أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شكراً... للضمير الجامع















المزيد.....

شكراً... للضمير الجامع


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3938 - 2012 / 12 / 11 - 21:25
المحور: الادب والفن
    


كلمة الدكتور عبد الحسين شعبان
في الاحتفال التكريمي للفقيد الكبير جاسم القطامي

لا نجتمع اليوم لنعدّد محاسن فقيدنا ومزاياه، فرجل مثل جاسم القطامي ليس بحاجة إلى المدح أو الإطراء، بل أن اجتماعنا هو دليل رغبة أكيدة في المراجعة والنقد والتقويم، نحن بأشد الحاجة إليها، ولاسيما عندما نلتقي في حضرة جاسم القطامي، الشخصية السمحة، الصلبة والمرنة في الآن. نجتمع لنحيّ ذكرى رحيله العطرة، فقد أبى الاّ أن يكون كريماً حتى في رحيله، فقد منحنا هذه الفرصة للقاء، في رحابه.

كانت ومع مرور الأيام تزدحم الأسئلة وتتدافع على جاسم القطامي، مثلما هي الهموم والتحدّيات، لكنه لم ييأس أو ينكسر على الرغم من الاحباطات والهزائم، وهو المناضل الذي كان يرى بقلبه ما لا تراه العين أحياناً، ويعبّر عنه بلسانه، وقد ارتضى بحكم الأصغرين وصارع وجادل بهما كل حياته، فالقلب عين العقل، واللسان هو الانعكاس لما في القلب ولما يراه العقل.

تخطّى جاسم القطامي الدائرة الكويتية التي ترعرع فيها ونمى وعيه الأول في خضمها إلى الدائرة العروبية، فقد كان فضاؤه ممتداً، ولعل أولّ مجابهاته على هذا الصعيد هو احتجاجه على قمع التظاهرات الشعبية في العام 1956، ولم يكن ليرضى الاّ أن ينحاز إلى مصر وشعبها وهي تواجه العدوان الثلاثي الانكلو- فرنسي الإسرائيلي بعد تأميم قناة السويس. كيف لا وهو الممسوس بالعروبة، ورابطتها الإنسانية الوجدانية والطبيعية، على أساس من التحرر والحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية والوحدة القومية، وتلكم هي مفردات المشروع السياسي الحالم الذي آمن به جاسم القطامي ومنحه عمره كلّه دون كلل أو ملل.

لم يستطع جاسم القطامي أن ينزع جلده أو يتخلّى عن خاصته العربية، حتى وإن كانت ثمة صدمات وكوارث حلّت بالفكرة العروبية النبيلة، وأدرك لاحقاً ولا سيما بعد غزو قوات صدام حسين الكويت، أن العروبة ليست آيديولوجيا، لأنها ستتحول إلى استعلاء وشوفينية، وستصبح استبداداً ودكتاتورية إذا ما صارت نظاماً سياسياً.

وعلى الرغم من أن العروبة كانت إحدى "حقائق" جاسم القطامي التي لا تقبل الشك، وإحدى سمات شخصيته الجامعة، إلاّ أنه بدأ يشكك بالكثير من دعاتها الذين شوّهوها، فتحوّلت لديهم إلى كذبة كبيرة، بل خرافة لا يقبلها العقل. وكلما تعمّق وعي جاسم القطامي، كلّما أدرك العلاقة بين المناضل السياسي والثقافة والإنسانية، لاسيما ماذا يعني العمل في الدائرة الإنسانية والحقوقية.

ولم يكن الجواب يسيراً أو يأتي دفعة واحدة، إنه القلق الإنساني الذي واجهه جاسم القطامي وآخرون من جيل الروّاد العروبي، مثل أديب الجادر ومحمد فائق وفتحي رضوان ومنصور الكيخيا وخير الدين حسيب وعبد الرحمن اليوسفي وحيدر عبد الشافع وجوزيف مغيزل، وأحمد صدقي الدجاني وعصمت سيف الدولة وطارق البشري واسماعيل صبري عبدالله ومحمد الرميحي وحسين جميل وسعاد الصباح وهشام جعيط وعلي اومليل وأحمد الخطيب وعبدالله النيباري وعبدالله النفيسي ومحمد عابد الجابري وعبد العزيز السقاف وآخرين، بمن فيهم من اجتمع في ليماسول لتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في العام 1983 بعد أن رفضت الدول العربية بقضّها وقضيضها الترخيص لانعقاد مؤتمر حول أزمة الديمقراطية في الوطن العربي.

