أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - هل المشروع الأمريكي ينكسر أم ينتصر؟















المزيد.....

هل المشروع الأمريكي ينكسر أم ينتصر؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1873 - 2007 / 4 / 2 - 12:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أن عنوان هذا المقال سيثير غضب الحالمين بسقوط المشروع الأمريكي والمبشرين به. وليس من المستبعد أن يعتبروا كاتبه ناشراًً للإحباط واليأس في نفوس الجماهير العربية التائقة للتخلص من النير الأمريكي. فحسب تقديرات وتوقعات الكثير من المحللين والكتاب العرب فإن المخططات الأمريكية في المنطقة العربية على وشك الانهيار والإفلاس والهزيمة، وأن الهيمنة الأمريكية على العالم في طريقها إلى الأفول. لهذا فإن كل من يقول عكس ذلك فهو، برأيهم، انبطاحي يروج لمشاريع خاسرة.

ليس هناك أدنى شك بأن السواد الأعظم من العرب يحلم باندثار الامبراطورية الأمريكية التي سامتنا سوء العذاب، لا بل من حقنا أن ندعو ليد العم سام بالكسر ليل نهار لكثرة ما صفعتنا وأهانتنا، ولرجله بالشلل لكثرة ما داستنا وسحقتنا. لكن علينا ألا نتوهم الكسر والشلل ليده ورجله فيما هو يزداد بأساً وتجبراً، فالجبروت الأمريكي لم ينكسر، كما يهلوس البعض، لا بل فهو مرشح لمزيد من التصاعد والتغول.

قد يحيلنا البعض إلى توقعات بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الشهير وريتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، فقد توقع الاثنان انحسار المد الأمريكي في العالم وأفوله في الشرق الأوسط. لكن أليس علينا بالواقع لا بالتكهنات والتوقعات؟ أيهما أصعب على أمريكا التحكم بالعالم العربي، أم بأوروبا؟ لا شك أن منطقتنا التي تتمتع بقابلية مذهلة للاستعمار كانت ومازالت فريسة سهلة للقوى العظمى، وبالتالي قد لا تكون مقياساً دقيقاً لمدى اضمحلال السيطرة الأمريكية على العالم. أما إذا أردنا أن نعرف فيما إذا كانت القوة الأمريكية تتراجع أم تتصاعد فما علينا إلا أن ننظر إلى مدى تأثيرها في الاتحاد الأوروبي الذي يتألف من خمس وعشرين دولة قوية متحدة ذات كتلة سكانية عظيمة ونفوذ اقتصادي يكاد ينافس الاقتصاد الأمريكي. فبالرغم من عظمة أوروبا فإنها تزداد تبعية لأمريكا، لا بل إن آخر بؤرة ممانعة أوروبية، ألا وهي فرنسا، ستتخلى عن ممانعتها قريباً لتنضم إلى الركب الأوروبي الخاضع لواشنطن. لقد أصبحت باريس قاب قوسين أو أدنى على وشك إطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الأوروبي المستقل والانضواء تحت العباءة الأمريكية كتابع، وذلك على عكس كل التكهنات والتمنيات.

المقاتل لا يهرب من المعركة وهو على وشك الإجهاز على عدوه، بل يستبسل. لهذا لو كان المشروع الأمريكي يترنح فعلاً لاستمرت فرنسا في تعنتها ومقاومتها للأمركة لا بل استبسلت في مقاومته، خاصة وأن باريس تنظر إلى نفسها كقطب عالمي يتحدى الأمركة في المجال الثقافي ويحاول ذلك بغير نجاح كبير في المجال السياسي منذ عهد الجنرال ديغول، ناهيك عن أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة خارج حلف الأطلسي. ولا داعي لذكر المناسبات التي عارضت فيها السياسات الأمريكية بقوة، وكان آخرها الغزو الأمريكي للعراق. لكن يبدو أن هذا المشاغب الأوروبي قد أفلس أخيراً ولم يجد أمامه سوى الانصياع للجبروت الأمريكي المتصاعد.

لقد أصبح واضحاً للعيان أن نيكولا ساركوزي المرشح الرئاسي سيفوز في الانتخابات القادمة. ومعروف عن هذا المرشح أنه أمريكي الهوى والتوجه، لا بل إن بعض المعلقين السياسيين الفرنسيين يسميه "ساركوزي الأمريكي".

