أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 10















المزيد.....

سيولُ ربيع الشمال: 10


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7625 - 2023 / 5 / 28 - 18:52
المحور: الادب والفن
    


في أثناء الساعتين، اللتين قضاهما دارين في المخيّم، شعرَ كما لو أنه تحوّل إلى كائنٍ بدائيّ. أيقنَ عندئذٍ، أنّ الفرقَ بين هذا الأخير والإنسان المتمدّن، لا يعدو عن النظافة. ولأنه متمدّنٌ، رفضَ أن يبيتَ ليلته في العربة المشدودة بالسيارة: " خم دجاج لا أكثر ولا أقل! "، كررَ كلمته. علّقت ماهو عندئذٍ قائلة، وكأنما شعرت بالإهانة: " أنتَ حالما تحصل على مرادك مني، تنقلب إلى شخصٍ فظ لا يُحتمل ". مع ذلك، رضيت أن ترافقه إلى الكُريدور طالما أنّ سقفَ حجرته لا يُصدر دبيباً عُلوياً، شاهنشاهياً. لكن في خلال الطريق، الممتد على طول النهر مجدداً، سمعت قرعَ أجراس كنيسة. سألته عندئذٍ عن مصدر الصوت، لكنه كان شاردَ الذهن ولم ينصت لشيء. قالت له مغتاظة: " إنك مقتنعٌ أنني معتوهة، أسمعُ أشياءَ غير حقيقية "
" مهما يكن، فإنني أعلمُ يقيناً أنّ أجراسَ الكنائس لا تُقرع في ساعةٍ متأخرة كهذه "، قالها ثم استدرك: " أما أنكِ معتوهة، فإنني تأكّدت منه حينَ سلّمتِ حجرتك "
" ألن تكفّ عن تقريعي من أجل هذا الموضوع؟ "، قاطعته بنبرة غاضبة. انتبه إذاك، أنه بالفعل أعطى الموضوع أكبر من حجمه. لكنه، من ناحية أخرى، كانَ يخشى أن ينتهي موسمُ المخيم في نهاية الصيف، ويكون مضطراً لإيوائها في حجرته. لم يكن مستعداً للتنازل عن حريته لأيّ كان، ولو بمقابل الحرمان من الجنس. ما لم يكن يتوقعه عندئذٍ، أن ماهو لن تنتظرَ انتهاء موسم المخيم، وستضعه أمام ذلك الخيار في صباح اليوم التالي مباشرةً.
حلّ الصباحُ إذاً، ولاحَ من ثم أنّ علاقته مع ماهو وصلت إلى طريقٍ مسدود. عقبَ الفطور، قالت أنها تودّ الذهاب إلى المخيّم كي تجلبَ حقيبتها. قالت ذلك في شيء من " المَسْكنة "، الغريبة عن طبعها المتّسم بالأنفة. ربما لهذا السبب، كانت ردة فعله تعوزها اللياقة: " لا مانعَ عندي أن أستضيفكِ لبضعة أيام، لا أكثر "
" تستضيفني؟ "، تساءلت ساخرةً مع ضحكة مقتضبة. ذكّرها عند ذلك، بأنها هيَ مَن تتحمل مسئولية الفوضى، التي تتخبط بها حياتها الآنَ. ردّت بالقول دونَ أن تنظر إليه، فيما كانت تنهضُ: " ليست الفوضى، بل إنه سوءُ الحظ مَن أوجدك في حياتي ". انتعلت بسرعة حذاءها، ولما أضحت عند عتبة الباب بدا أنها تذكّرت شيئاً. أخرجت عندئذٍ من حقيبتها الصغيرة مفتاحَ حجرته، ووضعته على رفّ المكتبة، القائمة بالقرب من الردهة. ثمة كانت تستندُ على الكتب، لوحةٌ زيتية صغيرة لزهير حسّيب، تمثّل إمرأة قروية كردية. بقيت ماهو لثوانٍ تتأملها، كأنما تبثّها ما تشعرُ به من ألم وسأم وأسى ويأس. حتى لحظة إغلاقها البابَ وراءها، كان دارين يتوقّع أن تخرجَ فجأة عن طورها؛ هيَ من أوحى كلامها، أنها خرجت مطرودة من حياته. من جديد، وبالرغم من شجن الموقف المنقضي، تنفّسَ الصعداء.
بعدَ خروجها بنحو ساعة، سمعَ طرقاً على باب الحجرة. استبعدَ أن تكون ماهو: " إنها طرقاتُ رجلٍ لجوج ". لقد كان نورو، الذي دخلَ تلفّه عاصفة من النوازل والكوارث والمصائب. دارين، المُصاب ببعض الكمد والاحباط بفعل الموقف المعلوم، فرحَ بالزيارة غير المرتقبة. فالضيف نادراً ما ظهرَ في الكُريدور، وكان ينعته بوصفٍ شبيه لما استحقه مخيّم العربات المشدودة بالسيارات. والأكثر ندرة، أن يلتقيا نهاراً. جلسَ نورو على الكرسيّ الوحيد، المُظهّر قماشه باللون الأبيض، الشائع تقريباً في موجودات الحجرة على قلّتها. سأله دارين، مبتسماً: " لِمَ أنتَ بهذه الحالة الخرائية، هل وصلك رفضٌ؟ ". المفردة الأخيرة، كانت شائعة جداً بين طالبي حقّ اللجوء. كانت مفردة منحوسة. هزّ الضيفُ رأسه سلباً، فيما كانَ يُخرج سيجارة لف. أطلقَ سحبة كثيفة من الدخان باتجاه السقف: " يا سيدي، من المُمكن للمرء أن يتحمّل القملَ والبق والبراغيث؛ لكن يستحيل عليه تحمّل الخسيس "، قالها وهوَ يحرك رأسه يمنة وشمالاً. ثم أضافَ، غبّ سحبة أخرى من السيجارة: " أنتَ تعرف عمن أتكلم؟ حسنٌ. إنه لا يُطْعَم سوى بالبيض، وأنا كما تعلم آكل لحوم! أخجل والله، أن أطلبَ تقسيم الثلاجة بيني وبينه، كما الحال عندكم هنا في هذا المسكن الحقير. أنا لا أهتم بالنفقات، بل أن أحصل على ما يرضيني. الأوراق المالية بالنسبة إليّ، هيَ قذارة لا أني عن التخلّص منها بأيّ سبيل. لو كانَ هوَ الفقيرُ وأنا الغني، لغضضتُ الطرفَ عن بخله وتقتيره. لكنه يكنزُ مالاً جمّاً من عمله الأسوَد، ولا ينفقُ منه شيئاً تقريباً. يدّعي أنه نباتي؛ فهل البيض يُزرع مع البصل؟ يزعمُ أنه منذ صغره يكره اللحمَ والسمك والدجاج، ويروي طرفاً عن إجباره في الجيش على أكلها. لكن لا مانع عنده أن يزدردها بتمهل ولذة، لو أنني مَن اشتراها أو صديقته أتت بها. يا سيدي، البخل هوَ أحد الأمراض النفسية. بودّي لو أنصحه بمراجعة نفس العيادة، التي تذهب إليها صديقتك "
" اطمئن، لم تعُد لي صديقة بعد اليوم "، قاطعه دارين مع ضحكة فاترة من مكانه على طرف السرير. التفتَ إليه نورو، فتأمله لحظة قبل أن يتساءل: " ماذا جرى؟ هل تشاجرتما؟ ". عند ذلك، راحَ دارين يقصّ تفاصيلَ الواقعة الصباحية. علّقَ الضيفُ بالقول: " تبدو سعيداً بالخلاص منها، مع أنك ستضطر منذ اليوم لمطاردة النساء في المراقص والبارات ". ثم أضافَ مع ضحكة مقتضبة: " وددتُ لو أنك تشاركني السكنى بالشقة، بدلاً عن ذلك الخسيس. لكنّ المشكلة، أنك غير مُحتمل بسبب أطوارك الغريبة. إنكم جميعاً على هذه السجيّة، معشر الفنانين والكتّاب، لذلك لا تطيق العيشَ معكم حتى فتاة مثل ماهو "
" صاحبك أيضاً من نفس المعشر، لكنّ فتاته البدينة سعيدة معه على ما يبدو؟ "
" إنه منذ تعرّفه عليها، كفّ عن كتابة الأشعار السويدية "
" ماذا، هل ذهبَ النكاحُ بقريحته؟ "
" أعتقدُ أنّ المال، هوَ القريحة الوحيدة التي يمتلكها. ويوفرُ الآنَ المزيدَ منه، ما دامت الفتاة تجلبُ له المؤنَ "، قال ذلك ثم ألقى نظرة على ساعة يده. أردفَ وهوَ يقفُ: " غداً الخميس، والديسكو يمتلئ بالقحاب. بكّر بالمجيء إليّ كي نتناول كأسين "
" أجلس قليلاً، لأضيّفك قدح شاي "
" وداعاً، أيها الشامي! "، حيّاهُ مُقرقراً ضحكته. غادرَ الغرفة، مخلّفاً فيها رائحة كثيفة؛ هيَ مزيجٌ من العرَق والعطر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيولُ ربيع الشمال: 9
- سيولُ ربيع الشمال: 8
- سيولُ ربيع الشمال: 7
- سيولُ ربيع الشمال: 6
- سيولُ ربيع الشمال: 5
- سيولُ ربيع الشمال: 4
- سيولُ ربيع الشمال: 3
- سيولُ ربيع الشمال: 2
- سيولُ ربيع الشمال: 1
- سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
- الصديقُ الوحيد
- سلو فقير
- رفيقة سفر
- أسطورةُ التوأم
- قفلُ العفّة
- فَيْضُ الصوفيّة
- المسيحُ السادس
- تحدّي صلاح الدين
- لقاءٌ قبلَ الغسَق
- اليهودي الأبدي


المزيد.....




- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 10