أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرضا شياع - الرّؤيا الشّعرية بين التّصورين الغربي والعربي*















المزيد.....


الرّؤيا الشّعرية بين التّصورين الغربي والعربي*


محمد عبد الرضا شياع

الحوار المتمدن-العدد: 1915 - 2007 / 5 / 14 - 05:55
المحور: الادب والفن
    


1_ تقديـــــــم:
يُعَدّ مفهوم الرّؤيا من الموضوعات الأساسية في العملية الإبداعية وبخاصّة في الكتابة الشّعرية. وقد ظلّ هذا المفهوم زمناً طويلاً مكتنفاً بالغموض والالتباس. وعندما تناولته أقلام الباحثين بالدّراسة والتّحليل, خلعت عليه أشكالاً متعددة الأبعاد والدّلالات, منها ما تقترب من بعضها إلى حدّ الالتحام،ومنها ما تبتعد إلى حدّ الانفصام. وجهات نظر تأتلف وتختلف فيما بينها, لتجعل الرّؤيا الشّعرية أداة أو منهجهاً أو معادلاً للمكوّن المضموني للأدب أحياناً,أو قرينة يُعرّف الشّعر الحديث بها أحياناً أخرى.
لقد اجتاح هذا المفهوم عالمنا العربي بعد الحرب العالمية الثّانية, بعد السّقوط السّياسي والاجتماعي والاقتصادي لأنظمة ألقت بظلالها طويلاً... ليكون موضوع اشتغال يحدّد في ضوئه الدّارسون الصّدى الإبداعي للكتابة الشّعرية...
قبل الولوج إلى معرفة هذا المفهوم من خلال التّصورين الغربي والعربي,أرى الإنصات إلى ما تقوله المعاجم العربية حوله _ أي مفهوم الرّؤيا _ ضرورياً، بغية تحديده بإطار معرفي له حجة المناورة بين الغرب الأوروبي والشّرق العربي دراسة وتحليلاً.
2_ تحديد مفهوم الرّؤيا:
تكاد تتفق المعاجم اللغوية حول تحديد مفهوم الرّؤيا مع تبيان الفرق بينه وبين مفهوم الرّؤية, فنجد في لسان العرب (( الرّؤية: النّظر بالعين والقلب ... والرّؤيا ما رأيته في منامك ... ورأيت عنك رؤى حسنة: حلمتها. وأرأى الرّجل إذا أكثرت رؤاه بوزن رعاه, وهي أحلامه. ورأى في منامه رؤيا, على فُعلى بلا تنوين, وجمع الرّؤيا رؤىً, بالتّنوين مثل رُعىً, قال ابن بري: وقد جاء الرّؤيا في اليقظة قال الرّاعي:
فكبّر للرّؤيا وهش فؤاده وبشّر نفساً كان قبل يلومها
وعليه فسر قوله تعالى:وما جعلنا الرّؤيا التي أريناك إلا فتنه للناس, وعليه قـول أبي الطّيب: ورؤياك أحلى, في العيون, من الغمض, التّهذيب: الفرّاء في قوله, إن كنتم للرّؤيا تعبرون. إذا تركت العرب الهمز من الرّؤيا, قالوا الرّويا, طلباً للخفــــة، فإذا كان من شأنهم تحويل الـواو إلى ياء, قالــوا: لا تقصص رياك، في الكلام, وأما في القرآن فلا يجوز... وزعم الكسائي أنّه سمع أعرابياً يقرأ: إن كنتم للرّيا تعبرون. وقال الليث: رأيت ريـا حسنة, قال, ولا تجمع الـرّؤيا, وقال غيره: تجمع الرّؤيا رؤىً كما يقال علياً وعلىً.))(1)
أما في مختار الصحاح فنقرأ: (( "الرُّؤية" بالعين, تتعدى إلى مفعول واحد وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين و "رأى" يـرى "رأيا" و "رُؤْيــة" و "راءة" مثل رَاعَة ... و "رأى" في منامه "رؤيا" على فُعلى بلا تنوين. وجمع الرُّؤيا "رؤىً" بالتّنوين بوزن رعىً: وفلان مني "بمرْأًى" ومَسْمَعٍ أي حيث أراه وأسمع قوله.))(2)
في حين نقرأ في معجم أساس البلاغة: (( تكون الرّؤية بالعين, والرّؤيا في المنام, والرّأي في القلب أو العقل, ومن هنا يظهر أنّ ارتباط "الرّؤية, والرّؤيا, والرّأي" بجذر لغوي واحد, يؤكد الصّلة بين مدلولات هذه الألفاظ, والتّكامل بين وظائفها.))(3)
لقد توسّعت بعض المعجمات الحديثة في تحديد معاني الرّؤيا, كما نرى في المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا, والذي جاء فيه: (( الرّؤيا: ما يرى في المنام, وجمعه رؤىً, وقد يطلق لفظ الرّؤى على أحلام اليقظة, والفرق بين الرّؤيا والرّؤية, أنّ الرّؤيا مختصة بما يكون في النّوم, على حين أنّ الرّؤية مختصة بما يكون في اليقظة, فالرّؤيا بالخيال, والرّؤية بالعين والرأي بالقلب, ومنه رؤى المصلحين الاجتماعيين, وأحلام الفلاسفة, وإذا أطلقت الرّؤية على المشاهدة بالنّفس سيمت حدساً, وقد تطلق الرّؤية على مشاهدة الحقائق الإلهية, أو على المشاهدة بالوحي, أو على الإدراك بالوهم, أو المشاهدة بالخيال.))(4)
هكذا يتجلى المعنى لمفهوم الرّؤيا لدى العرب من خلال وجهة النّظر المعجمية الصّرفة, كما اتضحت الحدود بينه وبين مفهوم الرّؤية، كون الرّؤيا تحدث في المنام, أو عبر الخيال... فيما تكون الرّؤية في اليقظة وبواسطة العين... وبعد هذه المصاحبة للمعاجم العربية أكون قد وقفت على عتبة اللقاء بالتّصور الغربي والعربي بحثاً عن تحديد مفهوم الرّؤيا الشّعرية والوقوف على منعرجات السّفر بين التّصورين. مصاحبة لها لذة الإنصات والمقاربة، فلنعاين إذن.
3_ التّصور الغربي:
حددت موسوعة برنستون للشعر والنّظريات الشّعرية مفهوم الرّؤيا بالتّعريف الذي جاء فيه: (( كانت الرّؤيا الكلمة المفضّلة في مفردات الشّعراء, لكنّها لم تشع في النّقد إلا في الفترة الحديثة. وهي كلمة مفعمة بالغوامض والإضافات المعنوية التي غالباً ما تولّد تناقضات في السّياقات التي تستعملها. هناك رؤيا العين المجردة, وثمة رؤيا كولروج المسلحة, وهي إدراك تقوده وتؤيده ملكة عقلية عليا. وهناك رؤيا الاستحالة والكشف _ التنبؤ _ والرّؤيا البهيجة. والرّؤيا توحي بالمحسوس الحي, كما توحي أيضاً بالنّموذج البدئي, والمثالي, والرّوحي. وقد تكون الرّؤيا كشفاً منح القدرة عليه رجل محدّث, شاعر أو نبي أو قديس, ولكن قد يكون لها أيضاً ارتباطات بالأشباح والسّواحر والمجانين, وفي الحلم أو الحدس, أو الانجذاب. يشاهد الرّؤوي ما هو موجود وما ينبغي أن يكون جهنماً أو جنة, عصراً ذهبياً مضى, تعاسة قائمة أو عالماً شجاعاً جديداً مقبلاً. وتزعم الرّؤيا أنّها تمتلك الحقيقة وتستدعي الموافقة, إلا أنّها قد تشير إلى ما هو وهمي, غير علمي متوحش أو أهوج, ولغتها _ التي هي الحكاية المجازية والاستعارة والرّمز وغير ذلك من وسائل للتعبير عن المعاني في العمق _ تتطلب غالباً مهارات خاصة في التأويل.))(5)
إنّ هذا التّعريف المطوّل للرّؤيا, والذي سقته دون حذف، يجعل الانطلاق مبنياً على تصور له حجته المعرفية, وأسسه العلمية التي بها أتابع خطوات السّفر عبر الدّراسات والآراء الغربية التي أقدّمها في هذا الاتجاه. بيد أنّ هذا التّعريف يظلّ جزئياً في نظر الباحث محي الدّين صبحي لأنّه يرى أنّ "الموسوعة" أرجعت الرّؤيا كليّاً إلى الكاتب, في حين هي من طبيعة الأدب.(6)
