أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحيم الوالي - أميركا والإسلام والعرب: من أجل العودة إلى الأصول















المزيد.....

أميركا والإسلام والعرب: من أجل العودة إلى الأصول


عبد الرحيم الوالي

الحوار المتمدن-العدد: 1868 - 2007 / 3 / 28 - 11:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يجد المثقفون العرب اليوم صعوبة كبيرة في إقناع الشارع العربي بجدوى الحوار العربي الأمريكي. و كل من يدعو إلى هذا الحوار يصبح، تلقائيا، في خانة "العملاء" و "الخونة" إن لم نقل في خانة "الزنادقة" و "المارقين" الذين ينبغي أن تُقطع رؤوسهم صبراً بسكاكين الجماعات المتطرفة. و إذا كان العنف و التصادم الذي يطبع اليوم علاقة الأمريكيين بالعرب و المسلمين يجد أسبابه في هجمات 11 سبتمبر، واحتلال أفغانستان و العراق، و الفظاعات التي ارتكبت في هذا و ذاك، و تدنيس المصحف الشريف في غوانتانامو، و غير ذلك من التراكمات، فهل يجد مشروع الحوار بين الأمريكيين و العرب و المسلمين ما يمكن أن يسنده في الحاضر أو في التاريخ؟ يبدو السؤال مشروعا لأن استمرار التصادم و الحروب لا يخدم مصالح العرب و المسلمين مثلما لا يخدم مصالح الأمريكيين أيضا: العرب و المسلمون تخرب بلدانهم بالقنابل و الصواريخ، و الأمريكيون يخسرون أيضا أرواح الآلاف من جنودهم و ملايير الدولارات من ميزانيتهم، و الأخطر أنهم يخسرون صورة حضارتهم و هيبتهم. فهل ما يحدث اليوم هو الأصل؟ أم أن الأصل هو التواصل و الحوار و التعايش السلمي بين الأمريكيين من جهة، و العرب و المسلمين من جهة أخرى؟
عندما وضع توماس جيفرسون، و جون آدمز، و بنيامين فرانكلين إعلان بوسطن في 4 يوليو 1776، الذي هو إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، جاء في هذا الإعلان بوضوح أن "كل الناس يولدون متساوين، متمتعين من طرف خالقهم بحقوق غير قابلة للاستلاب. و من بين هذه الحقوق الحق في الحياة و الحرية و البحث عن السعادة". عقب هذا الإعلان، و في نفس السنة، كان أول اعتراف بالولايات المتحدة الأميركية المستقلة من سلطان المغرب، العربي المسلم، محمد بن عبد الله. و بعد عشر سنوات من هذا التاريخ وقعت بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية معاهدة صداقة و ملاحة و تجارة عام 1786.
إن محمد بن عبد الله لم يكن يتصرف فقط من موقعه كسلطان للمغرب و إنما باعتباره أيضا أميرا للمؤمنين حسب تقاليد نظام الحكم في المغرب. و بصرف النظر عن الجانب العقائدي المحض فقد كانت المبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة قريبة جدا من مبادئ الدين الإسلامي، أي دين الدولة الرسمي في المغرب. ذلك أن الإسلام دعا ـ قبل هذا التاريخ بكثير ـ إلى احترام حق الحياة، و حرية الناس أفرادا و جماعات، و إلى تحقيق السعادة لهم. و لسنا في حاجة إلى أن نثبت هنا كل الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة الداعية جميعها إلى نفس القيم.
و مع ذلك فلا مناص من القول بأن القرآن دعا إلى تقديس حق الحياة عندما قال: "مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا". فجعل القتل مشروطا بقتل النفس أو الفساد في الأرض، علما أن الفساد المقصود هنا ليس ما قد يرتكبه الفرد من أخطاء في حياته الخاصة و إنما هو ذاك الفساد الذي أشار إليه القرآن بالقول: "إن فرعون طغى في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحي نساءهم. إنه كان من المفسدين". و بذلك نص على أن انتهاك حق الحياة (يذبح أبناءهم) هو من مظاهر الفساد في الأرض.
أما الحرية فالإسلام منذ بدايته كان نصيرا لها عبر تحرير العبيد من الرق، إلى جانب حمايته لحرية الرأي عندما نهى الرسول محمدا عن الاستفراد برأيه و ضرورة مشاورة المسلمين (فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر)، علاوة على حرية الاعتقاد التي نص عليها القرآن باللفظ الصريح حينما قال: "من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر"، و "لا إكراه في الدين".
