صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 09:10
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في ذكرى " الهبة " التي لم تبلغ " الانتفاض "
ما يحدث الآن في العديد من البلدان مثل تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والأردن وايران وما يتوقع في أماكن أخرى مشابه عموما من حيث الجوهروالآلية والوسيلة والأداة والأهداف القريبة والبعيدة لما بدأ قبل سبعة أعوام بالمناطق الكردية في مدينة القامشلي وانتشر وتمدد ليطال عفرين وكوباني ومن ثم أماكن الانتشار الكردي بحلب والعاصمة دمشق وقد كان القاسم المشترك لجميع هذه الحالات : تصدر الفئات الشبابية من الجيل الجديد للمشهد وخاصة من العاطلين عن العمل والمنحدرين من الطبقات الدنيا , الطبيعة الدفاعية السلمية , والرد على اعتداء قائم أو درىء فتنة وشيكة الوقوع , الانفجار الشعبي العفوي في وجه الظلم والاستبداد من دون تخطيط مسبق أو تدخل خارجي , تداخل المطالب الخاصة بالعامة , تشابك القضايا الاجتماعية والديموقراطية والسياسية , توجهات وآفاق معلنة ومضمرة لتحقيق التغيير الديموقراطي الجذري بما في ذلك الدستور وشكل النظام السياسي , استعادة الكرامة وكسر حواجز الخوف , وقف عمليات النهب للثروة الوطنية من جانب الشبكات الحزبية والعائلية الحاكمة , اعادة تعريف الوطن والشعب وجودا وتاريخا , ازالة وتجاوز المفاهيم والعصبيات العنصرية والدينية والمذهبية وترسيخ أسس الوحدة الوطنية على قاعدة المواطنة الحقة المتساوية في الحقوق والواجبات , ازالة كل أنواع الاضطهاد والتميز والحرمان لأسباب عنصرية وتلبية مطامح واستحقاقات القوميات والهويات من السكان الأصليين الأقل عددا على قاعدة مبدأ حق تقرير المصير في اطار الكيان الواحد المتحد والتعايش السلمي , نبذ سياسة الارتهان للمحاور الخارجية وتهديد الجيران والتدخلات بشؤون الآخر والالتزام بمبادىء الأمم المتحدة والمؤسسات الاقليمية بهذا الشأن .
هذه المبادىء والمفاهيم والطموحات المتنوعة القابلة دوما للتطوير واكتشاف الأمثل واكتساب العبر والدروس تشكل اليوم خلاصة تراكمات الوعي السياسي المتجدد خلال عقود والزاد الثقافي للقوى الحية في صفوف شعوب – العالم الثالث – وبرنامج الهبات والانتفاضات والثورات من أجل التغيير في شرقنا المثقل بالجراح و – مانيفيستو – القرن الحادي والعشرين , وعصارة ماتوصل اليه الفكر البشري مابعد الحرب الباردة وتقديمات العولمة وافرازات اعادة بناء النظام العالمي الجديد قيد التشكل التاريخي .
" الهبة " المغدورة
لم يعد يختلف اثنان على عفوية الفعل الاحتجاجي الدفاعي المحتقن أصلا طوال العقود من جانب جماهير مدينة القامشلي كرد على استعادة كرامة مدينتهم التي استبيحت تحت شعارات سياسية استفزازية عنصرية – صدامية وفريقهم الرياضي الذي أريد اذلاله واسكاته بجحافل الغوغاء المجيش الوافد من خارج المحافظة والانتقام من الاعتداء السافر بالرصاص الحي الذي فاق ضحاياه العشرين في المدينة وحدها ومن اسلحة أجهزة القمع كما لم يعد خافيا أن العملية من الأساس كانت بتخطيط مسبق من أوساط القصر الجمهوري ومن خلية للأزمات ضمت كبار جنرالات المخابرات السورية ( محمد منصورة وعلي المملوك وهشام بختيار ) باشراف مباشر من شقيق الرئيس ماهر الأسد الذي أقام في غرفة العمليات الخاصة بالمخطط في مكان آخر وكان الهدف بحسب المعطيات اثارة فتنة قومية بين الكرد والعرب تمهد السبيل لتدخل الجيش والانتشار العسكري على الحدود السورية العراقية الشرقية كجزء من السياسة السورية العامة من أحداث العراق والوجود العسكري الأمريكي والفدرالية الكردستانية وكسر شوكة الكرد السوريين وخاصة المجاورين لحدود الاقليم الفدرالي والحضور الميداني عن قرب لتنفيذ عمليات الارهاب داخل العراق المحرر وللعب بالأوراق في بازار المفاوضات والمساومات كعادة النظام السوري المتبعة منذ السبعينات .
