أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الرحيم الوالي - الإرهاب و الدواب















المزيد.....

الإرهاب و الدواب


عبد الرحيم الوالي

الحوار المتمدن-العدد: 1859 - 2007 / 3 / 19 - 07:34
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في عام 2003، بعد تفجيرات 16 ماي التي استهدفت خمسة مواقع في الدار البيضاء، تبين أن الانتحاريين كانوا قد جاؤوا من أحياء الصفيح. و في 11 مارس الحالي، بعد العملية الانتحارية التي استهدفت أحد مقاهي الأنترنت بالدار البيضاء، تبين أن الانتحاريين كانا قد جاءا أيضا من أحياء الصفيح، بل من نفس الحي الذي جاء منه انتحاريو 2003، و الذي هو دوار السكويلة بمنطقة سيدي مومن.
هذا المعطى أدى إلى إراقة كثير من الحبر على صفحات الجرائد المغربية للكتابة عن علاقة الإرهاب بأحزمة البؤس التي تحيط بالدار البيضاء، و سائر المدن المغربية، من كل الجهات. و رأت عدة تحاليل أن إنتاج الأحزمة الناسفة سوف يستمر ما لم يتم القضاء على أحزمة البؤس تلك بتمكين سكانها من سكن لائق.
لأول وهلة يبدو هذا التحليل صائباً لأن أناساً يعيشون في بيت صفيحي قد يكونون أكثر استعدادا من غيرهم للتمنطق بالأحزمة الناسفة بسبب إحساسهم بجسامة الظلم الاجتماعي الجاثم على صدورهم. لكنْ، هل تنحصر أسباب الإرهاب فقط في أحياء الصفيح؟
أحياء الصفيح نشأت، في الدار البيضاء خصوصاً، بسبب الهجرة القروية إبان عهد الاستعمار الفرنسي حيث كان سكانها يشكلون معظم اليد العاملة في الأنشطة الإنتاجية داخل المدينة. و عندما انطلقت المقاومة الشعبية للاستعمار كانت أحياء الصفيح هذه مرتعاً لخلايا المقاومة في مختلف تجلياتها. و لا داعي للتذكير بانتفاضة كاريان سنطرال و بأبطال المقاومة في حي الصفيح بإبن امسيك.
و في فترات الاحتقان السياسي، بعد الاستقلال، كثيرا ما كانت أحياء الصفيح بالدار البيضاء مشتلا لليسار بمختلف أطيافه و لغيره من المكونات السياسية المناهضة للاستبداد و الظلم الاجتماعي. و يكفي أن يعود البوليس المغربي إلى أرشيفاته ليرى كم عدد الذين اعتقلهم من سكان هذه الأحياء في مختلف الأحداث السياسية و الاجتماعية التي عرفتها البلاد.
و في مطلع الثمانينيات، عندما حدثت "انتفاضة الخبز" في 20 يونيو 1981، كانت أحياء الصفيح هذه أيضا في قلب الحدث.
غير أنه، و في هذا كله، لم يحدث أن أنتجت هذه الأحياء انتحاريين و إنما كانت تنتج مقاومين و مناضلين.
ليس الذي رأى كالذي سمع. و الذين يكتبون عن أحياء الصفيح من داخل المكاتب المكيفة ليسوا، بالتأكيد، مثل الذين تلمسوا طريقهم إلى الحياة بين صفيحها و تعلموا أبجديات الكتابة على ضوء الشموع في ليالي أكواخها. و لا أدري إن كان من حسن حظي ـ أم من سوئه! ـ أنني أنتمي إلى الفئة الثانية. فقد ولدت و نشأت في حي الصفيح بإبن امسيك و لم أغادره إلا و عمري ستة عشرة سنة بعد أن تم ترحيل السكان إلى الحي الجديد في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. كنا أطفالا وسط الأزقة المتربة، و مجاري المياه