أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الامين - ملامح من الفكر السوداني المعاصر(6-7):الاسلام والسلام















المزيد.....

ملامح من الفكر السوداني المعاصر(6-7):الاسلام والسلام


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1910 - 2007 / 5 / 9 - 11:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن حاجة العالم اليوم للإسلام هي حاجته الى السلام.. وتلك حاجة ((حياة)) أو ((مـوت)).. والإسلام دين السلام.. هو رسالته، وهو جوهره.. قال المعصوم: ((لكل شئ قلب، وقلب القرآن "يسن".. و "يسن " لها قلب)).. وقد عرف العارفون أن قلب "يسن" إنما هو قوله تعالى: ((سلام قولا من رب رحيم)).. وتحية الإسلام، حين يلقى المسلمون بعضهم بعضا، وحين يلقون غيرهم، في جميع أوقات اليوم أو الليل، وفي جميع الأمكنة إنما هي قولهم: ((السلام عليكم)).. ومن حديث المعصوم أن خير الناس من ((أطعم الطعام وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام)).. وغرض العبادة في الإسلام تحقيق السلام الداخلي، في كل نفس بشرية.. سلام مع الله وسلام مع النفس وسلام مع الناس - مع الأحياء والأشياء- وفي حديث المعصوم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويـده)).. وحين تعني كلمة ((المسلمون)) هنا، المسلمين بالإسلام العام - وهو معنى غير مستبعد من الصورة - بل هو معنى حاضر في الصورة - يصبح نص الحديث: ((المسلم من سلم الناس من لسانه ويـده)) - المسلم من سلمت الأحياء والأشياء من لسانه ويـده- لأن طريق العبادة، في تحقيق السلام الداخلي، هو تحقيق الحرية الفردية المطلقة.. والحر، في هذا المستوى، هو الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة قوله، وعمله، إلا خيرا، وبرا، بالأحياء، وبالأشياء.. فهو بذلك يكون قد أحرز وحدته الداخلية، وهذه الوحدة الداخلية هي ثمرة التوحيد، وهي هي السلام.. وموعود هذا الدين هو الظهور على الأديان كلها.. يقول تعالى في ذلك: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحـق، ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيدا)).. وهو، إنما يظهر على الأديان، لمقدرته الفريدة على تحقيق السلام في كل نفس بشرية.. ومن ثم، تحقيق السلام في الأرض، بملئها عـدلا، كما ملئت جوراً.. وإنما تجيئه هذه المقدرة التي يتميز بها على جميع الأديان، وعلى جميع الفلسفات الاجتماعيات الأخريات، من مقدرته على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. والأرضية التي يقوم عليها هذا الإنجاز إنما هي شريعة الديمقراطية والاشتراكية يجتمعان في جهاز واحد، إذ هما كجناحي الطـائر.. فكما أن الطائر لا ينهض بجناح واحد، فكذلك المجتمع السوي، الذي ينجب الأحرار، فإنه لا ينهض إلا بجناحين، من ديمقراطية، واشتراكية.. وبالديمقراطية والاشتراكية، مجتمعتـين، يتم الخروج من شريعة الغابة، حيث الحق للقوي، ويبدأ الدخـول في شريعة الإنسان، حيث للضعيف حق، ينص عليه القانون، ويطبقه القضاء، وتنفذه السلطة.. وحين حض الإسلام، في فروعه، على القتال في سبيل المستضعفين، لنصرة حقهم بالسيف فقال: ((وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين، من الرجال، والنساء، والولدان، الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها.. واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا..)) إنما أراد من نصرة السيف لحق الضعفاء أن تكون مقدمة لنصرتهم بالقانون.. فإن السيف هو لغة الحرب، والقانون هو لغة السلام.. ولقد استجاب الله للمستضعفين دعاءهم حيث قالوا: ((واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا..)).. وما يكون من ((لـدن)) الله لا يكون حربا، وإنما يكون سلاما.. وهذه إشارة إلى حكم القانون الذي يعقب حكم السيف.. قانون الإنسان يدال له من قانون الغابة.. يقول تعالى في وعده المستضعفين النصر: ((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين)).. والمرأة، وهي أكبر من استضعف في الأرض، عبر التاريخ، لا فرصة لها في النصفة إلا يوم تقوم شريعة الإنسان، على أنقاض شريعة الغابة..