ولم يكن الجواب جاهزاً كذلك، مثلما لم يكن طريق الوصول إليه سالكاً وواحداً، خصوصاً وأنه لم ترسم خارطة طريق دفعة واحدة. بعضهم وصل إليه بعد هزيمة 5 حزيران (يونيو) في العام 1967 وآخرون بعد غزو الكويت في العام 1990 وفريق ثالث بعد استفحال القمع والارهاب في العراق وبعد حصاره واحتلاله، أما القسم الرابع فإنه لا يزال يعيش حلم الديكتاتوريات المريضة، على الرغم من كل مآسيها وآثامها وحروبها ومغامراتها وإفقارها لشعوبها وهدر كراماتها، فيجد الأعذار ليبرّر لها أو ليقارن ما أعقبها من تغييرات وتصدّعات لم تكن بعيدة هي عن بعض أسبابها وهكذا، خصوصاً وأن عقله يعيش في الماضي.
وكان جاسم القطامي قد وصل إلى هذه المحطة مبكّراً لوجود تجربة كويتية جنينية، وازداد شعوره بالانتماء إليها بعد احتلال الكويت وما حلّ بشعبها جرّاء ذلك. وكانت مفردات مشروعه السياسي والإنساني تنضج ببطئ، ولكن بثقة ومن خلال لهيب الأحداث وتسارعها، حيث كان الأمر لديه واضحاً، لاسيما وعيه بمخاطر الإمبريالية والصهيونية، وكانت أسئلته تكبر بعد نكسة حزيران العام 1967 مثلما كان قلقه يتعاظم بعد الثورة الإيرانية في العام 1979، وفيما بعد خلال الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988، وتبلورت قناعاته على نحو أكثر وثوقاً، بعد كارثة الغزو، وأظن أن صديقنا العزيز د. غانم النجار حاول تلمّس ذلك من خلال حواراته مع الفقيد، لاسيما في مؤلفه عنه: رجل لم يفقد ظلّه!.

انطلق جاسم القطامي في مسيرته الجديدة من الدائرة الإنسانية الحقوقية، فأخذ يفتش في العالم العربي عن الحق ليناصره، وهكذا تسلّم بجدارة وعلى مدى دورتين رئاسة المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكان لي الشرف بزمالته ومواصلة النضال معه من خلال هذا المنبر المهم، وإن كانت قضية حقوق الإنسان لا تزال إشكالية في عالمنا العربي، لا سيما من حيث التوجه والأداء والمعايير والمقاسات، وقد واجهت تحديات كبرى لزجّها في الصراع السياسي والآيديولوجي والتأثير على استقلالية المنظمات ومهنيتها وتمويلها، فضلاً عن محاولات الاحتواء الرسمي وشبه الرسمي سواء، الديني أو السياسي. وقد رمى جاسم القطامي بثقله في سنوات حياته الأخيرة في هذا الميدان لدعم التوجّه الحقوقي والمهني الإنساني، واضعاً رصيده المادي والمعنوي بهذا الاتجاه.

وحين كنّا نحاول إنقاذ سجين أو صاحب رأي أو مختفٍ قسرياً أو نأخذ موقفاً من محاكمة صورية أو تعذيب أو طفولة مستلبة أو حقوق مهدورة للمرأة، أو نتحدث عن حالة حصار أو إبادة شعب أو التمييز الديني أو الإثني أو احتلال أراضي عربية، كان جاسم القطامي يشعر بشيء من الامتلاء وربما بالزهو، وأحياناً يجهش بالبكاء مثل طفل.

