أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - رابطة المواطنه















المزيد.....



رابطة المواطنه


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1877 - 2007 / 4 / 6 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:
لقد تغيرا لعالم اليوم من حولنا بوجوهه الثلاثه :المعرفة ،والثروة،والسلطة العالم يتغير على الصعيد الواقعي وعلى صعيد الأفكار تغير المشهد الكوني على نحو تغيرت معه جغرافية العقل وعلاقات القوى بقدر ما تغير نمط العيش ومنظومة التوصيل فأصبح دور المثقف تشخيص الواقع بلغه مفهومية أو المساهمة في بلورة قيم مشتركه ومعيارية تبادلية
وأصبح الفكر يرفض الشمولية، مركزا على الجزئيات والهوامش المحددة والمحلية. ينبذ اليقين المعرفي برفض المنطق التقليدي القائم على تطابق الدال والمدلول أي تطابق الأشياء والكلمات .إذ يلح فكر ما بعد الحداثة على إسقاط نظم السلطة الفكرية الحديثة على إسقاط نظم السلطة في المجتمع ،في الجامعة في الآداب والفن وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية ،والاحاطة بمشروعية القيم المفروضة من قبل الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية كافة.الذي هو أول من حاول تفكيك مؤسسة الحقيقة وضرب مفهوم المطابقة بقراءته للخطابات الفلسفية والماورائية ،كشبكات المجاز والاستعارة أو كألاعيب القوة والرغبة أو كشفرات الأعراض والعلامات أو كافخاخ فجوات النصوص وخدع الكتابات .
لكن التفكير في الحداثة والتحديث السياسي في العالم العربي يتطلب جهوداً بحثية جماعية مركبة، يتم فيها الاهتمام بالفكر مترجماً في المشاريع الإصلاحية وبرامج التحديث، كما تتم فيها العناية بجوانب الممارسة الفعلية التي يفترض أنها تترجم بطريقة أو بأخرى نوعية الاختيارات المفكر فيها، لتبني بلغة الواقع والتجربة أنظمة السياسية وأنماط التدبير السياسي
أما الحداثة السياسية فإنها تقدم في نظرنا أفقاً في النظر والعمل يُمكِّن العرب في حال بنائه وإعادة بنائه من تهديم أوثانهم القديمة والجديدة، ويسعفهم بتقويض دعائم الاستبداد السياسية، ومختلف أشكال الحكم المطلق، بهدف فسح المجال أمام مُختلف المبادرات القادرة على تطوير نظرنا السياسي في مجالات السلطة والسياسة والحكم، حيث يصبح من الممكن إبداع فكر سياسي جديد مطابق لطموحاتنا المتعلقة ببناء حياة مشتركة متكافئة وعادلة. ويحقق مفهوم الشراكة السياسية والاقتصادية في بناء الوطن وإدارته تقتضيان إلغاء كل أشكال الإقصاء والتمييز‏,‏ والشفافية في الإدارة وتسيير الشؤون العامة‏,‏ ووجود عقد اجتماعي‏-‏ سياسي ينظم العلاقة بين مختلف الدوائر والقطاعات‏,‏ حتى تنتظم جميع الكفاءات الوطنية في مشروع البناء والعمران‏.
* * *
الواقع العربي والديمقراطية:
فن الواقع الذي عاشه العرب ، هو جزء من أنموذج ساد الشرق الأوسط والعالم الثالث عامة ، حيث ان نظام الحزب الواحد المبني على مفاهيم عضوية :طائفة أو قبيلة ، قد فشل بشكل كبير في توفير الرفاهية لمواطنيه تحاول إسباغ الشرعية عليها عبر ادعائها الديمقراطية ولتحقيق ذلك فان الملاحظ لكن الملاحظ من تلك التجربة في تطبيق الديمقراطية بأنها تتصف بما يلي:
1ـ اختزال التجربة الديمقراطية بعزلها عن العمق الشعبي وجعلها مجرد تجربة لا تجد أي تأثير لدى القاعدة الشعبية .
2ـ سطحية وهشاشة التجربة الديمقراطية بوصفها نظرية سياسية في الواقع العربي، مما حولها إلى مجرد ديمقراطية شعارات استهلاكية .
3ـ غياب المؤسسات الدستورية ، تحت وطأة الدول السلطوية الاستبدادية ، التي تكرس حكم الفرد في مقابل حكم الأغلبية ، وقانون الرئيس أو الزعيم أو القائد على حساب حكم ألجماعه آو المؤسسة ، أو الأحزاب .وهذا ما ظهر في الشكل " الكاريزما نية ".
4ـ تأسيس الثقافة الديمقراطية وجعلها ثقافة تبشيرية للنظام الحاكم ، بدل تثقيف السياسة الديمقراطية ، بإسناد مهمة تطبيقها ورعايتها وتعميق مفاهيمها لدى أبناء المجتمع كي تنمي فيه روح ألحاجه إلى الديمقراطية الصحيحة وتخليص الديمقراطية من كل أساليب التزييف(1)
5ـ تكريس غياب الديمقراطية في الحياة السياسية العربية هو استبعاد منطق التعددية السياسية بحجة إن هذه التعددية تؤدي إلى تكريس الخصوصيات في حين المطلوب دمج هذه الخصوصيات في ورقة ألدوله لكن كل المحاولات القسرية لم تؤد إلى انصهار الخصوصيات في بنية ألدوله وبالتالي العجز عن تحقيق دوله ألمواطنه (2)
6ـ إن أدق تعريف للنظام السياسي الممارس في أدبياتنا السياسية ،انه نظام لا عنوان له . فهو مزيج من العشائرية ، والطائفية والقبلية والجهوية ، والمذهبية ، والسلطوية ،والديمقراطية والجمع بين هذه فالاستبداد آفاقه ممثلة في السلطوية ، وغياب المراقبة على الحاكم ، ومزاجية الحكام وتهميش الكفاءات وإقصاء النزهاء وغير ذلك من آفات الحكم المستبد (3)
7- إقصاء باقي المكونات من المشاركة في إدارة السلطة بل الذي نراه هيمنة طائفة أو حزب اوعشيره على مقاليد الحكم، والعمل على احتكار السلطة من قبل تلك الجهة ألحاكمه،وإخضاع الآخرين لها.
كما إن للديمقراطية عناوينها من الدستور ومؤسسات ومحاكم وانتخابات ونواب وحكومات وصحافة ولكنها عناوين أفرغت من محتوياتها وهذا الأمر انعكاس إلى لتلك البنية العصبيويه التي تقوم على الإقصاء والتمويه وإبقاء الكل في حالة صراع فهدف السلطة لذتها داخل العصبية الواحدة ،أو مع باقي العصبيات، عبر خلق تحالفات مع بعضهما ضد بعضها الأخر وسرعان ما ينتهي هذا التحالف بمجازر دموية تعمق الصراع حول المناصب وتوغل في الإقصاء لقد أقامت تلك السياسة الاقصائية بإنتاج الرفض الفكري من الكثيرين " المفكرين "الذين تم زجهم في المعتقلات لأنهم يعارضون أفكار السلطة،هذا قاد السلطة إلى إنتاج العنف المضار الذي كان يشكل رفضاً لسياستها لعل التكثيف الذي قدمه المفكر "حسن حنفي" البليغ في وصفه العلاقة بين الدولة والموطن " فالدولة في ذهن المواطن هي الشرطة والمواطن في ذهن الدولة هو العاق أو الخائن أو العميل(4)." ويصف أدونيس حالة الشعب(لفرط ما يعيش الناس في مجتمع مغلق، فقد غدوا هم أنفسهم مغلقين .لفرط ما يعيشون في مجتمع دونما ثقافة.. إن مجتمعا حيا لابد له من أن يكون ديمقراطياً)(5) .
لهذا تبحث تلك الحكومات عن الآليات والوسائل التي تمهد لها تحقيق حيازة الشرعية وهذا لا يتحقق إلا عير صياغة رأى عام ( فان الرأي العام الذي تبلوره وسائل الاتصال هو ذلك الرأي الذي تؤسسه الدولة ، أي المؤسسة السياسية ، وفق ما يخدم المصالح الآنية والمستقبلية )(6)
وقد عمق هذا الأنموذج حالة الضياع في مجتمعنا ، إذ كان المجتمع يفتقر إلى بنى عصرية ، وتوزيع منطقي للثروة الوطنية ومستوى لائق للحياة … في ظل تلك التركة والقمع البوليسي ، والتهجير والإقصاء ، وتشوبه الذاكرة الجمعية عبر التزوير التاريخي والاجتماعي بخلق ممارسات ديمقراطية زائفة وكاذبة وبخلق مخيال سياسي زائف يتخذ من الرئيس الفرد محور الرغبة ،إذ يتم إسقاط كل الصفات الايجابية عليه ويسقط السلبية منها على أعدائه ، وقد دخل هذا التزييف في ميدان التربية والتعليم والأعلام حتى تم تزييف الوعي لدى الكثير من الذين مسخت شخصياتهم سواء بعلم منهم أو بدون علم .
في وقت وصف المفكر الإسلامي( بن نبي) في عام 1960،وصف الديمقراطيه خلال الإجابة على سؤال "هل في الإسلام ديمقراطية؟" مشيراً إلى أن تعريف مفهومي الإسلام و الديمقراطية بالطريقة التقليدية قد يؤدي إلى استنتاج عدم وجود علاقة بينهما من حيث التاريخ والجغرافيا، منبهاً في ذات الوقت إلى أن تفكيك المصطلح في معزل عن محموله التاريخي وإعادة تعريف الديمقراطية في أبسط أشكالها تحريراً من القيود اللغوية والأيديولوجية قد يوصل إلى استنتاج مختلف. ورأي أنه ينبغي النظر إلى الديمقراطية من ثلاث زوايا: الديمقراطية كشعور نحو ال- (أنا)، والديمقراطية كشعور نحو الآخرين، والديمقراطية كمجموعة من الشروط الاجتماعية والسياسية اللازمة لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد. فهده الشروط ليست من وضع الطبيعة ولا من مقتضيات النظام الطبيعي، على خلاف ما تتصوره الفلسفة الرومانتيكية في عهد جان جاك روسو، بل هي خلاصة ثقافة معينة وتتويج لحركة الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان، تقديره لنفسه وتقديره للآخرين.(7)
هذا التعريف يكشف ألاهمية والحاجة إلى الديمقراطية في ظل هذا التحول الذي نعيشه من الحكم الفردي الاستبدادي إلى الديمقراطية ، يتطلب الأمر مزيجا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والضمانات الأمنية … وهكذا ظهرت مؤسسات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان ، وتطبيق التعددية والديمقراطية ومناقشة الدستور … الخ .وبالتالي نحن إزاء إشكاليه سياسية تمثل عقدا اجتماعيا وسياسيا جديدا توزع إلى الثنائيات آلاتية:الديمقراطية /مقابل الاستبداد والهوية ألوطنيه/ مقابل ألهويات ألمحليه، وهنا يتطلب منا إن نحاول الأتي:

