كاظم الواسطي
الحوار المتمدن-العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25 - 07:48
المحور:
حقوق الانسان
يقول تي نويل ، أحد شخصيات رواية " مملكة هذا العالم " للروائي الكوبي ذي الأصل الفرنسي اليخو كاربنتييه " إن الإنسان يسعى دائما وراء سعادة توجد أبعد مما هو معطى له بالقسمة . لكن عظمة الإنسان تتمثل تحديدا في محاولة تحسين العالم ، والزام نفسه بمهمات " . وهو يعتبر مثل هذا الإنسان جميل حتى في بؤسه ، لأنه قادر على الحب وسط المصائب في مملكة هذا العالم .
وأنا إذ أستعير المعنى من مملكة كاربنتييه ، فلأنني أعرف أنها واحدة من مملكاتنا الأرضية التي تضج بالبؤس والحرمان والنزاعات التي تصل إلى حد القتل على اللون والجنس والهوية . ويبقى السؤال الأهم ، هو مالذي يجعل بعض البشر يندفعون ، بلا تردد ، على إلحاق الأذى بالآخرين وتدمير وجودهم وممتلكاتهم بهذه الأشكال والأساليب الهمجية ؟ . لا أعتقد بأن هنالك جواب واحد على هذا التساؤل ، لأن هناك أكثر من دافع لمثل هذه الأفعال . فالأقتصادي يجدها في تباين الموارد أو التفاوت الطبقي ، والسياسي يفسرها بالصراع على السلطة ، وعالم النفس يركز في التأويل على حالات اليأس والاحباط ، والمؤرخ يبحث عن جذورها في الزمن الأبعد ... إلخ . وهي قد تكون واحدة من هذه , أو كلها مجتمعة في سلوك نوع من البشر لا يجد في نفسه القدرة على تجاوز ما هو فيه من وضعٍ خاص ، لايهمه أن يكون متعارضا مع حيوات الأخرين مادامه يعتقد بقدرته على التجاوز عليهم ، أو إلغائهم قسرا إن دعت الضرورة .
إن ما يزيدنا بؤسا ، وألما ، هو أن نجد على أرض " مملكتنا " بشر يتمتعون بكل أسباب الحياة المترفة ، ولهم مواقع في السلطة ، ولا تعرف نفوسهم معنى لليأس والإحباط ، لأنهم خارج دائرة المعاناة العامة , ومع ذلك يسعون في كل خطوة لهم لإلحاق الأذى بأبناء مجتمعهم تجاوز بكثير لما معطى لهم بالقسمة و " يانصيب " الزمن الرديء الذي أوجد مثل هؤلاء المتسلقين ، عفنا ، على جسد هذا المجتمع . ولا ندري ماالذي سيفعلونه لو عاشوا البؤس ، الذي سماه كاربنتييه " جميلا " ، والمصائب ، التي يطالبنا بالعمل وسطها لتحقيق عظمة الأنسان وهو يعمل لتحسين العالم . المشكلة الكبرى هي أن هذا النمط من البشر لا يعرفون معنى للحب أو العطاء ، وهم لا يريدون أن يخسروا حتى غبار وجوههم من أجل وطن يستحق كل شيءٍ منا لأجل أن نخلصه من جحيم الإرهاب الذي يعصف به ، ومن مصائبٍ ألمّت به من بعض أبناءه ، الذين غيبوا صورة الوطن بصور المنطقة ، والطائفة ، والحزب ، والحق الشخصي في موقعٍ أفضل . مقابل ذلك ، ينبغي أن لا يغيب عن بالنا يوما المخلصون من أبناء هذا الشعب ، الذين مازالوا يمتلكون قدرا من الحب يمكنهم ، وسط كل هذه المصائب ، من تحسين وطنهم ، وهي واحدة من الخطوات باتجاه العمل من أجل تحسين العالم .
#كاظم_الواسطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