أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الفوضى -الهلاّ كة-















المزيد.....

الفوضى -الهلاّ كة-


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لست معنياً كثيراً باللفظ العربي للخطة الأمريكية المسماة "الفوضى الخلاقة"، وما يعنيني فعلاً هو كيف يلفظها الأمريكييون بلكنتهم الأنجليزية، فهو الأصح والأكثر تعبيراً عن فحوى الخطة ومراميمها، فنظراً لأن اللغة الانجليزية لا تحتوي على حرفي الخاء والقاف، فإن الاستراتيجي الأمريكي مضطر، وهو يلفظ ذلك المصطلح بالعربية، لأن يستبدل حرف الخاء بـ الهاء والقاف بـ الكاف، فتصبح "الفوضى الهلاكة"، أي التي تؤدي إلى الهلاك. وهذه ليست المرة الأولى التي يفصح فيه واضعو السياسات الأمريكية، ، عن أهدافهم الحقيقية من دون قصد. فعندما كانت وزارة الدفاع الأمريكية تحضّر لغزو العراق طلبت من جهازها الإعلامي والمعنوي أن يضع لها عنواناً براقاً لعملية الغزو، فسموها Iraq Liberation " " Operation ، لكن سرعان ما انتبه الخبثاء في الوزارة إلى أن الأحرف الثلاثة الأولى لـ"عملية تحرير العراق" تشكل كلمة Oil""، أي النفط، وهو الهدف الحقيقي من وراء الغزو، وليس التحرير، فسارعوا إلى تغييرها كي لا ينفضح أمرهم من البداية. وكذلك الأمر، على ما يبدو، بالنسبة لمصطلح "الفوضى الهلاكة"، فهي، كما ظهر لنا حتى الآن، لم تخلق لنا سوى الموت والدمار والهلاك.

لم تعد الخطة الأمريكية أعلاه للاستهلاك الإعلامي، بل أصبحت حقيقة مرعبة واقعة على الأرض، من لبنان إلى البحرين إلى الكويت إلى السعودية واليمن والصومال، فضلاً عن العراق وقبل ذلك إيران وتركيا. فليس صحيحاً أبداً أن الرئيس الأمريكي يتخبط في سياساته الشرق أوسطية، بل على العكس تماماً، فخططه تسير على قدم وساق، حسب ما هو مرسوم لها.

لقد حك المخططون الأمريكيون رؤوسهم وتساءلوا: كيف يمكن لنا أن نشعل فتيل الفوضى والاقتتال والتناحر في الشرق الأوسط كي نمرر سياساتنا المنشودة؟ هل نحرض الشعوب على الحكومات؟ بالطبع لا، فهذا ليس في مصلحتنا ولا في مصلحة حلفائنا الحاكمين، ناهيك عن أن النضال السلمي والمدني ضد الحكومات في العالم العربي صعب للغاية، فما بالك بالعنفي. وجدتها، وجدتها، صاح المخطط الاستراتيجي الأمريكي: ما هو أكثر الاسلحة تدميراً في تفجير المجتمعات العربية والاسلامية، ونسف استقرارها، وتعطيل تنميتها ونهضتها؟ إنه السلاح الايديولوجي الذاتي: المذهبي والطائفي، أي سلاح استغلال الدين في الألاعيب السياسية، كما يجادل زين العابدين الركابي في مقال رائع له. "لنحدث إذن حروباً أهلية على أسس مذهبية وطائفية وسلطوية، فهي كفيلة بتمرير كل مشاريعنا ومخططاتنا دون أن نطلق رصاصة واحدة". ويبدو أن مبتكري نظرية "الفوضى الخلاقة" ومهندسيها قد سجلوا هدفاً في هذا المجال. صحيح أنهم لم يصنعوا اللغم المزلزل القاتل، ولكنهم وظفوه في خدمة نظريتهم، والا كيف تكون الفوضى؟ وبم يتحقق التفجير؟

ولو أخذنا ما يحدث في العراق مثالاً لوجدنا أن المشروع الأمريكي هناك لم يغرق في المستنقع العراقي، كما يشيع البعض، بل على العكس يحقق معظم أهدافه. لقد انتقد الكثيرون قيام الحاكم الأمريكي بحل الجيش العراقي وما تبعه من انهيار وفلتان أمني وحرب أهلية. وقد تظاهر بعض الأمريكيين أنفسهم بأنهم أخطأوا في حل الجيش. لكن حل الجيش في واقع الأمر لم يأت اعتباطياً أبداً، بل كان مقدمة مطلوبة لما آل إليه وضع العراق الآن.

لقد كان هدف إسرائيل منذ زمن بعيد تقسيم العراق إلى كانتونات حسب وثيقة "كيفونيم" الشهيرة. وها هي الآن تحقق ما حلمت به قبل عشرات السنين بمساعدة آل الحكيم والجعفري والجلبي والعلاوي والبرزاني والطالباني. هل كان هذا التقاتل الطائفي والمذهبي ليتحقق لولا حل الجيش العراقي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من خطة "الفوضى الهلاكة"؟ بالطبع لا. صحيح أن المقاومة العراقية أدمت أنف الغازي الأمريكي، لكن متى كان نزيف الأنف قاتلاً؟ هل كانت واشنطن تريد أكثر مما حققت في العراق حتى الآن، ربما، لكن الذي تحقق لها حتى هذه اللحظة يعتبر إنجازاً كبيراً جداً بمفهوم الغزو. فلم يعد العراق يشكل أي تهديد يذكر لا للدولة العبرية ولا للمصالح الأمريكية في المنطقة. وهذا إنجاز تاريخي بكل المقاييس بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، خاصة وأن أمريكا نجحت أخيراً في تحييد المقاومة العراقية وتحويل "جهادها" إلى حرب مذهبية، كما أظهرت تقارير "الغارديان" البريطانية الأخيرة، أي أن الحرب أصبحت في بعض جوانبها أهلية، وليست ضد المحتل.

