أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين















المزيد.....

الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3257 - 2011 / 1 / 25 - 19:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المجتمعات الريفية كما يعلم القاصي والداني مجتمعات مغلقة على عادات وتقاليد بعينها، الكل يعلمها، تتصدر العصبية القبلية والعائلية عادات وتقاليد المجتمعات الريفية، وبالتالي حين يحدث توتر ديني ما في المجتمعات الريفية بين المسلمين والمسيحيين تأخذ الطائفية الدينية شكلها الريفي، وتتطبع بطبائعه القائمة على العنف والحمية والثأرية والنبذ والترصد والعزل والعزلة الفعلية والشعورية والمبالغة في الانتقام، وكذلك الإعلان والوضوح والصرامة والجهرية في الخصومة، هذه الطبائع توجد في كل نزاع أو صراع يحدث داخل تلك المجتمعات، سواء كان النزاع أو الصراع دينيا أو ثأريا أو من أجل الشرف وغيره، ومن هنا يمكنني القول: إنه يوجد فارق كبير وملحوظ بين ما يمكن أن أسميه بـ (الطائفية الدينية الريفية) أي اللون الريفي للطائفية الدينية، وبين ما يمكن أن أسميه بـ (الطائفية الدينية المدينية) أي اللون الطائفي الديني لأهل المدينة، والفارق واضح ولائح بين هذين اللونين من الطائفية، إذ تختلف أشكال وأساليب ومظاهر الطائفية الدينية في الريف عنها في المدينة، إذ كل لون منها يتطبع بالعادات والتقاليد السائدة في مجتمعه، سواء كان ريفيا أو مدينيا.

فليس من شك أدنى شك أن المسيحيين في المناطق الريفية وخاصة في الصعيد يعاملون معاملة سيئة، تتمثل في النبذ العملي والشعوري، واعتزال أغلبية كبيرة من المسلمين الأخذ منهم والرد إليهم، ومن الوقائع التي أنا شخصيا شاهد عليها: أن كثيرا من المسلمين في ريف الصعيد يشعرون بـ(القرف) من المسيحيين لدرجة أنهم لا يمكنهم أن يتناولوا طعاما أو يشربوا ماء في بيت مسيحي أو في مطعم يملكه أو يعمل به مسيحيين بدعوى أنهم غير نظيفين أو غير طاهرين. وبالتالي فمن الصعب بل من النادر أن تجد مطعما لمسيحيين في الصعيد، ومنها كذلك أن من المسلمين من لا يبتاعون ولا يشترون من المحال التجارية التي يمتلكها مسيحيون.

هذا وناهيك عن بعض المنتسبين إلى الإسلام من البلطجية والمسجلين خطر وآخذي الإتاوات في كثير من قرى وأرياف الصعيد يفرضون بعض الإتاوات على بعض المسيحيين، ومن الوقائع الأخرى أن ترزي مسيحي صعيدي قد حكا لي ذات مرة حين كنت أجلس معه، أن شخصا دخل عنده لإصلاح بنطلونين، قال: فناديت على ابني ليشتري لي علبة سجائر، وحين ناديت عليه وقلت يا (جرجس)، وجدت الرجل كأن حية قد لدغته، فقام من على الكرسي وهو منفعل وقال لي: هذا ابنك؟، فقلت له: نعم ابني، قال: اسمه جرجس؟، قلت: نعم، فقال: أعطني البنطلونين، فقلت له ليه فيه حاجة؟، قال: أعطني البنطلونين ولا تسأل، فقال: فأعطيته البنطلونين فأخذهما وانصرف فيبدو أنه حين علم أني مسيحي قرر ألا يتعامل معي.

هذا وناهيك عن استحلال واستباحة كثير من الشباب المراهقين المنحرفين من المنتسبين إلى الإسلام معاكسة الفتيات والنساء المسيحيات بأخس ما يمكن أن تسمع امرأة من الكلام الخادش للحياء، يحدث هذا في المدارس المختلطة وفي الشارع وفي وسائل المواصلات وغيرها من الأماكن التي يتواجد فيها فتيات ونساء مسيحيات، ولقد حكت لي إحدى الفتيات المسلمات التي تقيم في مدينة القاهرة أنها كانت تسير في إحدى شوارع القاهرة بصحبة صديقتها المسيحية وكانتا غير محجبتين، فحاول بعض الشباب معاكستهن والتحرش بهن، فحين هَمَّت الفتاة المسلمة أن تردع هؤلاء الشباب، قالت لها صديقتها المسيحية أرجوكي امشي واسكتي حتى لا يقتربوا منا فيعرفوا أني مسيحية فلو علموا أني مسيحية (هيبهدلونا).