أولا:- تحديد مفهوم ( المجتمع المدني ) ومفهوم ( حقوق الإنسان ) ومفهوم ألمواطنه، لان هذه المفاهيم تاريخيا ارتبطت بإشكاليات معرفية واجتماعية وسياسية ، واقتصادية متباينة ، فهما في الغرب كانا يعنيان شيئا ثم اصبحا في أوربا الشرقية شيئا أخر بسبب تغير الظرف ، ولابد من تحديدهما بالنسبة إلينا لحاجتنا إلى توظيفهما في أغناء حياتنا الاجتماعية والسياسية الجديدة ألان .
ثانيا:- إرساء آليات الحوار الاجتماعي والتعدديه الفكرية عبر إرساء ثقافة الحوار "التسامح" إن الحديث عن الحوار يعني الحديث عن الآخر الذي يمثل طرفا يمكن أن يشكل قطبا في الجدل الفكري إذ لا يمكن أن يتم التعامل معه على انه مجرد صدى للذات عندما يتم إجباره على تلقي الأفكار دون اعتراض أو انفعال بل إن الحوار هو تفاعل تكاملي تجد فيه ألذات طريقة لعدة مستويات .
ضمن ألنقطه الأولى: فإن مفهوم المجتمع المدني كما عرض ( عزمي بشارة ) قد مر بأشكال متباينة بحسب الإشكال السياسي وكما يلي :
أولا- في أوربا الغربية حيث نلاحظ أمرين ، أولها : النمو التاريخي ، وثانيها : الواقع الأوربي الغربي المعاصر ، قد أضافا إضافات دخلت على المفهوم ،

1- فمن حيث النمو التاريخي :
أ- ظهرت أراء متنوعة تصب في خدمة النظام السياسي أو السلطة المهيمنة فيه ، ومن هنا جاء تصور ( هوبز ) في ظل الملكية يحدد المفهوم بالعلاقة بين المجتمع من ناحية والدولة من ناحية أخرى ، تلك العلاقة المفسرة بالعقد الاجتماعي ، الذي يتنازل فيه جميع الأفراد عن كافة حقوقهم . ومن هنا يظهر أن المجتمع الوحيد الممكن كمجتمع مدني هو : الدولة ، وهذا التأمل كان يهدف إلى إسباغ الشرعية على السلطة المطلقة للملك . لكن عندما ظهرت البرجوازية ، ظهرت أفكار مختلفة عن المجتمع المدني إذ تم استبعاد التصور السابق بظهور تصور مجتمع قادر على تسيير ذاته في حالة طبيعية متخيلة دون الحاجة إلى دولة وذلك هو تصور ( جون لوك ) . لكن سرعان ما عادت الدولة مع ( هيجل) بعد أن استوعب المجتمع المدني في داخلها كنفي ديالكتيكي ، وكمرحلة من مراحلها ، وكتجديد من التجديدات التي تركب في عينيتها الدولة الحديثة ،(8) عزمي ابشاره،ص إلا إننا نلمس من الناحية الفكرية إن هناك بناءً ثلاثياً (ألمواطنه،الدولة،المجتمع المدني) في النظرية الليبرالية إذ أمعان النظر في النصوص المؤسسة للمرجعية الفكرية لهذه المفاهيم تكشف لنا عن السياقات التاريخية الشروط الاجتماعية الموضوعية التي أنتجت المنظومة السياسية بوصفها منظومة الأكثر ارتباطا بمفهوم المجتمع المدني وعلاقته بمفهوم ألمواطنه الأكثر ارتباطا بمفهوم المجتمع المدني وعلى هذا الأساس نجد الترابط والعلاقة المتبادلة بين هذه المفاهيم وعلى هذا الأساس نلاحظ إن هناك فرقاً كبيراً بين ألمواطنه والرعية إذ ترفض وجهة النظر الليبرالية أن يعامل الفرد- المواطن في الدولة كأحد أفراد الرعية التي واجبها الطاعة فقط فان وجهة النظر هذه تضع مفهوم المواطن ضمن البنية الفكرية التي تبلور من خلالها مفهوم الدولة الحقوقية والحرية الفردية.وأيضا ثمت تداخل بين ألمواطنه والمجتمع المدني إذ تعود هذه العلاقة المتداخلة والمترابطة بين مفاهيم ألمواطنه والمجتمع المدني إلى الخلفية الفكرية للفلسفة السياسية التي بلورتها نظرية التعاقد الاجتماعية بوصفها مخالفة لنظرية الحق الإلهي والسلطة المطلقة.,وهناك أيضا فصل بين الدولة والمجتمع المدني إذ ظهر تميز بين المجتمع المدني والدولة إلى القرن الثامن عشر فقد كتب آدم فرجسون"مقال في تاريخ المجتمع المدني "سنة 1767،حيث صور المجتمع المدني عبارة عن انتقال من بربرية حيث الحياة رعوية إلى مجتمع متحضر فيكون الفرق مواطنا وعندئذ أصبح مفهوم المواطن هو المؤسس لفكرة المجتمع المدني ولدخول الحداثة السياسية وفي هذا الإطار جاء كتاب توماس باين"حقوق الإنسان سنة 1791. (8).أن تطور مفهوم المجتمع المدني مرتبط -كما سبق- بتطور بمفهوم ألمواطنه ،وقد قال "روسو"(لن نصبح بشرا إلا إذا أصبحنا مواطنين لان الدولة الديمقراطية هي الدولة التي تحترم مواطنيها وتدافع عن أمنهم وتوفر لهم الفرص،وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات دون التميز دينيا أو عرقيا.فعلى هذا الأساس تصبح مقولة ألمواطنه المقولة المركزية والحاسمة للمجتمع المدني إذ مقولة ألمواطنه والانتماء إليها إذ تحل محل ألهويات ألمستمده من قطاعات المجتمع الأهلي دينية كانت أم طائفية أم جهوية .أن وجود المجتمع المدني وفعاليته تشعر المجتمع أن هناك بديلا وظيفيا معقولا للتكوينات الارثية التقليدية،ولابد أن يؤدي ذلك تدريجيا إلى تقوية الولاء للتكونات الحديثه وصفات الولاء للتكوينات التقليدية التي ستقلص وتصبح اقل جاذبية للمواطن(9)
ب- حيث العلاقة بين المجتمع المدني والدولة هي علاقة يتحول فيها مفهوم ( المجتمع المدني ) إلى غياب في ظل التيار الفاشي والفكر الاشتراكي ، بل حتى مع انتظار الليبرالية الديمقراطية فقد زالت أيضا في الفكر الديمقراطي الجمهوري الحاجة إلى مفهوم ( المجتمع المدني ). لكن المجتمع الغربي قد تعرض لعدة هزات أعادت الحياة إلى فكرة ( المجتمع المدني ) سواء في المعارك النقابية الكبيرة أم في الحركات المعادية للاستعمار في مرحلة التحرر الوطني وفي الحركة التسوية أو حركة السلام والبيئة وفي الثورة الثقافية في الستينات . وقد جمعت العناصر السابقة داخلها ضمن هذه التغيرات ، ظهر حيز عام يضع ذاته خارج آليات السوق الرأسمالي ، وخارج آليات الدولة ، ففي حالة الدولة الرأسمالية المتطورة التي عرفت بتوفير الرفاهية للإفراد كان ينمو مفهوم متميز للمجتمع المدني يتمثل في إمكانية الانضمام إليه على أساس طوعي ( تعاقد) بمشاركة تقوم على أساس الحوار ، الذي لا يهدف إلى الربح ، بل ينطلق من فهم معين للحيز العام في الصحة والبينة .
إن المشكلة التي دفعت أوربا الغربية إلى إنتاج هذا الفهم للمجتمع المدني ، تقوم في الدول الرأسمالية ، ليس على أساس مجرد الحاجة لوضع حدود للدولة والاقتصاد فحسب ، وإنما تقوم على حل مشكلة متأخرة غير قائمة بهذه الحدة في المجتمعات ، التي مازالت تعتمد في تلاحمها على البنى العضوية ( الطائفة) والعشيرة …. الخ ) أكثر مما تعتمد على التعاقد المفترض .
2-الواقع الأوربي الغربي المعاصر : قد أضافا إضافات دخلت على المفهوم ،إن هذا التصور للمجتمع المدني ظهر بسبب تدني المسؤولية تجاه الحيز العام في سلوك الأفراد ، أما في أوربا الشرقية ، فالأمر يختلف بسبب اختلاف المشكلة المتمثلة بهيمنة الدولة على كل مقدرات المجتمع في ظل الفكر الشيوعي ، حيث عاد ( اراتوArato) الذي أحيا مفهوم ( هيجل ) عن المجتمع المدني ، من اجل تطوير مفهوم ( هابر ماز ) حول ( الحيز العام ) ، وهو يتعلق بالروابط والمؤسسات التي ينظمها المواطنون في وقتهم الحر ، وهي ليست اقتصادية بالضرورة ، كما أنها ليست تابعة للدولة ، وهي ما أراد ( اراتو ) أن يشدد عليها في بحثه عن المجتمع المدني ضد الدولة في ( بولندا) ، إذ كانت هذه مجرد محاولة لتطوير موقف أخلاقي خارج نظام الدولة الشيوعية في أوربا الشرقية .