الدسـتور الإسـلامي..

وأول شريعة الإنسان، وأدناها، منزلة من القانون الدستوري.. والقانون الدستوري هو تفريع على الدستور.. والدستور هو القانون الأساسي.. وهو، إنما سمي القانون الأساسي، لأنه ينص على الحقوق الأساسية.. والحقوق الأساسية، إنما سميت حقوقا أساسية، لأنها لا تمنح، ولا تسلب، في شريعة الإنسان، بغير حق.. وهي حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع عليهما، أساسا، مما هو مكمل لهما، وحافظ لهما..
وجوهر القانون الأساسي - جوهر الدستور- هو رفع الوصاية عن الراشدين من الرجال والنساء.. فلا وصاية إلا على الأطفال.. فإن فيه كل فرد بشري، من رجل أو امرأة، إنما هو غاية في ذاته، ولا يصح، بحال من الأحوال، أن يجعل وسيلة لغيره.. وهذه النظرة الأساسية تؤخذ من آصل أصول القرآن.. وهو أصل الفردية.. فإن المسئولية، في أصل الإسلام، إنما هي مسئولية فردية.. فنحن، في الأساس، مكلفون بالعبودية لله، ومسئولون أمام الله عن تحقيق هذه العبودية.. ولا تنصب موازين المسئولية، يوم تنصب، إلا لكل فرد على حدة يقول تعالى: ((ولقد جئتمونا فرادى، كما خلقناكم أول مرة)).. ويقول تعالى: ((ونرثه ما يقول ويأتينا فردا)).. ويقول تعالى: ((إن كل من في السموات، والأرض، إلا آتي الرحمن عبداً  لقد أحصاهم، وعدهم عدا  وكلهم آتيه، يوم القيامة، فرداً)).. ويقول تعالى في مبدأ المسئولية الفردية: ((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها.. وتوفى كل نفس ما عملت.. وهم لا يظلمون)).. ويقول: ((كل نفس بما كسبت رهينة)).. ويقول أيضا في تقرير مبدأ المسئولية الفردية: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ، ولو كان ذا قربى.. إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله المصير..)) ويقول أيضاً: ((يوم لا تملك نفس لنفس شيئا.. والامر يؤمئذ لله..)) فليس للرجل أن يحمل عن المرأة مسئوليتها، ولا للمرأة أن تحمل عنه مسئوليته.. فما الذي أوجب النزول عن مستوى مبدأ المسئولية الفردية الكاملة إلى مستوى الوصاية - المسئولية الفردية المنقوصة؟؟
الجواب: هو حكم الوقـت، فقد كان الرجال قاصرين.. والنساء؟؟ من باب أولى‍‍!! وقد بينا ذلك عند الحديث عن الآيات المكية التي استمر نزولها ثلاث عشرة سنة على مجتمـع الجاهليين، حتى إذا ظهر قصورهم عمليا عن النهوض لمستوى المسئولية الكاملة، سحبت آيات الأصول هذه، واستبدلت بآيات الفروع - الآيات المدنية – ونزل، بهذا الاستبدال، إلى مستوى الناس يومئذ، وقامت الوصاية مقام المسئولية التامة.. ولن تنتهي الوصاية، لا على الرجال، ولا على النساء.. ولكنها ستحال على القانون الدستوري.. يكون القانون هو الوصي على الرشد من رجال، ومن نساء.. لأن علامة الرشد هي تحمل المسئولية فلكأن الرجال أحرار، والنسـاء، في أن يفكروا، وأن يقولوا، وأن يعملوا كما يشاءون، بشرط واحد، هو: أن يتحملوا مسئولية قولهم، وعملهم، وفق قانون دستوري، والقانون الدستوري، في هذا المقام، هو القانون الذي يوفق، في سياق واحد، بين حاجة الفرد، وحاجة الجماعة، ويقيم الجماعة مقام الوسيلة لا تتعداها.. ويضع الفرد موضع الغاية من كل سعي الحياة، لا ينحط عنها.. ولا أمل للمستضعفين، من رجال، ومن نساء، ومن أطفال، في الحرية، والكرامة، والمسئولية، إلا بهذا القانون.. ولا أمل في هذا القانون إلا عن طريق الدستور الإسلامي.. ولا سبيل إلى الدستور الإسلامي إلا ببعث آيات الأصول لتكون هي صاحبة الوقت، اليوم، بعد أن كانت منسوخة، أمس.. ذلك بأن الدستور الإسلامي ليس في الشريعة الإسلامية، وإنما هو في أصول الدين.. وهو ليس في الشريعة الإسلامية لسبب واحد، بسيط، هو أن الشريعة الإسلامية، التي بين أيدينا اليوم، إنما قامت على الوصاية، كما بينا، وليس في الوصاية دستور، على الإطلاق..


