أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد الرنتيسي - انتحار سياسي عربي على خارطة التحولات الكونية















المزيد.....

انتحار سياسي عربي على خارطة التحولات الكونية


جهاد الرنتيسي

الحوار المتمدن-العدد: 2863 - 2009 / 12 / 20 - 23:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتقن صناع القرار في العواصم العربية فن العيش بين الالغاز ، فالحليف لغز ، والخصم كذلك ، والاوضاع في بلدانهم احجيات ، و تحديدهم لمواقعهم على الخرائط الاقليمية والدولية يتطلب الدخول في متاهات بلا نهايات .

هذه الحالة ليست وليدة اللحظة ، او المرحلة ، فهي متأصلة ، الى الحد الذي يصعب معه تحديد بداياتها ، وان طفت بعض ملامحها على مفاصل تاريخية ، كالمشهد الدولي عشية وغداة الحرب العالمية الثانية ، وحالة التجاذب الاقليمي ابان الحرب الباردة .

واذا كانت هناك قواسم مشتركة بين المفصلين التاريخيين يصعب استبعاد خروج العرب منهما بـ " خفي حنين " وهو بالمناسبة مجاز جرت العادة على استخدامه في خداع الذات للتنصل من تحمل مسؤولية الخطأ ، والتقليل من ايقاع الهزيمة ، في مجتمعات اعتادت على الهزائم .

ففي المرة الاولى تم تقسيم المنطقة العربية الى دول قطرية مأزومة بقضايا تعيق تطورها بدء من مسألة الاقليات ، وغياب الهويات الواضحة ، وانتهاء بالقضية الفلسطينية ذات الاشتباك المباشر مع قضايا الحياة اليومية للمواطن العربي .

وفي الثانية تم استخدامهم ـ دولا ومليشيات و بنسب متفاوتة ـ في حروب المعسكرين ، واكتشفوا بعد فوات الاوان ، وتجليات سياسات القطب الكوني الوحيد ، انهم كانوا كمن يحفر قبره بيديه .

فلم يكن المنطق "الفهلوي" في العلاقة مع السوفييت مجديا لعواصم الخيارات المعلقة ، والقرارات المؤجلة ، والبحث عن الانتصارات السهلة .

وتحول زمن الثنائية القطبية الى ما يشبه "النوستالجيا" لحلفاء الراسمالية الموغلة في توحشها .


فالازمات التي تعيشها الدولة القطرية العربية بعد انهيار ثنائية القطبية ، والتحولات التي تنذر بها هذه الازمات ، لا تقل من حيث خطورتها عن افرازات ما بعد الحرب العالمية الثانية .

الا ان هذين الاكتشافين بقيا دون تاصيل الحد الادنى من منهجية المراجعة في الذهنية العربية .

وغياب المراجعة احد الاسباب التي تحول دون قدرة السياسيين العرب على تحديد مواقعهم على خرائط التحولات ، وليس كلها ، فهناك ايضا سرعة التحولات العالمية ، وافتقار ذهنيات سياسيينا للديناميكية ، المفترض توفرها للاشتباك مع لحظة التحول .

قد تكفي هذه المقدمات لتفسير حالة الارتباك والتيه التي تعيشها العواصم العربية باشكال تكاد تكون متساوية لكنها لا تبرر التحايل على الذات لتسويغ استمرار حالة الترنح في عالم متغير .

فالتفسير محاولة لكشف الخلل ، توطئة للعمل على تلافيه ، والتبرير يقود الى التعايش مع افرازات الكوارث ، دون مراجعات حقيقية .

وفي واجهة الالغاز التي يجري التعايش معها السياسة الاميركية تجاه قضايا المنطقة .

فلم تزل الذهنية العربية مشدودة نحو نمطية الفهم ، حين يتعلق الامر بموقف البيت الابيض ، من قضايا ما كان يعرف بالعالم الثالث ، والدول النامية ، وغيرها من المصطلحات التي جاد بها قاموس الحرب الباردة .

ولعل ابرز ملامح هذه النمطية اسقاط مفاهيم شرقية مشكوك في صحتها لدى الشروع في محاولة تفكيك آليات صنع القرار الاميركي .

فهناك ما يشبه القناعة بقدرة الرئيس الاميركي على احداث تغييرات جذرية في سياسة بلاده الخارجية .

وترتبط هذه القناعة بشروط مثل ايجاد بطانة صالحة حول الرئيس ترشده الى الطريق القويم ، دون ادراك ان هناك خارطة طرق متشعبة في ادراج البيت الابيض ، وان الطريق الذي يراه العرب قويما ، قد لايراه الاسرائيليون كذلك ، فالمعايير التي تحدد مواصفات الطريق القويم حين يتعلق الامر بالصراعات الاقليمية لا تستند الى المنطق ، بقدر ما هي نتيجة لقدرة القوى المتصارعة في التاثير على موازين القوى الدولية .

وفق هذه الرؤية جرى التعامل مع وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض باعتباره الخطوة الاولى لقيام الدولة الفلسطينية التي بشر بها سلفه جورج بوش الابن الموصوف بانه الرئيس الاميركي الاكثر دموية .

كما امتلكت رؤية الطبقة السياسية والاعلامية العربية التي اختطفت الشارع خلال فترة الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة وعلى مدى الاشهر الاولى من ولاية الرئيس اوباما قدرة الانقلاب على ذاتها .

والانقلاب السريع ـ بحد ذاته ـ يقود الى قناعة بان النخب العربية المتفائلة بالرئيس الجديد كانت تركض خلف خيط دخان .

بطبيعة الحال لا تقتصر دلالات انقلاب السياسيين والاعلاميين العرب على الموقف المتفائل بالرئيس الاميركي وادارته على "الاخفاق والفشل " فمن ضمن ما يمكن قوله في هذه الحالة ان صناع الراي العام العربي يعيدون انتاج دفاعاتهم عن الانظمة الدكتاتورية التي تحكمهم .

فالدفاع عن انظمة الحكم المتخلفة في المنطقة يرتبط على الدوام بوجود بطانة فاسدة تضلل الحاكم العادل وتقوده الى السلوك الدكتاتوري التدميري وارتكاب الظلم والتفرد بالحكم .

وتنطوي سرعة الانتقال بين التفاؤل المفرط لمجرد رحيل جورج بوش الابن عن البيت الابيض وقدوم اوباما والاحباط الذي اعقب تنازل واشنطن عن شرط وقف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية على حيادية ما وغياب للمسؤولية في التعاطي السياسي والاعلامي مع قضايا مصيرية كفلسطين والعراق والاصلاح السياسي والاقتصادي .

ففي سرعة التحول هذه ما يشبه الجلوس في ستاد رياضي لتشجيع لعبة كرة قدم دون الانحياز لاي من الفريقين المتباريين .

وبدلا من الاعتراف بالعجز ، والبحث عن اليات جديدة للنهوض ، كما فعل اليابانيون بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الاولى ، يصر النظام الرسمي العربي على خداع الشارع ، وتسويق اوهام امكانية التأثير في القرار الاميركي ، لاجبار واشنطن على فرض التسوية،دون تحديد الطرف القادر على القيام بعملية الاجبار .

فالقطب الكوني الوحيد شرط من شروط الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي العربي ، في ظل ازمة الشرعيات ، وانتقال العقود الاجتماعية الناظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم الى طريق مسدود .

ومن غير المعقول ان ينقلب نظام سياسي ما على شروط بقائه واستمراره بفتح ابوابه امام فوضى كونية لا تستطيع بناه الداخلية الضعيفة مقاومتها .

حالة الشيزوفرينيا ، التي تعيشها الطبقة السياسية العربية ، ومنظومتها الاعلامية ، لا تقتصر على الملف الفلسطيني ، ففي المنطقة وفرة من المحكات ، التي يعجز الخطاب السياسي العربي عن تجاوزها ، دون انكشاف هشاشته .

احد هذه المحكات ، النهايات المفتوحة للملف النووي الايراني ، الى حد صعوبة التعامل مع التطورات المتلاحقة .

فالسيناريوهات التي يجري تداولها ، بدءا من صفقة تقاسم النفوذ ، وانتهاء بالضربة العسكرية الموجعة ، مرورا باسقاط النظام ، واردة وان كانت احتمالاتها متفاوتة .

بناء على كل احتمال من هذه الاحتمالات ستتحدد المتغيرات المقبلة ، والتي سيكون للعرب نصيب وافر منها ، باعتبار بلادهم احدى ساحات تصفية الحسابات الايرانية ـ الغربية ، وميادين محتملة للتصعيد العسكري المقبل في حال حدوثه ، ومنطقة النفوذ التي يدور الصراع للسيطرة عليها.

وكل ما يستطيع العرب فعله في هذه الفترة ـ الاقرب الى الانتقالية ـ الانتظار وتلقي النتائج تماما كما كانت عليه حالهم عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ومع بدء العد العكسي لنهايات الحرب الباردة .

فالتصريحات التطمينية التي تنهال من الطرفين الايراني والغربي لا قيمة لها في ميزان التحولات والمتغيرات الاقليمية الكبرى .

والواضح من خلال الاداء الرسمي العربي ان اقصى طموحاته لا يتجاوز الخروج من المنعطف النووي الايراني المقبل باقل قدر من الخسائر .

تعاطي الطبقة السياسية العربية وصناع خطابها السياسي مع موقف اميركي مأزوم من بين ملامح المأزق الذي تمر به وهي تعبر المنعطف المقبل .

وقد تكون حرب افغانستان الاكثر تعبيرا عن حرج الموقف الاميركي ، فالخيارات المتعلقة بالملف الايراني باتت واضحة ، ولا يحتاج الامر الا لقرار غربي حاسم ، والملف الفلسطيني قابل للتأجيل من المنظور الاميركي الخاضع لحسابات اللوبيات وغياب التأثير العربي ، وفي العراق تمسك واشنطن بخيوط عملية سياسية شكلية ، تتقدم وان كان بخطى عرجاء .

فهناك مخاوف اميركية حقيقية من تحول افغانستان الى فيتنام اخرى تستنزف القدرات الاميركية ، وفي المقابل لا توجد مخارج واضحة لدى الرئيس اوباما ، سوى مواصلة حرب عبثية ، وان كان قد حدد موعدا للانسحاب .

الا ان العواصم العربية اثبتت بما لا يدع مجالا للشك فشلها في الاستفادة من مأزق القطب الكوني الوحيد وازماته المستعصية .

والاخطر من ذلك انها تعيد انتاج مشهد العجز عن تحديد موقعها على خرائط الازمات الكونية دون اية استفادة من التجربة لتدلل من جديد على غياب حالة الوعي التراكمي .



#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتراع عراقي على اعادة انتاج الازمات
- الوعد الاميركي والقشة الاوروبية
- عودة فلسطينية الى زمن الاشتباك
- الخيارات الصعبة
- ظاهرة الافلاس السياسي
- حاضنة عربية للمزاج العراقي
- عقدة وادي عربة !!
- ملكيرت يطرق جدران الضمير العالمي
- ازمة التمثيل تقلص هامش المناورة الفلسطينية
- المصالحة المستحيلة
- ما تبقى من خطاب حكومة المالكي
- مقامرة - حمساوية - بالذخيرة الحية
- الانكشاف الكوني يضع المنطقة على حافة المواجهة
- غطاء اميركي للاستيطان الاسرائيلي
- انكفاء عربي عن المشهد الاقليمي
- عبث اميركي في حقل الالغام الشرق اوسطي
- الاخوان يتسلقون العملية السلمية
- مشارف الحسم الفلسطيني
- مفاتيح جديدة لقراءة المرحلة المقبلة
- فتح تستعيد زمام المبادرة


المزيد.....




- شاهد لحظة تشكّل إعصار أمام لاعبي غولف
- رئيس هيئة تنشيط السياحة المصرية: المتحف المصري سيكون الأكبر ...
- مصر.. تفاعل على فيديو فتاة صورها مُقيم -بقصد المزاح- والداخل ...
- حرب غزة بيومها الـ222: معارك ضارية وقصف جوي مستمر وواشنطن تم ...
- بايدن يرسل المزيد من الذخائر إلى إسرائيل بقيمة مليار دولار و ...
- طلاب -هارفارد- ينهون احتجاجهم بعد موافقة الجامعة على بحث تسا ...
- مصدر: زيلينسكي يلجأ لحشد قوات نسائية بالكامل في خاركوف بعد ا ...
- البيت الأبيض يدرس -كيفية الرد- على اعتداءات المستوطنين على ش ...
- وزير دفاع السويد: لن نرسل قوات إلى أوكرانيا وسننظر في مقترحا ...
- لبنان.. أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع بعد خلاف مع والدتهم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جهاد الرنتيسي - انتحار سياسي عربي على خارطة التحولات الكونية