أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - صفحات ديموقراطية مضيئة في تاريخ سورية لمحة موجزة من تاريخ الصحافة في سورية















المزيد.....


صفحات ديموقراطية مضيئة في تاريخ سورية لمحة موجزة من تاريخ الصحافة في سورية


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 510 - 2003 / 6 / 6 - 23:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 

صحيفة " النصر " كنموذج ومثال
 
تمهيد :
من الظواهر الإيجابية والهامة ذات البعد الديموقراطي ، التي عرفتها البلدان العربية ، ومنها سورية ، في بداية القرن العشرين ظاهرة الصحافة . فقد لعبت الصحافة دوراً مميزاً على صعيد الإعلام الجماهيري الواسع .. وكان لها باع كبير في جمع وتوحيد الكلمة ، وحشد الرأي العام حول أهداف سياسية واجتماعية ووطنية كالمطالبة بالاستقلال ، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ..  كما لعبت دوراً هاماً في توعية وتثقيف الجماهير ..
تفتخر الصحافة في سورية في بداية وأواسط القرن العشرين ، بالعديد من الأسماء اللامعة التي قدمتها للتاريخ ولخدمة الشعب والوطن .. ستبقى الأجيال تذكرها  مهما اختلفت الآراء حولها ، ومن الطبيعي أن تختلف هذه الأسماء فيما بينها وتختلف الآراء حولها .. وهذا لا ينفي أن كل واحد من أصحابها قام بدوره في العمل والنشاط لبناء الصرح العظيم الذي للتاريخ السياسي لسورية  .. ولا يقلل من أهمية ذلك الدور ..
ومن الملفت للانتباه أنّ أغلب مؤسسي الصحف في سورية كانوا من الأدباء والمفكرين وخيرة المثقفين..  وكان في طليعتهم الصحافي الرائد والكاتب العربي المرموق الأستاذ " يوسف العيسى "  صاحب ومؤسس صحيفة " ألف باء " ، التي تعد الأقدم بين جرائد سورية كلها .. ومن الأدباء والصحفيين اللامعين " معروف الأرناؤوط " 1892-1948 الذي أصدر عام 1918 صحيفة " الاستقلال العربي " بالاشتراك مع عثمان قاسم ورشدي ملحس وفي عام 1919 أسس مجلة أدبية باسم " العلم العربي " و أصدر في عام 1920 صحيفة " فتى العرب " .. والأديب الراحل أحمد مظهر العظمة (1909-1982) رئيس تحرير مجلة التمدن الإسلامي منذ تأسيسها عام 1933 .. والصحفي اللامع حبيب كحالة (1898-1965) صاحب  مجلة " المضحك المبكي " وأسس عام 1919 صحيفة " سورية الجديدة " حتى عام 1928 ، وأبدلها بمجلة " المضحك المبكي " (1928-1965) ، وأصدر مجلة " المصور " (1936-1943) وأصدر صحيفة يومية باسم دمشق (1947-1948) .. و الأستاذ نصوح بابيل الذي ولد في دمشق عام  1905  صاحب صحيفة الأيام .. وبشير كعدان (1913-1980) صاحب صحيفة الجمهور (1954-1958) .. الخ
أجل لقد أسس أولئك الرواد الأوائل صحافة ، تعد منارات تضيء أمام شعبنا معالم الطريق ، أمثال : المقتبس والقبس ، وألف باء ، والأيام ، والنصر ، والإنشاء ، وفتى العرب ، والاستقلال ، والمضحك المبكي ، وصوت العرب ، والحضارة ، والكفاح ، والنضال ، والشام ، والفيحاء ، والنقاد ، والدنيا ، والعلم ، وعصا الجنة ، والمنار ، والنور، وصوت الشعب ، وبردى ، والأخبار ، والصرخة ، وغيرها .. إضافة للصحافة التربوية والفنية والصحية والرياضية والروحية .. 