هذا وناهيك عن أنه لو شخص مسيحي في الصعيد سولت له نفسه وارتكب خطئا ما في حق فتاة أو امرأة مسلمة، كمعاكسة فتاة مسلمة أو اغتصاب فتاة مسلمة أو أقام علاقة جنسية معها خلسة أو تحرش بها جنسيا، أو لو تعدى مسيحي على مسلم بالضرب أو القتل، تقع الواقعة وتقوم القيامة على جميع مسيحيي تلك القرية التي وقعت فيها الحادثة، بل يمتد أثرها إلى القرى المجاورة إن كان بها مسيحيين، بل وربما إلى المحافظات المجاورة،

فإن وقعت حادثة من هذه الحوادث يقوم المسلمون الريفيون بالانتقام ليس من الجاني وحده بل من كل ما هو مسيحي، حيث يتم تكسير محالهم التجارية ويتم اقتحام بيوتهم وفي بعض الأحيان يهجرون منها، أما بقية المسيحيين الذين هم على مقربة من موقع الحادث، أو في قرى مجاورة لموقع الحادث، فيغلقون محالهم التجارية، ويتوقفون عن الذهاب إلى أعمالهم، ويعتكفون في بيوتهم، ومنهم من يفر إلى القاهرة أو الإسكندرية أو بقية المحافظات الأخرى إن كان يمتلك بها بيتا، أو إلى أقاربهم إن كان لهم أقارب هناك، حتى تهدأ الأمور ثم يعودون مرة أخرى، هذا وناهيك عن هجرة أعداد غير قليلة من المسيحيين من الصعيد إلى المحافظات الكبرى في الوجه البحري أو إلى الدول الغربية خوفا على أنفسهم وطلبا للأمان.

## بعض المظاهر العامة من الإجحاف بالمسيحيين :

رغم كل تلك الممارسات العنيفة والوقائع شديدة الطائفية التي تحدثت عنهما في المقالين السابقين وغيرها والتي لا تتواجد بشكل عام في مصر كلها، إنما الغالبية العظمى منها يتواجد في الأماكن الشعبية والقرى والأرياف وخاصة في الصعيد، أي في المجتمعات المغلقة التي تعاني من ضحالة ثقافية وعلمية ومعرفية، وتتحكم فيها كذلك عادات وتقاليد قبلية عنصرية صارمة وعنيفة، إلا أن هناك من مظاهر الإجحاف العامة بالمسيحيين والمتمثلة في الأذى النفسي والألم الوجداني الديني الذي يتعرض له جميع المسيحيين في كل مكان في مصر من دون استثناء حين يسمعون ليل نهار وكل يوم وكل ساعة آيات قرآنية تصف عقائد النصارى بالكفر، إما في وسائل الإعلام المختلفة أو في خطب الجمعة.

هذا وناهيك عن الكتب التي تباع في كل مكان تنتقد عقائد النصارى وتفندها وتتهم النصارى بأنهم مشركون كفار وثنيون، وتصف (الكتاب المقدس) بأنه كتاب محرف ومملوء بالخرافات والأساطير والكذب والتلفيق، وفي الوقت نفسه لا يجرؤ مسيحي واحد يعيش على أرض مصر أن يتفوه بكلمة واحدة نطقا أو خطا أو كتابة يرد فيها على كل ما ينال من عقيدته وكتابه ودينه، لا في وسائل الإعلام ولا في كتابات منشورة ولا في ملأ من الناس مستخدما مكبرات الصوت كما يحدث في المساجد، فضلا عن أن يناقش العقائد الإسلامية ويرد عليها، وإن حدث ذلك يكون سرا ومن خلف جدران مغلقة الأبواب، وأكبر برهان على ذلك ما حدث للأنبا (بيشوي) حين طرح بعض الأسئلة في محاضرته بالفيوم حول بعض الآيات التي تكفر النصارى، فقامت الدنيا عليه وعلى النصارى أجمعين ولم تقعد، أما تصريحات الأنبا (بيشوي) التي جاء فيها أن المسلمين ضيوف على المسيحيين في مصر فسيكون لنا معها وقفة موضوعية في مقال قادم، وأنا هنا لا أطالب كما يطالب السذج والسفهاء في وسائل الإعلام بالتوقف عن مناقشة العقائد أو تفنيدها أو الرد عليها من أي طرف لعقيدة الطرف الآخر، إذ هذا الأسلوب في المنع والحجر لم يعد هذا زمانه، فنحن الآن في زمن الفضاء المفتوح وزمن الانترنت، فلا يمكن إسكات أحد أو منعه من التحدث في أي شيء، إنما أطالب بأن يكون هناك حرية منضبطة وبشكل حضاري راق بعيدا عن السخرية والتحقير والازدراء في السماح بالتحدث عن العقائد والعقائد المخالفة ونقدها أو نقضها دون أي شحن أو احتقار أو استهزاء أو استعداء أو تجريح ودون أية طائفية بغيضة تثير الفتن والاضطرابات بين العوام.