المسـاواة بين الرجـال والنساء..

يخطيء كثير من الناس فهم معنى المساواة بين الرجال والنساء، فيظنون أن المساواة تقوم على المقدرة المتساوية على قوة الاحتمال، وشدة الأسر، حتى إنك لتسمع بعض الناس في المركبات العامة ينهون بعض الشبان عن أن يتركوا مقاعدهم لبعض النساء، ممن لا يجدن مقاعد، فيظللن قائمات في المركبة.. ثم هم إنما يبررون هذا النهي بقولهم: ((لا تقوموا لهن فإنهن يطالبن بالمساواة مع الرجال)).. وهذا فهم خاطئ، خطأ أساسيا.. فإن المساواة، بين الرجال والنساء، ليست مساواة الميزان، والمسطرة.. وإنما هي مساواة القيمة.. ومعنى ذلك أن المرأة، في نفسـها، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطنة، ذات قيمة مساوية لقيمة الرجـل، في نفسه، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطن.. وهذه المساواة تقوم وإن وقع الاختلاف في الخصائص، النفسية، والعضوية، في بنية الرجال والنساء.. وهي تقـوم، وإن اختلفـت الوظيفة الاجتماعيـة، وميدان الخدمة للمجتمع، الذي يتحرك فيه الرجال والنساء..
إن النظرة المادية للأمور، هذه النظرة التي هي سمة المدنية الغربية الحاضرة، هي التي طوعت لهذا الخطأ المؤسف أن يتركز في أذهان الناس.. ذلك بأن قيمة الإنسان، في هذه المدنية المادية، هي قيمة ما ينتج من آلات الإنتاج، ومن أدوات الاستهلاك.. فعندما بدأت الرأسمالية تتبلور في الإقطاع، والصناعة، وفي الصناعة بشكل خاص، كان استغلال النساء، والصبيان، وسائر العمال، يجري بصورة بشعة.. فقد كانت ساعات العمل طويلة، وكانت الأجور زهيدة.. فلكأنما العامل إنما كان يعطى الأجر الذي يحفظ الحياة عليه، ويعطيه القدرة على مواصلة الانتـاج، من أجل صاحب المصنع، أو صاحب المزرعة.. ومن هذا المستوى بدأ الصراع، بين العمال والعاملات من جانب، وأصحاب العمل من الجانب الآخر.. وأخذت التنظيمات العمالية تظهر، وتنتظم، وتنضبط، وتناضل.. وأخذت المرأة، وهي مشمولة في هذا التنظيم، تتطلع إلى منافسة الرجل، وتطمح إلى المساواة معه في الأجر.. ومعلوم، ومقدر، أن شعار الإنتاج الطبيعي أن الأجر المتساوي لا يكون إلا للعمل المتساوي.. ومن ههنا، ومن وقت بعيد، بدأ مفهوم المساواة الخاطئ يجد طريقه إلى الأذهان.. ولم