أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - مذكرة الشيوعي السوداني حجر في بركة العمل المعارض الساكنة















المزيد.....

مذكرة الشيوعي السوداني حجر في بركة العمل المعارض الساكنة


تيسير حسن ادريس

الحوار المتمدن-العدد: 5758 - 2018 / 1 / 15 - 13:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المبتدأ :
(لأنْ تضـيء شمعـةً خيـر مـن أن تلعـن الظـلام)"حكمة صينية"
والخبر :
(1)
ليس من عاقل يجهل أنّ القضيّة الاقتصادية هي أم القضايا ومحكّ امتحان كل سلطة، فهي تتصدَّر اهتمام العامة وأحد أهم أسباب نسف استقرار نظم الحكم، فمهما بلغ السِّجال حول السياسة أو أي أمر آخر يتّصل بإدارة الشأن العام، تتقدّم لوحة المطالب والإصلاحات على ما عداها في بلورة المواقف واتجاهات الرأي العام، وتتحكّم، إلى حدّ كبير، في منح الشرعية وتجديدها أو سلخها عن السلطة الحاكمة. وقد أفرز تاريخ المجتمعات الإنسانية الحديثة جملة من أدوات التعبير والانتظام، اعتنت جميعها بقضية معاش الناس وكسب مزيدٍ من المكتسبات، حسب موقعها ونسبها الفكري ومناهجها وقراءتها للواقع، من منطلق أن الواقع الماثل يرسم سبل التعاطي مع معضلاته؛ وفي خضم هذه السيرورة التاريخية ظهر الحزب الشيوعي السوداني من رحم عذابات الطبقات الكادحة، وصار لصيقا بيومياتها واحتياجاتِهِا، وحريصا ومدافعا على مصالحها، وقد ناضل منذ بواكير عهد عطائه من أجل تأسيس حركة نقابية حرة ومستقلة، حتى قامت واستوت على عودها، واستطاعت عبر نضال طويل وشاق أن تنال مع مرور الوقت المزيد من الحقوق والمكاسب، وتتصدى دوما لنظم الفساد والاستبداد.
(2)
تعدُّ أساليب النضال السياسي انعكاسًا غير مباشر لثقافة البلد وقيمه، ورغم وجود مشتركات كثيرة بين الشعوب فيما يتعلق بأساليب النضال عامة، فأنها تختلف في طريقة أداءها بحسب موروثها الثقافي، وهنا في السودان قد كان للحزب الشيوعي السوداني القدح المعلى في ابتداع أشكال مختلفة من النضال السلمي تنوعت واكتسبت فاعليتها بالممارسة العملية خلال معارك شعبنا النضالية العديدة التي خاضها ضد المستعمر، ومن بعد ضد النظم الوطنية الدكتاتورية التي حكمت، ويمكن القول أن أشكال النضال السلمي التي مارستها معظم القوى السياسية السودانية إنما اقتبستها أو استلهمتها منه, وتعدُّ هذه الأساليب من أهم نجاحات الشيوعيين السودانيين، والتي تجلت فيها قدرتهم على إيصال الأفكار المعقدة إلى الناس البسطاء عن طريق الاستحضار والفهم الخلاق للبيئة الاجتماعية، والقدرة على ترجمة الفكرة بمفردات مفهومة وبسيطة، وقد كان لهذا أثرُهُ في إنتاج خطاب سياسي مفهوم للعامة، وغير مبتذل أو متهافت أثر بشكل مباشر على قدرة الشعب السوداني على استنباط طرق للنضال السلمي من البيئة الاجتماعية بعد تكييفها لتخدم قضاياه النضالية، وقد نجح الحزب الشيوعي دائما في تطوير وتطويع بعض الأفكار وحتى (المستوردة) منها؛ لتلاءم الواقع المحلي، وهو ما أثرى أشكال وأساليب النضال الجماهيري، ومد الحزب الشيوعي بالقدرة على البقاء في ظل ظروف العمل السري القاسية التي أجبر عليها في فترات عديدة طوال سنوات نضاله.
(3)
المرونة التنظيمية والفكر المتسامي فوق النعرات القبلية والعنصرية ورواسب المناطقية والعشائرية مكَّن الحزب الشيوعي من ضمِّ عناصرَ بسيطةٍ اجتماعيا وثقافيا، وعدم تقييد إمكانية ترقيهم وتدرجهم التنظيمي في الحزب، الشيء الذي سمح لتلك العناصر المتنوعة من أن تقدم أداءً فكريا وتنظيميا وسياسيا عبقريا، ترجمة من خلاله الأفكار المعقدة إلى مفردات شعبية بسيطة، وفي ظل نشاط سياسي واسع للحزب الشيوعي، وحضور مقدر وقادر على التعبير عن الواقع أنتج الشارع السوداني أشكالا وأساليب عديدة من النضال السياسي السلمي أربكت أجهزة السلطات الدكتاتورية المتعاقبة، وعززت صلة الحزب الشيوعي بالجماهير وأعطته مرونة الحركة رغم سياسات منع العمل الحزبي والقمع, وتعددت أساليب النضال السياسي الشيوعي لتفادي منع العمل والنشاط العلني.
(4)