بعبارة أخرى فإن الفيروس الأمريكي "قد تمكن من الفتك بالديغولية التي تشكل عماد السياسة الفرنسية بل الأوروبية المستقلة عن أمريكا". وكما يجادل الدكتور ثائر دوري، "يمكن القول براحة ضمير أن ساركوزي هومزيج من توني بلير البريطاني وبيرلسكوني الرئيس الإيطالي. فهو كبلير ينظر بإعجاب كبير للنموذج الأمريكي، ويعتبر أن مستقبل أوروبا متوقف على تبني هذا اقتصادياً وسياسياً. وبمحصلة الأمر إذا كنت مزيجاً من بلير وبيرلسكوني فمن البديهي أن تكون أمريكياً وتابعاً للبيت الأبيض... أما بالنسبة لمستقبل الاتحاد الأوربي فإن صعود أمثال ساركوزي إلى سدة الحكم في أوروبا سيطيح بالمشروع الأوروبي المستقل لصالح المشروع الأطلسي، أي أوروبا تحت المظلة الأمريكية".

وحسب سمير أمين، فإن "التفاف الدول الأوروبية حول المفاهيم الأمريكية يعني حكماً اختفاء الاستقلال العسكري والاقتصادي الأوروبي والخضوع للسيطرة الأمريكية". ونحن نقول: لقد خضعت أوروبا الكبرى للمشروع الأمريكي تماماً. وقد قالها بحزن شديد الأديب البريطاني الكبير هارولد بنتر الحائز على جائزة نوبل للآداب قبل فترة. فعندما سأله أحد الصحفيين عن هذه التبعية الأوروبية المخزية للعم سام، اعترف بنتر بهذا الواقع المرير. ومن سخرية القدر فقد راهن على النموذج اللاتيني، فهو يرى في تمرد دول أمريكا اللاتينية على النموذج الأمريكي الأمل الوحيد لهزيمة المشروع الأمريكي في العالم. لكن لنكن واقعيين، هل ينجح تشافيز في الوقت الذي تنبطح فيه فرنسا ساركوزي زعيمة أوروبا تحت أقدام المارد الأمريكي؟ لا شك أن كل التقدميين يحلمون بهذا السيناريو؟ لكنه هل هو أكثر من حلم؟ ألم ترنوا عيون اليسارين الغربيين في الماضي إلى موسكو لدحر الرأسمالية الغربية ثم خابت آمالهم شر خيبة؟ فهل ينجح فقراء بوليفيا وفنزويلا ونيكاراغوا حيث فشل الاتحاد السوفياتي وبعده أوروبا؟ لقد توافرت للأوروبيين كل مقومات المقاومة للجبروت الأمريكي لكنهم تراجعوا بسبب اختلال ميزان القوى لصالح اليانكي.

البعض قد يقول إن أمريكا وأوروبا في قارب واحد. فحتى فرنسا الديغولية لم تكن يوماً خارج السرب الأمريكي، إلا ربما ظاهرياً، وبالتالي فإن المراهنة على نهوض أوروبي في وجه الأخطبوط الأمريكي كانت مراهنة خاطئة تماماً، خاصة أن أمريكا هي التي ساندت مشروع الوحدة الأوروبية أكثر من أي جهة أخرى. لكن حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً فإن مجرد تأكيده اليوم على أرض الواقع من خلال المثال الفرنسي الفاقع يعطي المشروع الأمريكي زخماً أكبر ويسفه النظريات القائلة بتصدع القوة الأمريكية وتراجعها.

ماذا بقي لقوى المقاومة الضعيفة كي تواجه هذا التحالف المتصاعد والثابت الآن بين أوروبا وأمريكا؟ لقد كنا نواجه عملاقاً واحداً ونستنجد أحياناً ببعض جيوب المقاومة الأوروبية لمواجهة المشروع الأمريكي. أما الآن فقد أصبح العملاقان الأوروبي والأمريكي أقرب إلى بعضهما البعض من أي وقت مضى، فيما أصبحت روسيا والصين أشبه بشاهد "ما شفش حاجة" في مجلس الأمن الدولي. أما كوريا الشمالية التي طالما اعتبرها بعض الممانعين العرب رمزاً للصمود والتصدي للجبروت الأمريكي ومثالاً للكرامة الوطنية فهي على وشك التخلي عن برنامجها النووي تحت ضغط واشنطن، بحيث لم يعد بإمكان بعض العرب أن ينشدوا:"ليتني كوري شمالي!"

على ضوء ذلك هل ما زال بإمكاننا أن نلوم الأنظمة العربية على مسايرتها للمشروع الأمريكي بشكل أعمى بعد أن سبقها إلى ذلك ساركوزي الديغولي وكيم الكوري الشمالي؟ إن تصنيف العرب إلى معتدلين ومتشددين كما فعلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قبل فترة تصنيف خاطئ ومضلل. فالسواد الأعظم من العرب يقبعون في معسكر الاعتدال أصلاً أو"حلف المعدّلين" كما يسميه فرج بوالعشة، إن لم نقل الخنوع والاستكانة. وإذا كان هناك جيوب ممانعة عربية فهي قليلة جداً ولا تحتل حيزاً كبيراً من الساحة العربية، وبعضها بدأ يخرج من اللعبة كحركة حماس مثلاً.

أريد أن أعرف إذن أين هو ذلك الإفلاس والهزيمة والانهيار الأمريكي الذي يبشرنا به بعض الحالمين العرب؟ المضحك في الأمر أن أمريكا عندما تريد أن تهاجم بلداً ما، تبالغ في تصوير قدراته وتقدمه عبر وسائل إعلامها على أنه أكبر خطر يحيق بالبشرية منذ نشوئها، بالرغم من أنه قد يكون من وزن الريشة، كما فعلت من قبل مع العراق وكما تفعل الآن مع إيران، أما نحن فلدينا نزعة سخيفة إلى التقليل من قدرات أعدائنا والتبشير بهزيمتهم وانهيارهم "عمـّال على بطــّال"، بالرغم من أنهم قد يكونون امبراطوريات رهيبة، كما يفعل الآن بعض المبشرين بسقوط المشروع الأمريكي العملاق. صحيح أن الأمريكيين يعانون الآن في بعض المناطق العربية، وصحيح أيضاً أن البعوضة تدمي مقلة الأسد، لكن هل يكفي إدماء المقلة كي نقول إن الأسد قد هُزم؟ هل يفـّل الحديد إلا الحديد؟ أين هو ذلك المعدن الذي يستطيع أن يفـّل الحديد الأمريكي؟ ألم يصبح العالم مليئاً بالقواعد العسكرية الأمريكية، من الصين حتى العراق؟ أليس من السخف التبشير بفشل المشروع الأمريكي في المنطقة؟ هل باتت الأنظمة العربية تتحدى المخططات الأمريكية، أم أنها تزداد خضوعاً ووهناً؟ ألم تسر القمة العربية الأخيرة على هدي التعليمات الكوندوليزية تماماً؟

أرجو أن لا يُفهم هذا المقال على أنه دعوة للاستسلام المجاني. معاذ الله! فحتى العصافير تدافع عن أعشاشها بمناقيرها الغضة ضد المعتدين. لكن ألم يحن الوقت للتوقف عن ممارسة التفكير الرغبي wishful thinking المبني على الرغبات والأمنيات؟ متى نتوقف عن معاقرة ما أسماها نزار قباني "تجارة الأوهام"؟



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام انترنت
- سايكس- بيكو الجديدة من صنع أيدينا
- تخلّفوا تسلموا
- الفوضى -الهلاّ كة-
- من كوبونات النفط إلى نهب النفط العراقي
- مطلوب قوانين قراقوشية لمكافحة الفتن الطائفية والمذهبية
- كي لا يخدعوكم بالخطر الشيعي كما خدعوكم بالشيوعي
- تحالف -صهيو- صفوي- مزعوم و-صهيو-عربي- معلوم
- تحالف( صهيو- صفوي) مزعوم و(صهيو-عربي) معلوم
- ما كنت أحسبُ إيران بذاك الطيش
- من التجزئة القُطرية إلى التجزئة الطائفية
- احتضار المعارضات العربية
- أيها المغتربون استمتعوا حيث أنتم
- فضائيات أكثر ومشاهدة أقل
- ما أحوج لبنان والعراق إلى ديكتاتور
- خُرافة الحياد الإعلامي
- -التحالف الإيراني – الأمريكي-
- الإصلاح هو الاسم الكوديّ للتخريب والتفتيت
- غَورَبة الطفل العربي
- لماذا فشل الإعلام الأمريكي الموجه للعرب؟


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - هل المشروع الأمريكي ينكسر أم ينتصر؟