محمود شادي
الحوار المتمدن-العدد: 2368 - 2008 / 8 / 9 - 05:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا يقول وهذا يوصف وذلك ينعت والآخر يشتم " ونحن نسمع ونضحك , يقال لنا أن الحياة تعني الحرية وأن الحياة هي الديمقراطية وأن الحياة تعني ...الخ , نصادف دائما أقوال سواء من بني جلدتنا أو من الخارج بأن الدين الإسلامي دين رجعي ودين تخلف ودين همجي يدعو إلى التخلف و الأهم أنه يدعو إلى سفك الدماء , وقد ناولني يوماً أحد الصحفيين الذي لا أريد ذكر أسمه وقد عرض في رسالته موضوعاً عنوانه الرسالة الخالدة إلى المسيحيين وما إلى ذلك , فلم أقم بالرد عليه لأن الرد هنا وخاصة لغير المسلم لا يكون مقنعاً له بنسبة كبيرة إن ما خاطبته بلغة الداعية ولغة الدين وتبين الأحاديث والآيات وما إلى ذلك , فالحقيقة سأبدأ من هنا موضوعي هذا الذي أريد أن أشير لبعض النقاط الهامة في ما يعرف بتخلف الإسلام وعدوانية الإسلام وما إلى ذلك , لكني سأختص هنا بسبب اتهام الإسلام بالرجعية , منذ زمناً بعيد ونحن نسمع ونشاهد هذا وذلك والأخر يقول بأن تخلف المسلمون يعود إلى الدين الذي يعتنقوه , الحقيقة هي بأن ليس الدين هو التخلف , لأن جميع الأديان السماوية لها مراحل ولها خطوط حمراء , وهذا لا يقتصر على دين بعينه وإنما جميع الأديان فمثلاً المسيحية كانت تقتل وتضايق كل عالم يقوم بشرح نظرية علمية دنيوية بحته إلى أن تم اعتماد قانون العلمانية أو ما يعرف بفصل الدين عن الدولة ما أدى إلى حد من تدخل الكنيسة في دور العلماء وفي حياتهم وفي مشاريع بحوثهم عن واقع معين , فكذلك الإسلام ولكن للأسف توجد وما زالت عوائق كبرى تمنع من تحقق ذلك , فتشدد بعض المسلمين للدين وتسليم الأمر للحياة الدينية فقط دون أن يكون للحياة الدنيوية دور جعل من الأمة من أوائل الأمم عفواً من أواخر الأمم حضارياً لهذه اللحظة وهذا لا يعني بأن هذه الأمة كانت كذلك منذ بداية تاريخها الحضاري , ولكن الذي لا نختلف فيه بأن الحضارة الإسلامية مرت بمد وجزر طيلة تاريخها منها الصراعات الداخلية والخارجية و ...الخ , ولا ننسى بأنه ذات يوماً انطلقت الحضارة الإسلامية إلى مهد التقدم في أعلى مستوياته وبين جميع الحضارات الأخرى والذي من خلالها استسلمت الحضارات الأخرى لها وأعلنت لها الانتصار , ولا ننسى دور علماء العرب المسلمين منهم أو بالأحرى على رأسهم أبن رشد ورغم أنه كان مفكراً بارعاً ومسلماً مثقفاً إلى أنه وصل لحد التكفير حينها , ولعل هذا يدل على خلل في العقل الإسلامي الذي يرسم الدنيا كدين ولا شئ سوى الدين , مما جعل من أمتنا أضحوكة بين الأمم في الوقت الراهن , وأن الفكرة الرائجة خارج حدود وخارطة المسلمين هي التخلف ولا شيء سوى التخلف , ولعلي أجزم هنا بأن الخلل من ذلك يولد من تلك العقول اليابسة والفارغة فكرياً التي تعمل وتسهر كي تحطم كل ما هو جميل وكل ما هو علمي أصيل , بحجة أن هذا حرام والشروع في مشروع علمي مخرج من الملة وتارة ...الخ , عشت في مجتمع مسلم ربما أرى فيه روح الكفاح من أجل الكرامة ضئيل , والبحث عن طموح معدوم , و العمل على تطوير الذات نادر , والكفاح من أجل العلم محروم , و انتهاج الأفكار التحسينية محسوم , وبين هذا وذاك لا نرى سوى كتيبات تدعو إلى تذكر الآخرة ورسم صورت النار وصورة القبر ما إلى ذلك , مما يجعل منا بشراً خائفين لبقية عمرنا حتى من أنفسنا , وربما هذا من بعض الأسباب التي ترسم على وجيهتا الجهل والخوف وتدعو أو تميل للتطرف الفكري والجسدي الذي يحصل بيننا سواء على مستوى الفرد أو المجتمع , وأني أوضح بأن عبادة الله سبحانه لا تعني تخلفاً ولا رجعياً , بل المشكلة هي كما أشرت إلى العقول المتحجرة والمتعصبة والمتشددة , وأن الدين الإسلامي لا يعني التخلف ولا يدعو إلى ذلك , بل أن أول كلمة ألقيت على رسولنا صلى الله عليه وسلم هي " أقرأ مما يعني بأن العلم منبر الإسلام وعنوان له , وكذلك يدعو الإسلام , ولا يعني التقدم فكرياً خروجاً عن الإسلام , ولا ننكر بأن هنا خطوط حمراء , وثوابت مسلمة , لكن لا يعني ذلك الوقوف , لأن الحقيقة تحتاج لإثبات , والبحث والعمل عليها يقضى بالوصول للحقيقة الأقرب مما يعني أثبات ما ذكر بالدين الإسلامي علمياً ليس فقط للمسلمين وإنما لغير المسلمين الذين يحتاجون إلى ذلك , وليس فقط من خلال إقامة حفلات عفواً حلقات دعوية وما إلى ذلك , التي باتت لا تجدي نفعاً بل تزيد رؤية غير المسلمين فينا بأن هذا الدين ليس سوى دين عدواني و...الخ , فالعمل أفضل من الكتابة والقراءة , والتغير الجزري في الفكر المجتمع الإسلامي سيدفع الأمة نحو الأمام ونحو الأفضل , وسيحرك كثيراً من ركود الحضارة الإسلامية طالما أتسمت في الرجعية , لذلك علينا التغلب على تلك العقدة , واستمررنا في الحياة يعني أثبات حضارتنا في إطار الشرعية الإسلامية ولكن بعيد عن التشدد والتخلف , وإثبات للمجتمعات الأخرى الوجه الحقيقي لمجتمع الإسلامي الذي يتسم بالتسامح فكرياً وحضارياً ( ليس حقوقياً لأن الحقوق والواجبات الدينية مسلمة وغير قابلة للتسامح أو التنازل ) , وليس كما يرونه بنظرة سلبية مؤلمة , فالمجتمع الإسلامي لديه عقل , لكن أين وكيف ومتى ..!!
#محمود_شادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