أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد عبد الرضا شياع - السّفر في عذابات الرّوح















المزيد.....

السّفر في عذابات الرّوح


محمد عبد الرضا شياع

الحوار المتمدن-العدد: 1466 - 2006 / 2 / 19 - 09:34
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نسعى في هذه القراءة إلى ملامسة أحزان ديوان "الحزن الذي لم يمت" للشاعر اليمني الدكتور أحمد المأخذي المتدفقة من داخل النصوص وخارجها, والإنصات لأسئلة الذات الكاتبة وانشداهها بتضاريس الواقع لتجليته عبر نفحات شعرية أقل ما يمكن تصنيفها بأنها تنتمي إلى الحركة الشعرية العربية المتنامية إبّان فترة الستينات, والتي كانت للنكسات والهزائم التي تعرضت لها الشخصية العربية أثرها الفاعل فيها, الأمر الذي ترك سمات واضحة المعالم على النتاج الشعري العربي ووسمه بميسمه الذي جعل نبرة الحزن تأخذ بعداً تأسيسياً متأصلاً في اللغة الشعرية لهذه المرحلة وربما للمراحل التي تلتها.. حتى إن هذه النبرة الحزينة باتت الإطار العام الذي تدور فيه جل الكتابات الشعرية العربية.
إنّ الديوان الذي بين أيدينا هو تجسيد للواقع المعيش الذي فرضته الظروف السالفة الذكر. فجاء صرخة احتجاج وكشف لما هو كائن وما سيكون من خلال الحس الأدبي والفني لكاتبه الذي أبى إلا أن يضع الأحداث في سياقاتها التاريخية عبر الكتابة الشعرية الموشومة بنار إمضائه.
فالشاعر أحمد المأخذي لم يرد لرُؤياه أن تخبو في قبو ذاكرته بل أراد للقصيدة أن تنطق بها, وهي تعبّر عن هواجس الذات وتميط اللثام عن المغيّب خلف غبار التشتت والاحتراق. ولعل كشف الشاعر عن نتوءات الجسد المتصدع ما هو إلا نداء شعري أراد به انتشال الروح من ارتماءاتها في قاع اليأس والضياع.. بيد أنّ هذا الهول من الأحاسيس الجارفة لم يكن ليمر في تنهدات حلم عابر يداني اللاوعي ويجافي الإدراك. بل لابد أن يتجسد في بيادر من الحزن الذي لم يمت, لأن الشاعر كان يقتات العذاب وينفثه ألماً حارقاً به تتقد حروف قصائده الثائرة ثورة البراكين وهي تسافر في الزمن وعبر الزمن ومن خلاله:
فأنا( سيزيف) والصخرة قوتــي
جف من وطأتها حلقي وصوتــي
أتلوى ظامئ القلب حزيـنــــاً
وأبث الحزن دمعاً وأنينـــــاً
كلماتي بعض أشلاء جنائــــز
والحروف الخرس في عمر العجائز
لم أجد فيها ملاذاً لاهتمامــــي
لم أجد فيها جواباً لكلامـــــي.
] قصيدة "المجهول والحقيقة"[
نلحظ هنا تماهياً بين الشاعر والبطل الأسطوري سيزيف الذي كتب له القدر أن يشقى طول حياته. تبدأ رحلة العذاب من حيث تنتهي. كما نلحظ تلاشي الحدود بين الشعر والأسطورة فيكون كلّ منها مادة للأخرى ليتحقق السفر في الزمان ذهاباً وإياباً.
من هنا يمكن القبض على رؤيا الشاعر المتسمة بـ الكشف والانتظار. فعلى الرغم من تدفق الأحزان في هذا الديوان إلا أنّ كاتبه لا تهيمن عليه السوداوية أو حالة اكتئاب ولا حتى رؤيا انهزامية. حزنه هو حزن شفيف كان يستبطن أسبابه ويكشف عنها ويتأملها بحثاً عن جذوة أمل. لكنّ رصدها ليس أمراً هيناً بل يتطلب قراءة مصاحبة لعناء الكتابة حينما تكون " الكتابة تواطؤاً لا براءة. جمالها في ارتكابها وجرحها هو طهرها الأول " مثلما يقول أدونيس. ويكون العناء مضاعفاً إذا ما أردنا البرهنة على رؤيا " الكشف والانتظار" المتجلية في نصوص المأخذي, والتي تقوم على النظرة الكلية في بعديها العمودي والأفقي المتأسسين على الصراع بين قوى الخير وقوى الشر. الشيء الذي نلمسه موزعاً في قصائد الديوان التي تتطلب إعادة بناء من خلال جمع أجزائها التي زرعها الشاعر ببذور الحزن المتناثر عبر تيمات تتعدد بتعدد متاهات الواقع وجروحه التي لا تندمل. وإنّ إعادة البناء هاته تتطلب وعياً كبيراً بالقراءة النقدية المتسمة بالصرامة والوضوح كما تتطلب جهداً ووقتاً لا يمكن حصرهما في مثل هذه القراءة العاجلة التي تحاول ملامسة بعض ملامح "الحزن", والوقوف على أسبابه المتمثلة في لغة القصيدة المأخذية المتسمة بـدقة الأسلوب. هكذا ,إذن, تعثر القراءة على عنائها المنتظر.