من أهم النّقاد الذين اهتموا بالرّؤيا, وطبيعة علاقتها بالأدب هو نورثروب _ فراي الذي يستعمل الرّؤيا بمعنى موسّع يجعله مرادفاً للأدب أو للمكون المضموني له. لأنّ الأدب عند فراي هو(( حلم الإنسان وإسقاط تخيلي لرغبات الإنسان ومخاوفه. وبناءً عليه فإنّ جميع الأعمال الأدبية، إذا أُخذت معاً, تؤلف رؤيا إجمالية. رؤيا نهاية الصّراع الاجتماعي, رؤيا الرّغبات المشبعة في عالم برئ, رؤيا المجتمع الإنساني الحر.))(7)
إنّ هذه الرّؤيا الشّمولية الواضحة الدّلالات والمعالم, والمعادلة للمكون المضموني للأدب عند فراي, تتخذ أبعاداً أكثر استغراقا واستبطاناً عند رامبو, هذا الذي يكاد يكون أشهر الشّعراء الغربيين الذين تناولوا موضوع الرّؤيا, بل جعل نفسه رائياً, ولكنّه ليس الرّائي الأوحد, حيث يُعَدّ بودلير سارق النّار الحقيقي في رأي رامبو, وهما يشكّلان صحبة مالارميه ثالوثا نبوئياً للشعر. (( إنّنا نراجع بشكل عام ولادة الشّعر الحديث إلى بودلير. وفي تلك الفترة ذاتها تقريباً يظهر ثلاثة... رامبو, بودلير مالارميه.))(8) لقد اكتشف هؤلاء الثّلاثـة: (( أنّ الشّعر لا يكمـن فـي البيت, أو في الغنائية, أو في الطّرافة, بل في " إشراق" لحمته استفزاز الفكر والحساسية السّاعيين وراء المطلق...))(9)
تُعَدّ "رسالة الرّائي" برهاناً ساطعاً على رائية رامبو. وهي الرّسالة التي كتبها رامبو بتاريخ 15 _ 5 _ 1871 وهو يسعى للوصول إلى حالة من الوعي الباطني, وهي صفة إشراقية صوفية اتّصف بها شعر تلك المرحلة عبر سعيه للكشف والوقوف وراء حقيقة الأشياء واستبطان ماهيّتها، وعرفت هذه المساعي بالرّؤيا. لأنّ الشّعر أصبح (( لا يزعم الآن أنّه يمثّل, تحت شكل محبب, فخم أو مرهف, ما لم تستطع عينا كلّ إنسان أن ترياه, بل يزعم أنّه يكتشف مالم تستطع نظرتنا، التي جعلها الرّوتين حسيرة أن تثقبه. إنّه يصبو إلى أن يكون وحياً, ولهذا كان له الحق في أن يكون غامضاً, متردداً, لا منطقياً, ولا يستطيع أن يستخلص أي فائدة من المصطلحات الشّكلية, لحاجته على العكس إلى الحرية المطلقة في التّصوف والتنبؤ.))(10)
لكن ما السّبيل إلى ذلك بتصور هؤلاء الشّعراء الثلاثة الذين يتطلعون لرؤية المستقبل وكشف أسرار الغيب ليحقق الشّاعر مبتغاه فيكون رائياً ؟ يجيب رامبو: (( إنّ الشّاعر يجعل من نفسه رائياً بتشويش طويل هائل, ومنهجي لكلّ الحواس.))(11)
لقد وجد هذا الجيل من الشّعراء ضالته في السّكر والعربدة والتّحشيش والانحراف، وقد أجرى رامبو تجارب عدة عن طريق المخدّر ليصل إلى درجة من الهذيانات كما درّب نفسه على حالة الهلوسة. (( فالهلوسة قد فرضت نفسها مع رامبو على أنّها مادة الممارسة الشّعرية بالذات, تماماً كما أنّ الصّدمات والحركات هي مادة الميكانيك.))(12) من هنا يقول رامبو: (( لقد اعتدت على الهلوسة البسيطة, وكنت أرى بوضوح كبير مسجداً مكان مصنع, مدرسة طبول يتولى شؤونها ملائكة, عربات على دروب السّماء، صالوناً في قاع بحيرة.))(13)
هكذا تبدو الأمور على غير حقيقتها, وأنّ الأشياء تتبادل المواقع, هذيانات وهلوسة وفوضى, تتجسد في لحظة رؤيا تتجاوز المظاهر الطّبيعية للأشياء. إنّه السّعي للكشف عن المطلق مهمة أنيطت بالشّعر في عهد رامبو.
