أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري















المزيد.....

تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4532 - 2014 / 8 / 3 - 13:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


خرجت سورية من السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتشكلت كدولة وطنية من فوق على يد المستعمرين الفرنسيين. أثناء الاحتلال الفرنسي لم يُتح للدولة الناشئة مواجهة ميراثها الديني أو إعاداة هيكلة موقع الدين في الجياة العامة بما يكفل المساواة بين سكان متنوعي المنابت الدينية والمذهبية. كانت السلطنة تقوم على الإسلام السني الذي تشكلت على أرضيته معظم الامبراطوريات والسلطنات في المجال الإسلامي باستثناء الامبراطورية الفاطمية وإيران الصفوية. وهذا لا يصلح أساسا لدولة وطنية حديثة، لأنه يهمش مجموعات من السكان ليست إسلامية سنية، ويربط الجميع بمعتقداتهم الموروثة، لا بنظام للحقوق والالتزامات قائم على المساواة.
على كل حال، وعت النخب السورية البلد الذي كانت تصارع من أجله أو تسهم في إدارته كبلد عربي أكثر مما هو إسلامي. وعمل مسلمون ومسيحيون معا في مواجهة سلطات الانتداب لتجريدها من سلاح حماية المسيحيين الذي كانت تتوسله للتفريق بين المحكومين. لكن شروط الاحتلال الأجنبي ذاتها كانت أقل مؤاتاة لإعادة النظر في العلاقة الموروثة بين الدين والدولة. كانت سياسة "الوحدة الوطنية" في مواجهة المحتلين تتوافق، بالأحرى، مع تجنب إثارة مشكلات اجتماعية ودينية.
والملف الذي لم يفتح قبل الاستقلال لن يفتح بعده. منهج ترحيل المشكلات إلى مستقبل غير محدد بذريعة أن الوقت غير مناسب كان، ولا يزال، ساريا في الأوساط السياسية والثقافية السورية. الهيمنة السنية الموروثة من السلطنة في مجالات التعليم الديني والأحوال الشخصية، استمرت في الدولة الحديثة، وانضاف لها حضور تفضيلي في وسائل الإعلام العامة. فكان أن حصلنا على عامّين وسيادتين، عام الدين وعام الدولة، وسيادة الدين وسيادة الدولة. سيادة الدين، والمقصود الإسلام السني، جزئية وتتمثل في ولاية عامة على غير المسيحيين في مجال التعليم الديني، وولاية عامة جزئية أيضا في مجال قوانين الأحوال الشخصية لغير المسيحيين والدروز، وهذا دون خيار في تعلم الدين أو عدم تعلمه، ودون خيار أيضا للزواج المدني وأحوال شخصية مدنية.
ولا يبدو أن في هذا الشرط ما يسوء النظام الأسدي الذي صار يسمي الاستفتاء الدوري على رئاسة حافظ الأسد "تجديد البيعة" منذ أوساط الثمانينات (بعد مذبحة حماه)، ويعلن أبدية حكمه، ويصفه بـ"الأب القائد"، ويتوقع الطاعة التامة من الرعايا، مع احتفاظه باحتكار العنف والولاية العامة على السوريين جميعا، أو بالسيادة العليا. يناسبه، بالأحرى، ضرب من تقاسمٍ للسيادة لا ينال من عموم ولايته واستئثاره بوسائل العنف، ويرفع عن كاهله أعباء تشريعية وتعليمية ليس مؤهلا للنهوض بها. هذا فوق كون الولاية الدينية دون العامة لأجهزة سنية تناسبه لابتزاز قطاعات من محكوميه من المجموعات الدينية والمذهبية الأصغر من جهة، ولامتصاص ضغوط السنيين الأكثر تشددا من جهة ثانية. بعبارة أخرى، يجد النظام أنسب له تقديم امتياز سيادي لأجهزة دينية سهلة الاستتباع، على تشارك سياسي فعلي مع أي قطاعات نشطة من محكوميه. هذا بالطبع عكس سلوك الدولة الوطنية التي هي المقر الحصري للسيادة، بما فيها التشريع العام، فيما تكون السياسة أرضا مشاعا للمجتمع كله.
ليست هذه المقدمات هي ماقادت على نحو خطي إلى التفجر الاجتماعي والديني الراهن في سورية، لكن هذا التفجر غير منقطع الصلة بوجود مشكلة بنيوية غير معالجة: تشكل سلطاني محدث للعلاقة بين الدين والدولة، يشارك بموجبه الدين في التشريع والتعليم الملزمين، لكنه مندرج ضمن هياكل حكم سلطاني جديد. وهذا يقوم على سلطة شخصية مطلقة وراثية، تطييف ركائز الحكم الأساسية أو "الدولة الباطنة"، وتمكين تفضيلي لها من الموارد العامة، وحصص تمثيلية للجماعات الدينية والذهبية في "الدولة الظاهرة".
لم نمر بانقطاع مؤسس مثلما جرى في تركيا على يد أتاتورك. عبر انقطاع سياسي (إلغاء الخلافة) وقانوني (قوانين مدنية) ورمزي (اعتماد الحرف اللاتيني في الأبجدية التركية) طوى مصطفى كمال صفحة السلطانية، وأتاح سجل تراكم جديد في تركيا.