وبهذا نجد انتصارات المفهوم متباينة بحسب المشاكل ، التي يتعرض لها كل شعب ، ففي أوربا الغربية تغير التصور بسبب تغير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ،بفعل هيمنة الدولة البرجوازية على مقدرات تشكيل الوعي الجمعي والذاكرة ، فهي على الرغم من أنها أطلقت على نفسها (دولة الرفاهية ) إلا أنها أسهمت في الاغتراب وغياب الوعي الجمعي مما أدى إلى تحديد مفهوم ( المجتمع المدني ) بما يتعلق بالاغتراب للفرد والتعاون الاجتماعي بعيدا عن الدولة . أما في ظل الوضع البولندي فان الأمر يتعلق بالجانب الاقتصادي والمطالبة بالحرية الاقتصادية واقتصاد السوق ، في ظل هيمنة الدولة على المقدرات الاقتصادية
3- وضعنا العربي والعراقي "والمجتمع المدني والمواطنة" :
الحالي المشكلتان معا هيمنة الدولة الاستبدادية ومشكلة الهيمنة الاقتصادية، ولهذا فسيكون دور الدولة في البناء معقدا، لا يمكن أن يخطو إلى الأمام عن طريق إقامة الديمقراطية الشكلية بشكلها الغربي ، فذلك أمر لا يمكن أن يكتب له النجاح في التطبيق في العراق ، دون أن تكون قائمة على معالجة الجوانب الاجتماعية وتجاوز المشاكل الاقتصادية . إذ لا بد ان يكون للدولة دور في بناء المجتمع وإصلاح المشاكل ، التي خلفها النظام الفردي ، الذي قضى عل ابسط مقومات المجتمع المدني ، وحقوق الإنسان ( المواطنة) ، وتلك هي البوابة إلى أعادت الاعتبار إلى بناء الدولة العصرية الجديدة ، بثقة لدى العراقي ، التي أسسها استنبات الديمقراطية انطلاقا من المعالجة الاجتماعية القائمة على حقوق الإنسان .وحقوق الإنسان منجز حديث كما يراه ( محمد أركون )(10) ظهر مع الحضارة الغربية الحديثة ، وانتقل إلينا بـ ( استخدام الخطاب القومي السائد بعد الاستقلال ، الباحث عن إعادة الهوية والشخصية ،من اجل تمرير منتجات الحداثة التي اضطرت الدول الإسلامية إلى استعارتها من الغرب ، وربما لأنها لا تستطيع أن تستعيرها كما هي ، فأنها خلعت عليها الغطاء الإسلامي، لكي تكتسب مشروعية ، وتصبح مقبولة في نظر الجماهير ، فحقوق الإنسان ، اختراع غربي أو إنتاج العصور الحديثة في الغرب ) ، بفعل مشروع الحداثة الغربي وانعكاس لما عاشه المجتمع في الغرب من اجل مقاومة الخروقات بحق الإنسان ، ولعل هذا يظهر فيتصور مفهوم ( المواطنة – الدولة ) حيث يركز الفكر السياسي اهتمامه كليا على الحماية القانونية والمادية ( للفرد – المواطن ) وهذه الحماية تجد جذورها في تحقيق تلك الحقوق .