بيد أنّ رامبو لا ينفرد بهذه الهلوسة بقدر ما يتميز بفوضويتها، فمالارميه يريد هو الآخر (( وبصورة أكثر منهجية, وعن طريق التّأمل أكثر ممّا عن طريق الإشراق والسّطوع, أن يهدم المظاهر بتحويله العالم إلى عالم هلوسة, بكشفه عن "هويات سرية بواسطة اصطفاف ثنائي يتآكل الأشياء باسم نقاء أبدي".))(14)
إنّ توظيف الحلم كمادة فنية للشعر لا تقتصر أيضاً على رامبو ومجايليه، وإنّما يُعَدّ كلّ من كولردج وأدغار ألان بو ممّن أبدعوا في اصطناع الأحلام ورسمها عبر القصائد من خلال تجريب المخدّرات. ليكون الحلم وسيلة الدّخول إلى الذّات وبواطن الكون والأشياء اللامرئية، بغية الوصول إلى العالم السّري والمعرفة العليا، تلك المعرفة التي لا تتم إلاّ من خلال الرّؤيا العميقة والشّاملة، والتي بها يكون الشّعر انفتاحاً على المجهول، تتجسد مهمته في الكشف عن العوالم السّرية. (( لقد انطلق هذا الشّعر وراء الكشف عن المطلق في إثر رامبو، في حين أنّه لم يكن بوسعه أن يذهب إلى أبعد ما ذهب إليه رامبو في ذلك الطّريق. إنّ تاريخ هذا الموقف الشّعري والصّوفي، ومعناه, وآفاقه أخيراً، لا تمثلُ، إذن صورة تغلغل تدريجي في المجهول. والواقع أنّ كلّ شاعر أو كلّ جيل كان يعاود، منذ رامبو، المغامرة نفسها، مع الأخطار نفسها، بل مع الحدود نفسها إذا كانت المغامرة قد بلغت أقصى حدودها.))(15)
هكذا، إذن ترفض الرّؤيا الشّعرية الانصهار في بوتقة الواقع وملامسته بشكله الواضح، فيما تعانق ما وراءه. ترفض الوضوح، مجتلبة الغموض الذي أصبح من طبيعة الشّعر الرؤيوي الحديث. وبهذا تصبح الذّات الشّاعرة ضائعة مشتتة في ظلمات الأشياء وبقاياها البعيدة السّابحة في عوالم الوهم والخيال، تترنح هذه الذّات بين الهزائم والانكسارات بحثاً عن أكوان سرية لا ندركها برؤيتنا للعالم المحيط بنا. سبيلها الهلوسة والمخدّر والفوضوية وصولاً إلى كنه العالم اللامرئي واللامتناهي، ووصف وجهه الآخر، حيث لا شيء يحمي ذات الشّاعر من نزواته الهشة سوى وساويسه وحذاقته، أو أن يسلم نفسه (( إلى التّأمل الأزلي في الصّفحة البيضاء، رمز النّقاء والفشل.))(16)
بهذا التّصور يكون الشّاعر والمفكر الغربي قد قدم محاولة للتوصل إلى تحديد مفهوم الرّؤيا، وكشف أسرار القصيدة الشّعرية التي يكتبها الشّاعر موشوماً بآثار نفسية واجتماعية وصوفية تظلّ الرّؤيا فيها محاطة بظلال القراءات للوصول إلى فعلها النّاجز في هذه الكتابة.
4ـ التّصور العربي:
لعلّ أول من اقترن اسمه بالرّؤيا هو جبران خليل جبران، ثم تلته "جماعة شعر"، تلك الجماعة التي كثيراً ما احتفلت تنظيراتها وكتاباتها الشّعرية ببهاء الرّؤيا حتى أضحى الشّعر الحديث يعرّف بها. هذا ما توصل إليه أدونيس. الأمر الذي ستكشف عنه الخطوات القادمة.
