أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - نظرية الوردي ...لم تعد صالحة















المزيد.....

نظرية الوردي ...لم تعد صالحة


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 1884 - 2007 / 4 / 13 - 11:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مع اشتداد العنف في العراق ، كثرت مقالات في الصحافة يحلل أصحابها الشخصية العراقية بمفاهيم الراحل الدكتور الوردي ، عازين العنف فيها الى " صراع البداوة والحضارة " وقساوة الطبيعة وفيضان دجلة والفرات على ما يرى الراحل طه باقر .
لقد كانت تحليلات الوردي ممتعة ومدهشة ، وستبقى تراثا فكريا رائدا لعالم اجتماع فذ بقامة إبداعية باسقة . غير أن الفاصل الزمني بين ما عليه الشخصية العراقية الآن وما كانت عليه قبل نصف قرن ، وطبيعة الأحداث الكارثية التي شهدها العراقيون في العقود الأربعة الأخيرة ، تجعل الأسباب التي عزاها الوردي للعنف في الشخصية العراقية تتراجع لصالح أسباب أخرى أقوى وأشد تأثيرا .
ومعروف أن الوردي استند في تحليلاته على آراء ابن خلدون ( وعنه كانت أطروحته للدكتوراه ) وطّبقها على المجتمع العراقي بعقلية عالم اجتماع مبدع ، إلا أننا نرى أن العامل الرئيس للعنف في الشخصية العراقية لا يعود الى " صراع البدواة والحضارة " إنما يعود الى طبيعة " الصراع على السلطة ".
إن البذرة الولاّدة للعنف في الشخصية العراقية – التي نتجرع ثمارها القاتلة الآن – زرعت في أرض المشهد الكربلائي عام 61هج ، الذي يؤشر بداية الصراع على السلطة في العراق بعد ظهور الإسلام . فمنذ ذلك العام صارت في العراق جبهتان : جبهة السلطة وجبهة العامة من الناس ، كل واحدة منهما ترى نفسها أنها على حق والأخرى على باطل . فجبهة السلطة ترى أن الخليفة أو الملك أو السلطان إنما هو " حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده " . وأن " إمام غشوم خير من فتنة تدوم " . و أن " طاعة الأئمة = الخلفاء أو السلطة ، من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله " . وأنه " اذا كان الإمام = الخليفة أو الملك أو رئيس الجمهورية ، عادلا فله الأجر وعليك الشكر ، وإذا كان جائرا فله الوزر وعليك الصبر ".
وهكذا لوت السلطة الدين وجعلته في خدمة السياسة ، ورأت نفسها "لاسيما في زمن الدولتين الأموية والعباسية " أن حكمها إنما هو حق مفوض من الله ، وأنه حق مطلق لها مهما فعلت " = الدكتاتورية المطلقة بالمفهوم الحديث " . وانه ما على الناس إلا الطاعة والخضوع والصبر .
أما جبهة العامة من الناس فقد رأت في السلطة أنها مغتصبة للحكم ، وأن الإطاحة بها واجبة ، وأن القصاص من الذين ارتكبوا الظلم وخرجوا على تعاليم الدين واجب أيضا من أجل إقامة العدل .
ومن يومها نشأت قطيعة نفسية بين الجبهتين " السلطة والناس " دفعت كل واحدة منهما الى استخدام ما لديها من وسائل العنف والعدوان . فمارست جبهة السلطة القتل وإشاعة الخوف والرعب على أيدي قادة بينهم من كان طامعا في الحكم والثروة ، أو مصابا بعقدة الشعور بالنقص ، مثل الحجاج ، الذي يستمتع بسادية قطف الرؤوس ، وزياد ابن أبيه " = ابن زنا " الذي تكفل بالقضاء على كل العناصر المناهضة للحكم الأموي في العراق ، ولاقى العراقيون على يديه ألوان القتل والصلب والتقطيع والتمثيل ، التي تشفي لديه بعضا من عقدة مجهولية الأب!.
ويجمع المؤرخون على أن الشعب العراقي ، ومنذ المشهد الكربلائي ، تعرض الى ظلم واستبداد وجور لم يتعرض لمثلها شعب آخر . وأن السلطة ظلت تطحنه أكثر من ألف وثلاثمائة سنة . وكان أن توزع العراقيون بين حامل للسلاح محارب للسلطة ، وبين منافق مداهن متملق لها ، وبين( الياخذ أمي يصير عمي )، وبين عاجز يائس . إذ تذكر الروايات أن معظم العراقيين كانوا ، في زمن السلطة العباسية ، يذهبون كل ليلة تقريبا الى باب السرداب في مسجد سامراء يقرءون السلام على " صاحب الزمان " ويدعونه للخروج قائلين : " بسم الله ، يا صاحب الزمان أخرج فقد ظهر الفساد وكثر الظلم وقد آن أوان خروجك ".
وعلى الرغم من أن السلطات التي تعاقبت على الحكم في العراق كان بعضها يناهض بعضا ، " الأموية والعباسية، البعث والملكية ..." فأنها كانت في قطيعة نفسية مع العامة من الناس ، وإن بدرجات . فجميعها كانت تمارس العنف ببشاعة مع الخصوم . يكفي أن نشير الى أن السلطة في تاريخنا العربي والإسلامي تنفرد عن باقي السلطات في العالم أن في قصور حكامها خزائن كانت تحفظ بها رؤوس الخصوم !. وللتذكير فأن قطع الرؤوس ما كان من ابتكار أمراء الارهاب في العراق .فقد ذبح السلف ابن بنت نبيهم ، وطافوا برأس الحسين في أمصار العرب والإسلام ( إشاعة ثقافة العنف) . وقتل معاوية عمر الخزاعي ورفع رأسه على رمح من الموصل حتى دمشق، ثم رموا رأسه في حجر زوجته الرهينة . ورمى هشام بن عبد الملك رأس الإمام زيد بن علي في حجر والدته . ورمي رأس مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في حجر ابنته . ورمى أبو جعفر المنصور رأس إبراهيم أخي النفس الزكية في حجر والده عبد الله بن الحسن . ورمي رأس المعتز بالله في حجر جاريته . ورمي رأس ابن الفرات في حجر والده الوزير قبل ضرب عنق الأخير ... وكان هذا هو السبب الرئيس للعنف في الشخصية العراقية، الصراع على السلطة ، الذي يتقدم كثيرا على صراع البداوة والحضارة .
ونختلف مع فرويد القائل بأن الإنسان عدواني بطبعه ، وقبله المتنبي الذي سبقه بقوله : " والظلم من شيم النفوس فأن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ". وعدد من علماء الاجتماع الذين تتناغم آراؤهم في تحليلهم لطبائع البشر مع بعض علماء الوراثة القائلين بوجود " جينات " للعنف في الإنسان . فنحن نرى أن الإنسان – باستثناء حالات – ليس مجبولا على العنف . غير أنه يكون أشد ضراوة من الوحش حين يتعرض الى" الإحباط اليائس "...أعني عندما يعاق أو يحرم من تحقيق أهداف وإشباع حاجات يراها مشروعة ، مصحوبة بمشاعر الحرمان النفسي والاعتباري ، وبالذات عندما يدرك أنه أو جماعته يحصل على أقل من استحقاقه ، أو أن جماعته تحصل على أقل مما تحصل عليه الجماعات الأخرى .وكان هذا الإحباط ، وسببه السلطة ، هو الحالة التي عاشها معظم العراقيين من بدء الدولة الأموية الى عام 2003 .
