لا أستغرب أن يتساءل الكثيرون عن دعوى إطلاق العنوان، النداء، والصرخة؛ خاصة وأنّها تبدو بديهية لأبسط الناس؛ منذ أن تجاوزت البشرية مرحلة ما عرف بمحاكم القرون الوسطى، ومآسيها..
وأتوقع من بعض القراء أن يدقق في تاريخ ومكان كتابة هذه الأسطر، لأنهم سيتوقعون أنها كتبت منذ عصور خلت، والبعض يتوقعها خيال من خارج التاريخ والعالم، ولا أستغرب أن يرى فيها البعض عكس الغاية التي تكتب من أجلها، ألا وهي مصلحة الوطن، والغيرة على سمعته، ومكانته الحضارية..
إنّ هذه الصرخة صادرة في أواخر السنة الثالثة من بداية الألفية الثالثة، بعد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، ومن بلد الأبجدية الأولى في العالم.. وسبب إطلاق هذه الصرخة، النداء، هو ما طالعتنا به وسائل الإعلام، والفضائيات العربية والعالمية، من خبر إحالة النيابة العامة في مدينة حلب، إلى النيابة العامة العسكرية أربعة عشر مثقفاً، سياسياً، ومستقلاً .. بجنحة الانتماء لجمعية سرية، والقيام بأعمال من شأنها الحض على النزاع بين عناصر الأمة.
ومن المعلوم أنه سبق والقي القبض على هؤلاء المثقفين مع ستة آخرين، يوم 22/8/2003 ، أثناء توجههم لحضور محاضرة ، في منتدى عبد الرحمن الكواكبي ـ هذا المفكر الحر الذي لاقى الحظر من قبل ولاة في العهد العثماني، نتيجة أفكاره التنويرية، ومواقفه من الظلم والاستبداد ـ كان سيلقيها الأستاذ محمد عبد المجيد منجونه دون علمهم أنها ألغيت، نتيجة ضغوط أمنية. وقد زجّ بهم آنذاك في قسم شرطة العزيزية بحلب، حيث أفرج عن ستة منهم، في نفس اليوم ، وأبقي الأربعة عشر الآخرون قيد التوقيف لليوم الثاني ظهراً ، و أفرج عنهم في حينه، بعد أن نظم بحقهم ضبطاً أحيلوا بموجبه إلى القضاء العسكري، وفق أحكام قانون الطوارئ والأحكام العرفية. وهؤلاء السادة هم : 1- سمير نشار 2- نجيب ددم 3- فاتح جاموس 4- زردشت محمد 5- عبد الغني بكري 6- حازم عجاج اقرعي 7- محمد ديب كور 8- عبد الجواد صالح 9- هاشم هاشم 10- غازي مصطفى 11- يسار قدور 12- صفوان عكاش 13- رشيد عكاش 14- فؤاد بوادقجي
من الطبيعي والمحتمل أن يكون أيٌّ منا بين هؤلاء، إذ أنّ حضور محاضرة من أبسط الحقوق التي يتمتع بها سائر الناس.. وإن اختلفنا مع المحاضر والحضور، فالطريق السليم للتعامل معهم، هو الحوار، وليس الإحالة إلى محكمة أمن الدولة..
كيف سيفسر المواطن العادي التناقض بين ما يسمعه من تصريحات صادرة من أرفع المسؤولين، حول الحريات الديموقراطية، ووجود المنتديات، وبين حظر إقامة محاضرة، وإحالة من يود حضور محاضرة إلى محكمة أمن الدولة؟
أي صورة سلبية عن وطننا ستترك مثل هذه المحاكمة، في ذهن الرأي العام العالمي؟.. كيف سينظر العالم إلينا، وكيف سيتعامل معنا ومع قضايانا؟!
إنّ الحاضر تاريخ سنعيشه.
ترى ماذا سيقول التاريخ، عمن يحيل مثقفين إلى المحكمة، نتيجة توجههم لحضور محاضرة؟
ماذا سيقول التاريخ عن هذا الزمان، وعن المؤيدين، الصامتين، والساكتين حيال مثل هذه الأحداث؟
إنّ المصلحة الوطنية، وانسجامنا مع ذاتنا، ومع ما نصرح به، ومع متطلبات التطور التاريخي والحضاري السليم، يتطلب، العمل على الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وإنهاء العمل بقوانين الطوارئ، والمحاكم الاستثنائية، وإلغاء محاكمة هؤلاء المثقفين..
طرطوس 26/9/2003 شاهر أحمد نصر
[email protected]