وبهذا نجد الترابط بين مفهومي ( المجتمع المدني ) و(حقوق الإنسان ) واضحا عندما تراعي الدولة الحقوق المدنية والسياسية المرتبطة بالحريات العامة . إذا توفرت الحرية والعدالة‏,‏ توفرت عناصر العقد الاجتماعي الحقيقي‏,‏ الذي يحافظ علي الاستقرار ويعمق عوامل الأمن الشامل‏.‏ فتتوفر كل العناصر المطلوبة لمفهوم المواطنة الحقة‏.‏ فلا مواطنة بدون حرية وعدالة‏,‏ فهما طريق خلق المواطن الصالح المدافع عن منجزات وطنه ومكتسباته‏,‏ والمدافع عن ثغوره وحدوده‏,‏ وهو الذي يكافح باستماتة من أجل عزة الوطن وتطويره‏.‏ فالإنسان المقموع والمضطهد في وطنه‏,‏ لا ينمو لديه حس المواطنة بشكل إيجابي‏,‏ وذلك لأنه باسم الوطن يضطهد ويقمع‏,‏ وتحت علمه وشعاراته الوطنية تهان كرامته وتنتهك حقوقه‏.‏ لذلك فإن طريق المواطنة هو الحرية وصيانة حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته الإنسانية‏.‏ إن هذه القيم والمبادئ‏,‏ هي التي تخلق عند الإنسان الحس الوطني الصادق‏.‏ وبدون هذه القيم‏,‏ تضيع المواطنة‏,‏ وإذا ضاعت المواطنة ضاع الوطن‏.‏لذلك لا وطن عزيزا بدون مواطنة عزيزة‏ ‏(11)
ودور المجتمع المدني دور مهم في تمتين الهوية والولاء الوطنيين ورفع مستوى المشاركة الشعبية في الحياة السياسية والاجتماعية.وبدون المجتمع المدني تتفرد الدولة بالمجتمع لتفرض سيطرتها واستخدام آليات القسر ،ولهذا عواقب منها ازدياد قبضة الدولة المسيطرة على مقدرات الأمور المالية يؤدي إلى شعور من اللامبالاة السياسية والتفعيه المادية المباشرة عند أوساط واسعة من الجماهير ويودي أيضا إلى تغيب وسائل المراقبة والشفافية والرقابة الإعلامية يؤدي إلى انتشار الأخلاق النفعية وانهيار عملية التغير,وأيضا إلى حلول الأواصر المحلية مما يودي إلى تهميش دور الفرد وإحلال الأنظمة الاستبدادية؛ فالاستبداد لا يخلق وحدة‏,‏ بل تشظ وتفتت وانزلاق نحو الحروب الداخلية المميتة لكل حيوية وفعالية باتجاه الوحدة ومتطلباتها السياسية والاجتماعية‏.‏( مما يجعل الفرد يبحث عن ذاته تحت مظلة ألهويات المحلية وهذا يؤدي إلى انشطا ر جسم المجتمع ،وبالتالي يقود إلى إحلال العلاقات العصبوية محل العلاقة "ألمواطنه"ذات السمة المدنية والتطوعية والتعاقدية والحقوقية).(12)
من هنا تكمن أهمية توظيف المفهومين لكن مع ضرورة مراعاة دور الدولة في تحدي مهامها داخل المجتمع العراقي ، أن يكون لها دستور يقيد سلوكها ، ويحدد لها المهام ، مثلما يؤكد على ضرورة أن يكون لها دور في إحداث تغيير اجتماعي يسعى إلى تحقيق الرفاهية للمواطن من خلال الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية ، المرتبطة بتطبيق الديمقراطية ، لان الديمقراطية الشكلية على الطريقة الغربية التي تقيد الدولة وتحد من مهامها الإصلاحية ، غير ممكنة ذلك بان مجتمعنا بحاجة إلى الإصلاحات المذكورة أنفا التي تقوم بها دولة تكون بدورها مقيدة بالدستور ( أي دولة قانون ) . فأن النظام السياسي والاجتماعي المرن والمتسامح‏,‏ يتمكن من توظيف الشعور بالتميز لدي المجموعات البشرية‏,‏ في بناء الوطن وإزالة كل عناصر التوتر‏..‏ أي أن الديمقراطية تجعل دور التميز دورا وحدويا‏,‏ اندماجيا‏,‏ بعيدا عن كل أشكال التقوقع والدوائر المغلقة‏.‏ وكل هذه الأمور من القضايا الحيوية لصناعة القوة في الوطن‏.‏ ويخطيء من يتصور أن القهر والاستبداد والأساليب الأمنية المختلفة‏,‏ هي القادرة علي خلق المواطنة وحالة الولاء الصادق إلي الوطن .

إما ألنقطه الثانية : في ثقافة الحوار "التسامح" إن الحديث عن الحوار يعني الحديث عن الآخر الذي يمثل طرفا يمكن أن يشكل قطبا في الجدل الفكري إذ لا يمكن أن يتم التعامل معه على انه مجرد صدى للذات عندما يتم إجباره على تلقي الأفكار دون اعتراض أو انفعال بل إن الحوار هو تفاعل تكاملي تجد فيه ألذات طريقة لعدة مستويات .( انطلقت الحاجة إلي الحوار‏,‏من قاعدة مفادها أن هناك حاجة موضوعية للتواصل بين الأطراف المتحاورة وذلك بعد أن اختبرت البشرية‏,‏ وعلي مدي زمني طويل‏,‏أساليب ووسائل صراعية تعددت أسبابها‏,‏ فمنها ما كان اقتصاديا واجتماعيا ومنها ما كان سياسيا أو كل ذلك معا‏.‏ إلا أن تعدد الأسباب أكد تاريخيا أن المصالح‏,‏ هي جوهر الصراع)(13)
الأول : محاولة دراسة إلية الإرسال والتلقي حيث تقترض من هذه الإلية أن يكون هناك قطبان يتناوب كلاهما بين أن يكون الأول مرسلاً لأفكاره فيما يكون الآخر متلقياً لهذه الأفكار وخلال ذلك يمارس عملية امتحان تلك الأفكار حتى يجد صداها في ذاته هذا على مستوى التلقي الذي يجب أن يحسن الإصغاء مثلما على المرسل أن يحسن تنيظم أفكاره ويعتمد أحسن السبل التي تحترم محدثه وتعتز بأفكاره وتعتمد الطريقة واللغة التي تدخل إلى ذاته بأقصر السبل .

