أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نادر قريط - بقايا مواطن سوري














المزيد.....

بقايا مواطن سوري


نادر قريط

الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 14:26
المحور: حقوق الانسان
    


عام 2005 وبعد ثلاثة عقود متصلة من الغربة والتسكع والحرمان من دخول سوريا، غلبني حنين للوطن وشوق لمرابع الطفولة والشباب، فحملت بعضي وذهبت للسفارة السورية في فيينا. وللحق والأمانة فقد أستُقبلت بتهذيب ديبلوماسي (وخبث أمني) حيث أشير عليّ بكتابة طلب لوزارة المغتربين، التي قيل أنها تُقدّم ضمانات، تحمي الزائر من زوّار الفجر وقوانين (الداخل مفقود والخارج مولود).. وهكذا دوّنت إسمي وتاريخ ميلادي وإسم شعبة التجنيد، وبعد شهر تقريبا أخبرت تلفونيا بقبول الطلب. ولا شك فقد طرت من الفرح وذهبت للسفارة وإستلمت نسخة تشير إلى تسهيل دخولي عبر المطارات والحدود، وفي ذيل النسخة قرأت عبارة مكتوبة بالقلم الجاف تقول: حال دخولك القطر عليك فورا مراجعة الأمن السياسي بدرعا وفرع الأمن العسكري في السويداء ؟! ..طويت الورقة بهدوء وقفلت راجعا.

وبعد عدة أيام وأثناء دوامة التردد والقلق ونعم ولا وقدم للأمام وأخرى للخلف، إلتقيت أحد المعارف، فروى لي قصة زيارته الأخيرة لسوريا وكيف جرى إقتياده في المطار إلى غرف خلفية كئيبة متسخة ذات جدران تآكل طلاؤها بفعل الزمن والإهمال.. وبذاكرة تصويرية يُحسد عليها، لم ينس الرجل وصف رجال الأمن المضجعين على أسرّة بأغطية بالية، ورائحة جواربهم التي كانت (تعطر) الممرات وملابسهم الرثة، وتثاؤب الضباط ورائحة سكائرهم وإصفرار أسنانهم وأسئلتهم الحمقاء وغلاظتهم .. ولفرط دقته في وصف سلوك الناس والفساد ووعثاء الشوارع والأبنية والعشوائيات. أصبت بقرف شديد، وإنسدت شهية السفر، وقررت محو الوطن من الذاكرة .. لكن السبب اللاوعي للإمتناع عن زيارة سوريا كان توجسي من دخول محاكم الضمير، ورفض رؤية السوقية والقبح والإذلال وسحق الآدمية، فهنالك حيث دوائر الأمن السياسي والعسكري، نعثر على سرّ قوة النظام، وسرّ وهنه، وسبب مراوحته في المرحلة الوحشية للتاريخ، وعجزه عن دخول عصر الأنسنة.

لهذا ماأزال برغم مرور 35 سنة من الغياب القسّري المتواصل، أقاوم النفس الأمّارة بالسفر، وأكبت مشاعر الحنين والرغبة والشوق. وماأزال أتجنب دخول بلاد تحكمها الهراوة الغليظة والعشواء والسماجة والصلافة أو تخنقها عبرات المظلومين ونظراتهم المكسورة. وبدل ذلك نسجت وطنا جديدا من خيوط المنفى وطرق التسكع بين غرناطة وطنجة وفاس وسيدي بوسعيد وسوسة والقاهرة والإسكندرية.. في هذه الأماكن أصطاد وطني الطريد، وألتهم حصتي من التراب والبهجة والأنانية والذكريات.

وفي غمرة ما يجري اليوم في سورية لا أجد إلا أستذكار مقولة ميكيافيلي لأميره: "إذا رأيت الثورة قادمة لا محالة، فبادر إلى إشعالها"

لهذا أتمنى أن يغتنم الرئيس الأسد هذه الفرصة التاريخية، لتخفيف آلام مخاض ولادة سورية الحرّة، وأدعوه بالإنضمام لصفوف الثائرين (على حكمه) فالأوطان تصبح عزيزة وقوية ومنيعة (وممانعة) عندما تحقق العزة والكرامة والحرية لأبنائها، والأوطان تكون كسيرة وذليلة عندما تنافق وتؤله الحاكم وتصفق له ولا تجرؤ على محاسبته، وهي نفسها التي يصطف أبناؤها على أبواب السفارات لتسوّل الهجرة والعمل أو إمتطاء قوارب الموت. الأوطان العزيزة هي التي تضمن التبادل السلمي للسلطة والمشاركة في الثروة وضمان حق الأفراد في التعبير وصياغة الشأن العام.

في النهاية أسجل مشاعر الفخر والغبطة لأولئك الأبطال الذين خرجوا للإحتجاج السلّمي في المدن والبلدات السورية فهؤلاء إمتلكوا بحق نبل وشجاعة القديسين، وأخصّ منهم أبناء محافظتي في حوران الأبيّة، ولا أملك إلا الإنحناء أمام الدماء وعظيم التضحيات، والعزاء للنفس والأمل بغد مشرق

ملاحظة: بعدما أنهيت النص شاهدت صورا للحشود السورية التي خرجت (أخرجت) لتقديم الولاء والطاعة.. فأحسست بالحزن، لبؤس الوازع الأخلاقي، فكيف تخرج الناس ودماء الأبرياء لم تجف بعد؟ بنفس الوقت تعجبت للطمأنينة والسلامة التي رافقت هذه الحشود، فعلام لم يندس المندسّون؟ ولمَ سكت رصاص العصابات؟ وشر البلية ما يُضحك



#نادر_قريط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كابوس الثورة المضادة
- مبروك وكل ثورة وأنتم بخير
- فخامة الرئيس المنصف المرزوقي:
- الثورة اللا إسلامية
- حدثنا عن الإسكندرية قال:
- الكتابة خارج الإطار
- بدايات الإسلام -الطبري-
- نادر قريط في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الديني والد ...
- ماركس والأفيون
- هرطقات (إسرائيل والكاستراتو)
- نقد النقد الديني: المقال 100 في الحوار المتمدن
- قبور بلا عظام
- عيد الفصح الإسلامي
- السذاجة محرك التاريخ؟
- البدايات المُظلمة للإسلام المبكّر (2/2)
- بين الدين والدنيا (حرب الرموز)
- البدايات المظلمة للإسلام المبكر (2/1)
- بين الدين والدولة (هرطقات)
- حول الدين والدنيا (العلمانية)
- الأسماء: وآلية السرد الأسطوري للأديان


المزيد.....




- عاجل | أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودو ...
- بعد عقود من وقف تنفيذه.. تقرير يرصد ظروف اعتقال محكومين بالإ ...
- هيئة الأسرى: إدارة سجن عوفر تتعامل مع الأسرى بدون ضوابط
- -ندوب تستمر مدى الحياة-.. أزمات نفسية تطارد المدنيين وعمال ا ...
- الأمم المتحدة: لا بديل لمعابر غزة البرية لإدخال المساعدات ال ...
- -الأغذية العالمي- يفرغ حمولة أول سفينة مساعدات تصل رصيف غزة ...
- انتهاكات بالجملة تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.. ...
- إدارة معتقل -ريمون- تتجاهل متابعة أوضاع المعتقلين المرضى
- -الأغذية العالمي- يفرغ حمولة أول سفينة مساعدات تصل رصيف غزة ...
- اجتماع للمجموعة العربية في الأمم المتحدة لحشد التأييد الدولي ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نادر قريط - بقايا مواطن سوري