من هنا لا يستطيع منصف في هذا البلد يعرف للأخلاق والصدق والحق معنى أن ينكر أن كثير من المسيحيين يعيشون في مصر كأنهم غرباء أذلاء مقهورين خائفين متوجسين، يشعرون كأنهم ضيوف ثقيلين مكروهين، إلا أن هذا الشعور شعور نسبي يختلف في كمه وكيفه من مسيحي لآخر، إذ ليس جميع المسيحيين سواء في كم وكيف الشعور بهذا، بل فيه تفاوت كبير بين مسيحي وآخر، بين منطقة وأخرى، كيف؟.

لا يمكن مثلا أن نساوي بين حال رجال الأعمال المسيحيين المعروفين وبين مسيحيين يعيشون في العشوائيات أو في منطقة شعبية أو في القرى والأرياف سواء في محافظات الدلتا أو في الصعيد، وكذلك ليس كل سكان العشوائيات والمناطق الشعبية والقرى والأرياف من المسيحيين سواء، فهناك مسيحي غني وصاحب ثروة أو صاحب عقارات أو صاحب تجارة أو صاحب مشاريع أو صاحب أراضي زراعية وغيرها، وهناك مسيحي فقير معدم لا يملك من حطام الدنيا شيئا، وهناك من هو وسط بين هذا وذاك.

ومن كل هؤلاء تجد المسيحي المثقف والعالم والكاتب والإعلامي والصحفي والطبيب والمهندس والناشط السياسي ورجل الأمن والموظف والمدرس والمحامي والصيدلي والممثل والمخرج والمغني ورجل الدين، فهل كل هؤلاء سواء في كم وكيف الشعور بالغربة والقهر وعدم الأمان؟، كلا، فلكل واحد من هؤلاء وسطه البيئي والثقافي والمجتمعي الذي قد يجد فيه كثير أو قليل من الحصانة والمنعة التي تقلل من شعوره هذا أو تزيد فيه، إلا أنه يمكنني القول في المحصلة النهائية: أنني ما تعاملت يوما أنا شخصيا بنفسي منذ وعيت على الحياة مع شخص مسيحي في أي مكان في مصر مهما كان منصبه أو ثروته أو مكانته أو مقداره، إلا وأشعر أن لديه انكسار أو ضعف أو خوف أو تملق أو موائمة ما في سلوكياته وتعاملاته، وكذلك ما تعاملت مع شخص مسيحي من أصدقائي أو من معارفي أو ممن لا أعرف، إلا وأشعر بأن لديه غصة ما، أو مرارة ما، أو شجون ما، أو جرح ما، أو ألم ما، أو ضيق ما، أو غضب ما، أو كبت ما، في كلامه وفلتات لسانه وضحكاته وابتساماته، مهما حاول إخفاء ذلك ومهما حاول أن يتظاهر بخلاف ذلك. والبقية تأتي.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيحيو مصر ليسوا سواء
- متى يعتذر المصري المسلم عن انتمائه للإسلام؟
- الإعلام الخاص يحرض على الفتنة بازدرائه للمسلمين
- أخطاء الرصد الإعلامي لتوجهات الناس تجاه الفتنة الطائفية
- هرطقات طنطاوية على دفتر الفتنة (1)
- نعم لوفاء الإنسان لا لوفاء الكلاب
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (6_6)
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية دينية يهودية (5_6)
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (4_6)
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (3_6)
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (2_6)
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (1_6)
- ديمقراطية فقه الدين
- دعاة الفضائيات والدعوة إلى التقمص وتناسخ الشخصيات
- الفضائيات الدينية تجعل من الإسلام دينا رجعيا
- محاولات رهبنة الإسلام على يد دعاة الفضائيات الدينية
- رجال الدين وشرعنة الطغيان والاستبداد
- أمة الادعاء والأدعياء والكذب على النفس والناس
- رمضان شهر تقوى وهدى أم شهر برامج ومسلسلات؟
- هل نعي كيف تكون استخارة الله؟


المزيد.....




- أمين عام حزب الله اللبناني يبرق إلى المرشد الأعلى الإيراني م ...
- فرحة الأولاد كلها مع قناة طيور الجنة! استقبل التردد الجديد ع ...
- القوى الوطنية والإسلامية تدعو إلى تضافر الجهود لوقف جرائم ال ...
- -فرنسا، تحبها ولكنك ترحل عنها-... لماذا يختار مسلمون ذوو كفا ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة لإيران بعد تغريده بالفارسية
- “ثبت وناسة وطيور الجنة”.. أهم ترددات قنوات الأطفال الجديدة 2 ...
- صالحي: الشهيد الرئيس رئيسي خسارة عظيمة للأمة الإسلامية +فيدي ...
- قائد الثورة الاسلامية يعزي باستشهاد رئيس الجمهورية
- بوتين يعزي المرشد الأعلى بوفاة الرئيس الإيراني
- مركز -تكوين- والتنوير الانتقائي المستأجر عبر السلطة وفلكها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين