أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - لماذا نحن جبناء فكرياً وسياسيا؟















المزيد.....

لماذا نحن جبناء فكرياً وسياسيا؟


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 204 - 2002 / 7 / 29 - 02:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



 
ثمة حاجة موضوعية ماسة لفتح نقاش عريض وعميق في مشاكلنا المسكوت عنها التي نغطيها بطبقة كثيفة من المشاكل الزائفة. فما هو العائق الذي اعتقل عقولنا? افتقارنا الى الشجاعة الفكرية والسياسية. السياسيون يخشون مخاطبة جمهورهم بلغة الحقيقة والمثقفون لا يقلون عنهم رُهابا من مساءلة تراثهم ورموزه واساطيره المؤسسة لاعادة تعريف علاقتهم بلا شعورهم الجمعي لفهمه في سياقاته التاريخية فهما عقلانيا يحررهم من سلطة النص وهو العائق الذي اعاقهم حتى الآن عن مكاشفة قرائهم بأفكارهم وقناعاتهم الحقيقية. حالنا تذكرني باسطورة المدينة التي قتلها الصمت لأن حاكمها حرّم على سكانها ترويج الشائعات تحت طائلة الموت. ذات يوم رأوا العدو يزحف على مدينتهم من كل حدب وصوب، لكن قانون الصمت اعتقل ألسنتهم فتركوا العدو يداهمهم ويدمر مدينتهم التي سماها الناجون (المدينة التي قتلها الصمت). في كل مدينة - دولة جبانة يوجد رواد قلائل يخرجون بشجاعتهم الفكرية والسياسية عن المألوف. ادونيس في (الثابت والمتحول) ومحمد اركون في اعادة قراءة النص المؤسس ونصر حامد ابو زيد وخليل عبدالكريم وعياض بن عاشور... لكن هذا الاتجاه ما زال أقليا ومحاصرا بالرقابة وخناجر الاسلاميين! المفارقة ان الطلب متوفر يتمثل في رأي عام ثقافي يتطلب بلهفة الشجاعة الفكرية لارضاء فضوله ورغبته الصحية في الانتهاء من المحرمات العتيقة التي كسرتها معظم نخب العالم. يشهد على ذلك الاقبال الصارم على الكتب الممنوعة حتى بات الناشرون يتفاءلون تجاريا بكتاب يمنعه الرقيب: هذا العرق الموشك على الانقراض الا في عالمنا العربي. فما الذي حكم على سواد المثقفين والسياسيين بالجبن? دوافع سياسية، ثقافية ونفسية.
سياسيا: افتقار الحكام الى الشرعية المزدوجة، الشرعية الديموقراطية وشرعية التفاني في خدمة الصالح العام التي تعطيهم الصدقية الضرورية لثقة جمهورهم فيهم، وتاليا الثقة بالنفس لمصارحة شعوبهم بالقرارات التي تلبي حاجتها الحقيقية وان كانت تتعارض مع مزاجها الآني، ثقافيا: ما زال النقد مرادفا في وعي النخبة للهجاء بما هو تسقط للمثالب ونية مبيتة للتخذيل. كما ما زال سواد المثقفين والسياسيين يشعرون في أعماقهم بأنهم اعضاء في قبيلة لا يليق بهم انتهاك محرماتها. القلائل الذين تمردوا على قانون الصمت تحولوا من اعضاء في جسم المجتمع الى أفراد لا يشعرون بالعار من تقديم انفسهم لمواطنيهم كما هم، ولا يخشون اختيار قيمهم وأفكارهم ونمط حياتهم باستقلال عن جمهورهم. أما العامل النفسي فموروث عن مخاوف الطفولة عندما كان الاعتراف بالحقيقة يكلف الطفل غاليا: فقد حب واعجاب الأبوين الضروريين للاحساس بالأمن الداخلي. عندما يتقلد هذا الطفل مسؤوليات سياسية وفكرية يتحول خوفه القديم الى رهاب من سحب الجمهور، الذي قام لاشعوريا مقام الأبوين، للحب والاعجاب اللذين لم يعد له عنهما غنى. تفاديا لقلق الهجر يضطر الى أن يكتم عن شعبه حقيقة أفكاره فلا يقول له الا ما يريد سماعه.
والحال ان واجبه الاجتماعي يملي عليه ان يقول له ما هو في حاجة الى سماعه. هذا سبب، أو أحد اسباب، الفصام النادر الذي جعل نخبنا تمارس خطابين متناقضين سري وعلني، حقيقي وكاذب. تؤكد الوثائق ان عبدالناصر لم يفكر منذ 23/7/1952 الا في الحل السلمي للمسألة الفلسطينية مع اسرائيل لكنه باستثناء تصريح نادر في مؤتمر باندونغ في 1955 عن قبول قرار التقسيم سرعان ما تناساه كما أغضب جمهوره، ظل يردد الشعار الشعبوي (تحرير فلسطين السليبة) الذي استخدمته اسرائيل بذكاء في حربها الاعلامية للتحضير لحرب 1967.
لما التقى جمال عبدالناصر وبورقيبة في القاهرة سنة 1964 سأل الرئيس التونسي الرئيس المصري عن استنكافه من الاصداع باقتناعه بضرورة العودة الى قرار التقسيم فأجابه: عندئذ (حيجننوني) (الاسبوعية التونسية (حقائق)، 17/4/2002) فقال له بورقيبة: سأتكفل بذلك. وبعد يوم واحد القى خطاب أريحا الشهير فشنت عليه القاهرة، التي افزعتها مظاهرات الناصريين والبعثيين في الأردن وسورية ولبنان، حربا اعلامية ضارية. لتأنيب عبدالناصر كتب له بورقيبة رسالة شجاعة كالعادة لا زالت جديرة بالتأمل: (لقد زرت اللاجئين في المملكة الاردنية، كتب بورقيبة، ووقفت بنفسي على ما يقاسونه من حرمان وخصاصة ومسّ في الكرامة وكان بمقدوري ان أقول لهم ما تعودوا عليه من كلام معسول يثير حماسهم ويكسبني اعجابهم وتأييدهم، لكني شعرت بأن الواجب (...) انما هو مصارحتهم بما يعيد لهم الشعور بأن مصيرهم بأيديهم وأنهم المسؤولون عن صنع هذا المصير بما يقيمونه من خطط ويرسمونه من أهداف ويأتونه من أعمال، بدل التجمد في موقف المطالبة العاطفية التي تتغذى بالآمال ولا تسفر عن فعل. لم أستغرب ما ذهبت اليه بعض الصحف (...) من استنكار وثلب بقدر ما استغربت ما بدر عن بعض الاوساط المسؤولة في القاهرة بخصوص الموقف الذي وقفته والتصريحات التي فهت بها. والحال اننا متفقان في الجوهر كما تبين لي ذلك من خلال محادثاتنا الكثيرة عن قضية فلسطين (...) ولئن كان ما قلته يغاير ما ألفه الكثيرون من جعجعة لفظية لا طائل من ورائها، فإن المسؤولين العرب عامة والمصريين خاصة على علم بحقائق الامور (...) وكثيراً ما تناولنا هذا الموضوع مع عدد من المسؤولين في المشرق العربي فكانوا دوما يجيبونني بأن أكبر حسرة في نفوسهم هي اصرار العرب على التمسك بمواقف سلبية تجاه الحلول التي عرضتها عليهم الأمم المتحدة، ولقد قلتم لي بلسانكم خلال محادثة لنا عن ذلك انكم أثرتم موجة من الغضب لما صرحتم في مؤتمر باندونغ بأن ما عرضته الأمم المتحدة عام 1947 يمكن اعتباره حلا مرضيا فأجبتكم بأني مستعد لاتخاذ مواقف جريئة في هذا الصدد وأضفت مازحاً: آمل أن لا تهاجمني عندئذ أبواق اذاعة القاهرة وصوت العرب).
وبعدما يشرح بورقيبة لناصر قبل هزيمة 67 بأربع سنوات، مخاطر حرب عربية اسرائيلة جديدة واهمية كسب الرأي العام العالمي باعلان العرب قبول قرار التقسيم وضرورة اعتماد (سياسة المراحل) التي هي أكثر السياسات نجاعة وأقلها كلفة، لمساعدة الشعب الفلسطيني على استرداد حقوقه، يختم رسالته بأفضل تعريف للشجاعة السياسية: (واني لأذكر انني قلت في خطابي الى الملوك والرؤساء العرب مجتمعين في القاهرة ان الكفاح يقتضي أحياناً من المسؤولين ان يغامروا بسمعتهم وماضيهم فيجابهوا غضب الجماهير في سبيل حلول جريئة لا تظهر نجاعتها للعيان الا بعد مدة).
بعد عقد من خطاب اريحا ورسالته الى ناصر، أعاد بورقيبة الكرة مع عرفات هذه المرة لإغرائه بالتحلي بالشجاعة السياسية. عندما كان الزعيم الفلسطيني في طريقه الى نيويورك لالقاء خطابه الشهير لأول مرة أمام الأمم المتحدة في 13/11/1974 باسم منظمة التحرير الفلسطينية التي قُبلت فيها كمراقب، قرر التوقف في تونس لتحية بورقيبة الذي سقط مريضاً بالقلب والتهاب الكبد الوبائي والاكتئاب الحاد، لكن في لحظات خمود المرض يعود للظهور بورقيبة البعيد النظر. روى مؤرخ بورقيبة الرسمي، محمد الصياح، وقائع هذا اللقاء لـ(جون افريك) (العدد 2157 - 13/5/2002). شرح بورقيبة لعرفات الطابع التاريخي للفرصة المعروضة عليه: (لو كنت مكانك لاغتنمت هذه الفرصة الفريدة لأقول للجمعية العامة للأمم المتحدة: في 1947 تبنت منظمتكم قراراً قسّم بلادي فلسطين بين اليهود وبيننا. اعتبرنا هذا التقسيم ظلماً تاريخياً كبيراً وهو فعلا كذلك لأنه سلب الفلسطينيين نصف أراضيهم التي سكنوها قروناً وطردهم من ديارهم، لذلك رفضته قيادتنا آنذاك وهذا طبيعي. لكني جئت اليوم لأقول لكم باسم منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الفلسطينيين وتدافع عن مصالحهم، بأنني أقبل منذ الآن بهذا التقسيم حتى أجنِّب شعبي وجيراني آلاماً جديدة... أطالبكم فقط بمساعدتنا على تطبيقه). رد عرفات دونما تفكير: (سيدي الرئيس تستطيع أنت أن تقول ذلك أما أنا فلا. لو أقوله فلن يتبعني أحد. أما إذا صرحت أنت بذلك عندما أكون أنا في نيويورك فربما استطعت بطريقة أو بأخرى الاستشهاد بتصريحك). نظر بورقيبة الى ساعته وقال لزائره: (لا تتأخر عن طائرتك). بعد انصراف عرفات التفت بورقيبة الى مؤرّخه وتنهد: (يا له من كارثة! لم يفهم شيئاً. اذا واصل العرب على هذا المنوال فسيضيعون فلسطين كما أضاعوا الاندلس).
من عبدالناصر الى عرفات أخلت الشجاعة السياسية مكانها لسياسة النعامة التي قادتنا من هزيمة الى أخرى. وكل هزيمة ونحن بخير!
الحياة اللندنية


