أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هلال العبيدي - اشارات














المزيد.....

اشارات


هلال العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 12:21
المحور: الادب والفن
    



حجرة مليئة بأشياء صنعها بصمت وعزلة . يمضي أوقاته بعيدا عن الآخرين . بقرب النهر والتل الكبير .. الذي يقف متحد .. أخاديده المتعرجة . تحشوه أثار الآشوريين : خرز ، أواني فخار ، ألواح طينية ، خزف .. اندثرت تحت التراب ، فغابت عن الأنظار . لكن سرعان ما تتعثر قدماه بقطعة منها فيستمد منها فكرة تساعده لابتكار شيء ما . الناس في قرية التل الكبير والقرى المحيطة يشتروا منه الفؤوس ومناجل ومعاول وسكاكين . ُعلق بجدار الحجرة المتصدع سيفه الذي ، يتصدى به للسرّاق والمفترسات ولتقطيع أفاعي التل الكبيرة حين تدخل بيته .. فجأة : دخلت حجرته فتاة كعود خيزران ، تنظره بعينين واسعتين بوجهٍ مستدير . كالقمر .

استطالت أناملها برتابةٍ ود لو يحاول أن يصوغ عليها قالب من ذهب . تمثال لأميرة آشورية . عاثت بربيع روحه نشوة باردة . غمره الفرح لأبعد نقطة . كاد ينطق من وراء خرسه المولود معه . منذ أن صرخ صمتا بعد أن خرج من بطن أمه . داعبت أوتار روحه بجمالها ، رقتها ، أنوثتها . ملابس فاخرة . طراوة يانعة . ارتشف عذوبة بعد ظمأ بعيد . عالم آخر . غير الأشياء التي يصنعها . ترى من تكون ..؟ هل خرجت من التل ..؟ أميرة آشورية . أم هجرت تمدنها لتنتمي لوحدة هذا الإنسان . صمته . تتأمل داره بدهشة . ترك الرجال أثارهم عليها حين يدخلوها ليشتروا المعاول والخناجر ومصائد الثعالب والذئاب والفئران المصنوعة من الحديد ..

انسابت بحجرته .. تنفست هوائها . خصلات الشعر تموج . عاش ولم يندم على ألف عام من الحرمان . الوحدة والصمت . أزاحتها تلك اللحظات . ترى هل تحقق كل شيء بلحظة ضياع ..؟ توق ولهفة . احتضرت أمانيه منذ زمن بعيد . لكنها لم تمت . ولدت للتو معها من جديد . الصلادة والوحدة والطرق على الحديد بيداه المتضخمتين . سخنت قطعه حد الاحمرار لتلين . يعجنه بلهب محرق . يحوله إلى أشكال رسمها برأسهِ . صمت مولود على بساط إيماءات نفرت منها لذة النطق وسمعه . جدران لم تعهد إلا إشارات . فمطرقته لا تهدأ خلف عروق اليد التي أمسكت بها . أمضت أكثر من أربعين عام بلا توقف . لم يخيل لأحد أن يجاوره لضوضاء مهنته من الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس . وبكل يوم . إشاراته المملة .. لحظات اللقاء دفعته ليمنحها كل شيء عنده . حين داعبت صمته . جرته من دائرة الوحدة والسكون . أجلسها على فراشه . حدق كل منهم بوجه الآخر . شفاه خمرية تتحرك . تقول كلام . عجزت محاولاته ليفهم ما تود قوله . رأى جبهته السمراء بعينيها . حيرته . خوفه من نفسه . إيـه يا سمع . تعال يا نطق في الحال . تعال وأسعف إنسان هجرته . تعال ولو لمرة واحدة . ثم اخلد فيه إلى الأبد . بعدما يتحول إلى جثة هامدة . لا حراك . نشف ريقه . حبست بصدره الكلمات عنوة . أطلقها لتتحرر على واحات ورود خديها . ظل يصارع صمته ليقول من فمه ولو كلمة . واحدة . يتذوق لذة الغزل بكلامٍ ناعم كالحرير . لذة الاستمتاع بصوتها . بالموسيقى بدل الطرق . ّحرك يداه في الفراغ . إشارات . لكنها لن تفهمه . عجز الاثنان . هرع باتجاه الباب قاصداً احد ما . أسرع إلى القرية . ركض . طراااااااااااااخ . ارتطمت جبهته بالجدار . سقط على الأرض . ارتمى فوق فراشه . استفاق من نومه . تلاشت أمامه . غابت . بحث عنها في حجرته . دون جدوى . ّقلب الأشياء المعدة للبيع : فؤوس ، مناجل ، معاول ... اصطدم بعضها بالبعض الآخر . حمل سيفه وركض . ألمه يدور حول رأسه . يعدو المسافات . سقط مرات ثم نهض . دخان زفيره . كالمجنون يصفها . يرسمها بذعر ولهفة وشوق للناس في القرية . لا احد يتصور ما يعنينه . لا لشيء سوى لأنه كان في حلم .



#هلال_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصول رحيل
- رحيلي الثالث
- رحيلي الثاني
- رحيل


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هلال العبيدي - اشارات