أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - القارئ رقم مليون














المزيد.....

القارئ رقم مليون


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4361 - 2014 / 2 / 10 - 11:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقراءتك هذا المقال، ربما تكون القارئ رقم مليون، أود أن أشكرك من أعماق قلبي، وأن أشكر موقع الحوار المتمدن؛ إذ خصص لي صفحة مستقلة بلغ زوارها اليوم مليون زائر .. ولكن ما دلالات هذا الرقم ؟ وماذا يعني لي ؟
طبعا الرقم بحد ذاته لا يُعد أمراً خارقاً؛ فقد سبقني وتفوق عليَّ كثيرٌ من الكتّاب على نفس الموقع، وهو بالتأكيد ليس هدفا .. لكنه، احتراما للقراء، وتقديرا مني لهم يعني لي قيمة كبيرة ..

في عالمنا العربي، هناك الكثير من الطاقات الإبداعية لم تُتح لها الفرصة، وظلت مواهبها حبيسة جدران التخلف والقهر .. بينما أغنية كورية لمغني مغمور - لم ألمس فيها أي نوع من الإبداع - انتشرت في ربوع الأرض بسرعة غير مسبوقة، حتى تجاوز عدد مشاهديها المليار !! ما يعني أن لغة الأرقام مضللة، وأحيانا تعكس حالة غير عادية لظاهرة ما في لحظة تاريخية فارقة، يكون فيها الذوق العام في أدنى درجاته.

منذ إنشاء هذه الصفحة قبل أكثر من سنتين، نشرتُ فيها ما يزيد عن المائتي مادة، في شتى المواضيع، تنوعت بين مقال قصير، ودراسة مستفيضة، جزء لا بأس به منها نُشر في الصحف المحلية، وعلى بعض المجلات المتخصصة، أو تناقلته مواقع إلكترونية أخرى .. والجزء الأكبر لم يُنشر ..

الكتابة بالنسبة لأي كاتب تتحول من هواية إلى إدمان، أو إلى رسالة .. البعض يتخذها حرفة يتكسب منها (وهذا ليس عيبا) والبعض يسعى فقط لإيصال صوته إلى أكبر قدر ممكن من الناس .. والبعض يتخذها وسيلة للوصول إلى غاية في نفسه، ولا شك أن هناك كتّاب صادقون، يؤمنون بكل كلمة يخطّونها، وبعضهم منافقون .. مزيفون، كذبة .. حتى لو كان ما يقولونه صحيحا .. والكاتب المحترف يعرف ماذا يخفي وماذا يُظهر .. وهذا سلاح بحدين .. والقارئ الذكي يميز بسهولة .. الكاتب الغبي هو من يتذاكى على القراء، أو يستهين بوعيهم ..

الكتابة هي ضمير الكاتب، تكشف ما بداخله؛ لأنها تفكيره بصوت مسموع .. الكتابة عملية توحد مع الذات لرسم صورة عن الواقع، وانفصام عن الواقع لرؤية انعكاسه على الذات، بكل شفافية. هي السفر إلى ذوات الآخرين وسبر أغوارها؛ من يعيشون في متن المجتمع ويفعلون فيه الأفاعيل، أو يقبعون على هامشه. هي تقمص لحالة الكون، والبحث في الوجود عن الكائنات والظواهر بكل حيادية. هي ولادة صوتنا الداخلي لجعل الصمت ممتلئا بالمعنى، ولمنح الحياة جدوى وقيمة. ومع ذلك يظل السؤال: هل قيمة الكتابة تكمن في فن التلاعب بالكلمات، وتطويع سحر البيان ؟ أم هي ذكاء التقاط الصورة من المشهد ؟ أم هي اجتراح المعنى، والبحث عما هو مختبئ ؟ أم هي القدرة على جعل البائس يسخر من بؤسه ؟

كثيراً ما توقفتُ، متسائلا: هل ثمة من يقرأ لي ؟ أو لغيري ؟ هل ما أكتبه يستحق العناء ؟ وما يدفعني لهذه المراجعات فكرة مجنونة طالما راودتني: لو أردنا طباعة مائتي مقال ونشرها لتصل إلى مليون قارئ، لاحتجنا كمية من الأوراق تتطلب قطع غابة مطيرة بأكملها .. فهل يستحق الموضوع تخريب الطبيعة وتلويثها بخربشات قد لا تفيد أحدا ؟!! حسنا فعلتْ بنا تكنولوجيا المعلومات .. إذ أتاحت لنا إيصال صوتنا إلى آخر بقعة وصلتها الكهرباء في كوكب الأرض .. دون أن نضطر لقطع شجرة .. ولكن ضرر الكتابة، إذا أُسيء استخدامها، قد يكون أشد وطأة على البشر، حتى لو نُشر في الفضاء الافتراضي فقط .. الكلمة أمانة، ومسؤولية، قد تودي بصاحبها إلى الدرك الأسفل من الجحيم ..

حينما شرعتُ بالكتابة، صُدمت (كغيري) على بوابة المشهد، وداهمتني الأسئلة تباعا دون سابق إنذار وبلا رحمة، وكنت كلما بحثت في الإجابات، أجد أسئلة أكبر، بعد أن تضيف إلى زخم السؤال حيرة أخرى، ومرارة أشد ..