تغير الاشتراكية التي جاءت بالثورة السوفيتية في هذا المفهوم الخاطئ، بل مدت له، وعمقته.. ولا غرو، في ذلك!! فإن القاعدة المشتركة بين الرأسمالية والاشتراكية الماركسية إنما هي النظرة المادية.. واليوم فإنه، في الدول الاشتراكية، لا تعرف للمرأة كرامة إلا إن كانت مستقلة اقتصاديا.. وهذا يعني عندهم، أن تكون امرأة عاملة في ميادين الإنتاج التقليدية، وفي الحركة الشيوعية كلها تظهر حركة المرأة وكأنها قضية عمل، وإنتاج.. فاتجهت المرأة اتجاه الرجال حتى استرجلت، أو كادت.. ويحدثنا باحث اجتماعي، هو فرانك لوريمر، ان اشتغال نساء الاتحاد السوفيتي بالأعمال الشاقة قد تسبب في زيادة في الإجهاض، وزيادة في انخفاض الخصوبة في النساء.. وهذا عندنا أمر طبيعي ما دامت الدولة لا تدخل في تقييمها الاقتصادي عمل المرأة في المنزل.. فالمرأة السوية، التي تتجه إلى ممارسة وظيفتها الأساسية، في إنجاب الأطفال، وتكوين الأسر، ورعاية شئونها في بيـوت سعيدة، إنما تقوم بذلك على حساب راحتها، وصحتها.. ذلك بأن الدولة لا تعتبر هذا العمل إنتاجا يقاس إلى إنتاج أدوات الاستهلاك.. فهي مطلوب منها أساسا أن تؤدي ساعات عملها كما يؤديها زوجها، ثم إذا هما رجعا للمنزل، يكون من حظ زوجها أن يرتاح، ويكون من حظها هي أن تواصل العمل فيما يحتاج إليه منزلهما المشترك، من خدمة ضرورية، ومن عناية بالأطفال.. ومثل هذا الشقاء تكون له نتيجة نفسية واحدة، محتمة، هي الرغبة عن كثرة إنجاب الأطفال.. وهذا الميل النفسي يترك أثرا عضويا هو انخفاض الخصوبة..
إن الاشتراكية السليمة يجب أن تدخل قيماً جديدة في التقدير.. وتلك هي القيم التي تجعل المادة وسيلة الإنسان إلى الحرية، لا بديلا عن الحرية.. إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..
فإذا ما دخلت هذه النظرة التقييمية الجديدة فإن الإنسان سيكون سيد الآلة، وليس خادمها.. وستكون المرأة المنتجة، وفي القمة، هي المرأة التي تنجب الأطفال، وتعنى بهـم، كما ً، وكيـفاً.. وستكون هي أولى بالتكريم من العلماء، والفنيين الذين يعملون في إنتاج الطائرات، والصواريخ.. وهي، من ثم تستحـق من المجتمع المكافأة الأدبيـة، والماديـة التي بـها تتحقـق، وتتوكد، كرامتها..