بهذا المعنى كانت مبادئ إعلان الاستقلال الأمريكي قريبة من أقرب نقطة في العالم العربي الإسلامي إلى القارة الأمريكية: المغرب. و لذلك فسلطان المغرب، محمد بن عبد الله، كان يرى في الأمة الأمريكية الناشئة أمة صديقة للعرب و المسلمين حتى أنه كان يستعمل نفوذه على الباشوات في تونس و طرابلس من أجل السماح للسفن الأمريكية بالإبحار في البحر الأبيض المتوسط. و لا يزال التاريخ يحتفظ برسالة وجهها أول رئيس أمريكي، جورج واشنطن، إلى السلطان محمد بن عبد الله في هذا الشأن. (نشرت نسخة من هذه الرسالة مع ترجمتها إلى الفرنسية بجريدة "لوماتان" المغربية بتاريخ 27 فبراير 1985).
و عندما استرجع المغرب استقلاله سنة 1956 كانت الولايات المتحدة أول دولة تعين سفيرا لها في عاصمة المملكة المغربية إبان عهد الرئيس إيزنهاور. و بذلك لم يكن المغرب فقط أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة و إنما كانت الولايات المتحدة أيضا أول دولة تعترف باستقلال المغرب.
إن التذكير بهذه الحقائق التاريخية من شأنه أن يبرز، أولاً، أن التصادم بين الأمريكيين من جهة، و العرب و المسلمين من جهة أخرى، لم يكن أصلاً في العلاقات بين هؤلاء و أولئك و لا يقوم ـ في الوقت الراهن ـ على أساس ديني أو عرقي. إن الدين لم يكن، بالتأكيد، يجمع بين فرانكلين و آدمز و جيفرسون و محمد بن عبد الله. لكنه، في الآن نفسه، لم يكن يباعد بينهم لأنهم كانوا جميعا يرجحون القيم المشتركة بين شعوبهم على تلك التي قد تكون مجالا للاختلاف. و من شأن البحث التاريخي، من طرف ذوي الاختصاص، أن يبرز كثيرا من الحقائق الغائبة في هذا المضمار.
صحيح أن هناك اليوم أيديولوجيات متعصبة تقحم الدين في التصادم القائم بين الأمريكيين و العرب و المسلمين. و هي أيديولوجيات توجد في العالم العربي و الولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء. فالذين يؤمنون في الولايات المتحدة بالهرمجدون و إقامة "مملكة الرب" على الأرض في الألفية الثالثة، و يدعون إلى حرب صليبية جديدة، و يقولون بأن "إلهنا جميل" و "إله المسلمين شرير"، و يضعون أيديهم في أيدي حاخامات الضفة الغربية الذين يقولون بأن "التوراة يجيز قتل أطفال المسلمين و نسائهم" لا يمتون بصلة إلى قيم جيفرسون و آدمز و فرانكلين. و الذين يقتلون المواطنين الأمريكيين الآمنين في بيوتهم أو في مقرات عملهم أو في الشوارع في نيويورك و واشنطن و أوكلاهوما لا صلة لهم قطعا بتعاليم القرآن و لا بتعاليم الحديث النبوي و لا بسلوك الصحابة و السلف الصالح.
تأسيساً على ما تقدم فإن ما نشهده اليوم ليس تصادما بين القيم الأمريكية من جهة و الإسلام أو العروبة من جهة أخرى. إن الإسلام ليس ضد اقتصاد السوق، و ليس ضد حرية الفرد، و ليس ضد الديموقراطية. و كيف يكون ضد اقتصاد السوق و قد كان نبي الإسلام تاجرا و أكثر من ذلك يحض المسلمين على تعليم أبنائهم التجارة لا الإجارة؟ و كيف يكون ضد حرية الفرد و هو يجعل الفرد في حد ذاته هدفاً لتعاليمه سواء بالأمر أو بالنهي و ينيط به التكليف من حيث هو فرد (كل نفس بما كسبت رهينة)؟ و كيف يكون ضد الديموقراطية و قد جعل أمر الحكم شورى بين المسلمين، علماً أنه لم يحدد شكل هذه الشورى و تركه مفتوحا للاجتهاد حسب مقتضيات كل زمان و مكان؟ و بالتالي فالذين يروجون اليوم لأطروحة التصادم بين قيم الإسلام و القيم الأمريكية في العالم العربي يحصرون "القيم الأمريكية" في بعض أشكال اللباس أو الموسيقى أو الرقص أو الحلاقة، و المروجون للأطروحة نفسها في الولايات المتحدة يختزلون الإسلام في التفجيرات الإرهابية أو بعض تقاليد المجتمع الذكوري تجاه النساء، و التي ناهضها الإسلام قبل ما يربو على خمسة عشر قرناً. فالأولون ينسون أن القيم الأمريكية هي قيم الحرية و الحقوق الفردية و الجماعية بينما ينسى الآخرون أن الإسلام يحمل القيم نفسها و يؤصلها و يدافع عنها.