 وديع صيداوي و " النصر "
من الأسماء اللامعة في الصحافة السورية : اسم وديع صيداوي ، صاحب ومؤسس صحيفة " النصر " ، هذا العلم الذي سيتبوأ مكانة مرموقة ، عندما يصحو الزمن من غفلته ، وتتوفر الظروف الموضوعية اللازمة لدراسة علمية للصحافة السورية ، وأثرها في قضايانا القومية وتحررنا الوطني ، عندما يحدد دور كل صحيفة في ميدان النضال في سبيل الاستقلال ، والتحرر من تخلف موروث في ميادين الاجتماع والاقتصاد والسياسة ..
ولد وديع صيداوي في دمشق عام 1908 ، وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية والثانوية في الجامعة الأمريكية في بيروت ، والعالية في معهد الحقوق العربي بدمشق ، وبعد أن مارس المحاماة مدة سنتين ، امتهن الصحافة فحرر في صحيفة " ألف باء " ليوسف العيسى ، ليصبح رئيساً لتحريرها حتى عام 1943 .. ثم أراد أن يستقل بمشروع صحفي خاص ، فأصدر في أيام الحرب العالمية الثانية صحيفة " النصر " التي بشّر فيها بالنصر على الديكتاتورية والفاشية .. وغدت صحيفته واحدة من الصحف الوطنية التي تناغمت صفحاتها مع صفحات الحدث السياسي في قطرنا السوري ومحيطه القومي ، وإلى ما هو أوسع وأبعد في المدى الجغرافي الذي يتصل بالوطن العربي الكبير طوال فترة صدورها لمدة عشرين عاماً متواصلة (1943 – 1963 ) . " واستطاع وديع صيداوي وجريدته أن يكونا مدرسة صحفية متفوقة ، تخرج منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الأستاذ أحمد عسه ، الذي أصبح فيما بعد صاحب صحيفة " الرأي العام " ومديراً عاماً للإذاعة : وتخرج منها المرحوم بشير كعدان ، الذي أصبح فيما بعد صاحب صحيفة " الجمهور " (1)         
وللوقوف عند آلية عمل هذه الصحيفة كنموذج ومثال لعمل الصحافة السورية في أيام الصحافة الديموقراطية الحرة ، نقرأ ذكريات بعض من عاصروها وعملوا فيها ..
يقول الأستاذ أحمد عسه : " أدخل وديع صيداوي جهاز " هيل شرايير " التابع لوكالة أنباء رويتر إلى مبنى صحيفته ليلتقط عليه زبناؤها الخدمات الإخبارية التي يشتركون بها ويدفعون ثمنها شهرياً .. والتقط خبراً فيه تفاصيل غير قليلة عن اتفاقية بريطانية ـ فرنسية وقّعت ذلك اليوم ، وعرفت فيما بعد باسم "اتفاقية بيغن ـ بيدو" تتعلق باتفاق الحليفين على الوضع الجديد لكل منهما مستقبلاً فوق الأراضي السورية والأراضي اللبنانية … كانت هذه الاتفاقية تضمن انسحاب القوات الفرنسية من سورية ولبنان ، ولكنها لا تضمن انسحاب القوات العسكرية البريطانية التي دخلت سوريا ولبنان بعد انتصارها على قوات فيشي ، بعد أن أصبح لفرنسا حكومتان ، تحالف احداهما الحلفاء ، وتحالف الثانية هتلر وتقاتل مع دول المحور . 
انفراد " النصر " في نشر نبأ الاتفاقية ومحتوياتها ، أحدث هزات كهزات الزلازل في كل من سورية ولبنان ، وحرك الأرض لتموج تحت أقدام الذين كانوا يقررون سراً جعل الجلاء الأجنبي عن سوريا ولبنان يقتصر على قوات الجيش الفرنسي ، ولا ينسحب على قوات الجيش البريطاني في نفس الوقت ، متذرعين بأنّ القوات البريطانية هي التي أنقذت سوريا وحكومتها وزعامتها الوطنية ومجلسها النيابي من الموت المحقق ، يوم أمرت القيادة الفرنسية المستقرة قبالة البرلمان السوري اللفيف الأجنبي في الجيش الفرنسي برمي البرلمان السوري بقنابل المدفعية الحارقة ..
انفردت " النصر " بنشر اتفاقية بيغن ـ بيدو وأهم نقاطها ، ووضعت للنبأ عناوين تقول " لا لانسحاب القوات الفرنسية وحدها وبقاء القوات البريطانية " ، وتنادي بانسحاب القوات العسكرية الأجنبية كلها معاً وفي وقت واحد .
هذا الرأي الذي طلعت به صحيفة " النصر " أصبح الشعار المقبول والمرفوع في القصر الجمهوري وفي سرايا الحكم وتحت قبة البرلمان ، وعلى ألسنة رجال السياسة في مختلف الأحزاب والاتجاهات .. " (2)
أليس هذا مثالاً حياً على الدور الهام والجريء الذي لعبته الصحافة في النضال الوطني من أجل الاستقلال .. ودليلاً قاطعاً على ضرورة احترامها واحترام تاريخها النضالي ، الذي يشفع لها ، بل يبين ضرورة استمرارها في الصدور ، وليس منعها من الصدور تحت يافطة المحافظة على الأنظمة " الوطنية التقدمية " ، تلك الأنظمة التي برهنت في ممارساتها اليومية ، ومنها منعها لهذه الصحافة من الصدور ، برهنت على خلوها من أي مضمون تقدمي .. 
 أما فيما يتعلق بدور الصحافة في تفعيل النقاشات البرلمانية ، ونشر لغة الحوار الديموقراطي ، إليكم هذه الحادثة كما يرويها الأستاذ أحمد عسه : " حواريو القصر الجمهوري قالوا مرة للأستاذ وديع : أنت تقول إن جريدتك مستقلة . ولكن عندما نقرأ الجلسات البرلمانية في جريدتك ، نرى أنّ المعارضة والمعارضة وحدها هي ملكة المسرح البرلماني ، وأنّه لا أثر يذكر لنواب الحكم ..
ضحك المرحوم صيداوي وأجاب : تعهدت لقارئي بالحياد ، ولم أتعهد له بتقديم كفتين متعادلتين في كل مرة يضع النواب بضائعهم في ميزان البرلمان .. إذا أردتم كفتين متعادلتين عليكم إما اجتذاب بعض النواب المثقفين إلى صفوف الحكومة ، أو إرسال بعض نوابكم إلى صفوف المعارضة ، ولكن إياكم من التفكير بتزوير الوقائع أو منع نشر المناقشات البرلمانية في الصحافة ."(3)

الصحافة الديموقراطية منابر لمختلف صنوف الإبداع
إنّ الحياة الديموقراطية غنية ، متعددة وجوه وأشكال الإبداع ، كل جانب منها يفتح ميادين واسعة للإبداع والمساهمة في تطور المجتمع ورقيه .. وهذا ما تجلى في نشاط الصحافة الديموقراطية ، الذي فسح المجال لابتداع منتديات ثقافية وفكرية رديفة للنشاط الصحفي .. منها المنتدى الذي ساهمت صحيفة النصر في تأسيسه بدمشق ، إذ يؤكد معاصرو صحيفة " النصر " أنّ اهتمامها بالبرلمان ومناقشاته ، جعل نخبة من النواب تعتبرها جريدتها ، لتصبح مكاتب " النصر " منتدى صباحياً للنواب أو بعضهم ، يديرون فيه النقاش حول ما يقال ، ومما يعمل ، ومما يمكن أن يكون مشروعاً يعرض للنقاش في البرلمان ، أو استجواباً يوجه إلى الحكومة أو أحد أعضائها .. وكان لهذا المنتدى الصباحي في مكاتب  " النصر " مقر فرعي لمن أراد ارتياد المنتدى بعد الظهر  .. وكان هذا المقر الفرعي مقهى يقع على ضفة بردى مقابل المديرية العامة للشرطة  والأمن العام .. في هذا المنتدى الفرعي الملحق بمنتدى  " النصر " الصباحي ، ولدت فكرة وضع قانون انتخابات جديد يحل محل قانون الانتخابات الموروث من عهد الانتداب .. وحول هذا المنتدى يقول الأستاذ أحمد النجدي: "..كان للصحافة مجلس استجمام في مقهى ، كان يقع إلى جوار دار البلدية القديمة وأمام دار الحكومة التي أصبحت وزارة الداخلية ، كان المجلس يرئسه رئيس السن والقلم المرحوم يوسف العيسى صاحب صحيفة " ألفا باء" الشهيرة بمقالاتها الافتتاحية ، وبالزاوية التي كانت تحفة الصحافة السورية ، وهي زاوية الأستاذ العيسى : مباءة نحل  ، هذه الزاوية كانت تختصر الموقف السياسي بين الشعب السوري والحكومة المعينة في تلك الأيام والجانب الفرنسي المستعمر . كان من أعضاء هذه الجلسة البارزين معروف الأرناءوط صاحب " فتى العرب " والكاتب القصصي الشهير مؤلف " رشيد قريش " ونجيب الريس الصحفي الوطني صاحب القبس ، وتوفيق جان صاحب " الشعب " وكان بين هؤلاء ماضياً المرحوم وديع الصيداوي صاحب صحيفة " النصر " الشهيرة . والمرحوم نصوح بابيل صاحب الأيام .."(4)  


الدور المتبادل للحياة الديموقراطية و الخصال الشخصية في غنى السلوك الإنساني :
تسهم الحياة الديموقراطية في المحافظة على الخصال النبيلة عند ممارسيها ، بل تزيدهم غنى وسعة أفق ، يتجاوزون كثيراً مما يسبب الاقتتال عند من لا يعرفها ، وهذا ما تجلى في علاقة وديع صيداوي صاحب المشروع الصحفي الديموقراطي ، مع الذين اختلف معهم في الرأي والعمل .. وهذا ما يؤكده   بشير العوف ( صاحب صحيفة " المنار " بدمشق ) ، إذ يقول : " اختلفنا يوماً على قضية سياسية ، فكتب ضدي في جريدته ، وكتبت ضده في جريدتي ، ولعل الكثيرين من الزملاء ، والقليلين من الناس ، كانوا يعلمون أننا لم ننقطع يوماً واحداً عن ملاقاة بعضنا بعضاً كأصدقاء خلصاء ، وكثيراً ما كان عمال المطابع ينضدون مقالاتنا ضد بعضنا بعضاً ، بينما أكون أنا في مكتبه أتناول عشوة صغيرة "فتة مقادم مثلاً " ويكون هو في مكتبي نتناول ما تيسر من طعام وشراب نختلس وقتهما من زحمة العمل خلال متاعب السهر . 
في عام 1962 انتدبتنا الحكومة السورية لنمثل نحن الاثنين الصحافة السورية في العيد الأول لاستقلال الجزائر ، فذهبنا وأدينا الأمانة خير أداء ، وحين عدنا إلى دمشق قدمنا تقريرنا السياسي المشترك لدولة الرئيس المرحوم خالد العظم ، الذي اختصنا يومئذ بتقديره الكبير ، لأنّه رأى بنا اتفاقاً في الرأي ووحدة في الاستنتاج ، مع أنّه كان يظن أنّ اختلاف ميولنا السياسية الداخلية ، سيفرض نفسه على تقريرنا المشترك ، إلاّ أنّه وجد بنا وحدة سليمة في الأهداف الوطنية ، وتلاقياً دقيقاً في الغايات القومية . . وهكذا للتاريخ كان شأن الصحافة السورية العربية على معظم الصعد الداخلية والخارجية ." (5)  
 كما تجد لدى الشخصيات الديموقراطية رحابة الصدر في مساعدة الآخرين أيام المحن ، حتى ولو لم يكونوا من نفس الميول السياسية ، كما حصل مع جان ألكسان الذي عمل في صحيفة " المختار " وفوجئ كما فوجئ كثيرون من الصحفيين ، بقرار إغلاق جميع الصحف السورية ـ مع قيام وحدة القطرين بين سورية ومصر عام 1958 ـ باستثناء ست صحف يومية في دمشق ، إحداها صحيفة "النصر " ، ويتذكر تلك الفاجعة بحسرة ويقول : " وجدت نفسي فجأة بلا عمل وفي جيبي أربعون ليرة سورية فقط .. وعلم بأمري الزميل العزيز عبد الله الشتي الذي كان يعمل في صحيفة " الأيام " ، فحدث عني الأستاذ وديع صيداوي ، الذي قال له :
ـ  ادعه ليداوم في " النصر " اعتباراً من يوم غد .."(6) 