واليوم في ظل الأزمة الوطنية الضاربة، والتي تكاد تذهب بريح الوطن، وتذري بما تبقى من كيانه، فإن أي محاولة لإعادة إنتاج أشكال فعالة من النضال السلمي، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وتدعم من قبل الجماهير؛ فالمسألة الوطنية لم تعد تحتمل مزيدًا من المناورات أو التلكؤ، كما أن ابتداع وسائل وأساليب نضال سلمي في ظل نظام عقائدي باطش ينتهج العنف لحل كافة الأزمات، تبدو أعقد لارتباطها الوثيق بحالة المجتمع السوداني في هذه المرحلة العصيبة، التي تراجع فيها الوعي، وفقد فيها المجتمع السوداني العديد من مقوماته الأساسية، مثل: الطبقة الوسطى التي تمت تصفيتها على يد السلطة بإدراك وتعمد غير رحيم, بعد أن ظلت في الماضي تسهم بفاعلية في تقديم حركة سياسية حية وواسعة، وحركة فنية رائدة؛ بل قدمت الطبقة الوسطى السودانية أيام قوتها وازدهارها أداء يليق بمتطلبات الدولة الحديثة.
(5)
إن النكوص عن استخدام أي وسيلة نضالية، واغتنام أي فرصة تتيحها مساحة الحريات الضئيلة؛ لتضيق الخناق على سلطة الاستبداد، وكشف زيف دعاويها، هو تقصير مريع، كما أن اقتصار العمل المعارض على ردود الأفعال فقط فشلٌ صريحٌ للقوى السياسة، يوضح مقدار العطب الذي أصاب القوى الحية، ويكشف مقدار التغير السلبي الذي حدث في المجتمع السوداني عامة، وافقده سمة الثورية، والقدرة على التعاضد والتآزر، والرفض الجماعي للذل والظلم، وتلك سمات إيجابية طالما ميزته عن غيره من شعوب المنطقة، وانعكست بصور متعددة في مجالات نشاطه العام كافة، ومنها أشكال النضال السلمي التي سهلت في الماضي أمر التصدي للاستبداد، وهزيمة الدكتاتوريات المتتالية التي حكمت البلاد.
(6)
تقديم المذكرات الرافضة للإجراءات السلطوية الفاسدة واحدةٌ من أشكال النضال السلمي التي طمرت، في مجتمعاتنا تحت ركام عنف السلطة الحاكمة، وردود أفعالها المتشنجة، وقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذه الوسيلة النضالية المتحضرة، وفي هذا السياق تأتي مبادرة الحزب الشيوعي كإضاءة مشرقة، وتذكيرٍ داويٍ بإمكانيات الشعب السوداني القادر دوما على خلق سُبُل وأساليب نضال مختلفة، وهو يخوض معركته ضد الاستبداد، ومن أجل استعادة الحرية والديمقراطية، ففي تقديم المذكرة الرافضة لميزانية ولاية الخرطوم عبر مسيرة سلمية، إحراجٌ للسلطة، وإخراجٌ للنضال من أساليب العنف الكلاسيكيّة، التي يمكن أن تفقد قضايا الشعب عدالتها وشرعيّتها، وتقود المجتمع للدخول في دوّامات من العنف المتبادل، الذي يساوي في نهاية الأمر بين الجلاد والضحيّة؛ وبغض النظر عن نتائج تقديم مثل هذه المذكرات الرافضة، أو مدى الاستجابة، فإن لها تأثيرات إيجابية عديدة أخرى، فهي تراكم الخبرة النضالية، وينتج عن هذا التراكم اكتساب الجماهير للثقة بالنفس وبقياداتها في ما يتعلّق بمواجهة تهديدات النظام الحاكم، وتحدّي قدرته على فرض أساليب الاضطهاد والاستبداد.
(7)
مذكرة الشيوعي هي إلقاء حجر في بركة العمل المعارض الساكنة، وتطور مهم في طريق معالجة القصور السياسي للنخب الحالية، التي يجب أن تمضي نحو تقديم المزيد من مبادرات الضغط، وابتداع وسائل نضالية جديدة، وبشكل موازي أيضا يجب أن تمضي نحو تنشيط تحالفاتها المرحلية، والقيام بفعاليات سلمية بمستويات مختلفة، انطلاقا من مبادرة الشيوعي، ومن الحكمة التقاط هذه السانحة والبناء عليها لتغيير نمط ورتم العمل المعارض السلحفائي، والتوجه به نحو آفاق أكثر انضباطا وفاعلية وايجابية، وهو أمر لا شك يحتاج لمعالجات وتطورات خارج قدرة وإرادة أي قوة سياسية منفردة؛ لذا فهو يستوجب اتفاق مكونات المعارضة جميعها حول برنامج عمل، يبدأ من فهم أوجه القصورالسياسي والتنظيمي الذي شاب التجارب الماضية، وهو قصور بالضرورة يستدعي تغييرًا في عقلية ومنهج النخب السياسية، كما يقتضي من القيادات الحالية الإقرار بضرورة الدفع بدماء جديدة تنتمي للواقع الراهن وتفهمه، ولها تصور كافٍ عن كيفية التعامل معه، وليست مثقلة بأعباء إرث الماضي، وقيد انتماءاته الضيقة الأفق.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.