وثاني هذه الأسباب ، أن اللاشعور الجمعي للعراقيين معبأ بالعنف ومبرمج من ألف عام على تشغيله في حل الصراعات ، ومشحون بالثأر والحقد . وأن العراقيين يستحضرون هذا الانفعال لاشعوريا في حل أزماتهم المعاصرة .
وثالث هذه الأسباب ، أن السلطة في العراق كانت بيد السنّة العرب من ألف وثلاث مائة عام ، فيما كان الشيعة في المعارضة . وأن ما حصل الآن هو تبادل للأدوار ، شبيه من حيث فعله النفسي بتبادل دور السيد والعبد . وهذا يعني أن العنف لابد أن يحصل في المجتمع المتعدد الطوائف والأعراق اذا انفردت بالسلطة طائفة أو قومية بعينها .
ورابعها ، إن وجود الأجنبي في أي وطن كان وبأي مسمى كان " محرر، محتل ..." يثير في ابن الوطن الإحساس بالذلّ والإهانة والتحقير والاستلاب ، وتستنهض فيه – بحتمية نفسية – مشاعر الكرامة وردّ الاعتبار ، تدفعه الى العنف ، ليس فقط ضد المحتل بل وضد من يستميلهم المحتل من الناس ، خشية أن يستفرد المتعاونون معه بالسلطة والمصالح . ويذكّرنا التاريخ بأنه حيثما حكمت بغداد أو احتلتها سلطة أجنبية ، ساد العنف كل أرجاء العراق .
وخامسها يذكّرنا بواقعة حدثت أيام احتلال العراق أيضا . فقد زار القائد العسكري البريطاني ( لجمن ) قبيل اندلاع ثورة العشرين ، المرجع الديني الشيرازي في النجف وعرض عليه أن يأتيه بمفاتيح روضة الإمامين في سامراء ( وهي بيد السّنة) ويعطيها للشيعة ، فرفض الشيرازي وعاد ( لجمن ) خائبا ، فبعث بطلب الشيخ ضاري وقال له : كيف تطيعون فتوى الشيرازي وهو مرجع للشيعة ؟ . فأجابه الشيخ ضاري : والشيرازي مرجعنا أيضا!. وهذا هو الموقف الذي نفتقده اليوم .
ويحاول الكتّاب الذين يجترون آراء الوردي تصوير المجتمع العراقي كما لو أنه شخصية واحدة . وتبسيطا نقول إن مجتمعنا الحالي فيه شخصيتان لا شخصية عراقية واحدة . الأولى : جيل تمثله شخصية آبائنا ، ونحن الكبار الذين عبرنا النصف قرن ، يجاهد بالتمسك بقيم أصيلة ( الشرف ، النخوة ، التكافل الاجتماعي ، الخوف من العار وفعل الحرام... ). والثانية : جيل ، ولّد في حرب ونشأ في حرب ويعيش الآن أكثر من حرب . وأن هذا الجيل المتشبع بثقافة العنف المعجونة بالإحباط ، والذي يشكل أكثر من 60 % من المجتمع العراقي ، ليس له علاقة تذكر بصراع البداوة والحضارة التي تجترها الصحافة عن الوردي في تحليل العنف في الشخصية العراقية .
وثمة معلومة شخصية لها دلالتها . فقد كنت التقيت الوردي في بيته عام 89 في لقاء صحفي حرصت أن يحتل كامل الصفحة الأخيرة التي كنت أحررها في جريدة ( الجامعة ) . وتوطدت علاقتي به . وكنت لاحظت انه في الحلقات النقاشية التي تدور حول موضوعات اجتماعية ، كان يتحدث لدقيقتين أو ثلاث ثم يقول " اعتذر لاصابتي بوعكة صحية " فهمت منها أن الرجل كان " مرعوبا " من صدام حسين . والحق معه . فصدام أطعم كلابه المفترسة لحم أقرب الناس إليه ، فكيف بشخص اسمه علي ، من بيت الوردي ..وعالم اجتماع له كتاب عنوانه " وعاظ السلاطين !.".



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظفر النواب
- المرأة موضوعاً شعرياً في الابداع العربي - مشاعر وجدانية قدمت ...


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - نظرية الوردي ...لم تعد صالحة