إنّ المواقف والآراء العربية حول مفهوم الرّؤيا وعلاقتها بالممارسة النّصّية الشّعرية لم تكن جميعها متفقة. فهناك من ذهب مذهباً متحاملاً على الرّؤيا بوصفها موقفاً سلبياً يعمل على انفصام شخصية الشّاعر وهو يبتعد عن الواقع، متّبعاً الحلم، هائماً وراء الأساطير، مبحراً في متاهات وتناقضات لانهائية. فيكون الشّاعر قد انفصل عن الواقع الاجتماعي، لأنّ الإبداع الشّعري في هذه الحالة يكون استرسالاً تلقائياً مع الرّؤيا دون أن يحدده موقف ثابت. هذا الموقف كان وراءه حسين مروه الذي نشر مقالة في مجلة الآداب اللبنانية سنة 1966 يقول فيها: ((بين نقاد هذا الشّعر الحديث من يحاول أن يوجه الشّعراء وجهة "الرّؤيا" دون "الرّؤية"، وجهة الإبحار مع الأحلام، كيفما اتجهت أشرعتها الأسطورية، في المتاهات المتناقضة، في عوالم اللانهائيات والمطلق، وأن يحذّرهم من الاتجاه مع "رؤية الفكر والواقع" بحجة أنّ هذه الرّؤية مقيدة بأيديولوجية مقررة وجاهزة مسبقاً...))(17)
يستمد حسين مروه مفهوم الرّؤيا من المعنى المعجمي للمفردة، وهو ينطلق في تصوره هذا من الاعتقاد "بالواقعية الاشتراكية" التي كانت مهيمنة وقتئذ. ويذهب أدونيس في الاتجاه ذاته في توظيف الرّؤيا، ولكنّه يختلف في وجهة السّفر، حيث يقول: (( إنّني لا أبحث عن الواقع الآخر لكي أغيب خارج الواقع، في الخيال والحلم والرّؤيا، إنّني أستعين بالخيال والحلم والرّؤيا لكي أعانق واقعي الآخر...))(18)
إنّ الفرق بين التّصورين ليس كبيراً، حيث يدعو الأول لإحلال الرّؤية محل الرّؤيا في حين يستعين الثاني بالخيال والحلم والرّؤيا على ملامسة العالم الآخر، دون الابتعاد عن الواقع، ولكن ليس بالتّقيد بالواقع وبأشكاله الكليّة. كما أنّ موقف أدونيس هذا ينفي عنه تهمة اتّباع التّهويم الذي لا ينسجم والواقع، ليصبح الشّعر عنده رّؤيا. حيث يقول: ((إذا أضفنا إلى كلمة "رّؤيا" بعداً فكرياً إنسانياً، بالإضافة إلى بعدها الرّوحي، يمكننا حينذاك أن نعرّف الشّعر الحديث بأنّه رّؤيا.))(19) ثم يضيف محاولاً تحديد الرّؤيا ذاتها وتحديد الشّعر الحديث من خلالها وعلاقته بالمفاهيم الشّعرية القديمة، إذ يقول: ((والرّؤيا بطبيعتها، قفزة خارج المفاهيم القائمة. هي إذن، تغيير في نظام الأشياء ونظام النّظر إليها. هكذا يبدو الشّعر الحديث، أول ما يبدو، تمرداً على الأشكال والمناهج الشّعرية القديمة، ورفضاً لمواقفه وأساليبه التي استنفدت أغراضها.))(20) كما أنّ أدونيس وحّد بين الشّعر والثّورة من خلال فعل الرّؤيا في قوله: ((الشّعر رؤيا بفعل والثّورة فعل برؤيا.))(21) وقد رصدت خالدة سعيد هذا التّصور الأدونيسي فجعلت العلاقة جدلية بين الشّعر والثّورة حينما ينبثق القول الشّعري من الرّؤيا، ويتأسس على الفعل الثّوري، منطلقة ( خالدة سعيد ) من قول أدونيس: (( ولقد كانت دائماً القفزة من الرّؤيا إلى الفعل بهذه الرّؤيا طموح الشّعراء الكبار، كما كان الثّوار حالمين كباراً. فالرّؤيا، هنا، أو الحلم الإبداعي تصور للعالم ينطلق من رغبات الإنسان العميقة الأصيلة في غياب كلّ شكل من أشكال التّسلط والظّلم والاستغلال والإذعان للأمر الواقع.))(22)
إنّ الرّؤيا، هنا، تصدر عن حلم مبني على تصور طموح نحو التّغيير والتّجدد في عالم الوجود. فهي تصدر عن قصدية لها أهدافها المحددة التي تنطوي على الثّورة، والتي طالما حلم بها الشّاعر في عالم متصارع يبحث عن ذاته واستقلاله، وهو يتوق إلى الحرية والتّحرر وإثبات وجوده عبر المسارات التي يرسمها بالخيال. (( فأمام هذا العبث وهذه الفوضى وقف الشّاعر الحديث ليكون نبي عصره.))(23) بامتياز الشعر لا غير بطبيعة الحال.
يلتقي إبراهيم رماني أدونيسَ وخالدة سعيد في موقفهما من الرّؤيا، حيث يقول: ((الرّؤيا تحمل هاجس الكشف عن عالم بريء حلمي، بعيد يتوارى في زيف الوجود ووهم الواقع، ولذلك فهي رؤيا مستقبلية تسافر دوماً عبر الخيال والحلم إلى ما وراء الظّاهر، إلى الباطن الذي يبقى نابعاً في ساحة الممكن والاحتمال.))(24) في هذا العالم يظلّ الشاعر ((يطارد حلمه في حالة انجذاب سحري وغواية مكثّفة، فيحس بالانكسار والإحباط الذي لا يخصّ به الزّمن إلا ليؤكد تجذره وبقاءه في الواقع التاريخي.))(25)
هكذا تكون الرّؤيا، في تصور هؤلاء الثّلاثة، رحيلاً إلى عالم مجهول لا تسبر أغوار ظلمته إلا بالحلم والمغامرة والسّعي وراء استشراف أصوات مجاهيله النّائية ورفع النّقاب عنها، لمعانقة واقع يمكن أن يكون ملموساً. أي أنّ (( الرّؤيا تجاوز للواقع دون الانسلاخ الشّامل منه. نوع من المعرفة الفلسفية، الحدسية التي تخرج التّجربة الفنية في حرارتها الأولى، في صدقها الحقيقي، قبل أن تغدو آلية استدلالية لا ينفع معها أي مجاز...))(26)
بيد أنّ الرّؤيا الشّعرية تزداد اقتراباً من الواقع في نظر الباحث محي الدين صبحي الذي يقول: (( أمّا الرّؤيا في الشّعرية ـ في نظري ـ فإنّها تعميق لمحة من اللمحات أو تقديم نظرة شاملة وموقف من الحياة، يفسّر الماضي ويشمل المستقبل، وحجتي في ذلك أرسطو طاليس في كتاب الشّعر. فهو يقرر في الفصل التّاسع أنّ الشّعر أكثر نزوعاً فلسفياً وأكثر جدّية من التّاريخ، لأنّه يتعامل بالكليات، بينما يتعامل التّاريخ بالخصوصيات، وفي حين أنّ التّاريخ يروي ما حدث فإنّ الشّعر لا يهتم بما حدث، وإنّما يمكن أن يحدث.))(27)
يبني محي الدين صبحي تصوره هذا للرّؤيا على أساس زمني يتجسد في نظرة شمولية وهو يستند إلى أبعد المراجع الغريبة "كتاب الشّعر" لأرسطو، متجاوزاً كلّ الانقطاعات الزّمنية التي أصابت مسار شعرية أرسطو. فتكون الرّؤيا لدى صبحي ـ على أقل تقدير في تعريفه السّابق ـ مستحوذة على الزّمن بشمولية تنطلق من المعلوم ( ما حدث في الماضي ) متجهة صوب المجهول ( المستقبل ) ليرسم بهذا التّصور حداً فاصلاً بينه وبين تصورات من سبقه من الدّارسين الذين تطرقنا لأطروحاتهم كونهم يعدّون الرّؤيا تخطياً للواقع ولنظام الأشياء ونظام النظر إليها مع وجود خيط رابط مع الواقع لكن دون الانصهار فيه. ويزيد محي الدين صبحي هذا الفاصل اتّساعاً وعمقاً عندما يرى أنّ (( الرّؤيا نظرة شاملة وليست فلسفة شاملة.))(28) لتأخذ القطيعة صورتها الجلّى وحضورها المتألق بين ما هو عربي وما هو غربي، هذا الأخير الذي يحتفل بتحليقه الشّغوف في ظلمات الغيب.
