للقومیّات السائدة کي تستوعب الحقوق القومیّة للأقليات غير العربية مثل الأكراد، إلي حدّ الانفصال وإنشاء دولهم المستقلة ؟


بالتأكيد ستكون الأمور مغايرة تماما، و لكن في حالة واحدة فقط هو عدم هيمنة الإسلاميين مستقبلا، و في حالة قيام ما يسمونه الدولة الإسلامية، ستعيش الأقليات القومية أحلك أيامها. و سيدفع بها ذلك حتما إلى خيار الانفصال. و سيكون من حقها المطالبة بحماية دولية.

هل تعتقدون بأنّ المرحلة القادمة ،بعد الربيع العربي، ستصبح مرحلة التفاهم والتطبیع وحلّ النزاعات بین الشعوب السائدة والمضطهدة ،أم سندخل مرحلة جدیدة من الخلافات وإشعال فتیل النعرات القومیة والتناحر الإثني ؟

كما سبق لي وأن قلت ، بدون قيام الدولة المدنية الديمقراطية، لا يمكن أن يستتب الأمن في أي بلد عربي، سيبقى التوتر الإثني قائما كقنبلة موقوتة. و سيتحول الأمر إلى قضية تصفية استعمار بالنسبة لكثير من القوميات. و لا يمكن بعد ذلك انتقاد التدخل الغربي لحماية الأقليات و لا منعه.


ما موقفك من إجراء عملیة استفتاء بإشراف الأمم المتّحدة حول تقریر المصیر للأقليات القومية في العالم العربي مثل الصحراء الغربية وجنوب السودان ويشمل أقليات أخرى في المستقبل، مع العلم أنّ حق تقریر المصیر لکلّ شعب حقّ دیمقراطي وإنساني وشرعي و يضمنه بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ عام ١٩٤٨؟

هذا هو الحل المناسب و المنطقي، و الذي لا يمكن أن يرفضه عقل.

ماهي المعوقات التي تواجه قيام دولة كردية ، و كيانات قومية خاصة بالأقليات الأخرى كالأمازيغ و أهالي الصحراء الغربية؟

بغض النظر عن موقف السلطات القائمة المعادي لقيام دول في المنطقة، يجب أن تكون لدى أبناء هذه القوميات رغبة حقيقية في بناء دولتهم الخاصة، تتذرع السلطات القائمة بانتفاء هذه الرغبة لدى أغلبية أبناء القوميات المعنية و تتهم مجموعات ناشطة ترى أنها لا تمثل كل الأقلية. و لتجاوز هذا الإشكال ليس هناك من حل سوى اللجوء إلى استفتاء حقيقي تحت إشراف الأمم المتحدة. و لكن أود أن أنهي هذا الحوار بالتأكيد على أنه لا جدوى من قيام دول أخرى إذا كانت مجرد صور طبق الأصل من الدول العربية القائمة و التي لا تستحق صفة دولة إلا مجاملة.