لا ينطوي هذا الديوان على خذلان وإنما على جروح وشمه بها الواقع المرير الذي جعل الشاعر يبدو مسكوناً بالوجع العربي, وهو ينظر إلى أمام حتى تعانق مأساته كل المآسي الإنسانية, وقد تمثل هذا في الرموز العربية والعالمية المساهمة في العطاءات الإنسانية, والتي ضمّنها الشاعر نصوصه, وهذا هو الإحساس الشعري بامتياز, لأن ما يُكسر في الكون يرن في دواخل المبدع. ومن بين هذه الرموز نجد شعراء يمنيين أمثال الشاعر الزبيري وشاعر المقاومة الفلسطينية توفيق زياد, كما يوغل المأخذي في التراث الشعري العربي ليلتقي عروة ابن الورد, ويمتد به الطواف بين الثورة والنشوة بين هدير الإيقاع وهدهدته معانقاً جون كيتس في أجمل شدو:
اعزف على قصب بلا شجو حديث الليل صمتا
واقبض بكف الريح وامنحها الخلـــــــودا
هدهــــد ذرى الأرمـــــــــــاس
روي مجدب الأسمــــــــــــــاع
مزق ظلمة الكهف الشقي نغما وصوتـــــا.] قصيدة "إلى جون كيتس"[
بيد أنّ شاعرنا لا يسمح لنشوة الشعر أن تصحبه بعيداً عن أحزانه فيودعها ليطلق العنان لآهات تحقق رغبة السفر الحزين بينه وبين الشاعر الإنجليزي كيتس، وكأنه يريد القول إنّ شعراء الإنسانية جميعاً ينتمون إلى شجرة النسب ذاتها, فتتوحد الأزمنة وتتلاشى المسافات:
إنّا هنا كتلاً من الأسمال, خلجان بلا حدّ تروح
تقتاتنا الأحزان بعدك والجــــــــروح
نزّافة أعماقها مصل قــــــــــروح
ودروبنا مهمومة الآمال يدفعها الفتـــــوح.
] قصيدة "إلى جون كيتس"[
إنّ الإعلان عن هذا الحزن الكبير هو البحث عن صورة ثانية مغايرة تماماً لما يرفل به الواقع الإنساني من عيش في الجحيم الأرضي.. والبحث عن صورة مغايرة تطلّب من الشاعر الكشف عن أسباب هذا الحزن, وقد جرى ذلك عبر خلخلة البني المتحجرة الراكدة على فوهة ينبوع الحياة, حيث حزن المأخذي ثورة في الكلام, وكيان ينطق ويستنطق كيانات أخرى وذوات أخرى... كما أنه بحث دؤوب عن معنى الحياة:
في الطريق المالح الموحش مدّيت جناحي
مثقّلاً بالحزن يقتات جراحـــــــي
أقطع الأعوام بحثاً عن جراحــــــي
عـن أمـــــاني العريـــضــات
عن الحـــــبّ الذي مــــــات
عـــــــــــن الإنســــان
عن معنــــــــى الحيـــــاة.
] قصيدة "المجهول والحقيقة"[
نستطيع القول ثانية إنّ الحزن سمة مشتركة لذوات متعددة, حتى إن النص يبدي انتسابه إلى ذوات تتعانق بأحزانها, متجسدة في علائق الكتابة عندما تكون الكتابة علائق وتعالقات, فلا تتحجر في عصر ومكان ولغتهما, بل هي عصور وأمكنة واستشراف لأقاص تظل عصية على أمعان البصر المحدد لماهيتها, مثلما يظل النص منفلتاً على التحدد بموضوع معين.. بهذه الكيفية كُتبت نصوص المأخذي, وعبرها تحققت دلالاتها المنطوية على تيمات تنفتح على اللانهائي بانفتاح النصوص على لا نهائيتها. ولعلّ هذه الحقيقة هي التي تدلنا على عذاب الكتابة ومعاناتها, وعلى مكابدة الشاعر لها, والتي يمكن استجلاؤها عبر الأسلوب الميتاشعري الذي تحفل به بعض قصائد هذا الديوان:
الماء في فمي تـــــراب
والحرف مجدب غصونه يباب ] قصيدة "الحب المقتول" [

ربما هذه الحالة تنتاب الشاعر عندما يكون أكثر إحساساً بالفجيعة, وهو يدرك أنه مطوق بالأهوال الأمر الذي نلمسه في غير هذا النص:
أهرب كي أعيش كعادتي وحدي
وأمضي ليلتي التعســـــاء
في أخـــذ وفـــــي رد
أقوّم حظي المنكـــــــود
أندبـــــــه وأنعـــاه
وأكتب قصة الإنســـــان
غربته ومنفـــــــــاه.
] قصيدة "غريب في المدينة ليلة العيد"[
هكذا تكون غربته غربتين: الأولى لذاته والثانية لأخيه الإنسان, فيكون الحزن مركباً, وسيُضاعف أكثر إذا ما أضفنا لهذه الرحلة الأليمة كوارث الطبيعة ومعاناتها بعد أن تخلت نجومها عن الضياء, وباتت أحزانها متلألئة لترافق الشاعر في البحث عن منبع الخير المفقود لإرواء الظمأى وإشباع الجياع:
حتى النجوم حوّلت شعاعها
وحزمت معي متاعهـــا
وسافرت تبحث عن جزيرة
تبحث عن حبّ وعن أميرة
تبذل من كنوزها الوفـيرة
المال والمتـــــــاع
للظامئين والجــــيـاع.
] قصيدة "جزيرة الجفاف"[
يظلّ الشاعر وفياً لنغمة الحزن, يسير على هديها, وهو يراقب في كلّ صباح شعاع الشمس الصاعد بوعد جديد, يحمل بشارة جديدة ترفرف بها جوانح الألم, لأنّ الشاعر يمتلك دراية عميقة بالسبل التي يسلكها, لذلك يبقى أميناً لهذه الرحلة:
أمّــــــا أنــــا
فقد بقيت في مسيرتي الطويلة
زورق صياد بلا شـــراع
تنهبني الدروب والأصـقـاع
تسلبني الأماني الظليلـــة
مــــــا حيلتـــي.؟"
] قصيدة "جزيرة الجفاف"[
مع كلّ هذه الأحزان فإنّ رؤيـا الشاعر ليست انكسارية كما أومأنا في المدخل, وإنما هي رؤيا كاشفة لحقيقة معيشة لامناص منها. لذلك سيظلّ حس الأمل معقوداً في ضمير الشاعر, وهو ما نلمسه في قصائد ليست أقلّ حزناً من سابقاتها, إلا أنه حزن ينطوي على بصيص حياة:
بـأنّ يومــــاً مــــا
تعـود هذه السحـــابــة
تمسح عن حقـولهـــــم
ملامـــــح الـكآبـــة
تعـيد للأعشاش كلّ قبـــره
وللغصون كـلّ زهرة مبعثـره.
] قصيدة "متى يعود السندباد"[
بهذا نستطيع تأكيد رؤيـا الشاعر على أنها "رؤيا كشف وانتظار" فالشاعر لم يستغرقه الحزن ويحتويه, وإنما هو مَنْ كان يتوغل في أعماقه الدفينة, يسبرها ليتشبث بحبل النجاة...فعلى الرغم من خضوع الديوان بأكمله لسلطة العنوان ألا أنه لم يخضع لوتيرة واحدة في الكتابة, بل ظلّ تنويعاً هادئاً على تيمات وأساليب تأخذ من الحزن محوراً لها، حيث نجد الموضوعات التي عالجها الشاعر مثل: ]الغـربة,الجـوع,القـهر,الحـرمان,الضـياع,الاستغلال,التشرد...إلخ[ كلها تستند إلى الحزن بل به تعثر على وجودها. لهذا جاء الديوان بوحاً لذات أفرطت بحساسيتها الشعرية رغم صرامة الأسلوب اللغوي الذي كتبت به القصائد، والتقيد بالوزن وبذل الجهد للمحافظة على قافية تضبط إيقاع القصيدة.
لم يكن الشاعر أحمد المأخذي كاتباً يبحث عن لذة ونشوة عابرتين عبر خلجان الكتابة, وإنما هو مسافر في عذابات الروح ومتاهاتها. إنه صوت جريج مكبل بأحزان أمة فقدت كثيراً من أشيائها, وكأنّه صوت ذلك الابن النافخ في" ناي جلال الدين النائح على فراق أمه في الغابة" . فهل تعود يا ترى؟ وهل يعود إلى ضرعها الحليب بعد طول الجفاف؟



#محمد_عبد_الرضا_شياع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرّؤيا الشّعريّة سفر على أجنحة الخيال
- دلالة المكان الدّائري في رواية جسد ومدينة
- خليل حاوي : سنديانة الشعر والموت
- محمد علي شمس الدّين والتّحولات اللوركية في شعره


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد عبد الرضا شياع - السّفر في عذابات الرّوح