5_ التّركيب:
تحمل الرّؤيا الشّعرية هاجس الكشف في عالم مجهول. عالم يستقر في ما وراء الواقع. تدركه هذه الرّؤيا عبر الحلم والخيال، وفي ظلها يطارد الشّاعر حلمه في حالة من الغواية والانجذاب. يوجهه في ذلك حدسه وهو مندمج بموضوعه الذي توحي به رؤياه الدّاخلية. يجسده عبر رموزه المثالية التي تفرضها الذّات الشّاعرة، والتي لا تسمح بالانزياح عن هذا السّبيل. فالطّريق الذي يسلكه الشّاعر هو طريق الرّوح الخالصة ودليله في سفره هذا نوره الخاصّ. إنّها حالة من تكريس المبدع "لكينونته" تكريساً خالصاً لا مواربة فيه ولا خداع، ذلك ما ترنم به الشّاعر الأمريكي والت ويتمان.
للقاء بين التّصورين الغربي والعربي حول الرّؤيا الشّعرية تقاطعاته، بالرغم من عدم القدرة على نكران التّثاقف الحضاري بين الغرب الأوربي والشّرق العربي، وهذا أدونيس يقرّ بذلك: (( أحبّ هنا أن أعترف بأنّني كنت بين من أخذوا بثقافة الغرب. غير أنّني كنت كذلك, بين الذين ما لبثوا أن تجاوزوا ذلك، وقد تسلّحوا بوعي ومفهومات تمكّنهم من أن يعيدوا قراءة موروثهم بنظرة جديدة، وأن يحققوا استقلالهم الثّقافي الذّاتي.))(29)
ممّا لاشك فيه وجود تفاعل بين الذّات والآخر سواء أكان عن وعي أم عن غير وعي. بيد أنّ هذا لا يعني تطابقاً كليّاً بين الشّاعر العربي وسواه؛ (( فمع أنّ كتّابنا ومبدعينا يرددون أحياناً أفكار غيرهم من الكتّاب والمبدعين الأجانب، فإنّ ذلك لا يعني وجود تطابق بين أفكارهم وأفكار هؤلاء، فثمة اختلاف وتباين بين سياقات توظيفها... فحتى في الوقت الذي يستعيدون بعض أفكار غيرهم من الكتّاب والمبدعين الأوروبيين, أو يعتمدون بعض مناهجهم أو تقنياتهم في الكتابة فإنّهم يدخلونها في نسق مغاير ويشحنونها بمضامين ومدلولات جديدة ويخضعونها لأوضاع ومتطلبات ثقافية, واجتماعية مغايرة لتلك التي نشأت فيها.))(30)
لذلك لم نلمح في التّصورات العربية أياً من تلك التي تدل على الدّعوة إلى التّحشيش أو الهلوسة جرياً وراء المجهول, بل اكتفت هذه التّصورات بالحلم والخيال تارة، ومعانقة الواقع تارة أخرى, بينما (( تملّك الغيب بودلير. ليأتي رامبو ليبلغ به الحالة الجُلّى. رامبو شاعر الرّؤيا بامتياز، نصوصه ورسائله دليل على ذلك.))(31) وقد مرّ بنا كيف أنّ رامبو دعا إلى التّشويش ليكون رائياً, والرّائي، هنا, من الرّؤيا (( وهذا التّشويش الخبير هو ما تقوّض به الذّات الكاتبة معايير العقلانية, ومعايير الرّؤية المألوفة والمعتادة للعوالم الحاضرة والغائبة على السّواء, وبه يكون الشّاعر في حضرة تجربة لا تضبطها مقاييس المنطق المتعارف عليها, وبه أيضاً يبلغ المجهول, بعد أن تحررت الحـواس من حدودها, واختلطت ببعضها فــي وحدة سرية لا تدركها أعراف الرّؤية والقول.))(32)
بناء على ما تقدم أرى أنّ الرّؤيا الشّعرية هي توهج للذات وإضاءة للموضوع, فلا تنقطع عن الواقع, لأنّها الأداة وحلقة الوصل بين الشّاعر والفيلسوف من جهة، والشّاعر والصّوفي من جهة أخرى، وبين هذا وذاك، وبين الذّات والموضوع تحفر قصيدة الرّؤيا أخاديد حدودها.

* نُشر هذا البحث في مجلة جامعة الجبل الغربي: مجلة محكّمة تصدر عن جامعة الجبل الغربي_ الإدارة العامة_ غريان _ليبيا، العدد الرّابع، 2007.