إن تأسيس حوار عربي ـ إسلامي ـ أمريكي يقتضي العودة إلى الأصول: أصول القيم الأمريكية و أصول الإسلام النقي. كما أنه يقتضي الإقرار بأن الصراع الدائر اليوم هو صراع من أجل مصالح مادية على الأرض لا من أجل قيم سابحة في السماء. إنه صراع سياسي اقتصادي تتدخل فيه عدة أطراف: قوى الرأسمال الأمريكي المتطرفة التي تريد تأمين مصادر الثروات بالقوة العسكرية، و الأنظمة الشمولية في العالم العربي التي ترى في الديموقراطية موتها الحتمي، و جماعات المصالح في العالم العربي التي ترى في عصر التجارة الحرة خرابها العظيم بعد أن ألفت الاستفراد بالمستهلك العربي تحت غطاء الحمائية و ليست قادرة على منافسة المنتوجات الأمريكية كما و جودة، و قس على ذلك.
أية ولايات متحدة أمريكية يمكن أن نحاورها كعرب و مسلمين؟ و أي عرب و إسلام يمكن أن يحاورهم الأمريكيون؟
إن العرب و المسلمين لا يمكن أن يقتنعوا بجدوى الحوار مع أمريكا ال "ب 52" و ال"ف 16" و التوماهوك و الفوسفور الأبيض. و الأمريكيون حتماً لا سبيل إلى إقناعهم بمحاورة عرب و مسلمي السيارات و الأحزمة الناسفة. لكنْ، لا نعتقد أن هناك عربياً أو مسلماً واحداً يمكن أن يرفض الحوار مع أمريكا الأخرى: أمريكا آدمز و فرانكلين و جيفرسون، أمريكا مارتن لوثر كينغ، أي أمريكا الحرية و الحق. كما أنه لن يكون هناك أمريكي واحد يرفض الحوار مع إسلام إبن رشد و إبن خلدون و محمد بن عبد الله. و بذلك فالمدخل الأول للحوار هو العودة إلى الأصول التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تنال أول اعتراف باستقلالها من بلد عربي مسلم، مثلما جعلت ذات البلد العربي المسلم ينال أول اعتراف باستقلاله من الولايات المتحدة الأمريكية.
نعم، فالعودة إلى الأصول التي انبنى عليها الإسلام قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا هي اليوم مقدمة ضرورية لاستعادة روح ذلك الإسلام الذي عاشت تحت رايته أمم و شعوب مختلفة في دولة واحدة دون ميز بين عربي و غير عربي أو بين مسلم و غير مسلم، ذلك الإسلام الذي حفظ لليهود و المسيحيين حقوقهم في ظل الدولة الإسلامية نفسها سواء في المشرق أو في المغرب أو في الأندلس، و الذي كفل لهؤلاء حق ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، و حق الاحتفاظ بنظامهم القضائي الخاص، وأتاح لهم أسباب الارتقاء الاجتماعي فكان منهم أعلام في الفكر و الأدب و الطب وسائر العلوم مثلما كان منهم رجال دولة أيضاً.
كما أن العودة إلى الأصول التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية ضرورية أيضا لاستعادة روح المشروع الإنساني الكبير الذي دشنه الرواد المؤسسون الذين آمنوا بقيم الحرية و المساواة بين أبناء الإنسانية و أرادوا أن يجعلوا بلادهم نموذجا لذلك. فالحوار العربي ـ الأمريكي ـ الإسلامي على قاعدة هذه الأصول يتوفر على فرص كبيرة للنجاح و تحقيق التعايش و السلام. أما الحوار على قاعدة صورة أمريكا الحالية لدى العرب المسلمين، و صورة المسلمين و العرب حاليا لدى الأمريكيين، فيبدو كل حديث عن إمكانية تأسيسه حديثا بعيدا عن الواقع.





#عبد_الرحيم_الوالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحسين صورة أميركا في العالم العربي: أسباب الفشل وفرص النجاح
- الحركة الأمازيغية بالمغرب: وليدة الديموقراطية أم بذرة الطائف ...
- التجربة -الليبرالية- بالمغرب: نحو مقاربة نقدية
- الإرهاب و الدواب
- تفجير الدار البيضاء الأخير: هل كان عملية عَرَضِيةً بالفعل؟
- شهادة من قلب الحدث: هذه بعض أسباب الإرهاب بالدار البيضاء


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحيم الوالي - أميركا والإسلام والعرب: من أجل العودة إلى الأصول