والثاني : أن يكون هناك محور للحوار وان تكون هناك مشكلة ينصب الحوار في إيجاد حلول لها ، لا أن يكون الحوار مفتقراً إلى القصدية معبرة اذ القصد ينساب من فكرة إلى أخرى بدون رابطة فيجعل منه مجرد حوار هدفه التسلية وليس المثاقفة والتكامل الحواري الذي يقود إلى نتيجة .

والثالث : أن يكون الحوار قائما من اجل غاية هي المعرفة وبعيداً عن الأفكار المسبقة التي يحاول كل طرف أن يجبر محدثه إلى الاستماع إليه ، وكأن المتحاورين عدوان يمارسان المبارزة بالكلام بدل السيف الذي يعوض عنه اللسان .فهذه المستويات وليدة ارتهان ألذات إلى قيم حوارية صراعية بعيدة عن التثاقف الفكري .
الرابع : أن الحوار لا يعني فقط الحوار الثنائي بل أيضا الحوار الذي عبر القراءة وعبر الاختيار فان القارىء الذي يعيش حياة الأخر حتى ولو كان غربيا أو التراث فانه بكل الأحوال يعيش رهانات الآخر الثقافية التي هي وليدة إشكاليات مختلفة مما يجعل من الفرد مغتربا عن الآخرين مستلبا إذ يعد الاغتراب مشكلة لتعدد دلالاته ومعانيه فهو " عجز " وهو إحساس ينتاب الفرد بأنه لا يستطيع السيطرة على مصيره لأنه يتقرر بوساطة عوامل خارجية وبالتالي يغدو سلوكه الخاص غير قادر على تحديد النتائج التي يسعى إليها . وهذا يولد " إلا هدف " وهو إحساس عام بفقدان الغاية من الحياة وغياب المعايير الاجتماعية المحددة للسلوك المشترك لذلك يحدث الانحراف الواسع وتبرز عدم الثقة وهذا يقود إلى التنافر الثقافي الذي يتجسد بالانسلاخ عن القيم الأساسية للمجتمع ويولد لديه التمرد ، وبالضرورة فان هذا يقوده إلى العزلة الاجتماعية حيث الإحساس بالوحدة والانسحاب من الحياة الاجتماعية .
وتجد أن الاستلاب والتعالي على الآخرين يجعل المثقف يسقط في فخ النخبوية وكأنه يمثل رسالة يجبر الآخرين أن يستمعوا إليه في وقت هو لم يستمع للجماهير ويدرس مشاكلها وكأنه مغرور يخادع نفسه قبل أن يخدع الآخرين يظن انه يرى ما لا يرى وهو في الحقيقة فأقد للبصر والبصيرة ألا انه لا يستطيع أن يدرك كذلك .

وكما يقول " علي حرب " أن التجربة الفكرية الفذة لا يمكن تكرارها أو تعميمها وإنما الممكن استلهامها والتفاعل معها بالمقابل هناك هاجس لاهوتي : هو يقوم على التحرر من هذا الاستلاب بالعودة إلى الأصول لأحيائها والتماهي معها .والهاجس العلماني حيث تبدو الحقيقة في المنظور العلماني والتقدمي بمثابة فردوس مفقود تمثله قيم العقل والاستنارة والحرية والعدالة التي ينبغي تحقيقها للتحرر من هذا الاستلاب .وفي نظر علي حرب في كلا الوجهين تعامل الحقيقة بعقل غيبي ما ورائي بمنطق ثبوتي أحادي أما بالارتداد إلى الماضي أو باللحاق بالتقدم نحو المستقيل الذي لا ينفك أن نتراجع عنه فالمستلب لا يستعيد هويته ولا يبلغ حقيقة (14).في وقت الفكرة ذات علاقة متغيرة بالحقيقة فالافكار ليس مجرد صور أو مرايا،بقدر ماهي استراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه.(15)
فان الحوارية تظهر عندما يشعر الإنسان انه رهبن خياراته الداخلية وهي التي تدفعه إلى كشف الأدوات المناسبة لإيجاد الحلول لها . وهذه هي أخلاقيات الحوار التي تؤمن بان الأخر جزء من ألذات وان ألذات جزء من التاريخ والواقع والجماهير ‏ وبالتالي خير الكلام من كان العقل مرشده والحكمة والأخلاق غايته لكن بالمقابل نجد أن ذهنية الإقصاء القائمة على الأحادية و الشمولية تمارس مهامها ضمن فعالية عصابية قائمة على ذلك وسيلة في تشكيل الهوية القائمة على ثنائية ألانا / الأخر في سلسلة طويلة : الأيمان / الكفر ، الاصالة / الانحراف .. يتحول الأخر إلى هامش مقابل مركزية ألذات .اذ يتعارض مفهوم "الهوية "مع مفهوم "الغيرية"(تعمل الهوية للاشارة الى المبدأ الدائم الذي يسمح للفرد ،بان يبقى "هوهو"وأن يستمر في ..على الرغم من المتغيرات التي يسببها او يعانيها)(16) .

أنها ذهنية تتجذر في البيت والمدرسة وتتفرع في المجتمع والحزب وتنغرس بالتسلط والإقصاء في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية على مستوى التراث والحاضر .
ففي التراث كانت حرية الاختلاف غائبة مقابل حضور ذهنية التمركز حول ألذات الراسخة في الممارسات التالية :
في علم الكلام حيث يقول حسن حنفي : أصبح الأيمان باللفظ أي بالنطق بالشهادتين وأصبحت الأمة امة الألفاظ حتى بلا تصديق باطني حتى ولو أضمرت الكفر فإخراج الفعل من مكونات الأيمان عند الناس يقابله إدخال الفعل بلا حدود من الحاكم المتمثل لله . ومن سلطة الحاكم المستمدة من سلطة الله .