الهوامش:
1_ ابن منظور الإفريقـي المصري _ لسان العرب، دار صـادر, بيروت، المجلد الرّابع عشر ( د.ت ) مادة: ( رأى ).
2_ محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرّازي _ مختار الصّحاح, دار الرّسالة, الكويت، 1983، مادة ( رأى). 3_ انظر إسماعيل دندي _ الرّؤية والشّعر العربي الحديث, مجلة المعرفة, السّنة الثلاثون، العدد: 339 كانون أول _ ديسمبر،1991 ص: 144.
4_ انظر المرجع السّابق، ص:146.
5_ انظر محي الدّين صبحي _ الرّؤيا في شعر البياتي, دار الشّؤون الثّقافية, بغداد، الطّبعة الأولى، 1987 ص: 21.
6_ انظر المرجع السّابق، ص: 22.
7_ المرجع السّابق, الصّفحة ذاتها.
8_ ر.م.البيريس- الاتجاهات الأدبية الحديثة, ترجمة جورج طرابيشي, منشورات عويدات, بيروت _باريس، الطّبعة الثّالثة 1983 ص 133.
9_ المرجع السّابق، ص: 134.
10_ المرجع السّابق، ص: 131.
11_ إسماعيل دندي- مرجع سابق، ص:146.
12_ر.م.البيريس- مرجع سابق, ص:145.
13_ المرجع السّابق ، ص:145.
14_ المرجع السّابق ، الصفحة ذاتها.
15_ المرجع السّابق ، ص:144.
16_ المرجع السّابق ، الصفحة ذاتها.
17_ نقلاً عن إسماعيل دندي, مرجع سابق، ص: 148.
18_ المرجع السّابق, الصفحة ذاتها.
19_ أدونيس, زمن الشعر, دار العودة, بيروت, الطّبعة الثّالثة, 1978، ص 9.
20_ المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
21_ انظر خالدة سعيد _ حركية الإبداع، دار الفكر، بيروت، الطّبعة الثّالثة، 1986، ص 125.
22_ انظر المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
23_ المرجع السّابق, ص:138
24_ إبراهيم رماني _ الغموض في الشّعر العربي الحديث، رسالة ماجستير منجزة في جامعة الجزائر، معهد اللغة والأدب العربي، للعام الدّراسي 1987_1988، ص: 110.
25_ المرجع السّابق، الصفحة ذاتها.
26_ المرجع السّابق, ص:180.
27_ محي الدّين صبحي، مرجع سابق، ص: 22.
28_ المرجع السّابق، ص:30.
29_ أدونيس _ الشّعرية العربية، دار الآداب، بيروت، الطّبعة الثّانية، 1989، ص: 86_87.
30_ سالم يفوت- الكتابة الإبداعية العربية والعالمية، مجلة شؤون عربية، العدد: 78 يونيو 1994, ص:95.
31_ محمد بنيس، الشّعر العربي الحديث: بنياته وإبدالاتها _ الشّعر المعاصر- الجزء الثّالث، دار توبقال- الدّار البيضاء، 1990، ص43.
32_ المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.



#محمد_عبد_الرضا_شياع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التّرجمة وإشكالية التّواصل الثّقافي*
- طنجة موتيفة الشّعراء
- سيرة المعتمد بن عبّاد في مخطوطة الأحلام
- سايكولوجية التّمرد في شعر تأبط شرا*ً
- الومضة الشّعرية: انكشاف العتمة وتوهج الذّات*
- لوث غارثيا كاستنيون: تؤكد عشقها للشعر العربي ولبغداد وللقاهر ...
- الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع
- فيديريكو غارثيا لوركا وثقافة الموت
- أوكتابيو باث: زمن المكاشفة وبوح الذّات*
- الاغتراب في الإبداع الأدبي
- *نازك الملائكة: قارورة الحزن الشفيف
- السّفر في عذابات الرّوح
- الرّؤيا الشّعريّة سفر على أجنحة الخيال
- دلالة المكان الدّائري في رواية جسد ومدينة
- خليل حاوي : سنديانة الشعر والموت
- محمد علي شمس الدّين والتّحولات اللوركية في شعره


المزيد.....




- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرضا شياع - الرّؤيا الشّعرية بين التّصورين الغربي والعربي*