|
السوسن يأبى الذبول
حفيظ بورحيم
الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 23:53
المحور:
الادب والفن
كانت عائشة كمثل بدر فضي في ليلة ظلماء شديدة القتامة ، فهي هادئة كالزاهد ، طيبة مثل العذراء ، محبة للعالم بأسره وإن لم تبرح قريتها بتنغير . لطالما حنّت إلى الأبوة فهي حينما تنظر من نافذة المنزل طبعاً. فتلمح طفلا مع أبيه يمران، كانت تجتاحها رغبة متأججة في أن تصير في محله ، وأن تشعر بتلك اليد الخَشنة تُداعب شعرها المسترسل فتتناولها مقبلة لتنعم برضاه، أن تشعر بخده الكثيف عندما يعانقها بفيض حنانه الأبوي، أن تشعر بهمساته وخلجاته ، وأن تسر له مكنوناتها وتخبره عن نواياها والأهم أن تُشعِره بأن هناك رجلاً قد احتل مكانه بالقوة لكن هذا الرجل لا يعرف الحَنان طريقاً إلى قلبه الميت . وهي سابحة في أحلامها ، محلقة في فضاء من اللا شعورها النفسي الساذج نادتها أمها لكي تساعدها في إعداد المائدة فانطلقت إليها مسرعة كالبرق ، حملت طبق الخبز فوضعته ثم أحضرت أنية الماء ، وعادت مع أمها التي كانت تحمل طاجين سمك لذيذ . فجلستا بعد ذلك تنتظران الخال الذي تأخر عن موعد الأكل . بعد لحظات ، دخل وأغلق الباب الخشبي من ورائه بعنف ، يبدو أن مشاكله معقدة في هذا اليوم أيضاً ... بسب وشتم الحي والميت تناولوا جميعاً ذلك الغداء البائس ، نظرت إليه الطفلة بحدة فصفعها بشراسة ، بكت الأم فكرر الصفعة لها هي أيضاً ، قال لها: لا سبب يدفعك إلى البكاء ، أ أتعب الصبح كله لكي أوفر لكما لقمة العيش ، فتقلل ابنتك من إحترامي في نهاية المطاف ؟ تباً لكماً وتباً لمحمد الذي أنجبها . في لحظاتها الحمراء كالحمم ، السوداء كالفضاء ، الغارقة في دموع طفلة بريئة كماهيتها التي صارت تحتقرها بشدة ، ألقت الأم برأسها على يده فقبلتها شاكرة ــــ جزاك الله خيراً ، لن تعيد فعلتها مرة ثانية يا أخي عبد العزيز . لم تكن القبلة كافية لكي تُهدأ من سخطه فقد عاد وألقى عليها بالوعيد والتهديد .. فيزوجها إلى رجل أكبر منها سناً ممن يعرفهم من أسياد الأراضي الشاسعة . ذهبت إلى حجرتها وتأملت ذاتها الكسيرة.. تذكرت حنو أبيها ورقته ، أخرست كل صرخاتها في حلكة الليل فصارت صامتة كفزاعة تهطل عليها كل غربان الأفكار الجنونية فتملكتها غريزة شريرة للانتقام . في الصباح، استيقظت الأم وأعدت وجبة الفطور، فلم تمض غير دقائق معدودات حتى هيأت كل شيء بمفردها، دخلت حجرة أخيها عبد العزيز والشمعة في يدها اليمنى ، ما إن رأت سكيناً حاداً مغروساً في قلبه حتى نادت بأعلى صوتها مستغيثة بالله والجيران ثم أُغمي عليها .
#حفيظ_بورحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاضمة والفراشات
-
أرق
المزيد.....
-
السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
-
موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج
...
-
المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
-
تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
-
بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
-
-الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع
...
-
الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
-
-موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
-
-جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
-
السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|