عن ماذا نكتب ؟! ولمن ؟! عن الفقراء، الذين يولدون ويموتون دون أن يقابلوا أحدا غير ظلالهم على جدران الخيبة ؟!

عن السماسرة، أم عن الأنظمة أم ركائزها ؟! عن الظلم أم عن الظالمين أنفسهم ؟! عن الماضي التليد أم عن المستقبل المهدد ؟! عن إسرائيل أم عن الثورة المضادة ؟ أم عن الفتنة الطائفية التي تطل برأسها بكل وقاحة !! أم نكتب عن عجائب الدهر، والظواهر الغريبة، ونهايات الزمن، حيث تبدلت المفاهيم وانقلبت المعايير. أم عن الأغاني الهابطة وحفريات الشوارع، والطوابير، والغلاء. أم عن الجريمة والتخلف والتطرف، وخطط التنمية المعطلة، والقرارات الغبية، ومزاجية المسئولين، وسلوك بعض الناس، والتغيرات التي عصفت بهم حتى عرتهم من كل معاني الإنسانية، وإحالتهم إلى حطام بشر، ووحوش تأكل بعضها.

أم نكتب عن المقاومة والمضحين بأنفسهم، وقوافل الشهداء، والمعتقلين الذين لا يرون من السماء إلا غيوما مقطعة على شكل قضبان النافذة، أم نكتب عن بيوت الصفيح التي لا يزورها إلا البرد والريح الزمهرير، والأطفال الذين ينتظرهم مستقبل مجهول، والشباب الذين تخبو عزائمهم ساعة بعد أخرى، ويحترقون على مذبح الواقع الفج يوما بعد يوم، والمنسيين والمهمّشين الذي لا يسمعون سوى صدى صرخاتهم في وديان التيه والنسيان.

عن ليالينا الحزينة، عن قلقنا المشروع، عن سنواتنا العجاف، عن الخوف الساكن فينا، والصرخات التي تدوي في أعماقنا وندفنها في تجاويف الصدر قبل أن يسمعها أحد ..

لا أدعي أني بلغتُ غايتي، أو نجحتُ بالتعبير عن كل ما يجول في خاطري، ومع ذلك، لابد من المحاولة؛ فما زلتُ مؤمنا بجدوى الكتابة، وفاعلية الكلمة .. في صغري قبل سنوات بعيدة، قرأتُ قصصا ومقالات كثيرة، ما زلت أذكر بعضها، وأذكر كيف أثّـرت بي .. كل ما أطمح إليه أن أترك أثرا بسيطا في نفس القارئ، أن ألامس قلبَ شاب على حافة اليأس، أو أن أجيب على سؤال حيّر البعض، أو أن أطرح سؤالاً لم يخطر ببال القارئ أن يطرحه على نفسه .. أن أغني للأرواح المعذبة والمتوثبة والطامحة والعاجزة .. وأن أكتب عن الإنسان، بوصفه إنساناً قبل أي شيء آخر.

سأظل ممتنا لكم، وسأحاول الإطاحة بهواجسي ومخاوفي، لأواصل الكتابة، منقباً في مليون سؤال جديد.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض
- جنون الاستبداد
- هكذا تُصنع الدكتاتوريات
- القتل باسم الشعارات الجميلة
- تنظيم القاعدة، هل هو صناعة أمريكية ؟!
- جدال على تخوم اليرموك .. من يحاصر المخيم ؟
- إنهم يحرقون الكتب
- معايير نظام العولمة
- حل الدولتين .. وحل الدولة الواحدة .. دراسة من جزئين، ج2 : أي ...
- حل الدولتين .. ماذا حلَّ به ؟ وإلى أين وصل ؟ دراسة من جزئين ...
- تأملات في خريف العمر
- كلاشنكوف
- على مشارف الخمسين
- هل خيارات الشعوب دائما صائبة ؟!
- الوجه الآخر لنيلسون مانديلا ..
- البعد الدولي وأثره على إخفاق الثورة الفلسطينية ..
- خواطر ثلجية
- تقلبات الزمن .. وتدافع الأجيال
- وما زالت الأرض تكشف أسرارها
- مواهب عربية


المزيد.....




- العلماء الروس يطورون دواء لعلاج الأورام الخبيثة على مستوى ال ...
- هاتف منافس من vivo يأتي بتصميم أنيق وتقنيات ممتازة (فيديو)
- أبحاث: بكتيريا الأمعاء تؤثر على سلوكنا الاجتماعي وإدراكنا لل ...
- بعد ضرب الأرض.. بقعة شمسية -متوحشة- تستهدف الكوكب الأحمر
- الجنوب العالمي شطب صيغة زيلينسكي
- رئيس الأرجنتين يرفض الاعتذار لرئيس وزراء إسبانيا بعد كلامه ع ...
- الخارجية الأمريكية تعزي بوفاة رئيسي: نؤكد دعمنا لكفاح الإيرا ...
- تقرير: الشيء الوحيد الذي يقلق واشنطن بعد مقتل الرئيس الإيران ...
- موقف -مختلف- لفرنسا بشأن ملاحقة -الجنائية الدولية- لقادة إسر ...
- ماذا قالت تركيا عن سبب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - القارئ رقم مليون