أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الأوضاع الدولية والعربية الراهنة وآثارها على القضية الفلسطينية















المزيد.....



الأوضاع الدولية والعربية الراهنة وآثارها على القضية الفلسطينية


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1944 - 2007 / 6 / 12 - 12:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


(دراسة مقدمة إلى المؤتمر الوطني المنعقد في فندق غزة الدولي بمناسبة الذكرى الأربعين لهزيمة العرب في 5/حزيران/1967)
 
في 5 حزيران 67، كانت الهزيمة العسكرية بكل مرارتها وبشاعتها وأوجه القصور فيها، لكن شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية في مصر وسوريا ولبنان والأردن والجزائر وغيرها وارت الشهداء التراب، ونهضت من جديد تضيء شموع الأمل والمقاومة من جديد تحت راية التحرر الوطني في إطار المشروع القومي العربي... رغم الوعي بان تلك الهزيمة كانت بمثابة الضربة القاسية لكسر المشروع القومي بعد ضربة الانفصال في سوريا 1961.
 
ثم جاء الموت المبكر لجمال عبد الناصر، بدلالته السياسية والقومية، ليعزز حالة التراجع والانكسار القومي، التي ترافقت مع أحداث أيلول الأسود 1970 في الأردن وخروج المقاومة منه إلى لبنان لتبدأ مسيرة الهبوط ثم كامب ديفيد 1979، وبعده العدوان الإسرائيلي واحتلال بيروت عام 1982، وتشتت المقاومة الفلسطينية في المنافي الجديدة في تونس والجزائر والسودان واليمن وغيرهما مع تزايد عوامل الهبوط والتراجع في حركة التحرر الوطني في موازاة الهبوط المتسارع في حركة التحرر القومي من حيث المشروع والفكرة، ومع انتفاضة 87 عادت تباشير الأمل من جديد، لكن أوسلو 1993 أغلق الكثير من بوابات الأمل، ثم جاء غزو العراق واحتلاله تتويجا لانتصار المشروع الامبريالي/ الصهيوني في وطننا العربي.
 
اليوم بعد أربعين عاماً من هزيمة حزيران، صارت الذكرى لدى الكثيرين من الشرائح الحاكمة وأبواقها الثقافية، فرصة للخروج على المشروع القومي ومجابهته بافكار الدولة القطرية الرثة وبشتى الأفكار السياسية الهابطة التي تجسد المصالح الطبقية والطائفية والاثنية ارتباطا وانسجاما مع المشروع الامبريالي/ الصهيوني وما يضمنه او يتيحه من مصالح لتلك الفئات... فتحولت مساحة هامة من هذه الذكرى الى محاكمة وقحة وباحكام جاهزة للفكر القومي التقدمي ورموزه ومرحلته... تسعى الى تحويل الهزيمة من شكلها العسكري لتصبح هزيمة للهوية العربية والفكر التقدمي والتحرر والنهوض العربي... نعم لا بد من الإقرار بالهزيمة الشاملة التي أصابت الجيوش والمجتمع والثقافة والهوية، وكرست مظاهر الخضوع والتبعية للنظام العربي الذي أصبح اليوم محكوماً بدوافع الفئات والشرائح الحاكمة، البيروقراطية والقبلية المتخلفة،  ومصالحها الطبقية الأنانية الضيقة، وسلوكها الفردي الاستبدادي في دول قطرية محكومة بأدوات الاستبداد والمصالح الطبقية باسم الخلافة او الطائفة او القبيلة والمشيخة والعائلة، لدرجة باتت فيها مجتمعاتنا العربية في حالة غير مسبوقة، من التبعية والخضوع والتخلف، الأمر الذي يفرض بإلحاح وقوة إعادة البناء التنظيمي والفكري والسياسي لقوى المعارضة التقدمية الديمقراطية على المستوى القومي لكي تقوم بدورها المطلوب في تغيير وتجاوز هذا الواقع البائس رغم إدراكنا للأوضاع الدولية والعربية الرسمية التي باتت تشكل عقبة رئيسة في وجه عملية التغيير الديمقراطي المنشود، وبالتالي فإن إدراك طبيعة هذه الأوضاع الدولية والعربية ومتغيراتها وآثارها على قضية التحرر القومي والتحرر الوطني الفلسطيني مسألة هامة، آمل أن تسهم هذه الدراسة في بلورة الادراك المطلوب.
 
أولاً: الأوضاع الدولية في ظروف العولمة الراهنة:
منذ عام 1990، تم إسدال الستار على المشهد الأخير من العلاقات الدولية المحكومة بالثنائية القطبية، حيث تم الإعلان عن نهاية الحرب الباردة، وولادة المشهد العالمي "الجديد" المحكوم بالرؤى والممارسات الأحادية للنظام الرأسمالي في طوره الأمريكي المعولم. حيث تحولت معظم حكومات وأنظمة هذا العالم الى أدوات خاضعة او شريكة من الدرجة الثانية للنظام الامبريالي الأمريكي في هذه المرحلة التي قد تمتد إلى عقدين او اكثر من هذا القرن الحادي والعشرين، خاصة وانه لا يزال أمام الهيمنة الأمريكية ايام عمر مشرقة –كما يقول سمير امين[1]- حيث ان "الكتل" الإقليمية القادرة على تهديدها ليست على جدول الأعمال، ذلك ان العولمة الليبرالية السائدة حالياً ليست "عولمة اقتصادية" بحتة مستقلة عن آليات الهيمنة او منطق التوحش الامبريالي التوسعي وادواته، الذي تمارسه المؤسسات والأجهزة الأمريكية الحاكمة، وبالتالي فان الولايات المتحدة، سوف توظف قوتها العسكرية الاستثنائية من اجل إخضاع الجميع لمقتضيات ديمومة مشروعها للسيادة العالمية، بمعنى آخر لن تكون هناك "عولمة" دون إمبراطورية عسكرية أمريكية، تقوم على المبادئ الرئيسية التالية وفق د. سمير امين:
1-   إحلال الناتو محل الأمم المتحدة من اجل إدارة السياسة العالمية.
2-   تكريس التناقضات داخل أوروبا من اجل إخضاعها لمشروع واشنطن.
3-   تكريس المنهج العسكري او عولمة السلاح كأداة رئيسية للسيطرة.
4-   توظيف قضايا "الديمقراطية" و "حقوق الشعوب" لصالح الخطة الأمريكية، عبر الخطاب الموجه للرأي العام من ناحية وبما يساهم في تخفيض بشاعة الممارسات الأمريكية من ناحية ثانية.
 
ذلك إن التطورات التى طرأت على المنظومة العالمية مؤخراً، قد أدت إلى تبلور تدريجى لوسائل جديدة لضمان السيطرة على صعيد عالمي، لصالح الثالوث المركزى المهيمن، وهى ما أطلق عليها سمير أمين "الاحتكارات الخمسة الجديدة".
 (أ)احتكار التكنولوجيات الحديثة، وهو ما يؤدى إلى تحول صناعات الأطراف إلى نوع من إنتاج الباطن، حيث تتحكم احتكارات المركز فى مصير هذه الصناعات وتصادر النصيب الأعظم من أرباحها المحققة.
(ب)احتكار المؤسسات المالية ذات النشاط العالمى، وهو يكمل عمل الاحتكار السابق فى تدعيم هيمنة المركز على التصنيع من الباطن فى الأطراف.
(ج) احتكار القرار فى استخراج واستخدام الموارد الطبيعية على صعيد عالمى، والتحكم فى خطط تنميتها من خلال التلاعب بأسعارها، بل وقد يصل الأمر إلى الاحتلال العسكرى المباشر للمناطق الغنية بهذه الموارد.
(د) احتكار وسائل الإعلام الحديثة على صعيد عالمى، كوسيلة فعالة لصياغة والتأثير فى "الرأى العام" بما يدعم الهيمنة وخططها عالمياً وقطرياً.
(هـ) احتكار أسلحة التدمير الشامل والوسائل العسكرية المتطورة التى تتيح التدخل "من بعيد" أو "من فوق" دون خوض عمليات حربية طويلة ومكلفة بشرياً[2].
إنها احتكارات خمس متضامنة ومتكاملة وتعمل معاً لإعطاء قانون القيمة المعولمة الجديد مضمونه.
 
إن هذه الأحادية القطبية التي تحكم العالم منذ تسعينيات القرن العشرين ، لم يكن مقدراً لها أن تكون بدون شكلين متناقضين من التراكم ، الأول التراكم السالب في بنية المنظومة الاشتراكية أدى في ذروته الى انهيار الاتحاد السوفيتي ، والثاني التراكم في بنية النظام الرأسمالي -بالرغم من أزمته الداخلية- الذي حقق تحولاً ملموساً في تطور المجتمعات الرأسمالية قياساً بتطور مجتمعات بلدان المعسكر الاشتراكي ، وكان من أهم نتائج هذا التطور النوعي الهائل ، خاصة على صعيد التكنولوجيا والاتصالات ، إعادة النظر في دور الدولة الرأسمالية أو الأسس الاقتصادية الكينزية ، وقد بدأ ذلك في عصر كل من "تاتشر" عام 1979 على يد مستشارها الاقتصادي " فردريك فون هايك" ، و"رونالد ريجان" عام 1980 ومستشاره الاقتصادي " ميلتون فريدمان " وكلاهما أكد على أهمية العودة الى قوانين السوق وحرية رأس المال وفق أسس نظرية الليبرالية الجديدة liberalism   new.
 
بالطبع لم يكن ظهور مفهوم العولمة الاقتصادي معزولاً عن الانهيار الأيديولوجي الذي أصاب العالم بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي ، بل هو مرتبط أشد الارتباط بالمفاهيم الفكرية التي صاغها فلاسفة ومفكرو الغرب الرأسمالي ، بدءاً من " عصر نهاية الأيديولوجيا " إلى " صراع الحضارات " ، و " نهاية التاريخ عند الحضارة الغربية ". "وفي هذا السياق يقول " روبرت شتراوس هوب" أحد المدافعين عن الوجه العنصري البشع للعولمة ، في كتابه " توازن الغد " الصادر عام 1994م ، إن " المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها ، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية ، وهذه المهمة لابد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأي قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية ".
 
آثار العولمة على البلدان النامية:
إن التحولات الجديدة في العلاقات الدولية التي جاءت على أثر الفراغ السياسي والعسكري والأيديولوجي الذي تركه انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة ، أدت إلى استكمال مقومات هيمنة النظام الرأسمالي العالمي على مقدرات شعوب العالم، في إطار ظاهرة العولمة الراهنة التي جعلت من كوكبنا كله مجتمعا عالميا ، تسيطر عليه إرادة القوة العسكرية المُسخَّرة لخدمة قوة الاقتصاد ورأس المال، خاصة وأن العولمة قد "تعمقت في السنوات الأخيرة عن طريق الاختراقات المتبادلة في اقتصاديات المراكز أساسا ، بصورة همشت المناطق الطرفية التي أصبحت عالما رابعا"[3] .
 
ونتيجة لهذه التراكمات، فقد شهد العالم متغيرات نوعية متسارعة ، انتقلت البشرية فيها  من مرحلة الاستقرار العام  المحكوم بقوانين وتوازنات الحرب الباردة ، إلى مرحلة جديدة اتسمت بتوسع وانفلات الهيمنة الأمريكية للسيطرة على مقدرات البشرية ، وإخضاع الشعوب الفقيرة منها ، لمزيد من التبعية والحرمان والفقر والتخلف والتهميش، كما جرى في العديد من بلدان آسيا وإفريقيا وفي بلدان وطننا العربي عموما والعراق وفلسطين ولبنان خصوصا ، فقد تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية ، بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى ، وصولا إلى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية، يشهد على ذلك عجز "الأمم المتحدة" عن وقف العدوان والتدمير الأمريكي الصهيوني في العراق وفلسطين ولبنان، في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي، في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء هذا الكوكب، وفي بلداننا العربية والإقليم الشرق أوسطي خصوصاً، في محاولة يائسة لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية، عبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي، التي باتت اليوم حالة إمبريالية صغرى في المنطقة.
لقد بات واضحاً أن تطبيق مبدأ "القوة الأمريكية" ساهم بصورة مباشرة في تقويض النظام الدولي في عالمنا المعاصر ، خاصة و أن حالة القبول أو التكيف السلبي ، بل و المشاركة أحياناً من البلدان الأوروبية و اليابان و روسيا الاتحادية شجعت على تطبيق ذلك المبدأ ، بعد أن فقدت دول العالم الثالث عموماً –عبر أنظمة الخضوع والتبعية- إرادتها الذاتية و سيادتها ووعيها الوطني.
 
وبتراجع دور الدولة الوطني و الاجتماعي ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية و الكومبرادورية و الطفيلية ، باسم الخصخصة و الانفتاح ، مما أدى إلى تفكك الروابط الوطنية و القومية و الإقليمية ، إلى جانب عوامل التفكك و شبه الانهيار المجتمعي الداخلي المعبر عنه بإعادة إنتاج و تجديد مظاهر التخلف بكل مظاهره الطائفية و الاثنية و العائلية و الدينية …الخ ، التي ترافقت مع تعمق الفجوات الاجتماعية ومظاهر الفقر المدقع بصورة غير مسبوقة فيها .
 
وفي ظل هذه الأوضاع  كان لا بد لإستراتيجية رأس المال المعولم ، انسجاماً مع نزوعه الدائم نحو التوسع والامتداد ، أن تسعى الى إخضاع الجميع لمقتضيات مشروع الهيمنة الأمريكي، وهي استراتيجية تستهدف هدفين اثنين متكاملين هما "تعميق العولمة الاقتصادية ، أي سيادة السوق عالميا ، وتدمير قدرة الدول والقوميات والشعوب على المقاومة السياسية"[4]، هذا هو جوهر الإمبريالية في طورها المعولم في القرن الحادي والعشرين ، وبالتالي فإننا  نرى أن الوضع العالمي الراهن ليس نظاما دوليا جديدا ، وإنما هو امتداد لجوهر العملية الرأسمالية القائم على التوسع والسيطرة بدواعي القوة والإكراه ، وهو أيضا استمرار للصراع في ظروف دولية لم يعد لتوازن القوى فيها أي دور أو مكانة ، ولذلك كان من الطبيعي أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ، باعتبارها القوة الوحيدة المهيمنة في هذه الحقبة ، بملء الفراغ الناجم عن انهيار التوازنات الدولية السابقة، وذلك بالاستناد إلى المؤسسات الدولية التي تكرست لخدمة النظام الرأسمالي في طوره الإمبريالي الراهن ، وهي :-
1-   صندوق النقد الدولي.
2-   منظمة التجارة العالمية WTO.
3-   الشركات المتعددة الجنسية.
 
وفي ضوء السياسات والشروط المحددة من قبل الصندوق والبنك الدّوليّين من جهة ، ومنظمة التجارة الدولية والشركات المتعددة الجنسية من جهة ثانية ، أصبحت السياسة التجارية للدول المستقلة ، ولأول مرة في التاريخ الاقتصادي للأمم شأنا دوليا أو معولماً ، وليس عملا من أعمال السيادة الوطنية أو القومية الخالصة، يؤكد على ذلك النتائج الناجمة عن اندماج البلدان النامية في هذه الإجراءات التي تشير الى عدد من الحقائق :-
1-  بالرغم من ارتفاع حجم التجارة الدولية الى 9.2 تريليون دولار عام 2003[5] (وهي اليوم في منتصف عام 2007 تقدر بحوالي 10.5 تريليون دولار سنويا) ، فقد ظل نصيب مجموعة البلاد النامية من التجارة العالمية ثابتا خلال العقود الثلاثة الماضية حول 18% بما في ذلك نصيب الدول المصدرة للنفط.
2-  بالرغم من أن دعاة العولمة والتحرير المالي والتجاري كانوا يزعمون أن البلاد النامية سوف تستفيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، إلا أن ذلك لم يحدث ، فقد تبين في العقدين الماضيين أن أكثر من 90% من حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة تذهب أساسا الى البلدان المتقدمة (الولايات المتحدة-أوروبا-اليابان والصين).
3-  ارتفع إجمالي رصيد ديون البلدان النامية بشكل دراماتيكي في العقد الماضي من 603.3 مليار دولار عام 1980 الى ما يقارب من 2.5 تريليون دولار عام 2006.
4-  ان عولمة الأسواق المالية وما انطوت عليه من إجراءات للتحرير المالي، كانت ذات آثار هامة وخطيرة على البلاد النامية ، فقد أدت الى إلغاء الحظر على المعاملات التي يشملها حساب رأس المال والحسابات المالية لميزان المدفوعات ... وكذلك فإن هذه الإجراءات عرضت الجهاز المصرفي في البلدان النامية للأزمات، ولتدفق الأموال القذرة (غسيل الأموال) ، ولهجمات المضاربين، والى إضعاف السيادة الوطنية في جميع المجالات عموما وفي مجال السياسة المالية والنقدية خصوصا، وشجعت على هروب واسع لرؤوس الأموال الوطنية للخارج .
5-  تراجعت مساهمة الدول النامية ( 146 دولة ) في الناتج المحلي العالمي (البالغ  كما في نهاية 2004 [36] تريليون دولار)[6] الى 29 % في مقابل 71% للدول المتقدمة (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واليابان).
 
يتضح فيما تقدم، أن "البلاد النامية تعاني من وضع غير متكافئ لها في الاقتصاد العالمي، وأن هذا الوضع يتدهور فترة بعد أخرى، تحت تأثير سرعة اندفاع قطار العولمة، والتحرر المتسارع لاقتصاديات هذه البلاد وإدماجها في الاقتصاد العالمي، مما سيدفع، وذلك هو الأخطر، الى تقليص قدرة البلاد النامية على صياغة وتصميم سياساتها التنموية والتجارية، (وغيرها من السياسات)، بعد أن انتقلت عملية صنع الكثير من القرارات من مستواها الوطني الى منظمة التجارة العالمية"[7]  .
 
 
العلاقات الأمريكية –الأوروبية والأسيوية:
إن سعي أوروبا إلى تفعيل الوحدة السياسية عبر البرلمان الأوروبي ، والوحدة الاقتصادية عبر النقد الموحد (اليورو) ، وتنشيط السوق الأوروبية المشتركة، تتعارض مع الإستراتيجية الأمريكية الراهنة تجاه الهيمنة على مقدرات الكوكب عموماً وتجاه ما يعرف بـ"الاوراسيا" خصوصاً، وهي إستراتيجية حددت لنفسها هدفا مركزيا أوليا، هو كما يقول د.سمير أمين "منع الوحدة الأوروبية ، "والأوروآسيوية"، ويعني ذلك بصورة ملموسة وقف التقارب الأوروبي الغربي ، والروسي الصيني ، ذلك هو الكابوس الأمريكي ، إذ لا يمكن الدفاع عن "الجزيرة" الأمريكية إلا إذا بقيت أورآسيا منقسمة الى أنظمة متنافسة، وفي هذا السياق نشير الى استفراد الولايات المتحدة بتطويق ايران منذ بداية هذا العام 2007، وهو طوق اكتملت حلقاته التي تبدأ من العراق، أفغانستان، أوزبكستان، قرغستان، باكستان، تركيا، وتركمانستان وأذربيجان والخليج والكويت ومضيق هرمز ، والهدف ضمان السيطرة الأمريكية على نفط أذربيجان وكازاخستان اللتان تمتلكان احتياطي نفطي يقدر حجمه بثلاثة أضعاف احتياطي الولايات المتحدة (تشير التقارير الى أنه في عام 2010 سوف تنتج منطقة بحر قزوين 3.7 مليون برميل/ اليوم وقد تم البدء بإنشاء أطول خط أنابيب في العالم بطول (1090 ميل) بقطر 42 أنش (حوالي 120سم) ويبدأ من باكو في أذربيجان الى تركيا (عبر عدد من الدول) وصولاً إلى الخليج، ويبدو أن هذه الحلقة تشكل أحد أهم أعمدة إستراتيجية الولايات المتحدة فيما يعرف بـ منطقة "الأوروآسيا".
 
وفي هذا الجانب فإن من المفيد التذكير بكتاب "زبجينيو بريجنسكي" الصادر عام 1998 بعنوان "رقعة الشطرنج"[8] الضخمة "the grand chess board" بما يعني خريطة الصراع العالمي، وفي هذا الكتاب يقوم "بريجنسكي" بإعادة بلورة الفكر‏ ‏الاستراتيجي‏ الأمريكي‏ ‏تجاه‏ ‏الأوراسيا،‏ ‏بما‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏المعطيات‏ ‏الجديدة‏ ‏التي‏ ‏نشأت‏ ‏عن‏ ‏تفكك‏ ‏الاتحاد‏ ‏السوفيتي، حيث ‏يؤكد‏ ‏أن‏ ‏الساسة‏ ‏الأمريكيين‏ ‏عليهم‏ ‏أن‏ ‏يتوقعوا‏ ‏تماما‏ -‏كما‏ ‏في‏ ‏لعبة‏ ‏الشطرنج‏- ‏تحركات‏ ‏مضادة‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏دول‏ ‏أوراسية‏.
 
وبالتالي‏ ‏فإن‏ ‏الولايات‏ ‏المتحدة‏، ‏إذا‏ ‏أرادت‏ ‏أن‏ ‏تعوق‏ ‏عملية‏ ‏بناء‏ ‏قوة‏ ‏روسيا‏ ‏كلاعب‏ ‏استراتيجي‏ ‏مؤثر‏ ‏في‏ ‏سياسات‏ ‏الأوراسيا‏, ‏فإن عليها‏ ‏أن‏ ‏تعمل‏ ‏بكل‏ ‏قوة‏ ‏على‏ ‏حرمان‏ ‏روسيا‏ ‏من‏ ‏ثلاث‏ ‏دول‏ ‏ركائز‏ ‏هي‏: ‏أوكرانيا‏, ‏أوزبكستان‏, ‏أذربيجان‏، أما بالنسبة لما يجب أن تفعله الولايات المتحدة تجاه أوروبا –وفق هذه الاستراتيجية- يقول بريجنسكي بالنص ‏"إن‏ ‏توسيع‏ ‏أوروبا‏ ‏وحلف‏ ‏الناتو‏ ‏هو‏ ‏مما‏ ‏يخدم‏ ‏أهداف‏ ‏السياسة‏ ‏الأمريكية‏ ‏على‏ ‏المديين‏ ‏القصير‏ ‏و ‏الطويل‏. ‏إذ‏ ‏إن‏ ‏أوروبا‏ ‏أكثر‏ ‏اتساعا‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏يزيد‏ ‏من‏ ‏طائلة‏ ‏النفوذ‏ ‏الأمريكي‏، ‏فقبول‏ ‏أعضاء‏ ‏جدد‏ ‏من‏ ‏وسط‏ ‏أوروبا‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏جانب‏،  ‏سوف‏ ‏يزيد‏ ‏من‏ ‏عدد‏ ‏الدول‏ ‏المؤيدة‏ ‏لأمريكا‏ ‏داخل‏ ‏المجالس‏ ‏الأوروبية‏, ‏ومن‏ ‏جانب‏ ‏آخر‏ ‏سوف‏ ‏يحول‏ ‏دون‏ ‏بناء‏ ‏أوروبي‏ ‏متماسك‏ ‏سياسيا‏ ‏بالقدر‏ ‏الذي‏ ‏يصبح‏ ‏فيه‏ ‏منافسا‏ ‏حقيقيا‏ ‏للولايات‏ ‏المتحدة"‏.
 
على أي حال ، ومهما كانت درجة اتفاقنا أو اختلافنا مع تحليل "بريجنسكي" للعلاقة الأوروبية الامريكية، فإننا نؤكد على حقيقة تتجلى في أن التعارضات الاوروبية/الأمريكية مهما اتسعت مساحتها، فإنها لن تتحول الى شكل من اشكال التناقض التناحري الحاد بينهما في هذه المرحلة، وذلك لكونهما معا، أوروبا والولايات المتحدة، يشكلان رأس الهرم في النظام الرأسمالي العالمي رغم تفوق النظام الامريكي الواضح راهنا.
أما بالنسبة لدور روسيا والعديد من بلدان أوروبا الشرقية الاشتراكية السابقة، التي تسعى اليوم الى إثبات وجودها في هذا العالم المضطرب، المحكوم بالأحادية الأمريكية، فإننا نعتقد أن شعوب هذه البلدان، خاصة الطبقات المتضررة، ستندفع مجدداً للمطالبة بالعودة إلى النظام الاشتراكي في صيغة جديدة، ديمقراطية ومتطورة، خاصة وأن روسيا لن تستطيع في الظروف الراهنة، اللحاق بشروط التطور الاقتصادي والتكنولوجي عبر آليات الرأسمالية ، فذلك أمر لن تسمح به المراكز الرأسمالية المعولمة ، وبالتالي لا مناص أمامها من العودة الى آليات النظام الاشتراكي كمدخل وحيد لاستعادة دورها وتطورها وإثبات وجودها في هذا الكوكب .
 
بعد كل ما تقدم ، نأتي الى الحديث عن الدور الآسيوي، الذي يبرز بقوة اليوم على الصعيد العالمي ، في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية أو ثورة العلم والمعلومات ، وخاصة في كل من الصين واليابان كعملاقين يسعى كل منهما الى تحقيق دور مركزي في العلاقات الدولية الراهنة والمستقبلية .
فالاقتصاد الصيني –بشهادة العديد من الخبراء- هو الاقتصاد الأسرع نموا في العالم خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، بل إنه من المتوقع مع حلول عام 2010 أن يرتفع الناتج القومي الصيني ليصل الى أكثر من 2 تريليون دولار حسب الخطة الصينية الهادفة الى مضاعفة الناتج القومي الإجمالي خلال هذه الفترة .
 