وحدث ولا حرج عن الوضع في لبنان، فهو يسيرفي الاتجاه المرسوم له أمريكياً حسب نظرية "الفوضى الهلاكة"، فقد غدا الحديث عن الصراع الطائفي والمذهبي أمراً يومياً بعد أن كان من المحرمات قبل ظهور النظرية الأمريكية سيئة الصيت. وكما في العراق، بدل أن تتوجه البنادق إلى قلب الأعداء الخارجيين غدت موجهة إلى قلب الخصوم الداخليين، تماماً كما ارتأت "الفوضى الهلاكة".

وفي فلسطين، نحج محمد دحلان في تنفيذ مخطط الفوضى على أكمل وجه عندما صاح بأعلى صوته أنه مستعد أن يرد الصاع صاعين لحماس وخصومه الآخرين، كما لو أن الذي يحتل فلسطين هي حركات المقاومة. وبدورها بدلاً من أن تهتم قوى المقاومة بمقاتلة المحتل انخرطت في لعبة التصارع الداخلي، كما حدث مع حزب الله في لبنان، وكأن إدخال حركة حماس في "اللعبة الديموقراطية" ومن ثم فوزها في الانتخابات وتسلم السلطة كان مجرد وصفة من وصفات "الفوضى الهلاكة" كي تصل الإمور إلى ما وصلت إليه من تناحر وطني يخدم المشاريع الأمريكية والإسرائيلية خير خدمة.

صحيح أن مكونات الطبخة الأمريكية الإسرائيلية الفوضوية في فلسطين لا تقوم على أسس مذهبية وطائفية كما في العراق ولبنان، إلا أن الجانب العقدي ليس بعيداً عنها، فحركة حماس مثلاً تـُعتبر، في المفهوم الأمريكي، إحدى فصائل التطرف الديني في المنطقة، وإذا تعذر وجود المعادل المذهبي والطائفي لها في فلسطين فلا بأس أن يكون خصمها فصائلياً. فلا يهم طالما أن النتيجة واحدة:"الفوضى الهلاكة".

ولم ينس منظرو "الفوضى الهلاكة" السودان، فعندما وجدوا أن النزاع العقدي بين الشمال والجنوب قد تمت تسويته من خلال اتفاقية نيفاشا، رأوا أن لا بد من إثارة فوضى جديدة في دارفور على أساس عرقي لأنه يتعذر إثارة شقاق طائفي أو مذهبي في المنطقة، كون سكان دارفور مسلمين وحافظين للقرآن الكريم. لهذا بدأوا يعزفون على وتر الصراع بين العرب والأفارقة. ومن سخرية القدر فإن النزاع في دارفور يقوم الآن على أساس لون البشرة بين العرب ذوي السُمرة الفاتحة والأفارقة ذوي السُمرة الغامقة. ولا ننسى التضييق الذي بدأت تمارسه بعض الدول الأفريقية كالنيجر وتشاد على القبائل العربية هناك. وقد وصل الأمر بحكومة النيجر قبل أشهر إلى إصدار أوامر بترحيل قبيلة المحاميد العربية من البلاد دون سابق إنذار، وذلك تطبيقاً للمشروع الأمريكي القاضي باللعب على التمايزات العرقية والقومية في أفريقيا.

صحيح أن "الفوضى الهلاكة" لم تتجذر بعد في الدول العربية الأخرى، لكنها تبقى ناراً تحت الرماد، ولا تحتاج سوى إعطاء الإشارة الأمريكية لللاعبين حتى يبدوأ الكارثة، خاصة وأن مجتمعاتنا تقف على برميل بارود بسبب السياسات الإقصائية الظالمة التي اتبعتها بعض الأنظمة الحاكمة بمباركة أمريكية منذ عشرات السنين، وكأن الأمريكيين كانوا يشجعون ذلك النوع من السياسات العربية التفتيتية الرهيبة للحظة المناسبة كي يستغلوها في عملية تفجير المجتمعات العربية من الداخل لتمرير سياساتهم ومخططاتهم المرسومة منذ زمن بعيد.



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كوبونات النفط إلى نهب النفط العراقي
- مطلوب قوانين قراقوشية لمكافحة الفتن الطائفية والمذهبية
- كي لا يخدعوكم بالخطر الشيعي كما خدعوكم بالشيوعي
- تحالف -صهيو- صفوي- مزعوم و-صهيو-عربي- معلوم
- تحالف( صهيو- صفوي) مزعوم و(صهيو-عربي) معلوم
- ما كنت أحسبُ إيران بذاك الطيش
- من التجزئة القُطرية إلى التجزئة الطائفية
- احتضار المعارضات العربية
- أيها المغتربون استمتعوا حيث أنتم
- فضائيات أكثر ومشاهدة أقل
- ما أحوج لبنان والعراق إلى ديكتاتور
- خُرافة الحياد الإعلامي
- -التحالف الإيراني – الأمريكي-
- الإصلاح هو الاسم الكوديّ للتخريب والتفتيت
- غَورَبة الطفل العربي
- لماذا فشل الإعلام الأمريكي الموجه للعرب؟
- لماذا عادت أمريكا للاستثمار في الاستبداد والإرهاب؟
- الوصفة الإسرائيلية لإبادة البشرية
- هل رفيق الحريري أهم من لبنان؟
- كيف تنصرون دينكم إذا لم تنصروا أنفسكم؟


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الفوضى -الهلاّ كة-