القذرة بوسطها، و المزابل المنتشرة في كل مكان، بدون ماء صالح للشرب و لا كهرباء و لا مراحيض. و كان الذين اشتروا تلفازا بالأبيض و الأسود و بطارية لتشغيله يبدون أثرياء في نظرنا، و كنا نحس بفارق كبير بيننا و بين زملاء دراستنا الذين كانوا يقيمون في بيوت فعلية من إسمنت و آجور في الأحياء المجاورة. و ربما بسبب ذلك الإحساس كان معظم أبناء الصفيح متفوقين في دراستهم. و من بين أحضان الصفيح بإبن امسيك خرج شاعر كبير هو الأستاذ عبد الله زريقة الذي أرخ للحي في قصيدته الرائعة و الشهيرة "شمس إبن امسيك"، و خرج رائد كبير من رواد المسرح المغربي و مؤسس "مسرح الجمهور" أو "مسرح المرحلة" هو الراحل الحسين حوري، و غيرهما كثير من المبدعين و الكفاءات و الطاقات النادرة، و لم يخرج أي انتحاري حتى و إن كانت الرواية الرسمية لموت الراحل الحسين حوري هي أنه "انتحر بواسطة حبل".
لم يخرج من بيننا انتحاريون، ببساطة، لأنه لم تكن هناك تنظيمات إرهابية في ذلك الوقت و لا فكر إرهابي مثلما هو الأمر اليوم. و بالمقابل كنا نجد الطريق إلى التأطير المدني و السياسي مفسوحا أمامنا. فعند بداية حي الصفيح كانت دار الشباب امحمد بنسودة و عند نهايته كانت دار الشباب إبن امسيك (الجولان حالياً). و في الدارين معاً كان أبناء حي الصفيح نشيطين و منظمين في أندية و جمعيات فنية و ثقافية و تربوية و رياضية. و بين أزقة الحي الصفيحي و أكواخه كانت تنشط مختلف التنظيمات الحزبية. لكنْ، لم يكن هناك أي تنظيم إرهابي و لم تكن هناك متفجرات و لا أحزمة ناسفة. و في سنة 1985 ـ عندما عرف السكان أن مؤامرة كانت تدبر ضدهم في الخفاء للاستحواذ على البيوت التي شيدت لفائدتهم و ترحيلهم إلى حي صفيحي آخر ـ ذهبوا للاحتجاج و التظاهر السلمي أمام المقر القديم لعمالة إبن امسيك سيدي عثمان الذي أصبح الآن جزء من مستشفى المنطقة. كان المشهد رائعا في تلك الليلة من ليالي رمضان: الحناجر ترتفع بالشعارات بطريقة منظمة و حضارية قل نظيرها، و الشرطة تكتفي بالوقوف و مراقبة ما يجري دون أن تتدخل لأنه لم يكن هناك، ببساطة، ما يدعو إلى تدخلها. و بعد مدة وجيزة تم حل المشكل و انتقل السكان إلى بيوتهم الجديدة.
التظاهر السلمي، و الاحتجاج السلمي و المنظم، يجسدان الإيمان بالعمل في إطار المشروعية و القانون. و هذا كان نتيجة للتأطير السياسي و المدني الذي كان متوفرا آنذاك. و عكس ذلك، فالأحزمة الناسفة، و المتفجرات، هما مظهر من مظاهر عدم الإيمان بأي مشروعية أو قانون لأنه لم يعد هناك أي تأطير سياسي أو مدني فعلي سواء داخل أحياء الصفيح أو خارجها. و المسؤولية هنا يتقاسمها طرفان أساسيان: الدولة و الأحزاب السياسية.
الدولة تتحمل المسؤولية لأنها، منذ أواسط الثمانينيات بالضبط، شنت هجوما ممنهجا و لا هوادة فيه على العمل الجمعوي حتى أصبحت قاعات دور الشباب طافحة بنسج العنكبوت. و الأحزاب السياسية تتحمل المسؤولية أيضا لأنها تحولت إلى مجرد دكاكين انتخابوية تفتح أبوابها في المواسم الانتخابية و تغلقها مباشرة بعدها، و الهاجس الأول و الأخير لقياداتها هو المناصب و الامتيازات. و نتيجة ذلك لم يعد ينخرط في صفوفها إلا الانتهازيون من مختلف العيارات. أما الجماهير العريضة من الفئات الشعبية ـ سواء داخل أحياء الصفيح أو خارجها ـ فقد أصبحت خارج أي تأطير سياسي أو مدني.
