أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - ثقافة المقابر..!!














المزيد.....

ثقافة المقابر..!!


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1375 - 2005 / 11 / 11 - 10:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


أيامنا ترخّ أعيادا بهيجة، وتاريخنا يمتلئ بأحداث سارة، حلول أيام يفلت فيها المفطر من كل صوم، ثبوت عقم مسئول كبير أسرف الأعداء فى التعريض بقدراته، زواج بنت رجل عظيم هرب منها كثير من طالبى الستر، إحالة مسئول صغير إلى التقاعد تشدق بالأمانة فى أحاديث إذاعية، فك حبس بعض الصحفيين تداولوا فكرة اعتزال الكتابة، سجن أربعة تجار مخدرات لا يمارسون التدخين، طلاق ثلاث فنانات أفسد جمالهن رهطا من الرجال، نجاح مطرب متواضع فى إدارة مزرعة للدّجاج، ومع كل عيد نذهب للمقابر.
لأن وقائع تاريخنا رصدت أن كثيرا من ولاة أمورنا، يقطعون الرزق ويجلبون الشقاء، لذلك تحوّلت أعيادنا إلى احتفاليات نقيمها عند المقابر، نسترضى الأموات ليمدوا أياديهم بالخلاص لنا من كل شر ويأخذوا عنا ناصية كل أمر، هكذا اختلطت فى عقولنا أضغاث أحلام مريضة مع مفردات واقع حى، لا نفرّق بين بركات كاذبة تصيبنا من أدعية نشتريها بلقيمات خبز وقطع لحم، وبين بركات صادقة تحلّ علينا من تعب نصيبه فى طرق أبواب الحضارة.
فى احتفاليات أعيادنا نتماوج بين الأزقّة والشوارع والميادين، نتلقى التّهانى وننطلق فى جماعات نحو المقابر، ننشر جلساتنا حول أجداث موتانا، نلطّع أجسادنا على الجدران والمصاطب والأبواب والشّبابيك، ننشر أهازيجا ونوزّع على الأهل والزائرين نقوداً وخبزاً ولحوماً وبعض الدّموع، نستعرض ما جَنته أيدينا تفاخراً وضعفاً وكبراً، ونشترى أدعيةً وزهوراً وكثيراً من النّميمة على موتى الآخرين.
احتفاليات أعيادنا عند المقابر، يشارك فيها مرضى يعاقرون حياة ليست طيبة تماما، يتجمّعون حول موتى هربوا الى حياة ليست طيّبة تماما، لا أحد من الفريقين ينتبه لمعنى الأعياد، الشّحاذون من بائعى الأدعية هم الأكثرُ انتباها، يخدعون الجميع بترجيع المحفوظ من أدعية الرحمة والسعادة، ويحاصرون بألسنتهم كرم من يطلب عمراً أطول، الشّحاذون من بائعى الزّهور هم الأكثر انتفاعا، يقتصّون الثمن من أناس مضروبة لديهم مشاعر الجمال، يبيعونهم زهوراً كالحة نافرة فقيرة تقطع من حواف الترع والمصارف والحدائق، وعند المقابر يرسُخ لدى الجميع بأن تمام احتفالنا بأى عيد، قرين بتحصيل أكبر قدر من الأدعية واللّحوم والنّقود والخبز والزّهور الذابلة، وقليل من الأمانى المستحيلة.
برغم أن احتفالاتنا بالأعياد كسور مصطنعة فى إيقاع الأسى، وزياراتنا للمقابر أمنيات شائهة بطول العمر، وبرغم جهامة إحصاءاتنا السكانية المعلنة، إلا أن حسبة الموت فى بلادنا بسيطة، فحفارى القبور يستقبلون كل يوم جثث ألف وخمسمائة ميت مصرى، يصطادهم الموتُ فى وقتهم المحتوم، نائمين على الأسرة، راكبين على الإسفلت، واقفين بجوار أنابيب البوتاجاز، أو مستعرضين سنج البلُطجية، لكن عموم الحسبة غير محزن تماما، فبرغم تأخر سن الزّواج وتساقط أسنان كثير من العوانس، وسفر الرّجال إلى بحار النفط، وضعف إحساسنا بالجمال، إلا أنه فى كل يوم يستقبل الأطبّاء والدّايات، ثلاثة آلاف خَلاص لمولود مصرى جديد، ويزداد صافى الزّحام تضخّما بألف وخمسمائة نفس جديدة كل يوم.
المزعج فى حسبة الموت، أننا نتكّدس سبعين مليونا، فى بيوت تشغل أربعة فى المائة من مساحة أرض مصر، البالغة مليون كيلومتر مربع، وينحصر معاش كل فرد منا فى استغلال خمسمائة متر مربع فقط يتنازع الوجود فيها مع مقابر الأموات، وترتفع أسعار المقابر وينتشر سوق حفارى القبور، ويبقى براح أرض مصر خاليا من البشر، صالحا ليدفن فيه ما يقارب المليون من الموتى الجدد سنويا، ليكون نصيب كل ميت مصرى قبرا تزيد مساحته على خمسة عشر ألف متر مربع، ويعيش كل حى مصرى محشورا فى ارض ضيقة.
وقبل أن ينقضى عمرنا، وتنتهى قدرتنا على أى حساب، ويدُوخ ورثتنا بين سماسرة مقابر الجمعيات والأثرياء والصدقات بحثا عن حفرة يدعون فيها جثثنا، فإننا نطرح للنقاش قضية ارتفاع تكاليف بناء مقابرنا، فاقتصادنا متهافت لا يكفى إطعام جثث أحيائنا وتجهيز رفات أمواتنا، وإنشاء مقابرنا تتحكم فيه كثيرُ من الأمراض الاجتماعية والثقافية، فلماذا لا يتدخّل رجال الدّين والأطبّاء والمهندسون لتحديد شكل بسيط وغير مكلف لمقابرنا؟0
نحن المصريين بحاجة لأن ينفك العبء النفسىّ والمادّى الذى تضربه على كواهلنا ثقافة المقابر، نحزن فلا نقاوم أسباب الحزن، نفرح فنذهب إلى مقابر الأموات، مقابر أمواتنا بيوت يسكنها حفارو قبور وتجّار مخدّرات وبعض الكتّاب والفقراء، وتوحى بأن تاريخنا مشغول بتحنيط الجثث والبكاء على رؤوس الموتى، والفشل فى التواصل الحضارى مع الأحياء.
د0 ياسر العدل



