|
الشبح
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 1225 - 2005 / 6 / 11 - 10:30
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة بقلم : د . محمد أيوب اعتاد الأطفال في ليالي الصيف أن يجتمعوا للعب في ساحة واسعة أطلقوا عليها اسم الحاكورة ، وهي عبارة عن قطعة من الأرض البور في وسط القرية ، محاطة بسياج من أشجار الصبار الذي يعرفه أهل القرية باسم الصبر، كان الأطفال يقسمون أنفسهم فرقا مختلفة، بعضهم يلعب لعبة الجمَّال ، فيصيح المنادي : جمَّال ابن جمال سرقوا لك جمالك ، يرد الطفل الذي يمثل دور الجمَّال : سيفي تحت راسي ما بسمع كلامك ، وهكذا تستمر اللعبة حتى تتم سرقة الجمال ويصحو الجمَّال ليجد نفسه بلا جمال ، بينما تلعب فرقة أخرى من الأولاد لعبة الحرب ، يقسمون أنفسهم فريقين : إنجليز وألمان ، تبدأ المعركة ويثور الغبار ، وتستعمل العصي والحجارة أسلحة في المعركة ، تتعدد الجولات بين كر وفر ، وهكذا كان لكل فريق من الأطفال لعبتهم التي يحبونها . مضت حياة الأطفال هنيئة سعيدة على هذا المنوال .. جميع أطفال القرية يجتمعون في مكان واحد .. يتسامرون ويتبادلون الأحاديث .. يرددون أحاديث جداتهم عن الغيلان والعفاريت والمردة ، ويتساءلون عن حقيقة هذه الأشياء ! قال أحمد : لا يوجد عفاريت أو غيلان ، هذا كلام فارغ . ولكن محمود يؤكد أن جدته رأت عفريتا بقرنين وله عين واحدة كاد يقتلها لولا لطف الله بها ! تقترب سمر من الأولاد وتقول : يوجد حتى الآن شبح الحاج حسين ، يظهر كل ليلة عند الفرن ، في المكان نفسه الذي قتل فيه قبل عدة سنوات ، والكل يخشى أن يمر من تلك الطريق مخافة أن ينفرد به الشبح .. الرجال والنساء والأطفال لا يمرون من هناك من المغرب حتى شروق الشمس .. الكل يخاف من الشبح . قال أحمد : هل تصدقين ذلك يا سمر ؟ !هل من المعقول أن يمنع هذا الكلام الفارغ أهل القرية من التجول بحرية في قريتهم ؟ لا بد أنه الجهل ، مساكين أهل القرية ، لم يتعلموا في المدارس كما نتعلم نحن الآن . - ولكن أبو علي رآه رأي العين وأقسم على ذلك أمام أهل القرية . قال أحد الأطفال ذلك والخوف بادٍ على وجهه بينما رد الآخر : - لا بد أن الأشباح موجودة ، هل المعلم أصدق من كل أهل القرية ؟ كل أهل القرية يقولون إن الشبح يقطع الطريق في الليل ، والأستاذ وحده ينفي ذلك ! فأيهم نصدق ؟ كان الأطفال يتحدثون بذلك وهم في الحاكورة ، فإذا ما بدءوا بالعودة إلى بيوتهم القريبة لزموا الصمت ، بينما يأخذ الكبار منهم في قراءة بعض التعاويذ التي حفظوها عن جداتهم العجائز لمنع ذلك الشبح من اعتراض طريقهم ، كانوا وهم داخل الحاكورة يعتقدون أنهم في مأمن من الشبح حيث تحيط بهم أسيجة الصبر من جميع الجهات فلا يستطيع الشبح النفاذ إليهم . وفي إحدى الليالي المظلمة ، وبينما كان الصبية يلعبون ، رأوا جسما أسود يتحرك نحوهم ثم يأخذ في الاستطالة شيئا فشيئا ، صاح الأولاد مذعورين : عفريت .. عفريت . وأخذوا يجرون في فوضى بينما بقي أحمد في مكانه لا يبرحه ، كانت بجانبه عصا طويلة وغليظة كان يستعملها في معاركه الوهمية ، فقد كان يقوم بدور القائد في فريقه ، رفع العصا إلى أعلى ، وقبل أن ينزل بها على العفريت ، صاح العفريت : لا تضربني يا أحمد ، فأنا محمود ، حاولت أن أمزح معكم ! تجمع الأطفال من جديد ، حاولوا أن يبدءوا اللعب مرة أخرى ، لكن الخوف عطل رغبتهم فجلسوا واجمين . قال أحمد : أرأيتم أن العفريت من صنع خيالاتنا وأوهامنا ؟! قالت سمر : لكن الشبح ليس وهما ، إنه موجود هناك عند الفرن . قال أحمد : نذهب ونرى . رد الأطفال في رعب : ولكنه سيقتلنا ، إذا كان الرجال يخافون الشبح ، فهل نذهب نحن لملاقاته ؟ قال أحمد : سنشعل المشاعل ونذهب جميعا ، ليحمل كل منا مشعلا ، فإذا وجدنا الشبح ألقينا عليه المشاعل وأحرقناه ، وإذا لم نجده نعود بعد أن نكون قد كشفنا الحقيقة بمشاعلنا، واقتلعنا جذور الوهم من قلوب أهل القرية ، وعندها يكون المعلم هو الشخص الوحيد الذي كان يقول الحقيقة ، ولكنه لم يجد من يتعاون معه على كشفها أمام أعين الناس . صاح الأولاد : هيا نشعل المشاعل . بدأ كل منهم يشعل قطعة من القماش على رأس عصاه التي كانت سلاحه في معاركه الوهمية ، أنارت المشاعل عتمة الليل ، سار الأولاد مهللين : سنحرق الشبح .. سنحرق الشبح . اندفعت جموع الصبية نحو شارع الفرن وهم يملئون الجو بهتافهم ، لكن أحدا من أهل القرية لم يسمع الصراخ ، فقد كانوا مشغولين بأمر آخر ، الرجال في الديوان يتحدثون عن الماضي ، والنساء عند الحاجة نفيسة تقرأ لهن الفنجان وتصنع لهن الأحجبة المختلفة. ومن بعيد تراءى لهم وسط العتمة شبح أبيض يتحرك ببطء شديد مرة ، وبسرعة كبيرة مرة أخرى ، وقعت سمر من شدة الخوف بينما حاول بعض الأولاد الفرار ، وتقدم الباقون وراء أحمد ، تحرك الشبح بسرعة نحو كومة الأخشاب التي يستعملها صاحب الفرن وقودا لفرنه ، دخل الشبح إلى الكومة ، لاحظ أحمد ذلك فأشار للأولاد أن يتبعوه ، تصور نفسه قائدا حقيقيا في معركة حقيقية ، أمر الأولاد أن يحيطوا بكومة الحطب من كل جانب ، وبعد ذلك أمرهم أن يقذفوا مشاعلهم فوق كومة الحطب . صاح الشبح : لست شبحا أيها الأطفال .. أنا إنسان مثلكم .. لا تحرقوني ، حرام عليكم . قال الأولاد : من تكون إذن ؟ قال الشبح : أنا أبو علي .. والله العظيم أبو علي . ولماذا فعلت ذلك ؟ قال الأطفال بصوت واحد . قال أبو علي : كنت أسرق بعض الأشياء الثمينة من القرية وأخفيها هنا ، وحتى لا يعرف الناس مكانها أوهمتهم أن شبح الحاج حسين يظهر كل ليلة ، وبينما كانت النار تشتعل ، ظن أهل القرية أن حريقا شب في قريتهم فاندفعوا لإطفائه غير مبالين ، وبلا وعي منهم وجدوا أنفسهم يسيرون نحو الفرن ليجدوا الأطفال أمامهم ، سمعوا صوت أبي علي يطلب النجدة ، أسرع رجال القرية وأنقذوه من النار ، ولما نجا أعلن توبته وندمه على جرائمه ، عاد الرجال فرحين بأطفالهم الذين أناروا لهم طريق الحقيقة .
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا كل هذه التعقيدات يا وزارة المواصلات
-
دويلة في قطاع غزة
-
أين علم فلسطين
-
المستنقعات البشرية
-
رسالتان من فيتنام
-
خطة مقترحة لإحياء ذكرى النكبة
-
صورة العربي في الأدب العبري
-
البنية الروائية في أعمال رجب لأبو سرية
-
معابر الهوان في فلسطين
-
يوم الأرض .. أيام الأرض
-
الجامعة العربية في غرفة الإنعاش
-
قروان ع الباب
-
( قصة قصيرة بمناسبة يوم المرأة العالمي بعنوان: ( قبض الريح
-
المرأة في فلسطين
-
هدية من عامل إلى معلمه
-
البذرة تتمرد
-
لمصلحة من هذا الاستقطاب داخل حركة فتح ؟
-
من المسئول عن بط ء الإجراءات في وزارة العدل والمحاكم الفلسطي
...
-
خالد
-
عذابات نورس
المزيد.....
-
فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
-
محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح
...
-
دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب
...
-
كراسنويارسك الروسية تستضيف مهرجان -البطل- الدولي لأفلام الأط
...
-
كيت بلانشيت تدعو السينمائيين للاهتمام بقصص اللاجئين -المذهلة
...
-
المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجن- ترفض عرضا من وزار
...
-
محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح
...
-
مصر.. فنانة مشهورة تشتكي للشرطة من -إزعاج- السودانيين
-
-تشريح الكراهية-.. تجدد نزعات قديمة في الاجتماع الحديث
-
مهرجان كان السينمائي: فيلم -رفعت عيني للسما- وثائقي نسوي يسر
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|