#تيسير_حسن_ادريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فبأي آلاِءِ حبي لا تقر
- انتخابات نقابة المحامين واضطراب الاستحواذ الإخواني
- الاِستِعلاء الأَخْرَقُ ثقافة المَعْلُولِ
- التأطير النظري النخبوي وكوابح الثورة السودانية
- دعاء الرجوع
- مُتلحِّفٌ بِالشّوْقِ يَسْعَى
- خطوات تصعيد من عبث الحوار إلى الانفجار 1/2
- خطوات تصعيد من عبث الحوار إلى الانفجار 2/2
- أَبِي
- ما بين دعاوى اغتيال الشخصية ومحاولات نحر الحزب الشيوعي
- مِنْ مَزَامِيرِ رَاشِدٍ في زَمَنِ الْذبوَلَ
- عِنْدَ تَوَهُّجِ الإطْلالِ!!
- للرَّمْلِ مِزْمَارًا وَحِيدًا
- الحلم والواقع في حوار الهبوط الناعم !!
- ماذا بعد انهيار مفاوضات السلام السودانية في أديس أبابا؟؟
- ثم ماذا بعد مؤتمر الرفاق السادس؟.
- على اعتاب المؤتمر السادس ليكن ماركسيا وطبقيا على محجة حمراء
- قبل جنوح الفلك
- على أعتاب المؤتمر السادس النرجسية واختلال جدلية الذاتي والمو ...
- في حضور القُرُنْفُلُ تَتَوَحَّدُ الازْهَارُ


المزيد.....




- للمرة الأولى في فرنسا... محاكمة غيابية لمسؤولين بالنظام السو ...
- الشركة المنتجة لمروحية الرئيس الإيراني المنكوبة تصدر بيانا ...
- ماذا لو أصدرت الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قيادات إسرا ...
- تمر بأربع مدن.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه تبدأ ال ...
- برلين وواشنطن تنتقدان خطوة -الجنائية الدولية- ضد نتانياهو
- وزيرة الخارجية الألمانية تصل كييف في زيارة مفاجئة
- ألمانيا تدعو لتشكيل تحالف لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي سيبدأ في يونيو مفاوضات رسمية حو ...
- الجنائية الدولية -تسجن- نتنياهو في إسرائيل
- تحذير من الإفراط في تناول الشاي الأسود


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - مذكرة الشيوعي السوداني حجر في بركة العمل المعارض الساكنة