|
المعطف القديم
نضال بلعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3995 - 2013 / 2 / 6 - 01:18
المحور:
الادب والفن
كنتُ منزوياً أقبعُ خلفَ عددٍ كبيرٍ منَ الاغطيةِ السميكةِ الدافئةِ ذات الرائحةِ الكريهةِ، أشاهدُ التلفازَ وأقلّبُ صفحاتِ الجريدةِ المملةِ بحثاً عنْ صفحةٍ مميزةٍ لأتناولَ عليها الغداء، عندما وجدتُ خبراً يتحدّثُ عنْ مظاهراتٍ حصلتْ في يومِ الجمعةِ الذي مضى. قبلَ ثلاثينَ عاماً كنتُ طالبَ جامعةٍ ثوريّ، لكنّي وبعدَ أنْ تزوّجتُ بسنتين تخلّيتُ عنْ هذا الطريق لأهتمّ بزوجتي وأطفالي وأوفّرَ لهم ما يأكلوهُ بعيداً عنْ المعتقلاتِ السياسية والملاحقة. تزوّجَ كلُّ أولادي وما عدتُ أراهم إلّا نادراً، أما زوجتي فتتذمرُ دائماً منْ قلّةِ الحيلةِ جالبةً لي الصداع، وأما تلفازي الذي يبثُّ نشرةَ الاخبارِ فقد أصبحَ هدفاً لضرباتِ حذائي المهتريء ولعناتي الغاضبة.
في يومِ الجمعةِ التالي استقيظتُ مبكراً على غير عادتي، تناولتُ الفطورَ، هذبتُ لحيتي، مشطتُ شعري الاشعث وارتديتُ معطفاً ثقيلاً لم أكن قد استخدمته منذُ عشر سنين. غادرتُ بعدها المنزل وذهبتُ إلى منطقة وسط البلد، تمشيتُ قليلاً ثم وقفتُ قبالةَ المسجدِ الحسيني منتظراً إنتهاءَ الصلاةِ لكي أشاركَ في المظاهرة، نظرتُ حولي فوجدتُ أناساً واقفينَ يتحدّثونَ إلى بعضهم البعض، حاولتُ أنْ أتذكّرَ أيّ أحدٍ منهم فلم أستطع.
انتهت الصلاةُ فاتجهتُ مسرعاً نحو منْ وقفوا، لاحظتُ بأنَّ كلّ واحدٍ أو اثنين منهم يتوجهونَ إلى مكانٍ مختلفٍ، سألتُ مَن حولي بشأنِ المظاهرةِ فلم يجبني أحد، الكلّ غادرَ تاركاً لاشيءَ خلفهُ سوى قطعةٍ منَ الكرتونِ على الاسفلت. خمسُ دقائقَ ولم يتبقّى أحدٌ من الذين كانوا هنا، لا شيءَ سوى طعناتِ البردِ القارصِ الذي أجبرني على إطباقِ المعطفِ بشدةٍ على صدري لأغوصَ داخلهُ مختبئاً وهارباً من العالم البارد. بدأ المطر بالهطول فاتجهتُ نحو الرصيفِ المغطّى بلافتات المحال ومشيتُ بلا وعيٍ للإتجاهاتِ أو الوقت، اصطدمَ بي الكثيرُ من المارّةِ بخشونةٍ من دون حتى أن يعتذروا، باتتْ أنفاسي باردةً لا تدفئها السيجارةُ المشتعلةُ في يدي المرتعشة، وأغانٍ رخيصة عاليةُ الصوتِ لا أعرفها تنطلقُ من داخلِ المحالِ لتدورَ حولي أينما ذهبتُ وتندقُّ في أذني كالزجاج المتحطّم. لم أعد قادراً على تحمّل وجعَ أقدامي التي أصبحتْ قطعةً من الجليد الصلب، فنزلت عن الرصيف وأشرت بيدي إلى سائق تاكسي لأطلبَ منهُ أنْ يعيدَني إلى البيت.
#نضال_بلعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجود
-
لونٌ و لون
-
إكتمال الذات
-
الإنسان بين العولمة والإغتراب الثقافي
-
تفاصيل
-
الثورة المصرية وفرص التغيير
-
إكتمال اللون
-
لمن يهمه الأمر
المزيد.....
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD
...
-
السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
-
موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج
...
-
المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
-
تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
-
بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
-
-الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع
...
-
الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
-
-موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
-
-جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|