لكن يبدو أن المشكلات التي لم نواجهها في الماضي تواجهنا اليوم، وستبقى في مواجهتنا إن لم ننجح في تأسيس جديد، لا نراه ممكنا دون قطيعة أو انفصال عن تنظيمات قديمة مورثة.
جذر المشكلة اليوم يتمثل في اندراج الثنائية القانونية والسيادية في الحكم السلطاني الذي حول سورية إلى مملكة وراثية، ينال المتغلب البيعة والطاعة فيها من الرعايا بالقوة، وبمباركة الأجهزة الدينية. هذا التطور لم يحصل فقط لأنه يناسب طاغية تورط في مذابح طائفية تتصل بالعلاقة بين الدين والدولة، ويريد الاحتفاظ بالحكم في سلالته، ولكن لأن ثنائية الدين والدولة لا تفسح مجالا لغير هذا المشروع الأسدي، أو مشروع مجموعات إسلامية، تريد سلطانية جديدة، في زمن وأوضاع مغايرة.
أو قد تطوى سورية كدولة – أمة ممكنة، لمصلحة كيانات أخرى، على ما يشير واقع الحال. نحصل على مملكة أسدية وراثية، أشد عدوانية وعنصرية حيال رعاياها من أي وقت سبق، وعلى مملكة أو خلافة سلفية سنية، لا تقل عن الأسدية وحشية وعنصرية، وربما إمارات هنا وهناك، تتحارب مع المملكة والخلافة، وفيما بينها، لكنها تتشارك جميعا في الانحطاط والبؤس.
في مواجهة هذا الواقع لم يفقد الدفاع عن الكيان السوري الموحد فرصته وأفضليته. لدينا كيان عمره سلفا نحو قرن، يشكل إطارا للترقي السياسي والأخلاقي والمادي لا يقارن بالمملكة والخلافة والإمارات. أيا تكن أوجه هشاشتها، سورية عنوان لقضية تقدمية، خلافا للقضايا الأخرى، القضية السلالة الأسدية، وقضية الخلافة، وقضية الإمارات.
ولعله يتعين التفكير في معالجة المسألة السورية على نحو شامل ومتكامل، فلا نستطيع التخلص من المملكة الطائفية الأسدية دون التخلص من خلافة داعش الطائفية، وإمارات الطوائف الأخرى، والعكس صحيح أيضا. ليست داعش حلا للمشكلة الأسدية، وليست الإمارات السلفية حلا لمشكلة داعش، وليست الأسدية حلا لأي مشكلة وطنية سورية. هذا النظام هو منبع مشكلاتنا الوطنية ومنبع العنف في البر السوري وما حوله.
ومن أجل معالجة جذرية وشاملة لمشكلاتنا، وإعادة بناء الدولة الوطنية في سورية، ربما يمكن التفكير في حركة تحرر تحرر وطني جديدة، تعمل على تحرر البلد من الاحتلال الأجنبي الحالي، الإيراني والداعشي، وطي صفحة السلطانية، هياكل وثقافة.
سورية بحاجة ملحة اليوم إلى مشروع تحرري. ونرى أن التخلص من المملكة والخلافة والإمارات، وتوحيد البلد، والجمهورية القائمة على المواطنة، هي الأسس الأولى لهذا المشروع.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاق مقابل لا أخلاق أم صراع بين أخلاقيات؟
- من البعث إلى داعش، عالم مشترك
- مملكة إسرائيل ومملكة الأسد في مواجهة عالميهما الثالثين
- عن المثقف والثورة
- بناء القضية السورية
- عن -هامش-، وعن -بلدنا الرهيب-/ حوار
- خلافة داعش: تبقى، على ألا تتمدد
- المنابع الإسلامية السنية للطائفية في سورية
- الخلافة، الخليفة، و-خلافو-
- ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق
- فراس
- -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات
- قضية مخطوفي دوما الأربعة ومواقف تشكيلات المعارضة السياسية
- سميرة الخليل
- القضية الأخلاقية ضد اختطاف سميرة ورزان ووائل وناظم
- حول تغطيات إعلامية غربية ل-ما يجري في سورية-
- من مثال الدولة إلى المقاومات الاجتماعية
- أبو عدنان فليطاني
- سورية تحت احتلالين، وهناك حاجة لحركة تحرر وطني جديدة/ حوار
- -القاعدة-... امبراطوريتنا البديلة


المزيد.....




- فيديو يظهر لحظة اشتباك مسلح بين الشرطة الأمريكية ومشتبه به.. ...
- هذا الفيديو لا يتعلق بمحاولة اغتيال مزعومة لولي العهد السعود ...
- فرار 10 آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية على خلفية الهجوم ...
- خريطة توضح آخر تحركات القوات الإسرائيلية في عملياتها بغزة
- خطوة بخطوة.. كيف ستمر مساعدات غزة عبر الرصيف العائم؟
- هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم ...
- ترامب يعد ببناء -قبة حديدية- فوق الولايات المتحدة
- إجلاء 10 آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية بسبب الهجوم الر ...
- -طائرات حربية مصرية في سماء سيناء-.. ما حقيقة الفيديو؟
- -أكثر من ثلث طلاب الجامعات البريطانية يرون هجوم حماس عملا من ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري