أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثانية















المزيد.....


كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثانية


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1886 - 2007 / 4 / 15 - 11:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تقديم
"ناضل" نوابنا من أجل رفع رواتبهم وحققوا ذلك، ثم "ناضلوا" من أجل رفع معاشاتهم وحققوا ذلك أيضا، لكن هل يمكنهم تحقيق ما انتخبوا من أجله؟
إن الداعي إلى هذا السؤال هو الثمن الذي يؤديه الشعب ككلفة لأجور وتعويضات النواب ومصاريف البرلمان بغرفتيه.
فكم يكلفنا نوابنا؟
الإجابة لن تكون سهلة لأنها تتطلب قبول الجهات المسؤولة الكشف على جملة من المعلومات والأرقام، وهذا مطلب مازال بعيد المنال بالمغرب، لأن إدارتنا ظلت مسكونة بهاجس عدم توفير المعلومة المطلوبة لاعتقادها أنها ستساهم في إبراز مظاهر الاختلالات الكامنة داخلها.
يجد المغرب نفسه في مواجهة تحديات كبيرة ومعضلات اجتماعية وثقافية إن لم يتم انطلاق سيرورة حلها سيزداد الأفق انسدادا أمام ملايين المغاربة، وعلى رأسهم الشباب، وهذا أمر لا تحمد عقباه.
هذا الوضع يجبر القائمين على الأمور بالبحث على خلق دينامية اقتصادية واجتماعية، واعتبارا لندرة الموارد المالية وللاختلال العضوي المستدام لنهج توزيع الدخل والثروات المعتمد منذ حصول المغرب على الاستقلال، أضحى يتوجب على القائمين على الأمور، أكثر من أي وقت مضى، عقلنة تدبير وتسيير الكثير من القطاعات والشروع بالتصدي لما تأكد عدم جدواها مقارنة بكلفتها الباهظة التي تثقل كاهل ميزانية الدولة. وفي هذا المضمار تبرز كلفة البرلمان والبرلمانيين بشكل أضحى مقلقا على أكثر من مستوى، بدءا بالأجور والامتيازات المسلمة للنواب وارتباطها بجدوى العمل الذي يقومون به، وإشكالية مفهوم الروح الوطنية وتبذير مال الشعب وإشكالية ثقافة الكفاءة في صفوف نوابنا ووجوه استعمال المال الذي يتقاضونه كأجور وامتيازات، علما أنها مقتطعة اقتطاعا من جوع ملايين المغاربة وعلى حساب جملة من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كم يكلف نوابنا المغاربة؟ وهل جدوى العمل الذي يقومون به تبرر تلك الكلفة؟

تعويضات المعاش
ألف درهم عن كل شهر حمل فيه الشخص صفة "برلماني" واستفاد من الحصانة البرلمانية.. هذه هي طريقة احتساب قيمة معاش النائب البرلماني عندنا حسب ما قررته حكومتنا الموقرة سنة 2005، وقد اعتبر الكثيرون هذا الإجراء بمثابة إرشاء النواب لتلافي خلق متاعب في وجه الحكومة، ولم يتساءل وزير المالية ولو مرة واحدة هل ميزانية الدولة بإمكانها أن تحمل هذا العبء الثقيل الجديد، هذا في وقت كانت فيه أجراس الخطر مازالت تدق بخصوص استمرار كاريان طوما والسكويلة وما شابههما، وهذا ما ثبت بالملموس وبالحجة والدليل.
ففي سنة 2005 أعلنت الحكومة عن مراجعتها لمنظومة معاش النواب، علما أن القرار اتخذ في نهاية سنة 2004، وكان وزير المالية والخوصصة، فتح الله والعلو، قد تألق بامتياز في الدفاع عن هذه المراجعة نحو الزيادة، ومر نص الزيادة تحت قبة البرلمان كما تمر الرسائل عبر البريد ما دامت المبادرة، في الأصل، قد جاءت من طرف البرلمانيين.
أضحى من حق البرلماني الاستفادة من 1000 درهم شهريا برسم كل سنة حمل فيها صفة برلماني، أي أنه سيتقاضى 5000 درهم (1000 درهم × 5 سنوات) لكل ولاية تشريعية و10 آلاف درهم (1000 درهم × 5 سنوات × 2) لولايتين تشريعيتين، وهكذا دواليك دون تحديد أي سقف، وقد يصل المبلغ المؤدى شهريا إلى 25 ألف درهم إن نجح الشخص خلال 5 ولايات تشريعية (1000 درهم × 5 سنوات × 5 مرات)، علما أنه قبل هذا التعديل كان النائب يتقاضى كمعاش 5000 درهم شهريا بخصوص ولاية تشريعية واحدة و7000 درهما شهريا بخصوص ولايتين و9000 درهم إن تعلق الأمر بثلاث ولايات تشريعية أو أكثر.
ومن المعلوم أن النائب أضحى ملزما بأداء 2400 درهما شهريا كتأمين للمعاش من أجره على امتداد فترة حمله لصفة برلماني، أما بعد التعديل، فأصبح يؤدي 2900 درهم شهريا، ونفس هذا القدر يؤديه البرلمان كتأمين المعاش على كل برلماني.
يستفيد البرلماني من معاشه بمجرد أن يفقد صفته كبرلماني، وإذا أعيد انتخابه بعد سنوات، يمكنه الحصول على معاشه مع الاستمرار في أداء تأمين المعاش.
علما أن أرملة البرلماني وأطفاله القاصرين لا يستفيدون من نصف قيمة المعاش كما هو الحال بالنسبة للوزراء أو الموظفين، وبذلك يتوقف معاش البرلماني مع وفاته، وهناك خاصية يمتاز بها البرلماني السابق خلافا لمختلف أنظمة المعاش الأخرى، وهي أنه يمكنه أن يمارس أي نشاط يذر عليه دخلا والاستمرار في الاستفادة من معاشه طول حياته.
اعتبر الكثيرون أن رفع معاش البرلمانيين إجراء لا شعبي بامتياز، بفعل أن أغلبهم هم عادة من ميسوري الحال، وذهب البعض إلى القول إن هذا الوضع يؤكد المثل الشعبي القائل: "زيد الشحمة...".

مفارقة غريبة حقا
يستفيد البرلمانيون المغاربة من تعويضات ضخمة ومعاش مريح مدى الحياة، وهي تعويضات مقتطعة من مال الشعب، لكن كلما جاء الحديث عن قضية الاستثمار يتم إبراز رخص اليد العاملة المغربية وتدني الأجور بالمغرب، ويقدم القائمون على الأمور هذه القضية كميزة أساسية لابد أن يدخلها المستثمر في حسبانه لاختيار الاستثمار ببلادنا، لأن اليد العاملة عندنا رخيصة وهو ما سيضمن لهم تكاليف أقل وأرباح أكبر، هذا في الوقت الذي أضحى فيه الاستثمار يستوجب يد عاملة مؤهلة، وموظفين مطمئنين على غدهم، ويبدو أن هذا الأمر لا يدخل في حسبان صناع القرار عندنا. والدليل على هذا القول إنهم لا يولون أي اهتمام للحفاظ على المغاربة المؤهلين من خلال توفير الشروط الضرورية المساعدة على بقائهم في الوطن وإنما يدفعون بهم إلى البحث عن أجور أفضل وحياة أفضل في الخارج، هذا في وقت كانت زيادة تعويضات البرلمانيين مبادرة صادرة من طرف الحكومة مما أثار الكثير من الشكوك.
وفي هذا الإطار صرح أحد المسؤولين بكندا قائلا: "... علينا أن نشكر المغرب لأنه وفر لنا طاقات بشرية تساهم الآن في تقدم كندا"، فكيف انقلبت الأمور، بلد لازال في حاجة لطاقاته، يصرف أموالا طائلة لتكوين طاقات ويهديها على طبق من ذهب لبلد أجنبي قصد الاستفادة منها توا.. وفي وقت لا يتأخر فيه على زيادة تعويضات البرلمانيين، إنها فعلا لمفارقة غريبة.
ومهما يكن من أمر، بالرجوع إلى التنويه برخص اليد العاملة من جهة، وبالافتخار بتمكين نوابنا من تعويضات مهمة لا يتماشى وسيرورة وتيرة إنتاج الثروات المضافة، نقول إنها مصيبة تخفي مصيبة أكبر منها.

الحكامة وترشيد "ميزانية" البرلمان
اهتمت جهات أجنبية بترشيد برلمان المغرب، وفي هذا الصدد خصص برنامج الأمم المتحدة للتنمية في صيف 2004 هبة قدرها 705 ألف دولار أمريكي (أكثر من 7 ملايين درهم)، وذلك لتحديث نهج التدبير البرلماني وعصرنة الهياكل والتنظيم الإداري وإحداث بنية للتوثيق والدراسات.
كما سبق للوكالة الأمريكية للمساعدة من أجل التنمية أن اقترحت إقامة لجنة مكلفة بدراسة "ميزانية" البرلمان، إلا أن النواب والمستشارين تحفظوا كثيرا بهذا الخصوص بحجة أنهم لم يفهموا الغاية منها. ورغم اجتماع حضره برلمانيون وكوادر من الغرفتين لم تر هذه اللجنة النور، علما أن الولايات المتحدة الأمريكية اقترحتها في إطار برنامج دعم النشاط البرلماني.
لكن يبدو أن برلماننا لا تهمه الحكامة ولا الترشيد، ومن مظاهر فهمه لهذه الإشكالية ما تجلى بمناسبة مناقشات الميزانيات الفرعية (قانون المالية لسنة 2007)، إذ تنافست الوزارات المختلفة في إطعام النواب، إما عبر ممونين يقدمون الوجبات الرفيعة بمقر البرلمان، أو باستضافتهم بأرقى الفنادق في العاصمة.
حسب العديد من المحللين الاقتصاديين، تستوجب الحكامة حاليا، إعادة النظر في تدبير السياسة الأجرية العمومية المعتمدة، وذلك عبر التقليص من الرواتب "الطيطانيكية" المخولة لكبار الموظفين والبرلمانيين والوزراء، وبإلغاء جملة من الامتيازات الجزافية، والتي تناهز 40 مليار درهم، منها 20 مليار درهم (50 في المائة) تستحوذ عليها الأجور الكبرى، وهو غلاف مالي من شأنه إحداث 40 ألف منصب شغل سنويا.
إن الحكامة البرلمانية الجيدة لا يمكن أن تتحقق إلا بتجاوز الدور التقليدي الذي يقوم به برلمانيو المغرب حاليا، ليهتموا بإعادة هيكلة السياسات العمومية المعتمدة، وهذا يتطلب رؤية واضحة المعالم ومعلومة المقاصد، وهياكل تنظيمية مرنة وشفافة، وكذلك برلمانيين ذوي كفاءة بإمكانهم تقييم المشاريع الكبرى وتثمين انعكاساتها على المواطنين.
وهذا يتطلب من البرلمانيين أن يكونوا على دراية في فهم الملفات الكبرى، فهل أغلب برلمانيي المغرب بمقدورهم وإمكانهم حمل هذه المواصفات؟

إلى متى سيظل هذا قدرنا؟
لا زالت مسألة الأجور والدخل بالمغرب هي جوهر القضية الاقتصادية - الاجتماعية وهدفها، أراد من أراد وكره من كره والسير نحو حلها هو الشرط الضروري لتأمين كرامة المواطن، وبالتالي وجب أن تكون على رأس سلم أولويات ممثلي الأمة والقائمين على الأمور.
وأول خطوة على هذا الدرب هي النظر وإعادة النظر في الرواتب الكبرى التي يتقاضاها البرلمانيون، باعتبارها لا تتناسب وسيرورة إنتاج الثروات المضافة وأن مصدرها هو ميزانية الدولة في وقت ما زالت فيه البلاد تشكو من معضلات اجتماعية بنيوية سائرة باستمرار في حشد آليات تهميش ملايين المغاربة واغتيال أحلام جزء كبير من الشباب وحرمانهم من شروط عيش كريم.
هذا في وقت تؤكد فيه جميع الدراسات الجدية أنه من المطلوب رفع مستوى الأجور المتدنية على الأقل ثلاث أو أربع مرات لكي تتناسب مع ضرورات المعيشة التي يحكمها مستوى أسعار مرتفع لا يتناسب مع الحالة المتردية للأجور والدخل لفئات واسعة من الشعب، وفي وقت تتحمل فيه خزينة الدولة ثقل عبء أجور الكثير من البرلمانيين الذين لا يجيدون إلا الغياب والتصفيق، دون إضافة أية قيمة مضافة إلى ممارستهم التشريعية.
لقد آن الأوان لصياغة سياسة أجور عادلة ومتوازنة، وكان من المفروض أن يصير هذا من المطالب الملحة للبرلمانيين الذين يغترفون من مال الشعب الكثير، لأن هذه القضية لا يمكن أن تحل باجراءات عابرة ومؤقتة من دون استراتيجية واضحة المعالم. إن الجهد المبذول لصياغة سياسات استراتيجية في مجالات النمو والاستثمار وغيرها، يجب أن يرافقه حتما بذل جهد حقيقي لصياغة استراتيجية أجور، وهو الشيء غير الموجود عندنا لحد الآن.
فماذا فعل البرلمانيون بهذا الخصوص؟ وماذا فعلوا بخصوص الشرخ القائم بين الأجور "الطيطانيكية" والأجور المتوسطة والدنيا؟ أم أن هذا الأمر لا يهمهم على اعتبار أن من شأنه أن يعصف بما اكتسبوه بالضغط؟
لكن على هؤلاء أن يعلموا أن التنمية، التي ظلوا يهللون لها تحت قبة البرلمان، تستوجب أولا إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والتوازن والاستقرار في المجتمع من أجل تحقيق تنمية اجتماعية.
وقبل هذا وذاك، لقد أضحى الآن واضحا، أكثر من أي وقت مضى، أنه لا يمكن تحقيق تنمية دون الإقرار بديمقراطية فعلية، وهذا يستوجب تمثيلا صادقا لإرادة الشعب في مراكز القرار، ويقتضي كذلك وجود آليات فاعلة وفعالة للمساءلة والمحاسبة في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة، سياسيا وإداريا وماليا وقضائيا. فهل أغلب البرلمانيين عندنا يمثلون فعلا إرادة الشعب؟
وهل الناخب عندنا يحاسب البرلماني والبرلماني يحاسب الحكومة، والحكومة تحاسب الإدارة عبر آليات الرقابة والتفتيش، والقضاء يحاسب الجميع على الالتزام بالقوانين والأنظمة؟
إنها أسئلة، أجوبتها معروفة لدى الجميع بالإدراك وبالمعاينة وبالمعايشة اليومية.
وخلاصة القول إن التنمية هي ضرب من ضروب الإصلاح والتغيير، والإصلاح والتغيير لا يستقيمان على مستوى التنمية الاقتصادية حصرا، فهما إما أن يكونا شاملين أو لا يكونا، وهذه معضلتنا بالمغرب والتي يتحمل فيها البرلمانيون، ممثلو إرادة الشعب، الجزء الكبير من المسؤولية.

هذا هو الواقع
لقد مر المغرب بالعديد من الانتخابات التشريعية، ونجح العديد من النواب، منهم من امتهن "مهنة برلماني" باعتبارها أضحت تذر الكثير من المال والامتيازات المادية والمعنوية، إذ أضحت السياسة عندنا تعني، أولا المكسب المادي عوض التضحية كما كان في السابق، لكن الانتخابات عندنا لم تصل بعد إلى تحرير إرادة الشعب المغربي والتسيير والتدبير العقلاني، فكل الانتخابات التي عرفتها البلاد تبين بجلاء أن الخطاب الرسمي لا زال يروج في عمومه الفكرة القائلة أن الانتخابات تفرز برلمانا يمثل الشعب، لكن الواقع المعيش يدل عن غير ذلك بالتمام والكمال، ونفس الشيء بالنسبة للحكومة، يقال إنها منبثقة من الانتخابات، وهي غير ذلك ولو ظلت تضم بعض الوزراء الذين ألفوا بالأمس القريب مجلدات نظروا فيها لأسباب التخلف وغياب الديمقراطية والتبعية للامبريالية والظلم الاجتماعي، وحيف نمط توزيع الدخل والثروات وأبدعوا فيها الأطروحة تلو الأطروحة، لكنهم سرعان ما تخلوا عليها بمجرد ما جلسوا على الكراسي الدوارة في مكاتب فاخرة يصرف عليها من مال الشعب، وكذلك الحال بالنسبة للنواب والمستشارين، الذين ينثرون الشعارات والوعود يمينا وشمالا، وبمجرد نجاحهم يخططون لتبرير غياباتهم من البرلمان أو طرق الاستفادة من القيلولة خلال حصصه حتى لا يحسب عليه الغياب، وهؤلاء يصرف عليهم من مال الشعب.
وهذا الواقع إن دل على شيء فإنه يدل على مسار أضحى مطبوعا بانتهازية النخبة وارتزاقها واسترزاقها، همها الأساس هو اللهث وراء الانتفاع والاستنفاع بأي ثمن حتى ولو دعا الأمر إلى التنكر إلى التاريخ.. وقد شجعت الأجور والامتيازات "الطيطانيكية" المسلمة للبرلمانين مسار امتهان البحث على النجاح في الانتخابات بأي طريقة باعتباره استثمارا مضمون الربح، راتب كبير ومعاش مريح، الشيء الذي ساهم إلى حد كبير في مناهضة تكريس المسار المتجه نحو تفعيل النائب الساعي لترسيخ جوهر الديمقراطية الحقة وليس ديمقراطية الديكور التي أضحت عندنا وسيلة مغرية للانتهازية والارتزاق والاسترزاق، ما دام كل شيء يؤدى من مال الشعب ومنه تغترف الأجور الطيطانيكية.

