محمود القبطان
الحوار المتمدن-العدد: 2156 - 2008 / 1 / 10 - 03:57
المحور:
كتابات ساخرة
منذ الاحتلال وكل الناس الطيبون يُطالبون الساسة في العراق بعدم اقحام رجال الدين في
السياسة,لان رجل الدين له مهام اعظم من الولوج في بحر التهديدات والتنازلات والتوافقات والتي نشاهدها يومياً في بلاد الرافدين.وعندما يريد بعض الساسة ان يفرضوا
شيئاً يهرولون الى المراجع ليصبغوا اعمالهم بتصريحات من المراجع مقتطعةً ليعلنوا ان المرجعية قالت وايدّت ونصحت ,وفي اليوم التالي يُصرّح الناطق الرسمي بأسم المرجعية
ان آية الله السيستاني لم يؤيد طرفاً دون طرف الخ..وقد دعى رجال دين مُتنورين الى عدم اقحام الدين في الساسة.واليوم يُراد اقحام رجال الدين المسيحيون بالسياسة عبر الاشارة الى مركز غبطة الكاردينال الذي تبوأ مركزاً عالمياً في الفاتيكان مما زرع الفرحة في العراق عبر هذا التكليف.وقد لاقت هذه الخطوة بترحاب على كافة المستويات.وقيل ان الاب
الكاردينال طالب بأطلاق سراح طارق عزيز ,وهنا اصل الى ما اود ان اطرحه مع كامل احترامي للجميع.بنفس الروح والقوة اُدين القتلة الذين فجروا الكنائس مثلما اُدينهم عندما
يقترفون نفس الجريمة ضد الجوامع والاضرحة,لان الجريمة واحدة مهما تعددت الاهداف
والقتيل هو انسان قبل كل شئ حرم الله قتله وهو عراقي ابن الرافدين.
لقد شارك المتهم طارق عزيز وبشكل فاعل في كل القرارات التي اتخذها صدام منذ 1979
واعدام العديد من قادة البعث آنذاك ولآخر يوم قبل سقوط النظام فهو كان في الخطوط الامامية في القيادة,وصدام ليس بالغبي ليستثني احداً من القادة السياسين او العسكريين
دون ان يُشركه في جرائمه.وبغض النظر عن ثبوت الجريمة ضد طارق عزيز من عدمها
فان القانون هو الحكم والفصل, الا ان عزيز وعند جلبه للشهادة لم ينبس بكلمة واحدة ضد القائد,كما سماه تارة ,وتارة أُخرى سماه السيد الرئيس,ولحد وقت الشهادة اما انه لم يمتلك
الجرأة في ادانة رئيسه حيث كان من اقطاب النظام او انه اصرّ على انتمائه العقائدي وهذا من حقه لكن من حق الدولة ان تُحاسبه وفق القانون والعرف الدوليين ,حيث لم تتوفر لمعارضيهم وقتها حتى زيارة قصيرة من ذويهم. الجميع يُشبهون العراق والمُصالحة
الوطنية بما حدث بعد سقوط النظام العنصري في جنوب افريقيا.ان اوجه الخلاف بين الحالتين هي اولاً ان في جنوب افريقيا وبغض النظر عن عنصرية نظامها انذاك الا ان كانت فيها مؤسسات وتتأثر وتحسب حساباُ للرأي العالمي ولو لا ذلك لكان منديلا في
عداد الموتى مع رفاقه منذ اليوم الاول كما كان يحدث في عراق طارق غزيز ورئيسه
حيث كانوا يُعانون من الطرش الحاد ومعارضيهم مصيرهم الثرم او في احسن الاحوال
الرمي بالرصاص واجبار اهل الضحايا بدفع ثمن الرصاص.وبعد سقوط النظام العنصري
جرت المصالحة عبر اعتذار المجرمين امام الرأي العام وقلة هم من لم يعتذر للشعب.