المـرأة مكانها البيت

كثيراً ما نسمع الناس يقولون: المرأة مكانها البيت.. وهي قولة حق أريد بها باطل.. هم يريدون بها إلى الحجاب.. وعدم السماح للمرأة أن تخرج، لا للعمل ولا للنزهة.. والحق في هذه العبارة: أنا يجب أن نتعاون، رجالا ونسـاء، على إعادة تكوين البيت، ليكون مكانا للسعادة، والحب، ورضا النفس، يجد فيه الرجـل، والمـرأة، والأطفـال، دفء الحـب، وبرد السـلام.. ويجب أن تكون المرأة فيه الملكة، لا الخادمة.. فهي المنجبة للأطفال، والمشرفة على الأطفال، والمربية والمهذبة، للأطفال، ليكونوا نماذج عالية في الخلق، والذكاء، والكفاية الذاتية.. وهي، فوق ذلك كله، وقبل ذلك كله، مرفأ الأمان لزوجها يستظل بظلها، ويجد في حبها، وفهمها، ما يقوى به على حسن خدمة الجماعة، وعلى قطع درجات الكمالات الذاتية حتى يرقيا المراقي، سمتاً فوق سمت، إلى منازل الكمال المقدور لهما..
وإذا ما عرفنا للبيت هذا المقام فإن قولنا: ((المرأة مكانها البيت)) سيلقي علينا واجب تعليم الفتيات في أعلى مراحل التعليم، وإعدادهن عقليا، وخلقيا، ونفسيا، وجسديا، إلى المستوى الذي يرفع عنهن الوصاية، ويجعلهن مسئولات، مسئولية تامة، أمام القانون، كمسئولية شقائقهـن الرجال، لا وكس، ولا شطط.. وعلى وفق مستوى هذه المسئولية يكون حقهن في الحريـة، والكرامة: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) هذا في منطقة القانون.. ((وللرجال عليهن درجة)) هذا في منطقة الأخلاق.. حيث يقع التفاوت بين الرجال، فيما بينهم، وبين النسـاء، فيما بينهن، وبين بعض النساء وبعض الرجال، ثم لا ينسحب هذا التفاوت من منطقة الأخلاق على منطقة القانون، فيؤثر على الحقوق، والواجبات، كما هو الشأن في ظل الشريعة السلفية.. ذلك بأن منطقة الأخلاق هي فوق مستوى القوانين.. والمراقب لها هو الله.. والمكافئ على الحسنة فيها هو الله.. والمجازي على السيئة فيها هو الله.. وذلك: ((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسـها، وتوفى كل نفس ما عملت، وهم لا يظلمون..)) هل أحتاج أن أقول أن هذا لا يعني أن الله لا يجازي المحسن، والمسيء، في منطقة القانون، وإنما يتركهما لنا، وإنما هو يعني أننا لا نجازي، أو قد لا نجازي، المحسن، والمسيء، في منطقة الأخلاق، وإنما نتركهما له.. ذلك بأن للإحسان، وللإساءة، في منطقة الأخلاق، موازين أدق من موازيننا..
ويستقيم أيضا مع إعادة تقييمنا للمنزل أن المرأة قد تعمل خارج المنزل إذا كانت تستطيع التوفيق بين العمل وإدارة المنزل.. (ولكنها على التحقيق، لن تعمل في الأعمال الشاقة، العنيفة، التي يجب أن ينفرد بها الرجال).. ذلك أن بالعمل ينضبط الفكر، وتتعمق التجربة وتنضج الشخصية.. هذا إلى عديد القيم التي تكسبها ممارسة العمل المرأة، مما تحتاجه في خـدمة مجتمعها، وبيتها، وأطفالها، ومما تحتاجه في تحرير مواهبها التي بها ارتقـاؤها، وكمالها الذاتي.. هذا وللمرأة ميادين عمـل، قد خلقت وهي مهيأة لها، أكثر من غيرها.. فينبغي إعدادها لها مهنيا، وفنيا، كميادين التعليم في جميع مستوياته، والطب، وطب الأطفال والنساء، بصورة خاصة، وكالتمريض، والقانون، وتولي القضاء، وبخاصة في محاكم إصلاح الأحداث.. فإن المجتمع قد يجد خدمة أفضل حين تتولى المرأة هذه الميادين، إذا ما قورنت بالرجل..