النضال ضد ضيق أفق الرقابة في ظل سيادة القانون :
يؤكد من عاصر صحيفة " النصر " ومن يطلع على أعدادها أنّها كانت حرباً مستمرة على المستعمر لا تهادنه .. وكثيراً ما كانت تصدر وفيها أكثر من عمود أبيض بفعل الرقابة الظالمة ، حتى بات هذا الإجراء مألوفاً في صحيفة "النصر" . وفي كثير من الأيام كانت تحتجب ليوم أو يومين بأمر من تلك السلطات .. في هذا الخصوص يقول الأستاذ كرم قنصل " أصدرت الرقابة أمراً بإغلاق الصحيفة لمدة شهر بعد أن ظهر على صفحتها الأولى مانشيت بالخط العريض يقول : " فارس الخوري يفحم ديغول في مجلس الأمن " ، وبعد يومين فقط صدرت النصر تحت اسم جديد وهو ـ المفيد ـ بشكل فني رائع بحيث يقرؤها الناظر لأول وهلة ـ النصر ـ فيظن أنّها عادت للصدور ."(7)
وبعد جلاء المستعمر عن أرض الوطن وتسلم السلطة حكومة وطنية عام 1946 بقيت النصر لتلك الحكومة وما تبعها من حكومات بالمرصاد . فلا تترك هفوة تصدر عن مسؤول دون أن تشير إليها وإلى مرتكبها بالاسم الصريح وتحاسبه عليها دونما مواربة أو تغاضي ، مع العلم بأن جل المسئولين الكبار إن لم نقل كلهم كانوا أصدقاء لوديع صيداوي فقد كانت جريدته مفتوحة الصدر أيام الاستعمار لهم ولرجال المقاومة .. وحين وقع انقلاب حسني الزعيم لم تعطل الصحيفة ، بل استمرت في الصدور حتى عام 1952 حين اندمجت في صحيفة " الأخبار " .. وفي عام 1958 لم يتنازل وديع صيداوي عن امتياز جريدته ، وإنما استمر في إصدارها حتى أوقفت نهائياً عام 1963 ..
ومن المواقف المشهودة للأستاذ صيداوي ، وصحيفته "النصر" وقفته مع العديد من الصحفيين ضد تشريع يعطي السلطة الإدارية حق تعطيل أي صحيفة ، لأي فترة تشاء من الزمن ، دون تحقيق أو سؤال ، ودون توجيه اتهام أو سماع دفاع ! . علماً بأنّ التعطيل الإداري للصحف ابتكرته المفوضية الفرنسية أيام الانتداب ، لترهب الصحافة الوطنية أو تخرسها . ومن المؤسف حقاً أنه بقي نافذ المفعول وموضع تمسك الحكم الوطني في مطلع عهد الاستقلال ، وقد استخدم مراراً على غير وجه حق .

وأخيراً احتجبت " النصر " بل حجبت في ظروف غير عادية عام 1963، شأنها في ذلك شأن الصحافة السورية القديمة كلها .. واضطر علم من أعلام الصحافة السورية أن يختار ـ بعد خروجه من دمشق التي التصق بها ، وعشقها وحارب الدنيا من أجلها ديار ـ  الغربة الشرسة ملتزماً لغة الصمت ..
      
 وكمثال حول المضايقات التي أصبحت تعاني منها الصحافة التي لم توقف عن الصدور في أيام المنع العصيبة الطويلة الثقيلة الظلام تلك ، والتي لعبت دوراً في إيقاف العمل الصحفي الديموقراطي الحر في سورية ، نستشهد بموقف المدير العام للأنباء آنذاك ـ منذر الموصلي ـ الذي يقول : " زارني الصحافي حبيب كحالة صاحب مجلة " المضحك المبكي " قبيل وفاته ـ وكنت مديراً عاماً للأنباء في حينه ـ ليسجل أسفه وعتبه علينا فيما اعتبره تجاوزاً على صحيفته من قبل " الرقابة " في وزارة الإعلام . وما زلت أذكر كيف أعلمني بأنّه سيوقف مجلته إذا استمر هذا  الوضع معها .. ( ويذكر كيف طيب خاطره ليستمر في إصدار الصحيفة ) ثم بعد شهور قليلة ارتحل الأستاذ كحالة عن دنيانا وتوقفت مجلته عن الصدور رغم ما بذله نجله الصديق " سمير " من جهد لمواصلة إصدارها .. "(8)