غياب التأطير السياسي و المدني، إذن، هو المعضلة الكبرى. و هو أكبر هفوة ينفذ منها الإرهاب إلى المجتمع المغربي. فعندما لا تكون هناك قنوات مشروعة لتصريف المطالب الاجتماعية تتجه هذه المطالب تلقائياً إلى التعبير عن نفسها خارج المشروعية. و المتفجرات و الأحزمة الناسفة هي أحد مظاهر هذا التعبير خارج المشروعية و القانون.
بالطبع، ستكون هناك دائما مطالب اجتماعية حتى لو تم القضاء على كل أحياء الصفيح. و طالما أن هذه المطالب ترتد إلى صدور أصحابها بفعل غياب القنوات المشروعة لتصريفها فسوف يتم، بالضرورة، تصريفها خارج هذه القنوات بمختلف الطرق و الأساليب غير المشروعة. لذلك فأحياء الصفيح هي جزء من المشكلة و ليست المشكلة بكاملها. و القضاء عليها يظل، بالنتيجة، مجرد جزء من الحل و ليس الحل كله. و بدل أن يتخذ السياسويون من أحياء الصفيح مشجباً يعلقون عليه معضلة من حجم الإرهاب، و يبررون به كسلهم و فشلهم، و يتخذون منه مطية للحملات الانتخابية في سنة 2007، عليهم أن يسألوا أنفسهم كم عدد المنخرطين فعلاً في أحزابهم و كم من مطلب اجتماعي استمعوا له، و عملوا على تحقيقه، طيلة هذه السنوات. أما الدولة فربما سيكون عليها أن تفعل ما كانت تفعله بعض النسوة في أحياء الصفيح قديما حيث كن يعلقن على أبواب بيوتهن "صفيحة" لدرء العين الشريرة. و الصفيحة المقصودة هنا هي، بالطبع، تلك التي تستعمل لقوائم الدواب. فالدولة المغربية هي صاحبة أول مشروع ديموقراطي "نموذجي" في العالم العربي بأحزابها التي تزيد عن الثلاثين وسط حوالي 32 مليوناً من المغاربة. و ليس مستبعدا أن تكون هناك عيون شريرة كثيرة تنظر إلى الدولة المغربية و أحزابها نظرة شزراء.
لكنْ، بالحساب البسيط، فلو كان كل حزب يؤطر فقط حوالي مليون مواطن لكان كل المغاربة مؤطرين سياسياً كما قال رئيس الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي عبد الواحد الراضي. و بذلك فهي أحزاب لا أحد سيحسدنا عليها ما دامت لا تؤطر أحدا. لكن العثور على "صفيحة" من صفائح الدواب لدى بعض القيادات الحزبية لن يكون أمراً صعباً، سيما و أن بعض تلك القيادات قد انتقل رأساً ـ و دونما حاجة إلى أي مرحلة انتقالية! ـ من العيش على الكفاف إلى تربية الخيول الأصيلة بعد أن لم يكن يملك ما يربيه إلا الشَّعَر في لحيته و "الشِّعْرَ" في دواوينه التي تطبع اليوم على نفقة الدولة، أي على حساب المال العام.



#عبد_الرحيم_الوالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجير الدار البيضاء الأخير: هل كان عملية عَرَضِيةً بالفعل؟
- شهادة من قلب الحدث: هذه بعض أسباب الإرهاب بالدار البيضاء


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الرحيم الوالي - الإرهاب و الدواب