والامتلاء يعني التحقق والتحقق دلالة، والدلالة معنى والمعنى فضاء مفتوح لأسئلة، والأسئلة خيارات لإجابات وتنوّع وتعددية في إطار الجهد الإنساني. هكذا كنّا نبدأ النقاش مع جاسم القطامي ولا نريد ولا يريد له أن ينتهي، حتى وإن احتدم، وغالباً ما يحصل ذلك، لكنه يعود ليبسط جناحيه بحنو كبير على الجميع، وعندها نشعر أنه ضمير جامع.

ربما اعتقد القطامي أن عمله في ميدان حقوق الإنسان هو اختصار أو اختزال، ولنقلْ تكثيف لمشروعه السياسي الذي إزداد عمقاً وشمولاً مع مرور الأيام، فقد كان يرى نخباً واعدة، لاسيما من الشباب تنحاز إلى هذا الحقل الإنساني، الذي أراده نظيفاً غير ملوّث بطائفية أو تعصّب ديني أو استقطاب سياسي أو تمييز إثني أو عنصري أو امتيازات أو مصالح أنانية ضيقة.

وكان يسعى للاستفادة من عقلانية هذا التوجّه ومدنيته وسلميته منفتحاً على التراث الإسلامي والإنساني وعلى التطور العالمي، مع بقاء قضية فلسطين في قلبه يحملها معه أينما ذهب وحيثما حلّ أو رحل، وإذا كانت لديه بعض الانتقادات لبعض السياسات، فكان يعبّر عنها برفض تسطيح القضية، وإهمال لبّها والتشبث بقشورها، فقد كان صافياً في توجّهه حتى من باب الرغبات الذاتية، سواءً في أوقات الشدّة أو الرهاوة، وعندما تتضبب الدنيا كان يبحث عن عوامل القوة والمنعة، تلك التي اكتشفها في المواطنة والحريات واحترام حقوق الإنسان.

لم يفقد القطامي بوصلته يوماً ما وكأن به ميلاً إلى محي الدين بن عربي الذي لم يتوان من تقليب الأمور بالقول:" الهدى بالحيرة، والحيرة حركة والحركة حياة" ولم يكن تبديد الحيرة سوى الإيمان بالحركة، وهذا هو جوهر الحياة، التي اجترحها جاسم القطامي بكل الحب والاعتزاز.
وبهذه المناسبة نقول لأم محمد وعائلته وجميع رفاقه وأصدقائه صبراً جميلاً
ونقول لجاسم القطامي شكراً لأنك جمعتنا!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلم الفضي يعود إلى بنغازي
- حكمة الضوء وشهادة التاريخ
- منصور الكيخيا والرهان على «سلطة» الضوء!
- مصر والإسلام السياسي
- هل ترسو سفينة مصر الدستورية؟
- ماذا عن أكراد سوريا؟
- غزة وعمود السحاب!
- غوته وسحر الشرق
- اعتراف هولاند الخجول بجرائم قتل الجزائريين
- دلالات الديمقراطية وحقوق الإنسان في فكر أمين الريحاني
- عن تونس والدين والدولة
- العدالة الانتقالية والعدالة الانتقامية
- الشبيبي والبنك المركزي: قضية رأي عام!
- برزخ العنف والوعي الشقي
- ما ينتظره مسلمو ميانمار
- - اللاعنف-: هل هو منتج غربي؟
- الأقليات في الدول الإسلامية المعاصرة - المسيحيون والصابئة ال ...
- الصندوق الأسود!
- عن فيتو الفقهاء في العراق!
- حوار باريس 3


المزيد.....




- مهرجان كان السينمائي: فيلم -رفعت عيني للسما- وثائقي نسوي يسر ...
- قرار مساواة الجلاد بالضحية .. مسرحية هزلية دولية بامتياز .. ...
- -أنتم أحصنة طروادة للفساد الاجتماعي-.. أردوغان يهاجم مسابقة ...
- آخر مرافعة لترامب في قضية الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز الأ ...
- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شكراً... للضمير الجامع