لقائي مع الفيلسوف سيوران


حميد زناز
الحوار المتمدن - العدد: 3234 - 2011 / 1 / 2 - 04:26
المحور: الادب والفن     

وأنا أقلب صفحات إحدى المجلات الفرنسية التي كانت توزع في الجزائر بداية الثمانينات، لفت انتباهي عنوانا بارزا كان يقول: "كلما عشنا أكثر يبدو لنا أن ما عشناه كان بلا جدوى."
هزني مضمون المقولة وشاعريتها ورحت أفلي المقال فليا. تبين لي مع القراءة أن المقولة لكاتب أكتشف وجوده لأول مرة، هو اميل سيوران، كاتب روماني جاء إلى باريس في الثلاثينيات ليقول في الإنسانية ما قاله مالك في الخمر. أعجبت بأفكار الكاتب/الفيلسوف المختصرة في المقال وعملت كل ما في وسعي للإطلاع على مؤلفاته، ولكنني لم أفلح سوى في العثور على نسخة من مساوئ أن يكون الإنسان قد ولد . تلذذت بقراءتها أيما تلذذ. وكثيرا ما كنت أفاجئ الأصدقاء بشذرة من شذرات سيوران في مجالس السمر ونضحك كالمجانين مُحرفين عنوان سيوران إلى "مساوئ أن يولد الإنسان في العالم العربي." مع إقامتي بفرنسا في منتصف التسعينيات تجدّد اللقاء مع الروماني المجنون،كان في الموعد مرة أخرى ليملأ أيام غربتي شعرا وفلسفة وعدمية وجنونا. قرأته ذهابا وإيابا كما يقال، وكنت أطلع على كل ما يكتب عنه هنا وهناك، وسرعان ما تحول الأمر إلى اهتمام أكاديمي خاطف، فقدمت بحثا حول مفهومه للتفردن في جامعة غير باريسية في زمن لم تكن تعترف فيه الفلسفة الرسمية الفرنسية بسيوران.. فتعجب بعض القوم الفرنسيين واغتاظ آخرون أثناء المناقشة من هذا العربي الذي جاء ليقول عن ذاك البلقاني المجهول أنه الفيلسوف الحقيقي الوحيد منذ ديوجان، ضاربا عرض الحائط بفلاسفة فرنسا الكبار !
دون السقوط في فرويدية بائسة يمكن القول أن تآلفنا مع كاتب ما يعود دائما إلى كونه يعبر عن شيء دفين في كياننا، يستخرجه ، بل يستله من أعماقنا اللاوعية ويضعنا أمام تناقضنا الوجودي. بكلمات أخرى لا نسعد سوى بقراءة من يعبر عما يختلج في دواخلنا. الكاتب الحقيقي هو ذاك الذي يكشفنا لأنفسنا، هو الذي يُطلعنا على أخبارنا. ربما لم يفعل سيوران سوى تعزيز فكرة متأصلة في كياني وإدخال نوع من الغبطة الفلسفية الأدبية على روحي . *حميد زناز، المعنى والغضب، مدخل إلى فلسفة سيوران، الدار العربية للعلوم (بيروت)و منشورات الاختلاف (الجزائر)2009