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- !! دوابنا الثقافية
- !!دكتوراه.. للبيع
- !!الرقص .. على حافة البئر
- !!ويغتالون بحر النيل.. يا كبدى
- البيات الحضارى
- !!صناعة دماغ.. ثقيلة
- !!.. للشهامة ضوء أحمر
- موت إبن الملك
- موت ابن الملك
- !!صاحب الهوى.. الديمقراطى
- !!دراساتنا العليا.. بلا وكسة
- !! .. موائد اللئام
- !!التلوث .. بالصمت والأمونيا
- !! فسادنا .. ثقافة فقر
- !!.. عملية إختيار مدير عام
- !! التسعة جنيهات.. ياخرابى
- !! .. حرب المعيز
- !! .. شحّاتين الّطرب
- مطرب .. بالصدفة!!
- !!.. ورم تلفزبونى خفبف


المزيد.....




- بماذا ينص الدستور الإيراني في حالة غياب الرئيس؟
- بوتين يتعهد لخامنئي بفعل كل ما يلزم بشأن حادث طائرة الرئيس ا ...
- بوتين يصدر تعليمات سريعة لوزارة الطوارئ الروسية حول حادث مرو ...
- ساليفان يتحدث لنتنياهو حول -احتمال التوصل إلى اتفاق تطبيع- ب ...
- مسيرة -بيرقدار أكينجي- التركية تبث مباشرة من فوق منطقة حادثة ...
- فوتشيتش يدعو إلى إجراء تحقيق في حادث مروحية الرئيس الإيراني ...
- بيسكوف: بوتين يتابع عن كثب الوضع حول حادث مروحية رئيسي
- -تسنيم-: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منط ...
- البنتاغون: لا نتوقع أن تحل القوات الروسية مكان قواتنا في الن ...
- عشرات الآلاف يحتجون ضد الرئيس المكسيكي في الساحة الرئيسية في ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - ياسر العدل - ثقافة المقابر..!!