لكن السؤال الذي لم تتبلور إجابته بوضوح حتى اللحظة: هل ستبقى الصين دولة اشتراكية حقاً في ظل اقتصاد السوق المتبع حالياً، أم أنها ستتحول تدريجياً إلى نظام رأسمالية الدولة تمهيداً لتحولها إلى دولة رأسمالية بمزايا صينية؟ إن هذه المخاوف أو الاحتمالات تستند إلى العديد من المؤشرات والمعطيات التي تؤكد عليها، علاوة على أن حديث القيادة الصينية (في الحزب والحكومة) عن تطبيق قوانين اقتصاد السوق منذ أواخر القرن الماضي، لا يمكن أن يستقيم مع قوانين الاقتصاد الاشتراكي ومناهجه التي بدأت في التراجع والانحسار لحساب القطاع الخاص الذي بات يحتل مساحة هامة في الاقتصاد الصيني، على أي حال، أعتقد أن الاجابة على سؤال الصين الى أين؟ مرهونة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية فيها من جهة وباستمرار دور الحزب الشيوعي وإستراتيجيته المتميزة بإنفتاحها المحسوب ومرونتها الواعية من جهة ثانية.
 
بالنسبة لليابان التي تحتل اليوم الموقع الثاني في العالم من حيث حجم الناتج القومي الإجمالي ، البالغ حوالي 4.5 تريليون دولار عام 2006.  واليابان التي بلغ عدد سكانها كما في عام 2005 ، (130) مليون نسمة هي الدولة الثامنة من حيث مقدار دخل الفرد السنوي الذي يبلغ (33731) دولار ، بينما يبلغ دخل الفرد في الولايات المتحدة (37650) دولار وتأتي في المرتبة الخامسة. ولكن رغم أن اليابان تأتي في المرتبة الثامنة من ناحية دخل الفرد السنوي، إلا أنها الدولة الأولى من حيث السيولة المالية ، وحجم الاستثمارات الخارجية ، وهي الأولى من حيث "الأصول الوطنية الثابتة التي تبلغ 43.7 تريليون دولار مقابل 36.2 تريليون دولار في الولايات المتحدة ، وهي الدولة الأولى في العالم بالنسبة لتصنيع منتجات الحديد والصلب (رغم أنها تفتقر للمواد الخام) ، وهي الأولى للمكننة الصناعية في العديد من المجالات"[9].إن التراكم الاقتصادي وحجم التقدم النوعي والكمي التكنولوجي ، يؤهل اليابان لأن تصبح واحدة من الدول العظمى التي ستسهم في تحديد المعالم المستقبلية للنظام العالمي المعاصر.
 
فاليابان اليوم ، تشكل نموذجا اقتصاديا لدول شرق وجنوب شرق آسيا بالذات التي تجد في اليابان مثالا وملاذا في آن واحد ، ولذلك كان من الطبيعي أن يلتقوا جميعا في تكتل "الآسيان" ، إثباتا للقوة الاقتصادية من جهة ، وتمهيدا لدور سياسي آسيوي مركزي في العلاقات الدولية تسعى الصين لكي تكون احد اهم اقطابه من جهة أخرى .
 
الوضع الدولي – رؤية مستقبلية:
في كل الأحوال ، سيظل الوضع الدولي لفترة طويلة نسبيا ، قد تمتد حتى نهاية العقد الثاني من القرن الحالي ، مفتوحة على كل الاحتمالات ، ولكن من المؤكد في مواجهة كل ذلك ، أن هيمنة النظام الرأسمالي وأحاديته القطبية الراهنة ، ليست ولن تكون نهاية التاريخ كتجسيد لانتصار الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، ففي مقابل حقائق القوة ومقوماتها التي تعطي الانطباع على أن الولايات المتحدة تملك من عناصر القوة الاقتصادية والعسكرية والمعلوماتية وغيرها ، بما لا يجاريها أي اقتصاد آخر في هذا العالم ، إلا أن هناك وجه آخر للحقائق أو الوقائع الأمريكية التي تنمو وتتراكم بصورة سلبية، ستجعل وجه الولايات المتحدة الأمريكية في نظر شعوب العالم في بلدان الأطراف خصوصاً، أكثر بشاعة من وجه النازية في أحط درجاتها وممارستها.
 
أما الصورة الأخرى لهذا الوجه الأمريكي البشع فهي تتجلى في حالة المد الثوري اليساري المتصاعد في أمريكا اللاتينية... فنزويلا شافيز وبوليفيا والبرازيل والبيرو، والعديد من دول هذه القارة السائرة في الحراك والتغيير الثوري النقيض لهيمنة الامبريالية الأمريكية ونظام العولمة الرأسمالي برمته، كما تتجلى أيضاً في داخل المجتمع الأمريكي عبر أزماته الاقتصادية والمجتمعية والأخلاقية المتراكمة،  وهي أزمات تحمل من الدلالات والمعاني بما يتناقض مع صورته "الوردية" المرسومة –بشكل مبرمج- في أذهان الكثير من الليبراليين العرب أو الحالمين في هذا العالم ، المأخوذين بشكل الظاهرة فقط بعيدا عن مضامينها . فبالرغم من انتصارها في الحرب الباردة، "تبدو الولايات المتحدة اليوم وكأنها تخسر حاليا حرب البطالة والمخدرات والإنتاجية والتعليم، علاوة على تزايد أزمة الاقتصاد الأمريكي منذ عام 2000-2005 عبر جملة من المؤشرات :
1-حسب ميدل ايست اون لاين http://www.middle-east-online.com  فقد أكد تقرير بنك الاحتياط الفدرالي عام 2001 على استمرار ضعف النمو في قطاعي الصناعة والتجارة مع اتجاه لمزيد من الخفض في اسعار الفائدة، كما "شكل افلاس كل من شركتي world com للاتصالات التي بلغت ديونها 41 مليار دولار، وشركة انرون enron وهي أكبر شركة في قطاع الطاقة التي تجاوزت ايراداتها 100 مليار دولار ، أكبر حالتي افلاس في تاريخ الولايات المتحدة، مما كشف طبيعة الأزمة الموجودة في مفهوم السلطة السياسية corporate governance، كما طال مسلسل الفضائح شركة "زيروكس zerox" العالمية التي تعد أكبر شركة لتقنيات التصوير في العالم، كما تعرضت مؤسسة "جي-بي مورجان تشيس" ثاني أكبر شركة مصرفية قابضة في الولايات المتحدة، وشركة "ميريل لينش" المالية، ومؤسسة "كلوبال كروسينج" و"أديلفيا للاتصالات" و"تشارتر للاتصالات" ثاني أكبر شركة كابل" [10]، اما "بالنسبة لأثر هذه الأزمة على الاقتصاد الأمريكي، فإن أغلب التقديرات تشير الى أن الخسائر قد طالت ما يزيد عن 80مليون من المستثمرين الأمريكيين قدر حجم خسارتهم نحو 8.6 تريليون دولار"[11] .
 
2- من واقع قراءة الأرقام والبيانات الاقتصادية ، فإن الولايات المتحدة تستهلك أكثر مما تنتج ، وتستورد أكثر مما تصدر ، وخلال السنوات الماضية سجلت الولايات المتحدة أعلى حالات الإفلاس في كل تاريخها المعاصر ، (أكثر من (700) ألف حالة إفلاس) ،أما إجمالي ديونها فإنه قد تجاوز كل الأرقام القياسية بعد أن أصبح يزيد عن ثلاثة آلاف مليار دولار ، أي أكثر من 1.5 ضعف إجمالي الديون المترتبة على كل الدول الأخرى في العالم ، الى جانب أكثر من (10) مليون شخص عاطل عن العمل (8% من القوة العاملة) ، كما تراجعت الولايات المتحدة الى الدولة رقم (13) من حيث الإنفاق على الصحة ، والدولة رقم (17) من حيث الإنفاق على التعليم ، ورقم (29) من حيث عدد العلماء والفنيين بالنسبة الى إجمالي السكان، حيث أن لديها (55) عالما وفنيا فقط لكل ألف نسمة مقابل (317) عالما وفنيا لكل ألف نسمة في اليابان ، وبالنسبة لاستهلاك المخدرات والكحول فإن الولايات المتحدة هي الأولى في العالم في هذا المجال ، حيث أنها تستهلك 80% من إجمالي المخدرات في العالم ، وهي من أعلى الدول في العالم بالنسبة لحالات التفكك الأسري والعنف والاغتصاب والقتل،  حيث أصبح 50% من الشعب الأمريكي يتعرض لشكل من أشكال الإجرام ، ونسبة 21% من كل النساء يتعرضن للاغتصاب، وحسب تقرير FBI فقد زادت نسبة الجرائم في عام 2005 بنحو 2.3% وهي أهم زيادة في جرائم العنف منذ 15 عاماً.
 
3-الولايات المتحدة تعاني من عجز كبير في الموازنة وصل إلى 900 مليار دولار في عام 2006[12]، وحسب ما يقول رجل الاقتصاد الأمريكي "وارن بافيت" (وهو ثاني أغنى رجل في أمريكا) فإن العجز المتوقع في الموازنة الأمريكية أو مجموع الديون الأمريكية سيصل عام 2015 إلى (11) تريليون دولار.
4-محدودية الصادرات الأمريكية من المواد الثقافية قياساً بالاتحاد الأوروبي فقد صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 9.2 مليار دولار عام 2002 ما يعادل 16.9% من الحصة العالمية في حين صدر الاتحاد الأوروبي مبلغ 3.1 تريلون دولار _بنسبة 58$) والدول الأسيوية بمبلغ 1.1 تريلون دولار بنسبة 21% في حين ان الدول العربية صدرت بمبلغ 168 مليون دولار بنسبة ثلاثة في الألف من الحصة العالمية.
 
نعم الولايات المتحدة الأميركية هي الأولى في التقدم التكنولوجي والإنفاق العسكري والرؤوس النووية وحاملات الطائرات المقاتلة، إلاّ أنها تضم مجتمعا مفككا، منحطا في علاقاته الاجتماعية، محكوما بعوامل المنافسة الضارة والقلق والخوف والجريمة، فهي الثامنة في متوسط عمر الفرد والثامنة عشرة في معدل وفيات الأطفال وأظهرت دراسات أكاديمية حديثة فيما يتعلق بالكسب والعمالة والتعليم والجريمة أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها تتكون من أمتين بينهما تفاوت هائل ، وهي كذلك بالفعل ، بل ربما أسوأ بكثير .
 
لا يعني عرض ما تقدم، التهوين من قدرات الولايات المتحدة الأميركية وقوتها، إلا أنه يعني بوضوح أن المشروع الإمبراطوري على المدى البعيد يقف على أرض اقتصادية واجتماعية رخوة, وهي تتجه يوماً بعد يوم لتصبح أكثر هشاشة[13] .
 
إن إدراكنا لطبيعة هذه المظاهر ، كسمة أساسية من سمات الرأسمالية التي يصفها ماركس بقوله "إن الرأسمالية تنزف دما من كل مساماتها" ، تكمن أهميته في أنه يعكس الواقع الداخلي للمجتمع الأمريكي، ويكشف بوضوح الوجه القبيح للرأسمالية، التي لا يمكن ان تنمو وتتراكم بعيدا عن الانقسامات الطبقية الحادة ، والفجوات الهائلة بين من يمتلكون الثروة من جهة ، والمحرومين من جهة ثانية، في إطار من الصراعات المباشرة وغير المباشرة ، المكشوفة أو الكامنة ، التي لن تتوقف عن الحركة والاستمرار بين من يملك ومن لا يملك ، بين المُستغلِّين والمستَغلين ، تلك هي حقائق الحياة المُعبِّرة عن مسار التاريخ وحركته التي لا مستقر لها ، وهي حقائق تتناقض بصورة كلية ومطلقة مع كل أولئك الذين يتحدثون عن نهاية التاريخ أو سقوط الأيديولوجيا ، تعبيرا عن أكذوبة الانتصار النهائي للنظام الرأسمالي الأمريكي وأيديولوجيته، بالرغم من هذا الانتشار الواسع له على معظم مساحة كوكبنا ، إذ أن هذا الانتشار عمَّق الى درجة كبيرة ، عملية الاستقطاب الآخذة في التصاعد ، وهو "استقطاب يتمثل في التضاد بين ثروة المراكز المتزايدة ، وفقر الأطراف المتفاقم ، خاصة وأن هذا الاستقطاب ليس ناتج ظروف خاصة بمختلف مناطق العالم –كما تدعي أيديولوجية الليبرالية الجديدة- بل هو ناتج عمل التوسع الرأسمالي في حد ذاته ، إذ ان هذا التوسع يقوم على عولمة سوق المنتجات ورؤوس الأموال دون أن يصاحبها اندماج أسواق العمل التي تظل متفتتة ومحبوسة في أطر السياسة القائمة ، ولذلك فإن التحدي الحقيقي بالنسبة لقوى اليسار العربي وقوى اليسار العالمي، ، يتلخص في مقولة واحدة مفادها ، ضرورة تجاوز حدود الرأسمالية من أجل ضمان بقاء الإنسانية ، فالخيار التاريخي الحقيقي قد أصبح كالآتي: إما ان تتيح النضالات الاجتماعية تجاوز منطق آليات وقوانين الرأسمالية ، وإما في غياب ذلك ، أن يؤدي فعل هذه الآليات الى انتحار جماعي للإنسانية وتدمير للكرة الأرضية"[14] .
 
نستنتج من كل ما تقدم، وبرؤية موضوعية الى حد بعيد، أن العلاقات الدولية في هذه المرحلة، التي دخلت فيها الرأسمالية طورها الإمبريالي المعولم ، لا يعني أنها قد تغلبت على تناقضاتها ، ولا يعني أن الكامن ، ونقصد بذلك حركة فقراء العالم وكادحيه قد مات ، فبالرغم من أن الرأسمالية قد أفلحت في تأجيل الانفجار عبر توسيع مجال التناقضات باسم العولمة ، إلا أنه تأجيل سيؤدي بالضرورة الى تزايد معاناة وإفقار شعوب العالم وأممه المسحوقة في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا من جهة والى تزايد حركات المقاومة الشعبية ببعديها التحرري الوطني والطبقي الثوري اليساري- رغم ظاهرة انتشار المد اليميني الرجعي والأصولي في اللحظة الراهنة- من جهة أخرى ، ولذلك فمن الطبيعي والضروري بصورة حتمية ، أن تسعى هذه الأغلبية المتضررة من هذا النظام الشرير ، عبر طلائعها المنظمة الى تقويض أركانه من أجل بناء نظام لا تحكمه هذه التناقضات ، بشرط امتلاك البرنامج الواضح المستند الى مفهوم وتطبيقات الاشتراكية  بصورة أولية، بمثل استناده الى مقومات العلم والحداثة والمعرفة المعاصرة ، والتكنولوجيا التي أصبحت –قوة أساسية من قوى الإنتاج في هذه المرحلة ، تمهيدا لصياغة المشروع الإنساني التقدمي البديل ، وتفعيل حركته ، خاصة في بلدان العالم الثالث ، من أجل إخضاع مقتضيات العولمة لاحتياجات شعوب هذه البلدان وتقدمها الاجتماعي ، ومن أجل المساهمة في بناء النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال الاحتكاري ، لقد حانت اللحظة الضرورية للعمل الجاد والمنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر ، عبر أممية جديدة ، ثورية وعصرية، وديمقراطية وإنسانية.
 
ثانياً: الأوضاع العربية الراهنة
1- إن الوضع الراهن ، الذي تعيشه شعوبنا العربية عموماً وفي المشرق العربي خصوصاً، لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و الهبوط التي بدأت في التراكم منذ اتفاقية "سايكس بيكو" وتجزئتها لوطننا العربي عام 1916 ، ووعد بلفور عام 1917 ، والنكبة الأولى لشعبنا الفلسطيني عام 1948 ، ثم انهيار الوحدة العربية بين مصر و سوريا في أيلول 1961 ، وتكرست بعد هزيمة حزيران 1967 ، و تعمقت و امتدت بعد كامب ديفيد 1979 إلى اليوم ، لدرجة أن سنوات العقدين الأخيرين من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ، حملت معها صوراً من التراجع لم تعرف جماهيرنا مثيلاً لها في كل تاريخها الحديث ، فبدلاً مما كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر و النهوض الوطني و القومي ، تحول هذا الوطن بدوله العديدة و سكانه إلى رقم كبير –يعج بالنزاعات الداخلية و العداء بين دوله- ، لا يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادلات الدولية ، و تحولت معظم أنظمته و حكوماته إلى أدوات للقوى المعادية ، فيما أصبح ما تبقى منها عاجزاً عن الحركة و الفعل و المواجهة ، في إطار عام من الخضوع والارتهان والتبعية على تنوع درجاتها و أشكالها السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية والثقافية و السيكولوجية ، في ظروف فقدت فيها القوى و الأحزاب الديمقراطية الوطنية و القومية و اليسارية قدرتها –لأسباب ذاتية و موضوعية- على الحركة و النشاط و النمو ، و تراجع دورها في التأثير على الناس أو على الأحداث من حولها .
 
و في مقابل هذا التراجع الرسمي العربي الذي يقف سداً مانعاً في وجه تطور و تجدد و صعود المشروع الوطني و القومي في بلدان الوطن العربي كله ، تتجلى هيمنة العدو الصهيوني بصورة غير مسبوقة ، لم يستطع تحقيقها في كل حروبه السابقة مع العرب ، إلى جانب عمليات الترويض الأمريكي للنظام الرسمي العربي ، في السياسة و الاقتصاد و الفكر و الثقافة التي لم تنجح في تغيير الموازين و المعايير العسكرية و السياسية في الصراع العربي –الصهيوني لصالح إسرائيل فحسب ، بل نجحت في تغيير أسس ما يسمى بعملية التفاوض إلى الدرجة التي يجري التعامل معها الآن على قاعدة أن يعترف العدو الإسرائيلي بحقوقنا و ليس العكس ، كما يتم التعاطي معه اليوم في ظل شروط "الرباعية أو خارطة الطريق" و"المبادرة العربية" و"خطة أولمرت" ورؤية الرئيس الأمريكي بوش حول ما يسمى ب "الدولة القابلة للحياة".
 
2- لذلك ، فإن حديثنا عن الضرورة التاريخية لصياغة منظومة معرفية قومية تقدمية معاصرة ، عبر رؤية وممارسة جديدتين ، يقع بالدرجة الأولى وفي المراحل الأولى على عاتق المثقف الديمقراطي الماركسي العربي ، لاعتبارين هامين ، أولهما: أن هذا المثقف هو الوحيد القادر من الناحية الموضوعية على وضع الأسس المعرفية النظرية لهذه المنظومة وآفاقها المستقبلية. وثانيهما: أن طبيعة التركيب الاجتماعي/الطبقي المشوه لمجتمعنا العربي ، التي تتسم بتعدد الأنماط الاجتماعية القديمة والمستحدثة وتداخلها ، كما تتسم بالسيولة وعدم التبلور الطبقي بصورة محددة ، والتسارع غير العادي ، الطفيلي أو الشاذ أحيانا في عملية الحراك الاجتماعي ، الى جانب وضوح وتعمق تبعية "البورجوازية" العربية للمركز الرأسمالي المعولم ، بحيث أصبحت –اليوم- واحدة من أهم أدواته وآلياته في بلادنا ، كل ذلك يجعل من المثقف العربي ، -بالمعنى الجمعي المنظم- بديلا مؤقتا ورافعة في آن واحد للحامل الاجتماعي أو الطبقي ، وما يعنيه ذلك من أعباء ومسئوليات بل وتضحيات في مجرى الصراع لتوليد معالم المشروع النهضوي القومي ونشره في أوساط الجماهير الشعبية العربية كفكرة مركزية أو توحيدية .
 
إننا لا نزعم أننا ننفرد بالدعوة الى إعادة تجديد وتفعيل الفكر القومي ومشروعه النهضوي في بلادنا ، ذلك لأن هذه الرؤية تشكل اليوم هاجسا مقلقا ومتصلا في عقل وتفكير العديد من القوى والأحزاب والمفكرين والمثقفين في إطار اليسار الديمقراطي على مساحة الوطن العربي كله ، وهي أيضا ليست دعوة الى القفز عن واقع المجتمع العربي أو أزمته الراهنة التي تتبدى في العديد من المظاهر والمؤشرات :-
 
- أولا : مظاهر الأزمة على الصعيد السياسي
- ثانيا : مظاهر الأزمة على الصعيد الاقتصادي
- ثالثا : مظاهر الأزمة على الصعيد الاجتماعي
 
أولا : المظهر السياسي للأزمة :-
لم يعد ثمة خلاف على أن المتغيرات العالمية، النوعية المتدفقة، التي ميزت العقدين الأخيرين من القرن العشرين، في السياسة و الاقتصاد والتطور العلمي، شكلت في مجملها واقعاً تاريخياً معاصراً ورئيسياً وضع كوكبنا الأرضي على عتبة مرحلة جديدة ، في القرن الحادي والعشرين، لم يعهدها من قبل، ولم يتنبأ بمعطياتها ووتائرها المتسارعة أشد الساسة والمفكرين استشرافا أو تشاؤماً وأقربهم إلى صناع القرار، في هذا المناخ وجدت الإمبريالية الأمريكية فرصتها في التمدد والهيمنة على كثير من مناطق العالم عموماً، على منطقتنا العربية خصوصاً، لتكريس تبعيتها وتخلفها من جهة، وإعادة هيكلتها و تكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة شبه مطلقة لسياساتها في المنطقة التي تستهدف –بصورة يائسة لا مستقبل لها- تجديد الدور الوظيفي للعدو الصهيوني ودولته بما يتوافق مع مستجدات المصالح الأمريكية المعولمة الراهنة ، بحيث تصبح إسرائيل "دولة امبريالية مركزية" في المنطقة العربية والإقليمية يحيطها مجموعات من "دول الأطراف"، المتكيفة –التابعة مسلوبة الإرادة، بما يضمن ويسهل عملية "التطبيع" و"الاندماج" الإسرائيلي في المنطقة العربية، سياسياً واقتصادياً، تمهيداً للقضاء على منظومة الأمن القومي العربي كله من جهة و بما يعزز السيطرة العدوانية الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية –والعربية- المحتلة أو التحكم في مستقبلها من جهة أخرى .
ان استمرار تراكم الأزمة الداخلية وتبعية و إلحاق النظام العربي بالنظام الدولي "الجديد" ، رغم اتفاقات كامب ديفيد أوسلو ووادي عربة وما تلاها من اعترافات وتطبيع ، أفرز حالة من العجز ، بحيث بات النظام العربي غير قادر على المطالبة بتطبيق مبدأ "الأرض مقابل السلام" ناهيك عن قرارات الشرعية الدولية في حدودها الدنيا المتمثلة بقرارات 242 و 338 و194 ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل بات النظام العربي فاقدا للقدرة على مجرد رفض المشاريع الأمريكية-الإسرائيلية ، كما جرى في قبوله لخارطة الطريق و "خطة شارون/ أولمرت" واستمرار إقامة الجدار والتوسع الصهيوني في الضفة الفلسطينية ، بما يشير الى أن الحالة العربية الرسمية الراهنة بمجملها أصبحت تستجدي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية والعربية من واشنطن وتل أبيب –كما جرى في مؤتمر القمة العربية بداية العام 2007- رغم إدراكها باستحالة تحقيق ذلك الاعتراف خاصة بعد أن تم تكييف و إعادة هيكلة النظام العربي وفق شروط النظام الرأسمالي ، بحيث أصبحت أوضاعه الداخلية كلها رهينة للمقرر الخارجي ، الأمريكي/الصهيوني، نورد هنا مجموعة من المشاهد السوداوية –على سبيل المثال لا الحصر- من واقع النظام العربي:
-   فلسطين: فشل الاتفاقات والمفاوضات بسبب رفض العدو الإسرائيلي الاعتراف بأي شرعية دولية سوى شرعية المحتل الغاصب، الى جانب حالة الفلتان والاقتتال الداخلي على المصالح بعيدا عن الأهداف الوطنية، وفي مثل هذه الأوضاع، فقد بات الحديث عن الدولة الفلسطينية كاملة السيادة نوعا من الوهم، بل إن مستقبل أرضنا المحتلة في الضفة الفلسطينية ووحدتها مع قطاع غزة بات غامضا ومقلقا في ضوء الحديث عن الانفصال أو التقاسم الوظيفي وغير ذلك من المشاريع المشبوهة.
-   العراق: مقاومة ضد الاحتلال، ولكن المفارقة ان بعض جوانب هذه المقاومة تبدو وكأنها نوع من الانتحار الذاتي او العدمي محكوماً بمنطلقات غيبية مغرقة في عدميتها وتخلفها، وقد تكرس تفكيك الدولة المركزية الى وحدات ومشاريع فدرالية وأثنية وطائفية.
-         لبنان: استمرار ضعف دور الدولة المركزي، ما يعني استمرار منطق وآليات الطوائف.
-   دويلات الخليج والسعودية: ومظهرها الرئيسي يتجلى في – تحكم أمريكي شامل مع تطبيع واعتراف بإسرائيل – علاوة على انتشار القواعد العسكرية الأمريكية فيها، (في البحرين 40 مركز عسكري أمريكي، وفي قطر أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية في عموم المنطقة وفيها يوجد المقر الرئيسي للقيادة العسكرية للمنطقة الوسطى من العالم centcom الممتدة من آسيا الوسطى حتى القرن الافريقي، أما في السعودية فهناك عشرات القواعد العسكرية، من أهمها، قاعدة الأمير سلطان الجوية في الخرج الى جانب قاعدة الظهران (قاعدة الملك عبد العزيز) وفي الرياض (قاعدة الملك خالد) وفي خميس مشيط وتبوك والطائف، اما في عُمان فهناك خمس قواعد عسكرية في السيب وجزيرة مصيرة وثمرين، وجزيرة العنز وميناء مسقط، (ومن الجدير بالذكر أن العراق الشقيق هوجم من هذه القواعد).
-         السودان: نزاعات داخلية – ومخاطر تهدد وحدة البلاد في الجنوب وفي دارفور.
-         الصومال: أثيوبيا تقوم بدور بديل عن أمريكا وإسرائيل- مقاومة ضعيفة وتخلف وجهل وفقر ومرض.
-   المغرب العربي: تزايد التبعية والخضوع للسياسات الغربية – تزايد المد الأصولي – انهيار حاد في المشروع القومي النهضوي، في منطلقاته او ركائزه المادية والفكرية. وتجدد بروز النزعات الانفصالية.
تلك هي أحد جوانب صورة الواقع العربي في هذه المرحلة، التي لا تكتمل إلا بالحديث عن واقع تكريس هوية الدولة القطرية، رغم رخاوتها ورثاثتها، وتعرض بعضها للتفكيك والتجزئة، الى جانب مخاطر تفكيك الهوية الثقافية العربية التي تتعرض اليوم للاختراق، وأخيرا هشاشة وتشوه ما يسمى بـ الاصلاح الديمقراطي، مع استمرار أحكام الطورايء والاستبداد والاعتقال السياسي. وكلها مؤشرات تؤكد على استكمال الهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية على معظم بلدان الوطن العربي عبر الشرائح الطبقية الحاكمة/ السائدة وأجهزتها القمعية و"الثقافية".
 
ثانياً : المظهر الاقتصادي للأزمة :-
ويتجلى في فشل السياسات الليبرالية الاقتصادية التي صاغها الصندوق والبنك الدوليين في ثمانينيات القرن الماضي ، والتي عرفت باسم برامج التثبيت والتكيف الهيكلي أو ما يسمى ببرامج التصحيح ، ولم يكن هذا الفشل مفاجئا للعديد من خبراء الاقتصاد في العالم الثالث ، بسبب أن هذه البرامج أو التوجهات الليبرالية الجديدة التي انساقت لتطبيقها غالبية دول العالم الثالث ، طمست أو غَيَّبت بشكل مرسوم ومتعمد ، كل مصطلحات "التنمية" و"التحرر الاقتصادي" و"التقدم الاجتماعي" و"العدالة الاجتماعية" ، التي أدت الى إعادة دمج بلدان العالم الثالث في الاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع ضعيف وإخضاعها لمقتضيات عودة الحيوية لتراكم رأس المال في المتروبلات (البلدان) الصناعية ، عن طريق ما توفره من آليات وشروط جديدة لنهب موارد هذه البلاد"، والان وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على استجابة معظم بلدان الوطن العربي لشروط الليبرالية الجديدة، تحصد اليوم النتائج الوخيمة التي أوقعت الاقتصاد والمجتمع في مآزق عديدة لم تتوقف عند العجز عن مواجهة تحديات التنمية فحسب، بل ادت الى تزايد مظاهر الافقار والبطالة وتفاقم المديونية وتراجع حركة النمو الاقتصادي وخراب الصناعة الوطنية واتساع الفجوة بين القلة من الأثرياء وبين السواد الأعظم من الجماهير، والمؤشرات على ذلك كثيرة:
1- استفحال مظاهر التبعية بكل أشكالها السياسية والتجارية والمالية والثقافية والنفسية.
2- استمرار تراكم عوامل العجز في توفير مقومات الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي.
3- انخفاض –وهشاشة- حجم التجارة البينية العربية منذ إعلان تأسيس السوق العربية بحيث لا تتجاوز نسبة 10.3% من إجمالي التجارة العربية الخارجية البالغة 873 مليار دولار.
4-تزايد معدلات البطالة والفقر وما ينتج عنها من أزمات خانقة على جميع المستويات ، فالعمالة العربية كما في عام 2005 بلغت حوالي 112 مليون عامل منهم 16.8 مليون عامل عاطل عن العمل بنسبة 15% من مجموع القوى العاملة العربية.
5- تراكم مظاهر التخلف التي لم تؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية – الزراعة والمياه بشكل خاص فحسب ، وإنما امتد تأثيرها على الجامعات ومؤسسات التطور والبحث العلمي.
 
و في هذا السياق فإن الحديث عن كسر نظام الإلحاق أو التبعية الراهن سيكون ضرباً من الوهم إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا للمخاطر الجدية التي فرضتها ظاهرة العولمة على الوطن العربي، و ما تسعى إليه من تفكيك أواصر الأمة باسم الفردية أو الليبرالية الجديدة ، بما يعزز تراخي دور الدولة الوطنية و تراجع السيادة السياسية فيها وتفكك مجتمعاتها ، خاصة و أن العولمة بمثل ما أدت إلى عولمة التحديات فإنها قد عززت ما يمكن أن يسمى بعولمة الاستسلام في بلادنا و في العالم الثالث عموماً .
 
ثالثاً : الأزمة الاجتماعية :
إن المجتمع العربي يتعرض اليوم لأزمة اجتماعية متعددة الأبعاد، ففي اللحظة التي انتقل فيها العالم من مرحلة تاريخية سابقة الى المرحلة الجديدة أو العولمة ، بتسارع غير مسبوق ، و بمتغيرات نوعية تحمل في طياتها ، في الحاضر و المستقبل تحديات غير اعتيادية ، نلاحظ أن المجتمعات العربية –محكومة- لمظاهر وأدوات التخلف عبر سيطرة الميت على الحي ، ويشكل " الاستلاب الأيديولوجي بشكليه السلفي و الاغترابي أبرز الآليات الداخلية التي تعيد إنتاج التأخر ، و تعيد إنتاج الاستبداد ، و تحافظ على البنى و العلاقات و التشكيلات القديمة ما قبل القومية ، فالعلاقة بين المستوى الأيديولوجي السياسي ، و المستوى الاجتماعي الاقتصادي ، هي علاقة جدلية ، تحول كل منهما الى الآخر في الاتجاهين ، آخذين بالحسبان أيضاً أن المستوى السياسي محدد و محكوم بطابع الوعي الاجتماعي السائد"[15] .
 
بهذا المدخل ، نبدأ في الحديث عن أزمة المجتمع العربي التي نرى أنها تعود في جوهرها إلى أن البلدان العربية عموماً لا تعيش زمناً حداثياً أو حضارياً ، و لا تنتسب له جوهرياً ، و ذلك بسبب فقدانها ، بحكم تبعيتها البنيوية ، للبوصلة من جهة ، و للأدوات الحداثية ، الحضارية و المعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور المجتمعي العربي و مساره و علاقته الجدلية بالحداثة و الحضارة العالمية أو الإنسانية، ما يعني ليس فقط هشاشة ما يسمى بالمجتمع المدني، بل غيابه الفعلي عن الواقع العربي، حيث ترعرع مفهوم »المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية« وبات مألوفاً –من حيث الشكل فقط- من كثرة تداوله في معظم »الحوارات والندوات وورش العمل التي تعقدها بعض القوى السياسية وتروج لها المنظمات غير الحكومية، وهي ظاهرة تدعو إلى إثارة الانتباه والتأمل، وليس الاستغراب، من حيث أن هذه »الورش والندوات« التي »نجحت« في القفز بمفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية، والوصول بها إلى أعلى سلم الأولويات في الإطار الضيق »للنخبة السياسية« التي تخلى معظم رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة، لم تنجح –بالمقابل- في الوصول أو التغلغل بأي شكل من الأشكال إلى الأوساط الجماهيرية الشعبية، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة، وغرابة صيغها وعناوينها الفرعية المتعددة، وشكل عباراتها المركب بصورة لا يمكن للجماهير أن تستوعبها، مما جعل منها عبارات عامة ومبهمة و»جديدة« حلت محل المفاهيم المعادية للإمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية، وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط، الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد، أسسه ومنطلقاته الليبرالية، الفكرية والسياسية العامة، وترك هامشاً للمنظمات غير الحكومية في العالم العربي، والعالم الثالث لتمارس دورها أو قناعاتها الجديدة.
 
 وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى تلك الازدواجية أو المفارقة الغريبة، التي تمارسها دول النظام الرأسمالي الغربي، فهي من جهة تساند وتدعم جميع الأنظمة والمؤسسات الاستبدادية المتخلفة في بلادنا بصورة منهجية واضحة، وتقوم عبر هذا الزيف الليبرالي بدعم المنظمات غير الحكومية دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى!؟ أية ديمقراطية هذه؟ وما طبيعة هذا المجتمع المدني الذي يروجون له وما أهدافه؟ إنها الديمقراطية المغربة، النخبوية، الفوقية، والمعزولة عن الجماهير، ما يؤكد على ذلك أن جميع المنظمات غير الحكومية –في البلدان العربية- لم يستطع أي منها الاعتماد في تمويل مشاريعه على المجتمع المحلي ولو بنسبة 20% فقط؟! بسبب اعتماد هذه المنظمات على الآخر الأجنبي من جهة، وفشلها في إقامة أي شكل من أشكال العلاقة الواسعة والثابتة مع الجماهير أو المجتمع المحلي من جهة ثانية، مع أن عدد هذه المنظمات يزيد عن (75) ألف منظمة(16) تنتشر في بلدان الوطن العربي على السطح بلا أي جذور أو تمدد، بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين لهذه المنظمات بقوله »إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية، تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية العولمة، الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم، وهي انسجام أو إعادة تنظيم لإدارة المجتمع من قبل القوى المسيطرة«.
 
فبالرغم من اننا اليوم في النصف الثاني من العقد الاول للقرن الحادي و العشرين ،إلا أننا –في البلدان العربية- ما زلنا في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة ، أو في زمان "ما قبل الرأسمالية" ،رغم تغلغل العلاقات الرأسمالية في بلادنا ، و الشواهد على ذلك كثيرة ، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير ، بمنطلقاتها العلمية و روحها النقدية التغييرية ، و إبداعها و استكشافها المتواصل في مناخ من الحرية و الديمقراطية ، ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي و الوجود الاجتماعي و الدور التاريخي الموضوعي للقومية أو الذات العربية في وحدة شعوبها ، ووحدة مسارها و مصيرها ، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي العربي ، و لعلنا نتفق أن السبب الرئيسي لهذه الإشكالية الكبرى ، لا يكمن في ضعف الوعي بأهمية التنوير العقلاني ، أو ضعف الإدراك الجماعي بالدور التاريخي للذات العربية ، فهذه و غيرها من أشكال الوعي ، هي انعكاس لواقع ملموس يحدد وجودها أو تبلورها ، كما يحدد قوة أو ضعف انتشارها في أوساط الجماهير ، و بالتالي فإن الواقع العربي الراهن ، بكل مفرداته و أجزاءه و مكوناته الاجتماعية و أنماطه التاريخية و الحديثة و المعاصرة ، هو المرجعية الأولى و الأساسية في تفسير مظاهر الضعف و التخلف السائدة بل و المتجددة في مجتمعاتنا ، إذ أن دراسة هذا الواقع ، الحي ، بمكوناته الاجتماعية و الاقتصادية تشير بوضوح إلى أن العلاقات الإنتاجية و الاجتماعية السائدة اليوم في بلداننا العربية هي نتاج لأنماط اقتصادية /اجتماعية من رواسب قبلية و عشائرية و شبه إقطاعية ، و شبه رأسمالية ، تداخلت عضوياً و تشابكت بصورة غير طبيعية ، و أنتجت هذه الحالة الاجتماعية /الاقتصادية المعاصرة ، المشوهة والرثة . 
 
و اليوم و نحن في مطلع الألفية الثالثة ، تتعرض مجتمعاتنا العربية ، من جديد ، لمرحلة انتقالية لم تتحدد أهدافها النهائية بعد ، رغم مظاهر الهيمنة الواسعة للشرائح و الفئات الرأسمالية العليا ، بكل أشكالها التقليدية و الحديثة ، التجارية و الصناعية و الزراعية ، و الكومبرادورية و البيروقراطية الطفيلية ، التي باتت تستحوذ على النظام السياسي ، و تحول دون أي تحول ديمقراطي حقيقي في مساره ، عبر اندماجها الذيلي التابع للنظام الرأسمالي المعولم الجديد من جهة ، و تكريسها لمظاهر التبعية و التخلف و الاستبداد الأبوي على الصعيد المجتمعي بأشكاله المتنوعة من جهة أخرى ، من خلال التكيف و التفاعل بين النمط شبه الرأسمالي الذي تطور عبر عملية الانفتاح و الخصخصة وما يسمى بالإصلاح الديمقراطي خلال العقود الثلاثة الماضية ، و بين النمط القبلي /العائلي ، شبه الإقطاعي ، الريعي ، الذي ما زال سائداً برواسبه و أدواته الحاكمة أو رموزه الاجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث، التي باتت اليوم محكومة وخاضعة –في معظم النظام العربي- لتوجهات وسياسات وشروط المقرر الخارجي ، الأمريكي/الإسرائيلي، ما يعني أن التحولات الراهنة في إطار الإصلاح أو الديمقراطية السياسية (التي لا تعدو أن تكون شكلا باهتا من الانفراج السياسي) قد ارتبطت إلى حد كبير بعامل التدخل الخارجي، الذي وصل إلى درجة الاستخدام المباشر والمتوحش للقوة العسكرية كما حدث في العراق الشقيق، والى درجة الضغوط الاكراهية كما يجري عبر حصار فلسطين ولبنان والسودان، والتلويح بتغيير أنظمة التخلف (الخاضعة والمرتهنة اصلا) كما يجري في الجزيرة العربية (السعودية) ، وكذلك الأمر في بلدان  المغرب العربي، علاوة على ما افرزته هذه المتغيرات "الديمقراطية" في بعض البلدان من نزعات انفصالية ومشكلات معقدة طائفية ومذهبية كامنة ستدفع إلى مزيد من التفكك والانقسام في هذه الدولة العربية أو تلك، والعراق والسودان ولبنان وفلسطين، دليلنا على ذلك ما جرى من صراع دموي مؤخرا بين فتح وحماس في غزة، شاهد على ذلك، بحيث بات المشهد الفلسطيني أشد قتامة ومرارة مما هو عليه المشهد العربي المهزوم.
الوضع الفلسطيني الراهن:
في ضوء استعراضنا للعلاقات الدولية والعربية الراهنة، ودور الولايات المتحدة المهيمن على مساحة كبيرة من السياسة الدولية، فقد كان من الطبيعي أن تتراجع مساحة التأييد الدولي للقضية الفلسطينية –بحكم المتغيرات والمستجدات والمصالح المشتركة- رغم شرعية وعدالة مطالبنا وحقوقنا التاريخية والقانونية في تقرير المصير والعودة والدولة المستقلة، في ظل تفاقم الأزمات –الخارجية والداخلية- التي تحاصر شعبنا ومشروعنا الوطني، وتدفع صوب فقداننا للبوصلة في المسار المتعثر الراهن بحيث تبدو القضية نفسها –على الصعيد الدولي والعربي – لدى الأصدقاء خصوصاً- محيرة في تصور مسارها المستقبلي في السنوات القادمة ارتباطاً بالأحوال العربية الرسمية التي باتت –في معظمها- خاضعة لمحددات السياسة الأمريكية من جهة وارتباطا بالأوضاع الفلسطينية الداخلية المتدهورة شبه المنهارة من جهة ثانية بعد أن أصبح الفلتان الأمني والدم الفلسطيني عنواناً لهذه المرحلة المحكومة بمصالح قطبي الصراع فتح وحماس وبالدور البشع لبعض رموز التخلف العائلي والحمائلي الأمر الذي عزز ميل قطاعات واسعة من أبناء شعبنا صوب الاستسلام واللامبالاة، بمثل ما أسهم في تفكيك وتراجع التأييد الدولي الصديق من جهة ثانية.
 
               اما بالنسبة للحالة السياسية، فقد أظهرت المفاوضات ان الفجوة اوسع مما تصوره كثيرون رغم كل ما قدمه الجانب الفلسطيني من تنازلات، لم يكن نتاجها سوى المزيد من الأزمات والصراعات الداخلية، والمزيد من الهبوط السياسي في ثوابتنا وأهدافنا في حق العودة وتقرير المصير، بمثل ما يهدد هويتنا الوطنية بالتفسخ والانهيار، الامر الذي ادى الى بروز أفكار وسيناريوهات وتصورات شديدة التشاؤم باتجاه التطرف العدمي او باتجاه الاستسلام والقبول بالأفكار والمشاريع الإسرائيلية الأمريكية التي يتم تداولها سراً وعلانية في ضوء الموقف الإسرائيلي الذي يحاول فرض شرعية المحتل الغاصب بديلاً لكل شرعية –وبالتالي فالوعد بإقامة دولة قابلة للحياة ليس سوى نوعاً من الوهم او انه غير قابل للتحقق في الأمد المنظور او البعيد اذا ما بقيت أحوالنا على ما هي عليه.
 
 وفي ضوء تحول دولة العدو الإسرائيلي الى حالة امبريالية صغرى في الإقليم الشرق أوسطي في منطقتنا، وما رافق ذلك من اختلال مريع في موازين القوى العربية الإسرائيلية، وغياب إمكانية تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة لسنوات قادمة، وتردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية وما قد ينجم عنها من تفكيك بنية المجتمع الفلسطيني الى مجتمعين أحدهما في قطاع غزة والآخر في الضفة الغربية وما يترافق مع هذا الوضع من ضبابية سوداء ترتبط بمستقبل الضفة الغربية واحتمالات اقتسامها الوظيفي بين إسرائيل والأردن، علاوة على اقتطاع وادي الأردن والأراضي خلف الجدار ومدينة القدس وضمها لحساب التوسع الإسرائيلي... في ضوء ذلك كيف نرى صورة المجتمع السياسي الفلسطيني في اللحظة الراهنة... ونتساءل معاً إلى أين؟؟؟
 
في محاولة الاجابة على هذا التساؤل، نقول أنه مع تفاقم انتشار مظاهر الموت والاقتتال الدموي في المشهد الفلسطيني الراهن ، إلى جانب الأزمات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية التي باتت تحاصر المشروع الوطني، وتعصف بمكونات مجتمعنا الفلسطيني وتهدد بالمزيد من مظاهر التفسخ والتفكك لوحدته الوطنية وتماسكه الداخلي، خاصة بعد أن تحول التناقض السياسي بين قطبي الصراع (فتح وحماس) إلى شكل من التناقض التناحري أو الصراع الدموي المسلح بينهما على السلطة والحكم والمصالح، الأمر الذي أدى إلى انتشار مظاهر القلق والإحباط ومؤشرات اليأس في قطاعات واسعة من جماهير شعبنا من ناحية ودفع قضيتنا الوطنية وحقوق شعبنا وآماله في التحرر والبناء والتغيير الديمقراطي إلى شبه طريق مسدود من ناحية ثانية، بعد أن فقد شعبنا –أو كاد- بوصلته في مسار النضال التحرري، بمثل ما فقدها في مساره الداخلي، ومع وصول هذه الحالة من التصعيد في الاقتتال الدموي الداخلي والانهيار المجتمعي والسياسي، إلى حافة الخطر الذي يمكن أن يؤدي إلى تكريس الرؤية والمخطط الصهيوني الأمريكي صوب مزيد من الهيمنة والتحكم بمصير قضيتنا وشعبنا، إلى جانب ما أدت وستؤدي إليه هذه الأوضاع والصراعات غير المبدئية من آثار ضارة تتجلى في المزيد من أشكال المعاناة والبطالة والإفقار التي تهدد أبناء شعبنا الفقراء بحرمانهم من لقمة عيشهم في ظروف بات شعبنا معها ، محبطاً أو فاقداً للأمل من طرح قضاياه المصيرية والأساسية.
 
           وفي ضوء هذه التطورات الجارية راهناً، ومن اجل مجابهة ووقف آثارها ومفاعليها الخطيرة على حاضر ومستقبل قضيتنا ونضال شعبنا ، في ظل هذه الحالة من الصراع الداخلي التي تطل فيها عوامل اليأس والقلق والخوف والانحطاط بديلا للآمال الكبرى في التحرر والاستقلال وسيادة القانون والديمقراطية ، الامر الذي يدفعنا إلى التوجه –عبر هذه الورقة- إلى كل ، أو ما تبقى ، من القوى والفعاليات المنضوية في ما يمكن تسميته بالتيار الوطني الديمقراطي العلماني ، لكي تستنهض ذواتها ، وتقوم بدورها المطلوب –كضرورة ملحة في اللحظة كما في المستقبل- شرط ان تتخلص من حالة التراجع والعجز في بنيانها الناجم عن هذه الفجوة –المتزايدة الاتساع- بين ممارسات هذه القوى من ناحية وبين شعاراتها أو افكارها النظرية من ناحية ثانية ، وذلك انطلاقا من أن الحديث عن الحل العادل للمسالة الفلسطينية، أو الحديث عن مستقبل المشروع الوطني أو النظام السياسي والدولة المستقلة، لن يكون له أي معنى ايجابي، دون الارتباط الوثيق للمسألة الفلسطينية وقضيتها بالبرنامج الوطني الديمقراطي العلماني في اطار الرؤية القومية العربية وحراكها السياسي الاجتماعي ومنطلقاتها العقلانية التقدمية، ذلك أن ما نشهده من مؤشرات الصراع الداخلي، ومظاهر التفكك والانهيار السياسي والاجتماعي في قطاع غزة والضفة، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الراهنة وصولاً إلى مأزق مسدود، إذا لم يتم تدارك هذه الحالة المأزومة وإخضاعها لشروط ومقومات الوعي لعملية التحرر الوطني والديمقراطي وسيادة القانون العادل وحرية المواطن ، كأسس يشكل الالتزام بها ضرورة تاريخية في هذه اللحظة بالذات، ذلك أن عملية الفرز الجارية الآن بين قطب حركة فتح الذي يدعو إلى التسوية الواقعية وسعيه إلى إخضاع المسالة الفلسطينية لموازين القوى المختلة من جهة وقطب حماس الذي لم يتعاطى أبداً مع منطق حركة التحرر الوطني والرؤية والمنطلقات القومية العربية إلا في إطار إنشداده لأصوليته ومنطلقاته الدينية من جهة ثانية، تؤكد على أن هذا الفرز ما هو إلا تأكيد على أن هذين القطبين هما وجهان للمأزق الراهن والمخاطر التي يحملها في مواجهة مشروعنا الوطني التحرري الديمقراطي، ولكن يبدو ان الشكل المظهري والمصالح الفئوية والمخاوف المحتملة لدى كل منهما من الآخر ، فرضت –وما تزال- انتقال الحوار بينهما إلى شكله العنيف أو الدموي ، بعد ان بات كل منهما يرى في السلطة هدفاً في ذاتها، رغم إدراكهما لهشاشتها وضعفها وفقدانها لأي شكل من أشكال السيادة أو عناصر الولاية الجغرافية أو القانونية، إلى جانب فقدانها للهيبة أو القدرة على تطبيق الحد الأدنى من استحقاقاتها فيما يتعلق بفرض النظام أو سيادة القانون أو تامين وسائل الحياة، باختصار لقد باتت سلطة لا تستحق الصراع عليها أو من اجلها إلا لدواعي القبول أو التكيف أو المهادنة المقبلة وفق صيغة من التشارك في السلطة والحكومة لدى كلا القطبين، ما يستدعي من كافة القوى والفعاليات الوطنية الديمقراطية العلمانية عموما واليسارية منها خصوصا ، -رغم تراجعها وضعف تأثيرها في اللحظة الراهنة- أن تبادر إلى ممارسة أشكال من الضغط السياسي والجماهيري المتصل في محاولة لوقف هذا الصراع التناحري واشاعة النظام وسيادة القانون كمهمة عاجلة ، ثم البدء بمتطلبات اعادة ترتيب البيت الفلسطيني والاسهام في صياغة أسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على قاعدة الثوابت الوطنية الديمقراطية الأساسية بما يضمن الحد الادنى من تكريس وبلورة الدور الوطني والمجتمعي لهذه السلطة من ناحية وبما يضمن فرض تنفيذ عملية إعادة إحياء كافة مؤسسات م.ت.ف وفي مقدمتها اعادة تشكيل وانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني كمرجعية دستورية للسلطة، واعادة بناء م.ت.ف بمضمون وشكل جديدين انطلاقا من انها الاطار الجامع لكل ابناء شعبنا في الوطن والشتات ، علاوة على انها الضمانة الوحيدة –على قاعدة برنامج الاجماع الوطني- لسيرورة نضالنا الوطني الفلسطيني صوب تحقيق أهدافه الوطنية والديمقراطية على قاعدة ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن.
 
إن تسارع المتغيرات والأحداث والصراعات الداخلية بين القطبين، مع استفحال الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية، والتعقيدات والمخاطر السياسية الناجمة عن الموقف الدولي والعربي الرسمي ضد مشروعنا الوطني، تجعلنا في حالة من الإرباك، التي تفتح بدورها باب الاحتمالات صوب العديد من " المستجدات" المتوقعة لأوضاعنا السياسية المجتمعية التي قد تكون اكثر ايلاما ومراره من الحالة الراهنة على سوداويتها، إذا لم تبادر كافة القوى والفعاليات الوطنية الديمقراطية إلى الإسراع في تشكيل التيار الوطني الديمقراطي العلماني القادر على استيعاب أوسع القطاعات الجماهيرية الشعبية في صفوفه، بما يمكنه من أن يصبح قوة ضغط وطنية يحسب حسابها من كلا القطبين، ذلك  إن الفشل في تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية" ، واستمرار الحصار والإغلاق مع تزايد أشكال المعاناة والإفقار والتذمر في صفوف الجماهير الشعبية والعاطلين عن العمل والموظفين وجماهير الفقراء عموماً، وما يعنيه ذلك من تزايد احتمالات الصراع أو الحوار التناحري المباشر بين فتح وحماس، سيدفع إلى تزايد الحديث أو المطالبة بحل السلطة، دون أن يملك احد تصوراً عملياً بديلاً لها قابلاً للاستمرار والاستقرار القانوني والأمني من ناحية، وقادراً على تقديم الحد الأدنى من الحلول المطلوبة للموظفين والعاطلين والشرائح الفقيرة، -من ناحية ثانية، مما  يعني مزيد من تفاقم الأزمات المجتمعية والفلتان والفوضى والاقتتال الداخلي الدموي بينهما، إلى أن يتم حسم هذا الصراع لمصلحة أحدهما، وبدون أفق سياسي داخلي محدد، إلا ما سيفرضه المقرر الخارجي –الأمريكي الإسرائيلي- على شعبنا، ما سيعني ترسيخ السيطرة السياسية لمجموعات المصالح الطبقية ومشروعها القابل بمعطيات الخارج وشروطه.
 
فالوضع الراهن يشير إلى أن السياسة باتت فناً للفوضى أو الموت البطيء بدلاً من فن إدارة الصراع الوطني والاجتماعي، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نكبة أشد خطراً وعمقاً من نكبة 48... معنى ذلك هناك خلل كبير يدفع ثمنه شعبنا الفلسطيني عموماً والجماهير الفقيرة خصوصاً. ذلك أن ما يجري هو شكل من الفوضى السياسية والمجتمعية المحكومة بالطبع بأهداف ومصالح وبرامج محددة (خارجية وداخلية متشابكة) بالرغم مما يبدو من تعدد المحاور السياسية والتنظيمية والأمنية، التي تسعى إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني وبلورته في الصيغة المطلوبة وفق مقتضيات الصراع بين القطبين، (فتح وحماس) في إطار فسيفساء متناقضة أو حالة من الفوضى والصراع قد يفقد معها المشروع الوطني عناصره وثوابته الجوهرية ما سيدفع إلى ولادة نظاماً أو مشروعاً وطنياً مشوهاً عاجزاً عن حمل مواصفات وشروط النظام السياسي أو برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني لحساب هوية الإسلام السياسي أو الأمة الإسلامية، حينئذ لن تكون هذه الهوية بديلاً للمشروع الوطني فحسب بل ، "ستمثل" نهاياته لكي تبدأ بالسير في مشروعها ، وهي إمكانية نزعم أنها مستحيلة التحقق في فلسطين راهناً إلا إذا استطاع تيار "الإسلام السياسي" أن يصبح مشهداً رئيسياً في بعض أو معظم بلداننا العربية، وهو أمر لا يمكن تحققه بدون التكيف مع السياسات الأمريكية.
 
إذا كانت بعض ممارسات الانتفاضة الثانية قد جلبت الكارثة –ولو بالمعنى الجزئي- على الصعيدين المجتمعي الداخلي والسياسي العام، وعززت دور حماس الكفاحي والنضالي الذي نقر به، ونحترمه ، بمثل ما نقر بأنه يحمل مضموناً سياسياً وأيدلوجياً مغايراً يعبر عن نفسه عبر هوية لا نريد لها أن تشكل نقيضاً حاداً أو دموياً للهوية الوطنية ، من هنا اهمية الاقرار بمبدأ فصل الدين عن الدولة دون ان يعني ذلك موقفا سلبيا من الدين أو الجوانب الايجابية العديدة في تراثنا العربي الاسلامي .
 
لذلك، علينا كتيار وطني ديمقراطي عموماً، وقوى يسارية خصوصاً أن نتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح والاهداف الوطنية والقومية التقدمية الديمقراطية الكبرى وليس من منطلق حماس أو فتح ، خاصة وان كلاهما يعيش أزمة خانقة أو تحولات خطيرة... وهذا يحتاج منا إلى إعداد أنفسنا للبناء عبر مرحلة تمكين حقيقية على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي، بما يحقق تطلعنا المشروع والتاريخي لاستعادة دورنا وتأثيرنا المستقبلي القريب المنشود، انطلاقاً من قناعتنا بان هذه المرحلة ليست مرحلتنا دون أن يعني ذلك انكفاءنا أو عزلتنا عن الجماهير، رغم اعترافنا بهذه العزلة التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من تراجع وتفكك وضعف للدور والتأثير أصاب مجمل أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نورد فيما يلي عددا من مؤشراتها:
 أولاً :
 إن إسرائيل، وعلى الرغم من اختلاف الحكومات التي تعاقبت عليها منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن، ورغم الاختلافات بين الأحزاب الإسرائيلية لا تريد تسوية مع الفلسطينيين، كما تدعي، وإنما تريد تسويتها هي التي تقوم على فرض شرعية المحتل الغاصب بديلاً لقرارات الشرعية الدولية.
ثانياً :
لقد باتت السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة سلطة ضعيفة ومقيدة، وأصبحت عبر الصراع المستتر والمكشوف بين قطبيها على حافة الانهيار، مما يعزز قدرة العدو المحتل على تنفيذ مخططاته واهدافه في فرض تسويته على شعبنا ، اذا ما بقيت احوال مجتمعنا على هذا الحال من الضعف والتفكك ، واذا ما بقي الصراع الدموي على السلطة قائما او محتملا بين قطبيها .
ثالثاًً :
رغم انها سلطة محدودة الصلاحيات، ولكن يبدو احياناً وكأن السلطة أصبحت غاية بحد ذاتها.
رابعاً :
ان اتفاق مكة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية، لم يقدما برنامجاً وطنياً منسجماً وموحداً ومشتركاً، وانما شكلا نوعاً من التعايش بين برنامجين مختلفين، لذلك لاحظنا انه رغم ان حكومة الوحدة الوطنية لم يمض على تشكيلها شهران تصاعدت الدعوات لتغييرها او لحل السلطة او الدعوة الى انتخابات مبكرة او لتغيير برنامج الحكومة لينسجم بالكامل مع الشروط الدولية. وهذا يطرح ضرورة المسارعة لحوار جاد بين كافة القوى والفعاليات لبلورة رؤية استراتيجية قادرة على توحيد الفلسطينيين فعلاً، وبحيث ينبثق عنها برنامج قادر على حفظ الحقوق والاهداف الوطنية، وقادر في نفس الوقت على الاقلاع وفك الحصار وضمان استمرار التطور الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي ، على طريق انهاء الاحتلال وازالة مستوطناته وجداره ووقف حصاره وعدوانه .
خامساً :
تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها مجتمعنا الفلسطيني– خصوصاً في السنوات السبع الأخيرة 2000-2007  وأبرزها غياب الشعور بالذنب عند هدر المال العام, والاتكالية واللامبالاة والرشوة, وانتشار الميل إلى الإحباط أو الاستسلام, والنفاق بكل صوره الاجتماعية والسياسية, والخضوع, ومظاهر البذخ, وسيادة منطق العشيرة أو الحمولة على منطق النظام العام والقانون, وتراكم الخوف في صدور الناس, لدرجة أن الكثيرين في مجتمعنا أصبح همهم هو الانخراط في الحياة الاجتماعية لتأمين مصالحهم الخاصة والحفاظ على سلامتهم، والنتيجة الحتمية لهذا المسار الاجتماعي الشاذ تقضي بأن تحل روح الخضوع محل روح الاقتحام والكرامة, وروح المكر محل روح الشجاعة, وروح التراجع محل روح المبادرة, وروح الاستسلام محل روح المقاومة, وروح الفوضى والانفلات محل روح النظام والقانون وما رافق ذلك من ارتفاع مذهل في تزايد انتشار الجريمة في مجتمعنا بصورة غير مسبوقة، وسبب هذا, كما يرى المؤتمر ، هو تزايد سطوة المتنفذين من رموز الاستزلام في أوساط بعض الاجهزة الامنية الى جانب بعض العشائر و الحمائل و العائلات – على مستوى الضفة و القطاع ، وانتشار ظاهرة السلاح في المجتمع الفلسطيني إلى جانب عمليات التهريب غير المشروعة بكل أنواعها ، و صمت الأجهزة الأمنية – بل تواطؤها أحيانا. كل ذلك أدى إلى تزايد نسبة الجريمة و انتشار ظاهرة الزعران " والقبضايات " ذات الطابع العشائري و السلطوي معاً.
وفي هذا السياق نشير الى حالة الانقسام الاجتماعي الداخلي التي قد تؤدي الى الانفصام السياسي بين الضفة وقطاع غزة.
 
أما على الصعيد الاقتصادي:
1- تزايد انتشار الفقر الذي لم يتوقف عند الفقر المادي أو الفقر في الدخل بل تخطى هذين الحدين إلى الفقر في القانون والنظام والقيم. وتزايد التفاوت اتساعا بين مستويات المعيشة ، في معظم مناطق الضفة وقطاع غزة علاوة على مخيمات اللاجئين.
2- انخفاض الدخل الحقيقي للفرد بأكثر من 50% في عامي 2006/2007 ،  وارتفاع نسبة الفقراء التي وصلت الى 70% من الأسر الفلسطينية التي باتت اليوم تقع تحت خط الفقر بواقع 53.5% في الضفة الغربية و82.7% في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، يمكن أن نؤكد أن تزايد نمو الفئات والشرائح الفقيرة في مجتمعنا –وهي الأغلبية الساحقة- لا يتحقق نتيجة أسباب خارجية (إسرائيل وغيرها) فحسب، بل ايضا نتيجة تنافس قطبي السلطة وسياساتهما على الصعيد الداخلي وأفعالهما الاقتصادية الأنانية الضارة ، مما يؤدي موضوعيا إلى زيادة مساحة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وحجمه. وهذا يعني أن التراكم الصاعد للعاطلين عن العمل وحجم الفقر بكل أشكاله ودرجاته سيستمران.
3- التناقص المضطرد في قدرة الاقتصاد المحلي الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة, وتراجع قدرته على التشغيل واستيعاب العمالة الفلسطينية في ظل تنامي ظاهرة البطالة بشكليها السافر والمقنع.
4- تواصل الهجمات التدميرية للعدو الإسرائيلي على مقدرات شعبنا عموما ، وفي القطاعات الانتاجية خصوصا في الصناعة والزراعة, إلى جانب استمرار الحصار والاغلاق داخل المدن والقرى الفلسطينية ، وفصل الضفة عن القطاع.
5- التدهور المتسارع للقدرات الذاتية للقطاع الخاص الفلسطيني ، في الصناعة والتجارة والزراعة والمقاولات والخدمات ..الخ واضطرار جزء منه الى الهجرة للخارج بحثا عن الاستقرار .
6- تراجع الايرادات المحلية من الضرائب والرسوم الى حوالي 20 مليون دولار شهريا .
7- تراجع الناتج الاجمالي المحلي من حوالي 4.5 مليار دولار عام 2000 الى 4 مليار دولار بداية عام 2006 ما يعني تراجع دخل الفرد السنوي الى حوالي ألف دولار فقط في ظل استشراء الغلاء والتضخم والبطالة .
 
إنّ هذه الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية الفلسطينية, بكل مكوناتها وأنشطتها وقطاعاتها الإنتاجية وغير الإنتاجية ، تتطلب استنهاض كافة الفعاليات والقوى السياسية والكفاءات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص لصياغة خطط الطوارئ والسياسات والآليات المطلوبة للخروج من هذه الأزمة المستحكمة. وكل هذا يتطلب رؤية اقتصادية تنموية وطنية فلسطينية ترتبط بالمحيط العربي من حولها، وتستهدف إلغاء التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
 
إن هذه المرحلة الحرجة تحمل في طياتها جملة من المخاطر الجدية غير المسبوقة على قضيتنا الوطنية وثوابتنا في حق العودة والاستقلال والدولة ، إلى جانب مخاطرها التدميرية على اقتصادنا الفلسطيني باستمرار إلحاقه وتبعيته للاقتصاد الإسرائيلي ، علاوة على تفكيكه وتقسيمه إلى اقتصادين منفصلين في الضفة والقطاع. وكل هذا يملي علينا مزيدا من الصعوبات والتحديات الاقتصادية –علاوة على التحديات السياسية التي أشرنا إليها- وأهمها ، تحدي التنمية الوطنية الشاملة لكل من الضفة والقطاع كوحدة سياسية اقتصادية واحدة عبر تطبيق استراتيجية وطنية تنموية فلسطينية.
 
إننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية ، وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية, أمر قابل للتحقق من خلال تكريس الاتفاق والالتزام الجماعي مع البرنامج الوطني الفلسطيني ووثيقة الوفاق الوطني، حينئذ نكون قد امتلكنا فعلا المدخل القادر على تجسيد الوحدة الوطنية الداخلية بما يمكننا من امتلاك القدرة على تحديد معالم مستقبلنا السياسي/الاجتماعي/الاقتصادي والتنموي بوضوح ، ولكن استمرار حالة الفلتان لا يعني سوى المزيد من التفكك والانهيار ما يفرض علينا ان نخاطب جماهيرنا بصراحة ومسئولية في تحليلنا لهذه الظواهر ، ذلك ان  ما يميز الواقع الفلسطيني في اللحظة الراهنة عن سواه من المجتمعات أن الخلل الأساسي والمتسبب الأكبر الذي يقود حالة الفلتان الأمني يكمن في تسيب الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي يفترض أن تشكل درعا لحماية المواطن الفلسطيني، وغياب الإرادة والقرار السياسي والأمني لديها بشأن معالجة قضية الفلتان الراهنة.
 
وهذا يعني الإسهام بدورنا كمهمة عاجلة في وقف كافة الأساليب أو المظاهر المسلحة الضارة وتجميع السلاح تحت مظلة العمل الميداني المشترك المرتبط بإستراتيجية وطنية وآليات نضالية محددة المعالم محكومة بتلك الإستراتيجية في كل الأحوال .
وفي محاولة للخروج من المأزق المعقد، علينا أن نبذل الجهود المكثفة من اجل:
1- إعادة الاعتبار لتوصيف المرحلة بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، بقيادة م.ت.ف، وممارسة الضغط السياسي المطلوب لإعادة هيكلتها وإعادة الاعتبار اليها كمرجعية دستورية وسياسية وحيدة وجامعة لكل أبناء شعبنا في الوطن والشتات.
2-المطالبة بضرورة تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، على أساس وثيقة الوفاق الوطني ، لحماية المشروع الوطني وثوابته وحماية المجتمع الفلسطيني وتفعيل مضمون الوحدة الوطنية، لأنها قد تمثل في اللحظة الصعبة الراهنة، إمكانية وأد الصراع الدموي ووقف الانهيار الداخلي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ورفع الحصار عن شعبنا ووقف كل أشكال الهبوط السياسي والاجتماعي، والتصدي لمظاهر الفساد والتفكك الداخلي وممارسة رموزها.
3- مطالبة المجتمع الدولي برفع حصاره الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني و سلطته و مؤسساته الوطنية الرسمية و الشعبية, و مطالبته أيضا بالضغط على المحتل الإسرائيلي لرفع حصاره ووقف إرهابه و عدوانه المستمر على شعبتا و أرضنا.
4- مطالبة الطرفين المتصارعين فتح و حماس,بالالتزام التام بوقف إطلاق النار و سحب المسلحين من الشوارع و الاتفاق على مبدأ تحريم العنف و استخدام السلاح في حل الخلافات الداخلية, الأمر الذي يتطلب البدء بحوار وطني شامل و استراتيجي يتجاوز منطق الاحتكار الثنائي و المحاصصة , و يهدف إلى تطوير و حماية النظام السياسي الفلسطيني و كافة مؤسساته الوطنية على أسس وطنية و ديمقراطية شاملة.
5- وقف الحملات الإعلامية المتبادلة التي تؤدي إلى تأجيج المشاعر , و التحريض و التحشيد و تعميق الانقسام و الروح العدائية , و إدانة كافة أشكال الممارسات التي تمس و تهدد كرامة و حقوق و ممتلكات المواطنين .
6- مطالبة الرئاسة و الحكومة في تفعيل دور الأجهزة الشرطية  و الأمنية لفرض القانون و إنفاذه على الجميع دون استثناء, انطلاقا من كون ذلك يشكل الخطوة الأولى و الأهم على طريق التصدي لكل الظواهر التي تتصل بالفوضى و الفلتان , و التعدي على حقوق الغير.
7-تفعيل مشاركة الجماهير، والعمل على مواجهة العراقيل والأعباء الناجمة عن مواقف العدو الإسرائيلي/الامريكي والقوى العربية الرسمية والقوى الإقليمية والدولية الداعمة أو المنسجمة مع تلك المواقف .
8- إعادة الاعتبار للقضاء الفلسطيني كضرورة قصوى , وتعزيز الجهاز القضائي, و منحه الاستقلالية الكاملة , و فصله عن الأجهزة التنفيذية و احترام قرارات المحاكم و العمل على تنفيذها و فرضها بقوة القانون . و في هذا الإطار فإننا اذ نقدر الدور الإيجابي لرجال الإصلاح و لجانهم في معالجة العديد من القضايا , لكننا ندعو إلى توظيف هذا الجهد نحو إعادة الاعتبار لدور النظام و سيادة القانون و سلطة القضاء مما يستدعي رفع الغطاء الحزبي و العائلي عن المتهمين بمخالفة القانون و ارتكاب الجرائم و محاسبتهم أمام القانون.
9- إعادة بناء الأجهزة الأمنية و المؤسسات الرسمية على أسس وطنية بعيدة عن الانتماء التنظيمي و العشائري و المحاصصة الحزبية و تحديد دورها في إطار القانون لتمكينها من تنفيذ الخطة الأمنية , و القيام بواجباتها في فرض سيادة القانون و مجابهة ظاهرة الفلتان الأمني و فوضى السلاح , و التعديات و أعمال التخريب و الجريمة التي تستهدف ضرب مؤسساتنا الثقافية و التراثية و الحضارية , و تهديد أمن المواطن و ممتلكاته , و نشر ثقافة العنف , و المخدرات و التهريب و الجريمة المنظمة.
أخيراً، قد نتفق على أن الحرب الجديدة، المتصلة، في لبنان وفلسطين، أوضحت بان دولة العدو الإسرائيلي، هي جزء من النظام الأمني الأمريكي، أو هي حالة امبريالية صغرى في المنطقة ، وبالتالي فهي عنصر فاعل في السيطرة على الوضع العربي المهزوم راهناً، أو ما يسمى بلغة "كونداليزا" الشرق الأوسط الجديد، وهي فكرة قديمة، تم استحداثها أمريكيا، لتأكيد وتسويغ هيمنة القوة الإسرائيلية في إطار التوافق المطلق بين الدولتين أو الأم ووليدها، الأمر الذي يفرض ألا ننساق وراء أوهام أنتجتها أزمات العمل السياسي، والعجز الذي أصاب الحركات والفصائل والقوى الوطنية والقومية اليسارية بالذات، في صراعها المنطفئ –في اللحظة- بسبب عجزها وتراخيها أو تفككها وتراجع هويتها التقدمية وانحسار دورها، وهي حالة يمكن أن تكون مؤقتة او عابرة –رغم ازمتها وتراكماتها السالبة وطول امتدادها خلال السنوات الماضية والى الآن- الأمر الذي يتطلب منا رؤية الأمور كما هي في الواقع، حيث يجب أن ننطلق (في التحليل السياسي للحالة الراهنة) من عدد من البديهيات:
الأولى: ان الدولة الصهيونية هي في ترابط عضوي مع الامبريالية الأمريكية، كما كانت منذ نشوئها في ترابط عضوي مع رأس المال الامبريالي البريطاني في مراحل سابقة، فهي أداة هذا الرأسمال للسيطرة على مقدرات وثروات الوطن العربي لحساب الامبريالية الأم، ولا يمكنها ان تعيش وتستمر دون هذا الترابط او ذلك الدور الوظيفي، وبالتالي يمكن التفكير في ان أي حل مرحلي مع هذا العدو هو نوع من الوهم طالما بقيت موازين القوى على ما هي عليه. 
الثانية: إن إستراتيجية السيطرة الأمريكية على "الشرق الأوسط الجديد أو الموسع" تخصص دوراً مركزياً للدولة الصهيونية –في لبنان وفلسطين وربما سوريا،لاستكمال الدور العسكري الأمريكي وتعزيزه في العراق وأفغانستان وربما في إيران وغيرها في مرحلة قريبة لاحقة، وهذا هو بالأساس ما يبرر الدعم المالي والعسكري الأمريكي لهذه الدولة، وهو دعم مخطط ومتصل دون أية شروط أو حدود
الثالثة: أن مستقبل المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، إذا لم يسدل الستار عليه، في ظل معطيات المصالح والصراعات الراهنة، بات محكوماً –إلى حد بعيد- لأدوات طبقية (بيروقراطية وكومبرادورية) تعبر عن مصالحها رموز الواقعية السياسية أو الهابطة بالمشروع الوطني إلى أرضية وشروط  اولمرت والسياسات الأمريكية المتصلة بها.
الرابعة: ان مشروع الإسلام السياسي هو مشروع بديل –من وجهة نظر أصحابه- لكل من المشروع الوطني والقومي التقدمي الديمقراطي، وبالتالي فهو جزء من  مشروع الإسلام السياسي على المستوى العربي الإقليمي لحركة الإخوان المسلمين، وهو مشروع (بحكم المكونات الطبقية أو الاجتماعية والاقتصادية لهيئاته القيادية والوسطى) لا يتناقض في جوهره مع السياسات الاقتصادية الأمريكية، الأمر الذي سيهدد بالضرورة، مجمل النظام السياسي الفلسطيني، وثوابته الوطنية التي عرفناها في إطار م.ت.ف منذ عام 1964 لحساب مشروع أو هوية بديلة .
إن هذه البديهيات تدعونا لإعادة بناء رؤيتنا ودورنا المستقبلي، - وفق قواعد الصراع السياسي الديمقراطي- وهي عملية تندرج تحت بند "الضرورة التاريخية" للتيار الوطني الديمقراطي عموماً ولليسار خصوصاً في فلسطين والوطن العربي، انطلاقاً من قناعاتنا بأن النظام السياسي العربي في واقعه الحالي من الخضوع والتبعية والارتهان والتخلف لن يتمكن من الاستمرار، وان التغيير –في المدى القريب والمتوسط-  قد يتحقق ولكن باتجاه أهداف مغايرة لأهدافنا... وباتجاه مشهد جديد يحمل أفكاراً وبرامج نقيضة لأفكارنا وبرامجنا.... المهم أن نتدارك ونطرد عوامل الأزمة والهبوط في أوساط التيار الوطني الديمقراطي، اليساري، ونعيد إحياء الدافعية الذاتية والروح الجماعية في دواخل كل عضو فيه، حينئذ سنملك القدرة على توجيه دفة حركة التحرر الوطني الديمقراطي صوب أهدافنا ورؤيتنا ليس في الإطار الوطني الفلسطيني فحسب بل في إطار الرؤية والحركة التحررية القومية المستقبلية الاشتراكية الوحدوية الكفيلة وحدها بإزاحة كل عوامل الهزيمة واستنهاض الجماهير الشعبية وتحقيق أهدافها في التحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم. 
 
 


[1] د.سمير أمين-دراسة بعنوان الفجوة بين الفقراء والأغنياء-www.iraqcp.org..
[2] المصدر السابق.
[3] د.سمير أمين-سيرة ذاتية فكرية-دار الآداب-بيروت-1993-ص79.
[4] د.سمير أمين-صراع الحضارات أم حوار الثقافات (مجموعة باحثين)-دار التضامن-1997 –ص76.
 
[5] التقرير الاستراتيجي العربي 2003-2004، مركز الدراسات الاستراتيجية- الأهرام ، الإنترنت
 
[6]تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الامم المتحدة undp الصادر في منتصف عام 2005 .
 
[7] د.رمزي زكي -المصدر السابق –ص18.
 
[8] د.خالد عبد العظيم-الصراع على النفوذ في الاوراسيا-السياسة الدولية-القاهرة-العدد161-يوليو 2005.
 
[9] د.عبد الخالق عبد الله –السياسة الدولية-عدد إبريل –القاهرة-1996.
 
[10] خليل العناني-مجلة السياسة الدولية-القاهرة-العدد150-اكتوبر 2002.
[11] المصدر السابق-السياسة الدولية.
[12] تقرير الأمم المتحدة بعنوان "الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2007 – الانترنت.
 
[13] د.عبد الغني عماد-الجامعة اللبنانية- موقع-www.iraqcp.org .
[14] د.سمير أمين-مقتضيات برنامج تحرري إنساني –كتاب صراع الحضارات-مجموعة مفكرين-مطبوعات التضامن-1997-ص64.
 
[15] جاد الجباعي –التبعية و إشكالية التأخر التاريخي- كتاب جدل – العدد الثالث-مؤسسة عيبال-قبرص-1992 –ص145 .
(16) المفارقة أن معظم هذه المنظمات في فلسطين والوطن العربي، لم تقم بعقد أية مؤتمرات داخلية لانتخاب هيئاتها ومجالس إداراتها بصورة ديمقراطية منذ تأسيسها الى اليوم، على الرغم من تداولها الكمي الواسع لموضوع الديمقراطية والتعددية السياسية في كافة المحافل ووسائل الإعلام؟!



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة أ. غازي الصوراني* في المؤتمر الشعبي لمواجهة الفلتان الأ ...
- بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين للنكبة: الحقوق الثابتة والصر ...
- ورقة حول -التنمية في برنامج وتطبيقات الحكومة الحادية عشرة
- تقديم وتلخيص التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005
- مستقبل الديمقراطية في فلسطين راهناً ودور قوى اليسار
- حول تبعية وتخلف المجتمع والاقتصاد العربي وسبل التجاوز والنهو ...
- الأوضاع الاقتصادية والتنموية في فلسطين
- المجتمع السياسي الفلسطيني ومشروعه الوطني إلى أين ..؟
- واقع الصناعة والتجارة في الضفة الغربية وقطاع غزة
- دراسة حول : البلديات والنقابات المهنية والعمالية في فلسطين
- دراسة أولية حول : التعليم والتعليم العالي في فلسطين
- دراسة أولية حول : الواقع الثقافي الفلسطيني
- الاوضاع الصحية في فلسطين
- المسالة الزراعية والمياه في الضفة الغربية وقطاع غزة
- الوضع العربي الراهن وآفاق المستقبل
- العولمة والعلاقات الدولية الراهنة
- ورقة حول -الحصار وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية- مقدمة إل ...
- مداخلة حول ورقة أ. تيسير محيسن - آفاق التحولات البنيوية في ا ...
- ورقة أولية : حول فشل اليسار ... وسبل نهوضه - وجهة نظر للحوار
- دراسة حول الخيارات والبدائل المتاحة للتشغيل بعد الانسحاب من ...


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - الأوضاع الدولية والعربية الراهنة وآثارها على القضية الفلسطينية