إشكالية التصريح بالممتلكات
اعتبارا لمتطلبات الشفافية، من المفروض أن يكون التصريح بالممتلكات إجباريا، لأنه وسيلة لتحصين البرلمانيين من أجل الحفاظ على المال العام، وصيانة المصالح العامة للدولة والمجتمع، لاسيما وأن الجميع يقر بالجرائم المقترفة في حق البلاد والعباد بفعل الفساد.
أعادت إشكالية التصريح بالممتلكات والتداعيات التي رافقتها مسألة تخليق الحياة العامة إلى الواجهة، علما أن هذا البروز تزامن مع تساؤل المغاربة عن مآل ملفات الفساد والاختلاسات المعروضة على القضاء، وعن أسباب التماطل في عرض تلك واستمرار الرغبة في التستر على أخرى رغم انفضاح أمرها بجلاء.
ومن المعلوم أن الملك محمد السادس صادق على مرسوم يقضي بعقد دورة استثنائية للبرلمان للنظر في مشاريع القوانين الخاصة بالتصريح بالممتلكات، وحسب المحللين، كانت بمثابة رسالة موجهة للرأي العام الوطني والدولي، بأن المغرب سائر بخطى ثابتة على درب ترسيخ دعائم دولة الحق والقانون وثقافة المحاسبة والحرص على حماية المال العام والتصدي للفساد، وذلك باعتبار أن هذا المسار خيار لا رجعة فيه.
إلا أن تلكؤ البرلمان في النظر إلى المشاريع المقترحة أفقد المبادرة جدواها ومدلولها، كأن البرلمانيين لا ينظرون في تخليق الحياة العامة مسألة قانونية وسياسية ودعامة من دعائم المواطنة، وكأن استشراء الفساد لا يسبب تعطيل المسيرة التنموية، وإذا كان البرلمانيون قد تلكأوا بهذا الخصوص، فما هم فاعلون بالنسبة لأجرأتها، باعتبار أن ما يهم الشعب ليس هو المصادقة على القوانين، بل ما يهمه أساسا هو كيفية تفعيلها.
فعلى نوابنا أن يعلموا أن التصريح بالممتلكات يعتبر عصب الشفافية في وقت فقدت جملة من المؤسسات الثقة في نظر المغاربة، اعتبارا لفقدانها للاستقامة والمصداقية، وعلى رأسها البرلمان.
يبدو أن جملة من النواب رفضوا مناقشة مشاريع القوانين المرتبطة بالتصريح بالممتلكات إلى حين تعميم المبدأ على كل المسؤولين الكبار، أو على الأقل هذا ما قالوا، علاوة على أن أغلب النواب لم يفهموا مغزى الاستعجال الذي تعاملت به الحكومة بهذا الخصوص، وأن الأمر لا يستوجب دورة استثنائية، وهناك أمور أهم وذات أولوية لم تفكر الحكومة في تخصيص دورة استثنائية لها. وكان من باب تأكيد المصداقية والرغبة في تخليق الحياة العامة، ومن باب إعطاء القدوة، الأولى للحكومة البدء بالإعلان خضوع أعضاء الحكومة والولاة والعمال والمدراء العامين في المؤسسات بالتصريح بالممتلكات، وذلك باعتبار أن كل فضائح نهب المال العام، سواء التي تم الكشف أو التستر عنها، مرتبطة بهذه الفئة من القائمين على الأمور دون سواهم، وهذا ما أقرته الأبحاث بخصوص الملفات المعروضة حاليا على أنظار القضاء، إذ تبين أنهم هم منبع الفساد.
لكن لماذا عرضت تلك المشاريع في هذا الوقت؟ ذهب الكثيرون إلى أن هذه المبادرة تخفي خلفيات انتخابوية، إذ تسعى الأغلبية الحكومية من ورائها إلى الظهور بأنها تعمل أكثر من غيرها من أجل تخليق الحياة العامة، وذلك على مقربة من الاستحقاقات القادمة.