خـاتمـة التوطئـة

هـذه توطئة للبحث قد طالت... ولم يكن من طولها بد.. لأنها إنما أريد بها إلى إعداد المسرح الذي تتحرك فيه صور القوانين المتطورة، تطورا قد يخيل للرائي أنه قفزة، وما هو بالقفزة، تماما.. ولكنما هو خلاصة الفضائل التي استجمعت خلال تطور المجتمع البشري الطويـل، في طريق مملوء بالدماء، والدموع، والعرق.. هو حصيلة هذا المجهود.. وهو، بذلك، يمثل الخروج من طور، والدخول في طور جديد.. هو يمثل الخروج من أخريات طور قانون الغابة الذي نعيشه اليوم، حيث لا تزال القوانين تتأثر برغبة الأقوياء ضد مصلحة الضعفاء، والدخول على طور قانون الإنسان، حيث القوانين دستورية، وهي بذلك قسط موزون لا يطمع فيها القوي، ولا ييأس منها الضعيف، وإنما هي العدل، والمرحمة، والخير للأحياء وللأشياء.. والذي يهمنا أن نختم به هذه التوطئة أمران: الأمر الأول هو أن نقرر أن الإنسان، من حيث هو إنسان، بصرف النظر عن ملته، أو لونه، أو لغته، أو عنصره، أو إقليمه، لا أمل له في الكرامة، لا في دنياه، ولا في آخرته، إلا بالإسلام.. والأمر الثاني هو أن نبشر المستضعفين في الأرض – النساء، والأطفال، وسواد الرجال- أن موعود الله آت، وذلك حيث يقول: ((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين)).. ولكن يجب أن يكون واضحاً لهؤلاء أن موعود كرامتهم إنما هو في أصول الإسلام، لا في فروعه، ذلك بأن فروع الإسلام مرحلة وصاية.. وهي مرحلة إنما أريد بها إلى أن تكون مرحلة انتقال، يترشد خلالها القصر ليستأهلوا أصول الإسلام.. وأصول الإسلام مرتبة مسئولية.. وهذا هو الذي جعلها تؤكد على الفردية.. فالفرد حر، ومسئول عن حسن تصرفه في الحرية، فإذا أخطأ في التصرف صودرت حريته بقانون.. وليس غرض القانون الانتقام، وإنما غرضه التربية، لكل رجل، ولكل امرأة، ليتحقق لكل منهما حسن التصرف في الممارسة المقبلة.. وهذا ما سمي بالقانـون الدستوري.. لا وصاية في ظل أصول الإسلام إلا لهذا القانون.. القانـون الدستـوري هو الوصي.. هو وصي على الرجال، والنساء على حد سواء..
فإذا كانت المرأة، والمثقفة منها بشكل خاص، وهي تعتبر خير ممثل للمستضعفين في الأرض، تهمها كرامتها، وكرامة أطفالها، فعليها أن تتمسك بتطوير الشريعة الإسلامية، من فروعها إلى أصولها.. لا يثنيها عن هذا التمسك وعـد، ولا وعيـد..

هل تريدون الحق؟؟ إذن فاسمعوا‍‍!!
لا كرامة لمطلق حي على هذا الكوكب، إلا ببعث أصول الإسـلام.. إلا ببـعث آيات الأصول التي كانت منسوخة، ونسخ آيات الفروع التي كانت ناسخة في القرن السابع.. فليستيقن هذا رجال المسلمين ونساؤهم.



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح من الفكرالسوداني المعاصر(5-7):آيات الاصول وآيات الفروع ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:(4-7)المجتمع العبودي،المراة، ...
- ملامح من الفكرالسوداني(3_7):الفرد والمجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(2-7) نشاة المجتمع
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر(1_7):تطوير شريعة الاحوال الش ...
- ملامح من الفكر السوداني المعاصر:الرق والراسمالية ليستا اصلا ...
- الديمقراطية والاشتراكية والإسلام ((ملامح من الفكر السودانى ا ...
- سيرة مدينة:الخرطوم 1991
- كلاب بابلوف تعاود النباح من جديد
- الغرب والاسلاميين كمثل العنكبوت اتخذت بيتا
- اساطير النزاعات في ميزوبتميا ووادي النيل
- رسالة الى مواطن عراقي
- السيرة الذاتية ل(شجرة الموسكيت)ا
- دارفور...اطفال الزمن الآسن
- سيرة مدينة (8):عم سعد
- سيرة مدينة(7)ا:كلب وحمار وقرد
- سيرة مدينة(6)أ: خيول باكنجهام
- الامام الاخضر
- الكتاب الشهري:الفجر الكاذب
- الكتاب الشهري:الاصولية المزعومة والعلمانية المفترى عليها


المزيد.....




- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...
- إسرائيل تؤكد استمرار بناء الميناء العائم بغزة وتنشر صورا له ...
- حزب الله يقصف مستوطنة ميرون ومحيطها بوابل من الصواريخ
- وزير الخارجية الفرنسي يستهل جولته في الشرق الأوسط بزيارة لبن ...
- مفتي سلطنة عمان معلقا على المظاهرات الداعمة لفلسطين في جامعا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الامين - ملامح من الفكر السوداني المعاصر(6-7):الاسلام والسلام