أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ياسير بلهيبة - دليلك الى تروتسكي :4 النبي المسلح الفصل الثاني















المزيد.....

دليلك الى تروتسكي :4 النبي المسلح الفصل الثاني


ياسير بلهيبة

الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 15:22
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الفصل الثاني: بحثا عن مثل أعلى
من الصفحة 51 الى 84

وصل تروتسكي الى نيكولاييف في صيف 1896 ، بعد أن أنهى دراسته الثانوية اتخذ مسكنه الجديد لدى عائلة تأثر ابنيها بالأفكار الاشتراكية ، كان اهتمامه الدراسي ينصب حول الرياضيات مما يحول ضد التفرغ للسياسة ، إلا ان ذلك لم يمنعه من التأثر بشعارات الاشتراكيين التي كانت تناهض الظلم الاجتماعي ، ارتباطا بما تولد لديه صور الطفولة ، وخاض في نقاشاته مع رفاقه بروح لا تقبل الهزيمة لكن مع نهاية سنته الدراسية وجد نفسه مضطرا للاعتراف بالهزيمة .رغم شديد كبريائه. يقول اسحق "أن الصدفة هي التي وضعته في البدء على الطريق الثوري ".
في خضم البحث عما يثلج صدره وعقله من اسئلة حارقة ، تعرف بواسطة من كان يقطن معهم بشخص يدعى فرانز شفيكوفزكي ، وهو بستاني فقير يستأجر جنينة في ضاحية المدينة ، حيث ينظم في حجرته الاجتماعات المتعارضة للطلاب ذوي الاتجاه الراديكالي وللعمال . كان البستاني يقرأ لغات متعددة وعلى اطلاع بأدب الكتاب الكلاسيكيين الالمان والروس .سرعان ما اكتسب بستانه سمعة سيئة لدى البوليس السري "كمركز مخصص للمؤامرات الخطيرة " ، حيث راسل وزير الداخلية دورنوفو ، بوبيدونوستسيف في مارس 1895 ، يعرب فيها عن قلقه من أنشطة الاتجاهات الجديدة ، خاصة الطلاب الذين شرعوا في تنظيم محاضرات في موضوعات اجتماعية متنوعة .وسيتبع المراسلة جملة اجراءات ، كمضاعفة رسوم التسجيل خمس مرات لمنع دخول الطلبة المنحدرين من عائلات فقيرة.
التحق برونشتاين بحلقة شفيكوفزكي (في نهاية خريف عام 1896 أو في بداية شتائه) ضمن جماعة لا تلم بالنقد الماركسي الدقيق للنارودنيين ، باستثناء شابة عضوة تدعى ألكسندر سوكولوفسكايا، تنتمي الى عائلة مناضلة ، والدها ناردوني ، في حين تعتبر نفسها ماركسية ، محاولة ان تقنع البستاني ان الماركسية تقدم الاشتراكية البروليتارية كفلسفة للثورة وعلمها الحقيقي . لتتحول الحجرة الى فضاء للنقاشات الصاخبة ، وحينما التحق ابن الثامنة عشر بفضائه الجديد طلب منه على التو أن يحدد موقفه . فجعل من نفسه ناردونيا مهاجما للماركسية بملكة سخرية لادعة .
كانت معرفته بالنظريتين معا ضئيلة للغاية ، لم يقرأ الا بضعة مقالات راديكالية ، لكن كانت له قدرة امتلاك فكرة خصمه بسرعة فائقة ، وما أن انخرط في النقاش حتى كان أعنف خصوم سوكولوفسكايا التي تكبره بست سنوات ، وتتميز بتجربة سياسية ، لا تمل من شرح آرائها ، مما جعل عقل برونشتاين يلين للحجج المقنعة ، وفي نهاية السنة واحتفالات بالسنة الجديدة 1896 التأمت المجموعة في احتفال شرب فيه الجميع نخب تحرر الطبقة العاملة السريع وسقوط الطغيان القيصري ، وحين وصل دور برونشتاين نهض وامسك القدح واستدار نحو سوكولوفسكايا ثم صاح " اللعنة على كل الماركسيين وجميع من يودون أن يرسو في العلاقات الإنسانية القساوة و الجفاف" حيث غادرت سوكولوفسكايا الاحتفال وأقسمت أن لا تصافحه بعد ذلك.بالمقابل كتب تروتسكي مقالة نقدية للماركسية يطغى عليها التهجم و "الاستشهادات و السم أكثر مما هي فكر حقيقي".
