محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1750 - 2006 / 11 / 30 - 07:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لن نناقش أزمة الحجاب المفتعلة التي أشعلها دون قصد وزير الثقافة المصري الجالس علي كرسي الوزارة منذ مايقرب أو يزيد علي تسعة عشر عاماً أو أقل أو يزيد مثله في ذلك مثل وزير الزراعة المصري يوسف والي , وكمال الشاذلي وصفوت الشريف وباقي أعضاء حكومة الحزب الحاكم في مصر وعلي رأسهم مبارك الأب الذي يركب قطار الحكم البطيء منذ مايزيد علي ربع قرن من الزمان والذي عاهد الشعب المصري علي أنه لن يترك كرسي الحكم طوال حياته ومادام يتنفس شهيق هواء مصر وينفث زفيره ليتنفسه الشعب المصري ذلك الزفير المبارك الذي هو فيه حياة المصريين !!
تم صب جام الغضب علي وزير الثقافة المصري لمجرد أنه أبدي رأيا ً مخالفاً في الدين من ناحية التصور أو التأويل أو التفسير الذي يحق لأي إنسان ان يدلي برأيه في أي مسألة من المسائل الدينية أو الدنيوية مادام أن هناك من إجتهد وأبدي برأيه في المسألة الدينية أو الدنيوية ومادامت هناك عقول فمن حقها أن تبدي رأيها أو تستفسر او تناقش أو تناهض فكرة من الأفكار أو رأي من الأراء حتي لو كان الأمر في صميم الدين وهو العقيدة وسواء كان ذلك من ناحية الإيمان والكفر بالدين ذاته وذلك لأن الإجبار علي عقيدة معينة أمر منافي لتعاليم الدين بل ويرفضه الدين ويمجه لأن المفترض أن أساس التكليف في الدين يقوم علي العقل والحرية فلا تكاليف تقع علي عاتق عديم العقل أو مختله أو السفيه أو المعتوه , ولا تكاليف تقع علي عاتق العبيد والإماء , أليس هذا هو ما ينادي به الدين ؟!!
والأزمة المفتعلة التي قادها الإخوان المسلمين ضد وزير الثقافة المصري أظهرت مدي كفران الإخوان المسلمين بالديمقراطية التي إدعوها منذ أن أصدر المرشد العام للإخوان المسلمين ماسمي بالمبادرة والتي أقر فيها بأن الإخوان المسلمين يؤمنوا بالديمقراطية وتبادل السلطة وأن الأمة أو الشعب مصدر السلطات , والذي ظهر من أزمة الحجاب المفتعله هذه ما قرربه مرشد الإخوان المسلمين بأن ما صدر من أعضاء مجلس الشعب من نواب الإخوان المسلمين ليس علي علم به وأن مكتب الإرشاد ليس له صلة بهذا الأمر وذلك في أحد اللقاءات التليفزيونية عبر التليفون في برنامج العاشرة مساءاً .
وهذا الكلام لايمكن أن يتم تصديقه وهذا إن لم يكن ظاهراً للعيان من عدد الإستجوابات وطلبات الإحاطة التي تم التقدم بها ضد وزير الثقافة المصري بمجلس الشعب المصري بالتضامن مع بعض نواب الحزب الوطني الحاكم في مصر , ولكن ماينفي تصريح المرشد العام للإخوان المسلمين ماقرر به القيادي الإخواني البارز عبد المنعم أبو الفتوح والذي قرر فيما نشرته صحيفة صوت الأمة القاهرية العدد 312 وذلك بالحرف الواحد : خلاص .. إعتبرنا كلام وزير الثقافة عن إحترامه للمحجبات وإستعداده للموت من أجل الإسلام , إعتذاراً وتراجعاً منه .. وهذا يكفي ولن نصعد ضده !!
وهذا الكلام يمثل نفي تام لما أثبته أو حاول أن يثبته المرشد العام للإخوان المسلمين في البرنامج التليفزيوني العاشرة مساءاً !!
ولكن الخطورة في هذا الكلام الذي جري علي لسان القيادي الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح في الجملة الأخيرة وهي : ولن نصعد ضده !!
أي أن وزير الثقافة المصري كانت هناك حملة منظمة ضده من جماعة الإخوان المسلمين , وحينما إستتابه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتراجع عن رأيه فإنهم يتوجب عليهم وقف الحملة المنظمة ضده بسبب ترعيبه وتخويفه وإرهابه لمجرد أنه أبدي رأيه في مسألة من المسائل الخلافية في الدين والتي جاء بها نص ديني ظني الدلالة في التأويل والتفسير وتشدد البعض في التفسير والتأويل لدرجة أن المسألة لاتختص بحجاب فقط وإنما هناك خمار ونقاب وهذه مسائل خلافية إيضاً !!