أنجزت " الهبة " الدفاعية الشجاعة في غضون أيام قلائل خطوات هامة أولها : وأد الفتنة وهي في المهد وافشال مخطط السلطة والحفاظ على طابعها السلمي وفتح الأبواب لتطوير شعاراتها من المحلية الى الشاملة ومن خصوصيتها القومية الى الوطنية العامة والصمود الأسطوري زمنيا رغم المعاناة لانتشار " الهبة " وتمددها نحو الغرب والداخل السوري ولكن بغياب عاملين أساسيين تراوح المشروح الطموح في مكانه وتبخرت الفرصة التاريخية لتحويل " الهبة " الكردية الى انتفاضة وطنية شاملة , الأول تمثل في الحاجة الماسة الى من يتصدى لقيادتها ووضع البرنامج السياسي وخطة العمل والشعارات الآنية والمرحلية والتواصل والتحاور مع العمق الوطني العربي المعارض وبدلا من قيام " مجموعة الأحزاب الكردية " بالمهام المطلوبة المناسبة في مثل هذه الظروف هرولت من وراء ظهر " الهبة " نحو خلية – الجنرالات – التي انتقلت الى منزل متزعم اليمين لتبدي لها الولاء وتساهم في ازالة ما يزعج السلطة ومن ضمنها اعتبار ما حدث سوء تفاهم بين مشجعي مباراة كرة القدم , والثاني تعلق بعجز التيارات السياسية العربية المعارضة والشخصيات الوطنية في فهم وتفهم ماحصل وعدم ادراكها لقيمة تلك " الهبة " كفرصة تاريخية قد لاتعوض في كل زمان من جهة أهميتها وآفاقها الوطنية والديموقراطية ورمزيتها في دمج المطالب القومية الكردية بالأهداف الوطنية من أجل التغيير الديموقراطي الشامل كمنطلق للتلاحم والمصير المشترك بين الكرد والعرب وسائر المكونات الوطنية في سوريا تعددية جديدة .
من حسن حظ السوريين عموما والكرد على وجه الخصوص وهم على أعتاب مرحلة جديدة من الانتفاضات الشعبية في بلدان المنطقة أن الشروط والقواعد والأسباب قد تغيرت وأن ماكان شرطا أو عاملا أساسيا للانتصار قبل أعوام قد زال وتبدل في هذه الأيام فاندلاعها ونجاحها وانتصاراتها ليس متوقفا على قيادات الأحزاب الكلاسيكية المهترئة بل تستمد القوة والقيادة من شبابها في الميدان ولم يعد سرا أن الانتفاضات لا تودي بالأنظمة والحكام المستبدين فحسب بل تضع النهاية السياسية في الوقت ذاته لجيل من القيادات الحزبية المترهلة التي قد يتحمل البعض منها جزء من مسؤولية ادامة الاستبداد أيضا .
من حقنا نحن الكرد والقوميات والمكونات الوطنية الأخرى ضحايا الاضطهاد والحرمان والاقصاء أن نضع النخب الثقافية والسياسية وحاملي لواء المعارضة في القومية السائدة الغالبة أمام المسؤولية التاريخية في رفض وادانة – الآن وليس غدا - مايلحق بنا منذ فجر الاستقلال وحتى الآن واستخدام خطاب سياسي ديموقراطي مختلف تجاه الأقوام والمكونات الوطنية الأقل عددا وجودا وحقوقا ومكانة في سوريا التعددية الجديدة المنشودة والتسليم بمبدأ الشراكة الوطنية المصيرية في السلطة والقرار والثروة دون تمييز نحن لا نضع مسؤولية الاضطهاد والقهر والاستبداد على عاتق الشعب العربي الشريك والصديق بل نحمل الأنظمة والحكومات المتسلطة النتائج المترتبة , ونرى أن كلا من المدارس الفكرية العربية الكلاسيكية الثلاث ( اليسارية – القومية – الاسلامية ) والحديثة الديموقراطية والليبرالية أمام امتحان تاريخي في اللحظة الراهنة وفي مواجهة اختبار حقيقي لمدى الأهلية في مواكبة ثورة التغيير التي تتطلب أولا وقبل كل شيء تقبل مبدأ اعادة بناء الدولة من جديد بكل بناها الفوقية والتحتية على أنقاض الماضي وقبول الآخر المختلف قوما ولغة وثقافة وهوية وخصوصية في اطار العقد الدستوري الاجتماعي المتكافىء
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