اما في حالة البعث كحزب عموماُ وقيادةً سواء من هم في السجون او خارجها لم تبدر من
اي منهم اية بادرة اعتذار عما اقترفوه تجاه الوطن والشعب,واحدهم طارق عزيز,ولو
فعلها الاخير لكسب احترام الجميع ,لكنه لم ولن يفعلها لعدم توفر الشجاعة لديه.لا
اعتقد ان طارق عزيز لا يعلم ما المّ بالشعب العراقي خلال 35 عاماً من القهر وفقدان
الحريات والفساد, الذي لم يُضاهييه الا فساد النظام الحالي,وهذه مفارقة مُحزنة,وكذلك
اقحام البلاد في اتون حروب مُدمرة مما سهّل الاحتلال وماحدث وما سوف ينتظر العراق من احداث لم تكن في الحسبان.
من هنا تأتي معارضتي لاطلاق سراح طارق عزيز وبغض النظر عن موته سياسياً ام لا.
عليه ان يُكافح من اجل البقاء واثبات برائته ان كان بريئا دون التعكز بدينه او نداءت ولده
الذي ذاق سجون صدام ولم يجرأ ابيه من ان يطلب من صدام اطلاق سراحه والقصة
معروفة السبب وكانت حديث الشارع.
اما انه الرجل المسيحي الوحيد من بين المتهمين فهذا لا يُقدّم ولا يُأخّر شيئا.
وهنا اقول مرة أخرى من الضروري بمكان ان لا يُقحم الدين في السياسة والقانون,لان قوائم المتهمين طويلة وان استثنينا واحداً مهما كان دينه فما هو الموقف من الآخرين؟
ومما قاله د.وديع بتي حنا:"مالذي يخسره شعباً كمجموع ,ويخسره كل منا شخصياً لو اُطلق سراح طارق عزيز...."اقول ان الشعب العراقي سوف يخسر من اطلاق سراح عزيز هو ان الآخير ظلَّ للاخير عند قناعاته بعدم الاعتذار وكانت عنده فرصة كبيرة لذلك ليريح
نفسه والناس.لايمكن التعكز بمقولة:لا تنه عن خلق وتأتي بمثله" والا سوف يصبح
العراق الجديد جداً اسوأ من اية دولة في قبول الذبح وعدم وجود عقاب,لئلا تأتي بمثله.
بعد 50 الى 100 سنة قد يكون التسامح سمة من سمات الشعب العراقي ,مثلاً , لكن هذا
يتطلب التغيير الجذري بكل المفاهيم الموجودة عبر التقدم والعلم واختفاء ظواهر الارهاب
والقتل.ان الجرائم ,لاسيما الكبرى منها,لا تسقط بالتقادم,مهما تطلبت الظروف السياسية لان تجلس مع قاتل اخيك’لان في النهاية القانون يجب ان يأخذ مجراه,مهما تقدمت الامة
حضارياً,وخذ مثال رئيس المؤتمر الوطني الافريقي الجديد الذي اُنتخب حديثا حيث اُحيل
الى القضاء مُجدداُ ومهما طال الزمن لا بد له المثول امام القضاء .وبالتالي كل رموز النظام السابق عليهم المثول امام القضاء وليدافعوا عن نظامهم او انفسهم والفصل والحكم عند القضاء ويجب القبول به .سوا بالاعدام ام عدمه فأن اركان النظام السابق قد دفنوا
اسرارهم,لان في ذلك هو الادانة لهم,ولذلك يحاول المحامون العديدون ان يوقفوا اي تداعي
في مواقف البعض لكي لا تنكشف اللعبة كلها.واخيراً اُكرر ,مع كبير الاحترام لغبطة الكاردينال , اقول انه طالب بأطلاق سراح طارق عزيز دون سواه,و هذا بسبب الدين,فهل
نسامح شخصاُ من دين مُعيّن دون الآخرين؟
#محمود_القبطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