شرع تروتسكي يهمل دراسته ، إلا أنه تمكن من اجتياز امتحاناته بدرجة جيد جدا ، فانتبه الوالد الى ذلك ، ليفاتح ولده في الموضوع ، حيث أعرب الوالد عن موقفه : "اسمع يا بني ، هذا لن يحصل أبدا ، ولو بعد ثلاثمائة عام " ، تحدى الولد والده وتمرد ، واستغنى عن خدماته المالية ، مؤمنا أن ليس بمقدور الحساب ان يتفوق على الثورة.
في عام 1897 انتحرت سجينة طلابية في زنزانتها ، مضرمة النار في ثيابها ، بسبب أفكارها السياسية في قلعة بطرس وبولس بمدينة بطرسبورغ ، فشعر برونشتاين وأصدقاؤه ان الوقت حان للانتقال من الكلام الى الأفعال.وجاء في كتابة زيف أحد أصدقائه القدامى وأعدائه فيما بعد :" فجأة انتحى برونشتاين جانبا ليعرض علي بأن ادخل جمعية عمالية " فقد أسس برونشتاين من خلال صلته بالعمال : اتحاد روسيا الجنوبية العمالي. حيث من المرجح ان يكون قد سماها بذلك الاسم احياء لذكرى شتشيدرين، وقد تبنى انداك اول اسم مستعار له : لفوف ..ويبدو انه مع رحيل برونشتاين من المنظمة خفض بريقها وحماستها.حيث شرع في اصدار صحيفة صغيرة تدعى ناشي ديلو(قضيتنا) ، كان يحتاج الى ساعتين تقريبا لطباعة صفحة واحدة ، يقول تروتسكي :"كنت أحيانا أبقى أسبوعا كاملا ، منحني الظهر لا أنهض إلا للذهاب الى اجتماعات الحلقة ونقاشاتها".
ذكرت زوجة تروتسكي سوكولوفسكايا بعد ثلاثين سنة من انفصالهما ، ان تروتسكي كان يظهر بمظهر الحنان والرقة ،ولكن كذلك بأن يبدو متعاليا وقاطعا ، الشيء الوحيد الثابت عنده هو اخلاصه للثورة ، ويضيف زيف صديق الجامعة:" إن الأنا (الايغو) برونشتاين كانت تسيطر على كل سلوكه..إلا أن الأنا كانت تسيطر على أناه" بل حدث انه كان يدرس مع صديقه زيف ولاحظ تخلفه عن اجتماعات الحلقة وانشغاله بالدراسة ،فكتب له تحذيرا لبقا من خلال رسم ارفقه العبارة التالية :" الايمان الذي تنقصه الأعمال هو ايمان ميت ".
ويبدو ان تروتسكي تأثر بشخصية لاسال باعتباره مؤسس اول حزب عمالي ، ويشترك معه في أصله اليهودي ، وانتمائه الى اسرة غنية ، إلا انه سرعان ما انتبه الى تلوث لاسال ببسمارك ، في هاته الفترة كان ليون مستهدفا من قبل الشرطة وبات موضع تتبع وترصد ، ليغادر سنة 1898 نيكولاييف ليلجأ الى سفيكوفزكي ، لكنهما تعرضا معا للاعتقال الى جانب أعضاء الاتحاد ، حيث سيسجن في نيكولاييف ثم خرسان عدة أشهر ، في حجرة ضيقة معزولة تعج بالحجرة وتفتقد للتهوية في فصل شتاء قارص.كان يعاني من وحدة قاهرة ، فمعظم السجناء كانوا يتعرضون للقمع و التعذيب فإما ينتحروا أو يصيبهم الجنون ، أما من سلم فيضطر الى العمل كمخبر وجاسوس،ومع تراخي قبضة الشرطة تمكنت امه من ارتشاء بعضهم بدن خمر وتسريب بعض الاطعمة و الصابون..فيما بعد سيرحل الى سجن اوديسا لاستكمال الاستجواب وسماع الشهادات وسيقضي فيه قرابة السنة و النصف بسجن انفرادي. لكن مع تمكنه من ربط الاتصال مع بعض اصدقاه سرا.ومن خلالهم سيعرف خبر تأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مدينة مينسك .
قضى تروتسكي مرحل سجنه مطالعا للكتب ، فتمكن من قراءة الثورات بخمس لغات ، وتمكن من الحصول على المجلة الأرثودوكسية المعروفة بمهاجمتها للملحدين والماسويين خاصة ، لينتهي عند كل قراءة بملاحظة ساخرة :" لا يعرفون شيئا أكيدا حول موقع الجنة الجغرافي " ، وعموما ، كان المثقف لروسي في تلك الفترة راديكاليا، يتميز بالنقد العقلاني للدين .