#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة لـ-حماس-: متى تنقضون حلفكم غير المكتوب مع شارون ؟
- كي لا تكون مقترحات بوش ( المؤجلة ) فرصة أخري ضائعة
- مراهنة علي ضبط تلاقح الثقافات والحضارات
- العمليات الإنتحارية مجازفة بمستقبل الشعب الفلسطيني
- ما العمل بعد الزلزال ؟


المزيد.....




- روسيا تبدأ تدريبات بالأسلحة النووية التكتيكية.. وأمريكا: موس ...
- -اتصل بنا وإلا سننشر أنك وشيت بجيرانك لحماس-.. صحيفة عبرية ت ...
- مجتمع الميم-عين: ماذا يعني أن تكون مثليا في العراق؟
- بلينكن: الإدارة الأمريكية ستعمل مع الكونغرس لصياغة -رد مناسب ...
- مظاهرة احتجاج صاخبة ضد عمدة العاصمة الألبانية تيرانا
- روسيا والعالم الإسلامي.. عرى صداقة ثقافية لا انفصام لها
- زيلينسكي يدعو السوداني للمشاركة في قمة سويسرا حول أوكرانيا
- السفارة الروسية: العقوبات الكندية الجديدة كسابقاتها عديمة ال ...
- تايلور غرين تصف زيلينسكي بالديكتاتور لإلغائه الانتخابات الرئ ...
- أبرز مواصفات هاتف Xiaomi الجديد


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العفيف الأخضر - لماذا نحن جبناء فكرياً وسياسيا؟