متى تخرج المرأة العربية من معتقل القِوامة؟


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 01:56
المحور: حقوق الانسان     

مهما طال الحديث و اشتد الجدل حول وضعية المرأة العربية ووجوب إصلاح القوانين التي تُشرعِن الظلم المسلط عليها، فلا نخرج بشيء ما دام المشرّع العربي مقيدا بأحكام الشريعة الإسلامية. في مجتمع ذكوري يحتقر الأنوثة، من المفروض أن يكون القانون حاميا للمرأة و رادعا للمستهتر و أداة لتطوير الذهنيات وليس تكريسا للدونية واللامساواة كما هو حال قانون الأسرة في كل أقطار الوطن العربي ما عدا تونس.
تكفي إطلالة سريعة على الوثائق للوقوف على الظلم القانوني المسلط على النساء العربيات. يجعل منهن هذا التشريع المعتل مواطنات من الدرجة الثانية. وعموما وبدون لف ولا دوران لا حديث جدي عن حرية المرأة إن لم تستبعد فكرة القوامة نهائيا. فلا يمكن بحال من الأحوال ترك قدر المرأة معلقا بين أيدي الفقهاء.

و حتى و إن اختلفت الأمصار و المصائر.. ربما نجد نفس الإشكاليات بحكم الاشتراك في التراث الثقافي عموما والديني منه على وجه الخصوص. و لكن لكل بلد خصوصيته، فلا مجال للمقارنة مثلا بين تونس - التي تجاوزت القوامة و تعدد الزوجات و غير ذلك من العادات المهينة لكرامة المرأة - والسعودية التي تمنع على المرأة حتى قيادة السيارة. في بلدان عربية كثيرة يتساهل القانون مع المجرمين الذين يقتلون النساء بدعوى الدفاع عن شرف العائلة و هو ما يعرف بـ "جريمة الشرف".
في الحقيقة الأطروحة الأصولية هي الغالبة اليوم في البلدان العربية وذلك تماشيا مع صعود المد الإسلاموي في هذه البلدان. ومن البداهة أنه كلما تأسلم المجتمع ضيّق على المرأة وتكون البداية بفرض ارتداء الحجاب بطرق شتى ترغيبية و ترهيبية ومنع الاختلاط الخ، وينتهي بتأثيمهن ليسهل حبسهن في المنازل.
كثيرا ما تتهم التنظيمات النسوية العربية بولائها للغرب بل حتى بأنها من صنع أعداء الأمة، من أجل تشويهها و تحريف مطالبها الشرعية. و حتى و إن كان الأمر كذلك فأين المشكلة؟

فمثلا لا تطالب الناشطات الجزائريات إلا بحد أدنى من الحريات ولا أظن أنهن يطالبن بالحب الحر على طريقة سيمون دي بوفوار على سبيل المثال - وبالمناسبة أنا لست ضد ذلك - وإنما يدافعن عن المساواة في الحقوق والواجبات وإلغاء المواد المهينة والظالمة من قانون الأسرة الجزائري ، بمعنى تنقيته من مخلفات الماضي. و هو حال كل المناضلات النسويات العربيات ..
في مجال حقوق الإنسان و الحريات لم يعد هناك مجالا للحديث عن المحلي و الخارجي لأن الأمور قد باتت كونية، فكل العالم مثلا قد تجند ضد رجم الإيرانية سكينة في الأيام الأخيرة، فالرجم عملية مشينة ينبغي إدانتها ومنعها بكل الطرق في كل مكان لأنها لا تليق بالبشر بغض النظر عن أساسها الديني أو الثقافي. القضية ليست قضية رموز أو تاريخ أو تغريب إذ كل ذلك مجرد تفاصيل ثانوية يهدف من خلاله البعض إلى تعويم المسألة و تهميش السؤال النقدي. السؤال المشروع هو: هل نحن مستعدون للاعتراف بالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات حتى وإن كان ذلك مناقضا لتراثنا الديني؟
على ضوء الإجابة يظهر المستور و تكشف الأصولية المقنعة عن وجهها.
وحتى و إن سلمنا مع المناهضين لتحرر المرأة المحافظين بــ سطحية هذا الخطاب النسوي و شعاريته ، فذاك ليس مهما ما دام يطرح مسألة إنسانية نبيلة و يدافع عن قضية عادلة. ما ينبغي التنديد به هو المعاملة الهمجية التي تتعرض لها النساء في الشارع العربي إذ لا أظن أن هناك عبر العالم شارع تهان فيه المرأة وتتعرض للتحرش مثل الشارع العربي. إنها فضيحة مستمرة منذ عقود ولا أحد يحرك ساكنا بل أصبحت عادية لا تثير غضب أحد.
وفي مطلق الأحوال، لا أظن أن تجد مسألة حقوق المرأة في العالم العربي حلا بمعزل عن قضية المواطنة، فلا حرية بدون مواطنة حقيقية و لا مواطنة حقيقية بدون علمانية صريحة.