ويقول حسن حنفي : من هذا التصور المركزي للعالم جاءت فكرة الزعيم الأوحد ، المنقذ الأعظم والرئيس المخلص الملهم يأمر فيطاع . فقد تحولت سلطوية التصور إلى تسلط النظم والإعلاء من شأن القمة على القاعدة فاهم شخص في الدولة هو الرئيس واهم فرد في الجيش هو القائد وفي هذا يقول الفارابي: سواء قلت الملك أو الرئيس أو الإمام أو الله فأنني أقول شيئا واحدا . (17)
وقد فتح علم الكلام آليات تبرير المعطيات : كان عمل العقل في تراثنا الفلسفي عملا تبريرياً خالصا أي انه يأخذ المعطيات وينظرها ويحيلها إلى معطيات مفهومية يمكن البرهنة عليها . لم يقف العقل إمام المعطيات محايدا أو ناقدا إياها أو معارضا لها أو متسائلا عن صحتها كانت مهمة التوفيق بين الأضداد.
وفي الأدبيات السلطانية التي تحولت إلى أداة للهيمنة فان التحديد ألمفهومي للخطاب الذي يتصف بكونه سياسياً والذي تجسد نصيا بالإحكام السلطانية فهذه النصوص تنطلق من بنية متداخلة من العلاقات تتصف في كونها خطاباً يضم نصوص لكل منها خصوصية أو أحيانا متخاصمة فيما بينها في تياريها من اجل خدمة السلطان وهذا يظهر في الصراع بين النصوص المنسوبة إلى الكتاب مع نصوص المتكلمين والفقهاء ، فهؤلاء يتصارعون فيما بينهم في كسب شرعية التعبير عن السلطة وخطابها الرسمي .

