|
الإدراك ... عصا الارتكاز للفهم
لبنى الجادري
الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 12:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعرف الإدراك على أنه العملية التي تشير الى استخلاص وتنظيم وتفسير البيانات التي تصلنا من كل من ، البيئة الخارجية والداخلية عن طريق الحواس . فقد كان يرى علم النفس الترابطي القديم ، أن الأشياء تبرز في مجال إدراكنا نتيجة نشاط عقلي يربط بين احساسات منفصلة مختلفة ، ومن هذا الترابط تتألف الأشياء التي ندركها ، كما أن هذا العلم يعطي الذاكرة والخبرة السابقة أهمية خاصة في عملية الإدراك . وإذ كان يرى إن الإدراك هو تعرف الأشياء المألوفة عن طريق التعلم والألفة والخبرة السابقة ، ويستميل إدراك الشيء الجديد ما لم يألفه الفرد قط من قبل . إن تكوين النموذج المعرفي عملية نشطة تهدف الى حل مشكلة معرفية معينة ، فارتباطه بالمشكلة التي تواجه الفرد ، من حيث انتقاء وتنظيم المعلومات . ترتبط عملية انتقاء وتنظيم المعلومات بحالة الفرد التي تتضح في توجيه انتباهه نحو خصائص وعلاقات معينة في الأشياء والظواهر والأحداث يكون لها معنى موضوعي بالنسبة للنشاط العملي . هذه النماذج المعرفية تعمل في توازن ديناميكي متميز ، فهي من ناحية تتغير باستمرار ، وفي نفس الوقت تظل محتفظة بحالة من الثبات النفسي ، لذا تعمل النماذج المعرفية على تنظيم سلوك الإنسان . ونحن نتعرف على الأشياء وتزداد دقة في إدراكنا لها ، بتكييف أنفسنا لها ،فالإدراك عملية إيجابية ، وقد شرح (جون ديوي ) هذا المبدأ الهام بقوله ( إن اكتساب التحديد والثبوت في المعاني يأتي أولا في ضروب النشاط العقلي ، فالطفل الذي يدحرج شيئا يمكنه إدراك استدارته ، فإذا قذفه على الأرض تدحرج فأرتفع ، اتضح له مرونته ، وإذا رفعه ، أصبح الثقل عاملا مميزا ً له ، فالمؤثر يكتسب خاصية معينة تختلف عن سواها من الخصائص التي تتطلب استجابة مغايرة ، وذلك عن طريق الاستجابة أو التكيف الاستجابي وليس عن طريق الحواس . وتتغير خصائص الأشياء كلما ظهرت للطفل طرق جديدة لاستعمالها ، وغالبا ما يعرف الطفل الألفاظ في ضوء الاستعمالات التي يمكن أن تستخدم فيها ، فيوصف الكرسي على أنه الشيء الذي يجلس عليه ، وتتغير معاني الأشياء بتغير تكيفنا لها . ويشير ( هولوس ) الى ، أن الفرد يصل بتفكيره الى مرحلة معينة من مراحل نموه العقلي أولا ، ثم يصبح باستطاعته بعد ذلك أن يستخدم البنى العقلية الخاصة بتلك المرحلة في مهارات الاتصال بالآخرين وبالتفاعل معهم ، ومن هنا فالنمو العقلي يعد شرطا أساسيا للأداء الناجح والاتصال مع الآخرين . إن تطور عملية الإدراك يقود الى التنظيم الذاتي للمعلومات من دون حاجة ضرورية لخصائص المجال ، وقد أطلقت على هذه النظرية أسم ( نظرية الخصائص المميزة ) ، وتعني بالخاصية المميزة ، تلك الخاصية التي يختلف فيها شيئان ، وبذلك تحدد الفروق بينهما ،مثال ذلك ، الشكل ( أ ) يتكون من مثلث وخط منحني ، بينما الشكل ( ب ) يتكون من مثلث وخط مستقيم ، فالفرق بينهما هو نوعية الخط فقط ،وهذا المؤشر الأول على تطور الإدراك ، أما المؤشر الثاني ، فهو كيف تلاحظ خصائص الأشياء ، وهناك طريقتان لملاحظة ذلك ، وهما : · الخاصية البارزة : وفيها يحدد الطفل الخاصية التي لفتت انتباهه في الشيء ( اللون ، الحجم ، الشكل ، ..الخ.) . · التصنيف للخواص ، وفي مرحلة متقدمة يبدأ الطفل بضم كل صفات الشيء الواحد تحت مسمى معين ، فمثلا ( الطماطة ) تحمل صفات منها ( اللون ، الشكل الدائري ، واختلاف الحجم ) . إن الإدراك يمثل درجة في التعميم والتجريد ، إنه تآلف من استجابات عامة لمثيرات مختلفة أو غير متطابقة ، حيث أن الإدراك والفهم هي أمور تتضمن الاستجابة للأشياء والناس والأماكن، وذلك من خلال الأوجه المتشابهة بينها وليس الأشياء المختلفة ، إذ أن الأدراك والمعرفة لهما مضامين سلوكية ، وأن الخطوات الإدراكية هي الجانب الذكي من الخبرة ، ولكنها لا توجد لوحدها بالمرة ، كما أن لها جوانب أو نواتج عاطفية . وللإدراك عدد من العوامل التي تؤثر في حدوثه منها : · الشدة والتضاد : إذ يمثل شدة المثير عامل مهم في تحديد ما سوف نتنبه اليه ، وبالتالي مدى إدراكه ، فالصوت العالي ، والضوء القوي ، مؤثرات قوية تثبت الإدراك وتزيده . وكذلك الحال بالنسبة للتضاد ، فهو يوجه انتباهنا وإدراكنا ، مثل ظهور ضوء في الظلام ، أو وجود زهرة حمراء ضمن باقة زهور بيضاء ..الخ · التغير والحركة : تميل الأشياء في حالة الحركة الى جذب الانتباه وتوجيه إدراكنا ، مثل النور الذي يضيء ويطفي على واجهات المحلات . · العدد والترتيب : تميل الأشياء التي تقع في مجموعات طبيعية أو في ترتيب منتظم الى جذب الانتباه وتوجيه إدراكنا أكثر من الأشياء التي تتواجد بشكل عشوائي ، ويتوقف عدد الأشياء التي ندركها حينما ننتبه الى شيء ما ، على الوقت المسموح به للملاحظة ، وكذلك على عدد الأشياء المنفصلة المقدمة ، فإذا نظرنا الى مشهد من شارع مزدحم ، يبدو كما لو أننا ندرك عددا هائلا من الأنشطة ، إلا أن عدد الانطباعات المنفصلة والمحددة التي يستطيع أن يدركها الشخص الملاحظ لحظة الانتباه تكون ضئيلا جدا . · التركيبات والنماذج : إن التجمعات الطبيعية أو النماذج في العالم المحيط بنا تدرك على الفور ككليات منظمة ، فإذا أسترد شخص كفيف بصره فجأة ، فأنه يرى العالم من حوله كتركيب منظم وليس كمزيج مختلط من الأشكال والألوان .
وبذلك فعملية الإدراك تشبه عملية الانضباط الذاتي ، فمن خلال الإدراك يمكننا إصدار الأحكام المختلفة المبنية على أسس قوية ،وعلى تجميع الحقائق وربطها للحصول على نتائج مهمة تسهم في وضع اللمسات السحرية للشيء المراد إدراكه .
#لبنى_الجادري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاضطراب في الكلام .. اضطراب في أساليب التنشئة الأسرية
-
تفكيرنا .. عمقنا وأسرارنا الخفية
-
لغتنا قارئة ُ فنجان ٍ لأفكارنا
-
التوافق الإجتماعي والتكيف الإجتماعي وجهان لعملتين مختلفتين
-
الغافل عن الشيء لا يدركه
-
تكوين المفاهيم عند الأطفال
-
شخصيات متعددات في أنسان واحد
المزيد.....
-
إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟
...
-
الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا
...
-
وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي
...
-
وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا
...
-
حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ
...
-
انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية
...
-
في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟
...
-
دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول
...
-
أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ
...
-
-واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|