في الاستثناء التونسي


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3262 - 2011 / 1 / 30 - 02:06
المحور: المجتمع المدني     

لا لوم على الغربيين أو معظمهم حينما يضعون كل العرب في سلة واحدة، ففي مخيلتهم لا فرق بين عربي وعربي إلا بالنفط، فكلنا في البداوة سواء ، نقضي أيامنا في التسبيح والتكاثر والصلاة على النبي العربي. فكأن ما يسمونه عالما عربيا من طينة واحدة.
ولكن ما هو مقلق حقا هو تسرع الأقلام العربية المُحلّلة إذ أسالت بحرا من الحبر كادت أن تغرق به الاستثناء التونسي في محيط التأخر العربي. فهل تَمُتّ الانتفاضة بل الثورة التونسية بصلة إلى التجارب العربية الانقلابية والاحتجاجية الأخرى؟ وهل هي قابلة للانتقال إلى دول أخرى في مشرق العرب أو مغربهم؟
بعض فروقات مطلقة...
في البدء كان الاختلاف، منذ الشرارة الأولى التي أشعلها الشاب محمد البوعزيزي، افترقت الحالة عن سابقاتها, فلئن فجر المئات من العرب أنفسهم و قتلوا الآلاف من الأبرياء و لم يغيّروا من الأمر شيئا بل زادوا من تعفين الوضع أضعافا، فإن الثائر البوعزيزي انتحر حرقا و لم يقتل معه أحدا، ومع ذلك قلب تاريخ تونس رأسا على عقب. فليواصل إذن أئمة السلاطين التنديد بالانتحار حرقا و تحريمه.. قالوا في خطب الجمعة "لا يعذب بالنار إلا رب النار"! ليس هذا فحسب بل ذهب بعض الأئمة في الجزائر إلى دعوة المصلين إلى "الامتناع عن الاحتجاج والقناعة بما ابتلانا الله به من فقر وفساد ومرض". (جريدة الخبر الجزائرية يوم 22/01/2011) و مثلها مثل الثورة على التوتاليتارية في بولونيا، قادتها نقابات العمال و إن تميزت في تونس بعدم وجود أي فاليشا ، فلم يكن لثورة تونس زعيما بل كانت شعبية بأتم معنى الكلمة. شاركت فيها المرأة بشكل فعال بل كانت في أول الصفوف، كانت انتفاضة مختلطة بينما الاختلاط محرم بين الرجل والمرأة في كافة البلدان العربية خوفا من تسلل إبليس اللعين بينهما! و لم يرفع المتظاهرون طيلة أيام الثورة شعارا إسلاميا واحدا بل كانت كل الشعارات مستوحاة من الفكر الديمقراطي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المواطن. وأخيرا لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة جدا هي احترافية الجيش التونسي والحياد الذي احترمه في البداية ثم الدفاع عن الشعب الثائر في النهاية ثم المساهمة الحاسمة في إسقاط نظام بن علي.
وليقارن المراقبون اللغة السياسية العربية التي يستعمل التونسيون باللغة المستعملة في بقية البلدان العربية... في الأولى نستشف فلسفة المواطنة وفي الثانية مفاهيم الفقه العتيقة عن الأمة المؤمنة.