وكحل لهذه المأساة الوطنية ( مأساة منع الصحافة الديموقراطية من الصدور ) يقترح هذا المسؤول الإعلامي إعادة إصدار هذه الصحف في الخارج ، فيقول : " حبذا لو يعيد آل الصيداوي الكرام إحياء صحيفة " النصر " من جديد على نحو ما فعل آخرون من إعادة إصدار صحف عربية تاريخية مرموقة على مستوى أوسع ، في أوروبا مثلاً ، حيث الإمكانات الفنية أكبر وأسهل لتوزع على مدى اتساع الوطن العربي وخاصة سورية ."(9)
 لا أعتقد أنّ مثل هذه الاقتراحات من المسؤولين الإعلاميين تحتاج إلى تعليق ..
إنّ ما يثير الحرقة في النفس ذلك الجزاء الذي لاقاه أصحاب الأقلام الحرة والصحافة الديموقراطية ـ على الرغم  مما قدموه لشعوبهم وأوطانهم من خدمات ـ تحت شعارات "وطنية وتقدمية " ، وتلك الخسارة الفادحة التي حلت بمجتمعاتنا نتيجة تلك القرارات والإجراءات المجحفة بحق الصحافة والصحفيين والديموقراطية والوطن ..
ألم يحن الوقت للتكفير عن الذنب ، بعد ؟! وإعادة الاعتبار للمؤسسات والمفكرين والمواطنين الذي ظلموا ، وتكبد الوطن خسائر جمة نتيجة إقصائهم وإبعادهم ..
كم هي بائسة حياة الشعوب التي تنظر بحسرة إلى أيام الماضي الخوالي ، وتتمنى أن تعود .. بدلاً من ثقتها بحاضرها ومستقبلها الواعد !!
ألا يحن كل منا ، مواطن ومسؤول وطني غيور على وطنه وشعبه ، إلى تلك الأيام التي رفرفت فيها رايات الديموقراطية على ربوع الوطن في خمسينات القرن الماضي ؟!
إن الإصلاح الديموقراطي السياسي هو السبيل السليم لبناء مجتمع سليم معافى ، محصن في وجه الطامعين ، يحترم تقاليد الماضي ، ويستوعبها ، ويتجاوزها للتأسيس لغد أفضل .. وكل تأخير في ذلك يزيد المآسي تراكماً وتعقيداً ، ويصعب من حلها .. إنّه مسألة وطنية من الدرجة الأولى ..
طرطوس          5/6/2003                  شاهر أحمد نصر
[email protected]    

 

الهوامش
ــــــــ
(1)   عبد الغني العطري ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ ص10-11
(2)   أحمد عسه ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ ص12-17
(3)   نفس المصدر ص12-17
(4) أحمد الجندي ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ  ص31
(5) بشير العوف ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ  ص18-20
(6 ) جان ألكسان ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ ص 23 
(7) كرم قنصل ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ ص57
(8) ، (9) منذر الموصلي ـ مجلة  "الثقافة" ـ عدد تموز 1989 ـ دمشق ـ ص5-9

 




#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤسسات المجتمع المدني في الدولة الديموقراطية القوية من ضرورا ...
- الحوار المتمدن تعبير عن حضارة وديموقراطية الشعوب
- .......سيدي الكريم حمزة الحسن // زيتونـة الشــام - هادي العل ...
- فلسطين في شعر عبد المعين الملوحي
- بحث في الحرية والديموقراطية - 2
- بحث في الحرية والديموقراطية - 1
- عقبات تحقيق المشروع التنويري العربي ؟
- هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحالي ...


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - صفحات ديموقراطية مضيئة في تاريخ سورية لمحة موجزة من تاريخ الصحافة في سورية