في 1899 حكم على برونشتاين من غير محاكمة بنفيه الى سيبيريا لمدة اربع سنوات ،هناك التقى بكبار الثوريين الأكثر خبرة، وهناك سمع لأول مرة باسم لينين وقرأ مؤلفه الجدي حول تطور الرأسمالية في روسيا الذي صدر للتو .كانت الكتب تتنقل بشكل سريع بين السجناء ومن ضمنها اطلاعه على كتاب ادوار برنشتاين المشهور "وعود لاشتراكية" الذي خلق نقاشا ضخما بين الماركسيين الارثودوكسين و التحريفيين .
كان تروتسكي خلافا للسجناء يغسل ثيابه بيديه ،رافضا ان يثقل النساء بالتقاليد البورجوازية الذكورية ، في ربيع 1900 تزوج سوكولوفسكايا في سجن موسكو ، أقام مراسيمه مرشد يهودي في احدى الزنزانات مستعيرا خاتم الزواج من أحد الحراس ، لتظل قصة الزواج من بين الاشياء الغامضة في حياته ، ففي كتاب حياتي لا يخصص عن زواجه إلا جملة يتيمة باردة :" ان العمل المشترك قد ربطنا، الواحد الى الآخر،بشكل وثيق، ولكي نتحاشى الانفصال تزوجنا" رغم معارضة والديه.
كانت اوست ـ كوت " مكانا نسيه الله" انجبا طفلتيهما ، حيث بقي الزوجان ردحا من الزمن ، هناك قرأ تروتسكي الرأسمال لكارل ماركس ، وبات مدافعا عن الاشتراكية ضد الفوضوية ، وأعاد الاتحاد العمالي ربط الاتصال به ، ليطلب منه تحرير مشورات وبيانات باسم الإتحاد كما اعتبره قائدا له وناطقا باسمه.وتمثيله في المؤتمر الحاسم الذي شهد انشقاقا بين المناشفة و البلاشفة .
سعى تروتسكي لأن يؤسس ثقافته الأدبية الخاصة ، فنشر أول بحث له في دجنبر 1900 بالمجلة الشرقية، كان عرضا سيبيريا بمناسبة وفاة نيتشه ظهر في شكل حلقات جاء فيها :" وقد بين كيف تطورت فكرة الانسان الأمثل انطلاقا من الأخلاق البورجوازية الرائجة وكيف كانت تعارضها ..فالإنسان الأمثل الأخلاقي كان يدافع مع البورجوازية الفاضلة عن العلاقة ذاتها التي دافع عنها روبيرتر (الفارس النهاب)في العصر الوسيط الذي كان شعاره " ليس النهب عار، فأفضل الناس في البلد يفعلون ذلك" وبات تحليل تروتسكي ماركسيا ،يرفض ادعاءات الفن للفن، معجب بيلنسكي ودوبر وليويوفو هرزن بدرجة أقل.ومع ذلك ـ حسب دويتشر ـ ظل أسلوبه متصنعا جدا ونظري جدا ومتحذلقا للغاية كأسلوب مراهق.
ارتفعت اصوات المحتجين من جديد ، وشدد البوليس قبضته على الجامعة ، وفي 1901 سيغتال طالب ثوري وزير التربية الوطنية بوفولييوف ،وستشهد المنافي و المعتقلات حركة ترحيلات ووافدين جدد ، انداك سيتوصل تروتسكي الى استنتاج أن الخميرة الثورية على وشك ان تتفكك ،رغم قوتها وعنفها ، لأن الحلقات السرية لم تكن تعرف كيف تستخدمها أو أن توجه عملها باحتراف ضد الحكم المطلق، فالمنظمات السرية التي كانت تتنامى كالفطر كانت تعيش منفصلة ، تستنفد طاقتها في مسائل وطموحات ذات طابع محلي، وكان ينبغي التنسيق بينها وبين قيادتها على الصعيد القومي.
في 1902 ، حمل اليه بريد سري نسخة " مالعمل " للينين ومجموعة الايسكرا، كانت زوجته تشاطره صبره وطموحه ،ولم تشك الكسندرا بأن زوجها ينتظره قدر عظيم ، بل كانت تحثه على الهرب من روسيا في تضحية قاسية بعد ان انجبت منه ابنتها الثانية ،دون يقين من امكانية اعادة لم الشمل .
في صيف نفس السنة ، كان برونشتاين مختبأ في عربة تحمل الشعر لأحد الفلاحين ، يشق طريقه هربا نحو ايركوتسك عبر حقول سيبيريا الهزازة ، وقبل رحيله من ايركوتسك ، قدم له رفاقه جواز سفر مزور ، يحمل الاسم الذي اختاره :تروتسكي وهو اسم لأحد سجانيه القدامى في سجن اوديسا.علما انه لم يشر اليه يوما وكأنه يخجل منه شيئا ما .
في طريقه توقف بسمارا في الفولغا ، حيث احتفي به ، وعاد منها مرفوقا بتقرير عن الوضع ، فوجد رسالة تعلمه بأن لينين ينتظره .كان على الريشة ان يمضي في اسرع وقت يمكن ليقدم تقريرا لهيئة أركان الايسكرا العامة بالخارج .