فأين الإيمان بالديمقراطية التي تقوم علي حرية الفكر والعقيدة والثقافة ؟!!
وأين الإيمان بفقه الإختلاف المبني علي إحترام المخالف في الرأي والتفسير والتأويل والتصور ؟!!
أين القاعدة المبنية علي أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب هل هذه القاعدة ماتت ؟!!
أين قاعدة المنار الذهبية التي أسس لها الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وحسن البنا : فلنعمل علي ما إ تفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه ؟!!
أين أدب الإختلاف في الإسلام والفقه والفكر والتفسير والتأويل والعقيدة والرؤية والتصور ؟!!
أعتقد أن ما حدث مع وزير الثقافة المصري الذي أعارضه في السياسة وأعارض حكومته وحزبه الذي ينتمي إليه , هو نوع من أنواع الإرهاب الديني علي غرار إرهاب نصر حامد أبو زيد , ونجيب محفوظ , وفرج فودة , وحيدر حيدر , ومكرم محمد أحمد , ومحاولات القتل والإغتيال الدموي التي تعمدت إنهاء حياة العديد من المفكرين والمثقفين والأدباء والكتاب لمجرد الإختلاف في الرأي في مسائل لم يتم حسمها منذ عصر الإسلام الأول وحتي الأن مما يهدد الحياة الثقافية والفكرية والإجتماعية بل وتجعل الدين يدخل في الشرنقة بفعل إستبداد أصحاب الفكر الديني وأدعياء الحفاظ علي النص الديني وهذه هي قمة الخطورة !!
ومكمن الخطورة فيما صرح به محسن راضي أحد قيادي الإخوان المسلمين بمحافظة القليوبية وعضو مجلس الشعب عن دائرة بنها قليوبية ونشرته صحيفة المصري اليوم حينما أرسل خطاباً إلي الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية يسأله عن رأي الدين في من ينكر معلوماً من الدين بالضرورة ومن يقول أن الحجاب تخلف وعودة للوراء ؟
خصوصاً إذا كان هذا التصريح من وزير , وهل هذا التصريح يدخل تحت باب الرأي الحر ؟
وهذا هو السؤال في صيغة طلب الفتوي من مفتي الديار المصرية .
ولكن الأزمة والمشكلة تكمن في أن القيادي الإخواني البارز محسن راضي , في أنه عضو مجلس الشعب , ذلك المجلس الذي يمثل السلطة التشريعية التي من وظيفتها الأساسية هي سن القوانين والتشريعات والنظم والقوانين واللوائح وهذا المجلس يفترض أنه يمثل سلطة من أخطر السلطات وهي السلطة التشريعية , فكيف يلجأ من هو في السلطة التشريعية إلي المفتي ليبدي له رأياً أو يظهر له حكماً في الدين ؟!!
إن هذا الفعل يمثل إختزالاً للسلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية في شخص المفتي الذي مازال يمثل في أذهان الإخوان المسلمين رجل الدين الذي ستكون الحكومة الدينية معطيةً له المرجعية الدينية ولا يمكن بأي حال من الأحوال الأخذ بما يسمي مبدأ : الأمة أو الشعب مصدر السلطات , أو مبدأ تداول الحكم والسلطة , أو حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب , أو مبدأ الديمقراطية بوجه عام لأن الديمقراطية في هذه الحالة من ورائها رجل الدين الذي يحكم ويهيمن ويسيطر ويكون هو في النهاية الذي يحكم بالحق الإلهي المطلق لأنه ظل لله في أرض الله وتطل الحكومة الدينية برأسها من شباك قصر حكومة الإخوان المسلمين التي ستحكم بهذا الحق الإلهي المطلق وبإسم الله وبإسم الرسول ولايمكن لأي كائن من كان قدره ومقداره أن يعارض لأن المعارضة هنا ستكون لله وللرسول في شخص المرشد العام للإخوان المسلمين , ومن يعارض سيكون منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة , وتتم إستتابته , فإن رفض يقام عليه الحد !!
فهل الإخوان المسلمين علي خلفية أزمة الحجاب مؤمنين بالديمقراطية أم بالدولة الدينية ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