أما الحاضر فانه واقع بين" نظرية المؤامرة " وتوظيفاتها السياسية التي أسبغت الشرعية على التسلط والقمع السياسي بحجة العدو الخارجي وبالتالي أنتجت فكرا يحاول مقاومة الإصلاح وقد خلق هذا واقعا اجتماعيا متخلفا ، في ظل غياب المؤسسات الدستورية وهيئات المجتمع المدني في ظل دساتير لا تعدو أن تكون سوى برامج يلجأ ذلك العالم وبرلمان صنعته انتخابات غالبا ما تكون غير حرة في ظل منظومة قضائية مستقلة شكليا يقودها موظفون لدى السلطة .أين هذا من مفهوم الديمقراطية الذي يعني الترتيب المنظم الذي يهدف إلى الوصول إلى القرارات السياسية والذي يمكن للإفراد من خلاله اكتساب السلطة للحصول على الأصوات عن طريق التنافس . وتكون السلطة السياسية مرتكزة على نظرية السيادة الشعبية ويتم اختيار الحاكم عن طريق الانتخابات الحرة وليس الاستفتائية لصالح مرشح واحد وبنية الحكومة مستندة إلى التعددية السياسية وفصل السلطات هذا يعني أن تكون صلاحيات الحكام محدودة ويتمتع المحكومون بحريات عامة كحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية إنشاء الجمعيات والحرية الدينية ، وكل هذا قابل لتعديل القواعد والمؤسسات استجابة للظروف المتغيرة.بين " نظرية الانفتاح " على الأخر حيث الجواب الشافي عبر نقد وتحطيم الثوابت الحضارية عبر الترويج لشعارات الثقافة القائمة على التبعية للمركز الغربي . بين تلك الوقائع هيمنة المثولوجيا والدوغمائية و الانتهازية على الحياة السياسية العربية حتى بات الإصلاح بعيداً بل مستحيل حتى تشبع الواقع العربي بذهنية " التفكير " الأصولي أو ذهنية ( التخوين ) التي تحولت إلى ذهنية إقصاء باسم استنبات الديمقراطية وهي لا تعدو سوى وسيلة إلى تثبيت رموز سياسية خلقت حول نفسها ماضياً من السرد الذي يشهر إلى البطولات والمجابهات والتي يراد لها أن تنتهي بكرسي في السلطة .
إن ما نريد قوله انه لا منجى من هذا إلا بإقرار ذهنية الحوار ودور المؤسسات الدستورية التي تستطيع أن تحيد الفردية وتجعلها تأتي بعد إجماع الأمة بهذا يتحول التخاصم إلى تنافس مبرر للتمثيل النسبي المقرون بصندوق الانتخاب لا الأبدي المصحوب بسرد سلطوي يسطر ويعمق من سلطة الفرد على حساب الجماعة وهو جزء من اللاشعور الجمعي الذي تشكل عبر تاريخ هذه ألامه.( لا يمكن أن تتعايش التنوعات كلها في إطار أمة واحدة ووطن واحد‏,‏ إذا لم تسد قيم العدالة الواقع الذي تعيشه هذه التنوعات‏..‏ فالظلم بكل صوره وأشكاله‏,‏ يفتت التنوعات ويشر ذمها ويؤسس لمنطق الحروب والنزاعات المفتوحة بينها‏.‏ ولا سبيل لتعايش حضاري بين التنوعات والتعبيرات المختلفة‏,‏ بدون عدالة‏,‏ تلغي كل حالات التهميش والتمييز‏,‏ وتمنع سيادة منطق الغلبة والإلغاء‏,‏ وتحافظ علي كل أسباب العدالة في نمط العيش وأشكال العلاقة‏.‏
والعدالة التي نعتبرها سبيل التعايش الحضاري بين مختلف التنوعات تعني‏:‏ نبذ كل أشكال التمييز والإقصاء والإلغاء‏,‏ واعتبارها من القضايا الرئيسة التي تهدد وحدة الوطن وأمنه‏.‏ فالذي يهدد الوحدة‏,‏ هو التمييز والتهميش والإقصاء)‏(18)
هذا الحوار يساهم في إنتاج نوع جديد من العلاقة "ألمواطنه" بصيغه غنية تجاوز القديم عبر اغتنائه عبر ما يسمى بالمواطنة "التعامليه (إذ تبين لنا أن الناس بصدد إعادة تعريف ألمواطنه ضمن تعاملاتهم المتبادلة وفي هذا المستوى فأن ماهو إنساني "ومشترك" يبدو أكثر بكثير مما هو لاانساني"وخاص".فان هولاء الذين يدخلون في هذا التعاقد الاجتماعي يمكن إن( يكونوا "آخرين" بعضهم عند بعض في بداية تعاملهم،ولكنهم يصبحون"نحن"بقدر ما يوجهون أنفسهم لإنتاج مصلحة واحدة.) إن هذا النوع من ألمواطنه لايعني انكاراً للهويات المحلية باختلاف إشكالها (إنما تحويلها من الداخل،بفعل ذاتي ،حتى تنتهي إلى التعبير عن إحساس مشترك إي بما يعني "إن نكون كائنا بشريا")(19)
ومن أجل تجسيد المواطنة في الواقع‏,‏ علي القانون أن يعامل ويعزز معاملة كل الذين يعتبرون بحكم الواقع أعضاء في المجتمع‏,‏ علي قدم المساواة بصرف النظر عن انتمائهم القومي أو طبقتهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو ثقافتهم أو أي وجه من أوجه التنوع بين الأفراد والجماعات‏.‏ وعلي القانون أن يحمي وأن يعزز كرامة واستقلال واحترام الأفراد‏,‏ وأن يقدم الضمانات القانونية لمنع أي تعديات علي الحقوق المدنية والسياسية‏,‏ وعليه أيضا ضمان قيام الشروط الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق الإنصاف‏.‏ كما أن علي القانون أن يمكن الأفراد من أن يشاركوا بفعالية في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم‏,‏ وأن يمكنهم من المشاركة الفعالة في عمليات اتخاذ القرارات السياسية في المجتمعات التي ينتسبون إليها‏(20).‏ كما يقول برهان غليون:
أن الديمقراطية هي الخيار الوحيد الذي يقدم الفرص الضرورية المحتملة لنزع فتيل العنف والتوتر والعداء، ليس بين الشعوب العربية والدول الصناعية فحسب، وإنما داخل المجتمعات العربية نفسها. فهو الخيار الوحيد الذي يسمح لجميع الأطراف التي تعيش حالة قلق عميق ودائم على مصيرها، من فئات مهنية وأقوامية ودينية وجماعات وطنية معا، أن تراهن على المنافسة السلمية وتتعلم أسلوب المفاوضات الجماعية للوصول إلى أهدافها الشرعية. وبالعكس، لن يعمل إغلاق طريق التحولات الديمقراطية الذي يبشر به تجديد التحالف بين النظم المحلية والنظام الدولي ، سواء أجاء باسم الخوف من سيطرة ‏. الاسلاميين المتطرفين في الداخل، أو تهديد المصالح الغربية في المنطقة ككل، إلا على تفاقم العنف والعدوان الذي لن تنجح في درئه أو حتى احتوائه لا أنظمة الطغيان ولا استراتيجيات الحروب الاستباقية ‏.(21)‏
___________________________
الهوامش:
1. عبد الرزاق قسوم،عوائق الديمقراطيةفي تجربتا العربية،م/التعددية ، مركز الاصلاح،لندن 2005،،ص27
2. مسلم عبدالله ،غياب الشرعية وتحديات الديمقراطيةفي الدول العربيةم/التعددية، مركز الاصلاح،لندن ،ص10.
3. حسن السعيد ،عبد الرحمن الكواكبي،قم ،200،ط1، ص53.
4. حسن حنفي ،الحكومات المستبده تغتال استقلال الشعوب،جريدة الزمان ،ع 1899،اراء ومقالات ،لندن ،ص15
5. أدونيس ،الهوية غير المكتملة،تعريب حسن عودة،بدايات للطباعة والنشر،ط1، 2005 ،ص27
6. عبد الرخمن عزمي،دراسات في نظرية الاتصال نحو فكر اعلامي عربي متميز،ص69.
7. في ندوة تلفزيونية بثتها محطة الجزيرة الفضائية ضمن برنامج الشريعة والحياة يوم الأحد 16 شباط (فبراير) 1997.بواسطة مقالة: الديمقراطية في الفكر الإسلامي المعاصر.
8. حنان الجاف،العلاقة المتبادلة بين ألمواطنه و المجتمع المدني م/ التعددية ع/الأول،2005، مركز دراسات الإصلاح ،لندن،ص71،
9. شمخي جبر ،مفهوم المجتمع المدني ودوره في التغيير،م/ فكر حر ،ع2،2006.
10. محمد اركون ،الاسلام ،أوربا،الغرب،رهانات المعنى والاادات الهيمنة،ترجمة ،هاشم صالح،دار الساقي،طالاولى،1995،ص19-92.
11. محمد محفوظ،الأقليات وقضيا الديمقراطية،جريدة الأهرام الديمقراطية،الجمعة أكتوبر،6/2006.
12. المرجع السابق شمخي جبر ،مفهوم المجتمع المدني ودوره في التغيير،ص55-56.
13. سمير مرقص،جريدة الأهرام،الوجه الأخر سبتمبر،2006،ع/43760،الخميس.
14. علي حرب،الاستلاب والارتداد،المركز الثقافي العربي،73-74.
15. علي حرب ،الماهية والعلاقة،المركز الثقافي العربي،الدر البيظاء،ص81
16. سعيد علوش،معجم المصطلحات الادبيةالمعاصرة،بيروت،ط1 ، 1985 ،ص
17. حسن حنفي،الجذور التاريخيةلازمة الحرية والديمقراطيةفي وجداننا المعاصر،م/المستقبل العربي،،ع/5،1979 ،ص137
18. محمد محفوظ،الأقليات وقضايا الديمقراطية،جريدة الأهرام الديمقراطية،الجمعة أكتوبر،6/2006.
19. بيار باولو دوناتي،صورة الأخر في العلاقة :مواطن/أجنبي ضمن صورة الأخر ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط1 ،1999،ص137-138
20. علي الكواري‏:‏ مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية ،مجلة المستقبل العربي‏,‏ العدد‏(264),(2001/2).‏ مركز دراسات الوحدة العربية‏,ص‏.
21. برهان غليون ، الديمقراطية العربية وبعبع الحركات الإسلامية ، الجزيرة نت 20 ديسمبر 2003
_______________________




#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربة نقدية في السرد الروائي
- الأعلام والعولمة
- مهيمنات السلطة وإثرها في تشكيل الوعي الغربي


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - رابطة المواطنه