فهل نوابنا ضد ترسيخ الشفافية مع تكريس مناطق الظل تحسبا لكل محاسبة ومساءلة؟ وهل رفضهم للتصريح بممتلكاتهم يعني أن "مهنة" البرلماني بالمغرب أضحت نشاطا لتنمية المصالح الذاتية والثروات الشخصية، وبالتالي وجب الحرص على سد كل الأبواب التي من شأنها الإحراج عند المساءلة والمحاسبة؟
ومما يدعو إلى الشك الكبير، هو أن معارضي مشروع قانون التصريح بالممتلكات أغلبهم محسوبون على الأغلبية الحكومية، علما أن الحكومة هي التي أخذت المبادرة لإعداد نصوص المشاريع، فهل هذا تعبير جديد على أن الأمر يتعلق بالدفاع عن مصالح شخصية ضيقة مادامت الأحزاب السياسية لم تقو على ضبط برلمانييها؟ فكيف يمكن فهم مناهضة ممثلي الأمة لترسيخ الشفافية؟ أم أن هذا التصرف، في واقع الأمر، يعكس فقط الاعتقاد السائد والقائل بأن السعي وراء صفة البرلماني، ليس هدفه الأول هو خدمة الصالح العام، وإنما اللهث وراء الحصانة والاستفادة من امتيازات لتنمية الثروات وخدمة المصالح الخاصة.
هذا في وقت يلاحظ المرء فيه حضور محاربة الرشوة والفساد في كل ما تتدعيه الأحزاب السياسية ببرامجها، علما أن هذه المحاربة تمر بالضرورة عبر التصريح بالممتلكات كأول خطوة للعمل بالشفافية، وكان من الأولى أن يكون البرلمانيون هم أصحاب القدوة بهذا الخصوص وليس العكس، لاسيما وأن ما ورد في التقرير الدولي الخاص بالرشوة والفساد لا يشرف بلادنا.
كان النواب قد رفضوا التصريح بالممتلكات اعتبارا لإعفاء الوزراء وأعضاء الحكومة من هذا الإجراء، لكن اليوم أقرت أكثر من جهة مسؤولة بأن هؤلاء أضحوا ملزمين بهذا التصريح؛ في واقع الأمر إن ما يخيف أكثر البرلمانيين هو الإجراء المترتب عن عدم القيام بالتصريح (الحرمان من الترشيح والعقوبات) والذي اعتبروه إجراءا قاسيا جدا، مقارنة بما هو مطبق على الفئات الأخرى من المسؤولين.
تابع

إدريس ولد القابلة



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثالثة
- من معضلات البرلمان المغربي
- تدبير الأزمات المركبة فن لا يتقنه الجميع
- ماذا عساي أقول ..؟
- عودة الإرهاب إلى المغرب
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الأولى
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثانية
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الثالثة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الرابعة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة الخامسة
- الأمير الذي كاد أن يصبح ملكا الحلقة السادسة
- مسارات الكتابة الروائية في تجربة عزت القمحاوي
- التصدي للإرهاب يستوجب فعلا الشمولية
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 1/3
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 2/3
- الانتحاري الذي فجر نفسه بمقهى الانترنيت 3/3
- جمهوريو المملكة 1/4
- جمهوريو المملكة 2/4
- جمهوريو المملكة ¾
- جمهوريو المملكة 4/4


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كم يكلف البرلمان المغربة؟ الحلقة الثانية