#ياسير_بلهيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دليلك الى تروتسكي 3:الفصل الأول : البيت و المدرسة
- دليلك الى تروتسكي 2: مقدمة المؤلف : اسحق دويتشر
- دليلك الى تروتسكي 1:تقديم الجزء الأول من ثلاثية اسحق دويتشر
- الاتجاهات الوسطية من وجهة نظر تروتسكية
- مكافئة نهاية خدمة فرق الموت بالمغرب: بالكريمات و الامتيازات
- الأسباب الحقيقية لانسحاب جماعة الشيخ من حركة 20 فبراير


المزيد.....




- -لاس فيغاس آسيا-..كيف يبدو العيش في ماكاو؟
- شاهد ضباط شرطة لوس أنجلوس يزيلون مخيمًا مؤيدًا للفلسطينيين ف ...
- -خطوة مركزية في بناء دولة الاتحاد وتحصينها-.. أنور قرقاش يشي ...
- قيادي في -حماس-: سنُهدي -النصر المبي-ن للسيسي وكل الزعماء ال ...
- ثاني توهج قوي يحدث على الشمس في يوم واحد!
- الخارجية الروسية: الغرب نسي دروس الماضي ويمضي نحو سباق التسل ...
- بوتين يوجه ببدء الاستعدادات لإجراء تدريبات على استخدام الأسل ...
- سياسي بريطاني يحذر من تصريحات كاميرون -غير المنتخب- عن حق أو ...
- هل فقدت فرنسا صوابها؟
- أردوغان يلعب ورقةَ مناهضةِ إسرائيل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ياسير بلهيبة - دليلك الى تروتسكي :4 النبي المسلح الفصل الثاني