أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحيم الوالي - التجربة -الليبرالية- بالمغرب: نحو مقاربة نقدية















المزيد.....

التجربة -الليبرالية- بالمغرب: نحو مقاربة نقدية


عبد الرحيم الوالي

الحوار المتمدن-العدد: 1865 - 2007 / 3 / 25 - 11:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نص الدستور المغربي لسنة 1996 في فصله الخامس عشر على أن "حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونان". و بذلك كرس الخيار "الليبرالي" الذي تبنته المملكة منذ استعادتها الاستقلال سنة 1956. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح في المغرب هو: هل كان الخيار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي تم تبنيه في مغرب ما بعد الاستقلال، بالفعل، خياراً ليبرالياً؟
مباشرة بعد استعادة الاستقلال كانت بعض القوى السياسية تسعى إلى فرض نظام الحزب الوحيد. و هو ما عبر عنه آنذاك علال الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، الذي قال "إن الله قد وحد الأمة حول ملك واحد وحزب واحد". لكن "الحزب الواحد"، وبعد سنتين فقط من الاستقلال، سيعرف انشقاقاً أدى إلى ظهور حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ناهيك عن وجود حزبين آخرين آنذاك على الساحة هما "حزب الشورى و الاستقلال" و الحزب الشيوعي المغربي الذي كان حزب الاستقلال وراء إصدار قرار بحظره.
كان خيار الحزب الوحيد يصب أساساً في مصلحة "حزب الاستقلال" الذي قاد الحركة الوطنية و كان قوة سياسية مهيمنة آنذاك. بيد أن الخيار إياه لم يكن يصب في مصلحة المؤسسة الملكية التي لا يمكن أن تسمح بوجود قطب سياسي وحيد قد يتحول في كل وقت و حين إلى منافس على الحكم، خاصة و أن المؤسسة الملكية آنذاك بدأت تعرف تصاعداً كبيرا لدور ولي العهد الذي سيصبح الملك الحسن الثاني فيما بعد، بما عُرف عنه من دهاء سياسي.
لقد قال الحسن الثاني في إحدى خطبه في التسعينيات من القرن الماضي بأن "السياسي ينبغي أن تكون له حاسة سادسة تسبق الأحداث حتى لا تسبقه الأحداث". و لم يكن قد قالها في التسعينيات إلا لأنه لم يدع الأحداث تسبقه قبل ثلاثة عقود، أي في عقد الستينيات من القرن العشرين.
في سنة 1962 وضع الحسن الثاني أول دستور للمغرب المستقل. و قد اعتمد من جهة مبادئ الحكم الديموقراطي المتمثلة في الانتخابات و التعددية الحزبية و وجود برلمان و غير ذلك. لكن الدستور جمع من جهة أخرى كل السلطات بين يدي الملك بما فيها السلطة الدينية التي تتمثل في تنصيص الدستور على أن "الملك أمير المؤمنين". أما على المستوى الاقتصادي فقد اعتمد اقتصاد السوق مع الحرص على وجود قطاع عام تديره الدولة التي يرأسها الملك. و أكثر من ذلك فالذين تجرأوا على معارضة الدستور كان لهم نصيب وافر من التنكيل سواء عبر الأجهزة الأمنية أو عبر ما سمي آنذاك ب"جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" بزعامة رضا اكديرة الذي سيصبح فيما بعد مستشارا للحسن الثاني.
عبر تبني هكذا واجهة "ليبرالية" لنظام الحكم في المغرب كانت المؤسسة الملكية (وهي الحاكمة فعلياً) تحقق عدة أهداف في آن واحد: داخلياً، كانت "الليبرالية" تمنع الحزب الوحيد و تسهل كثيرا ضرب كل مَنْ ينادي بذلك من الاشتراكيين و الشيوعيين و القوميين و غيرهم من التيارات التي بدأت تبرز داخل المجتمع المغربي. أما خارجياً، ف"الليبرالية" تتيح مساحات مهمة للتحالف مع الغرب الرأسمالي في مواجهة "الخطر الشيوعي". و في مساحات التحالف هذه كان على الغرب، داعية الديموقراطية و الحريات و حقوق الإنسان، أن يغض الطرف على ما حصل بالمغرب المستقل من اختطافات و اغتيالات و سجون سرية و مقابر جماعية و خنق لحرية التعبير و منع للأحزاب المعارضة و إطلاق للرصاص الحي على المتظاهرين و غير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إبان ما يصطلح عليه ب"سنوات الرصاص". و مع كل هذا السجل الحافل لا يمكن أن نتحدث عن الليبرالية على المستوى السياسي أو على مستوى الحريات لأنه لا يوجد، ببساطة، نظام ليبرالي يسمح بكل هذه الانتهاكات.
و لم يكن الأمر مختلفاً على المستوى الاقتصادي حيث هيمنت مجموعة من اللوبيات المقربة من النظام على الموارد الكبرى في البلاد. و تم ترسيخ نظام للامتيازات يقوم على إرشاء النخب السياسية و المالية من خلال اقتطاع الأراضي و توزيع رخص الصيد البحري و مقالع الرمال و تخويل الاحتكارات و ما سوى ذلك. و هو ما أدى إلى نمو "رأسمال" يقوم على إنتاج الريع و تكديسه بدل إنتاج الثروة و تحقيق النمو للمجتمع.
و قد كان لهذا انعكاس سلبي كبير على المستوى الاجتماعي حيث اتسعت الهوة بين الغنى و الفقر المدقع. ففي سنة 1998 أقرت حكومة عبد الرحمن اليوسفي بأن أزيد من ستة ملايين مغربي يعيشون على أقل من عشرة دراهم يومياً، أي تحت عتبة الفقر بالمعايير الدولية. و تدنت الخدمات الصحية المجانية التي كان يقدمها القطاع العام إلى أن انعدمت نهائياً، و اتسعت دائرة البطالة في أوساط كل الشرائح العاملة بمختلف مستوياتها التكوينية و التعليمية. و ذلك علما أنه لا وجود لتعويض عن البطالة كما هو الأمر في الدول الليبرالية. أما الطبقة الوسطى فقد سُحقت بارتفاع أسعار المواد الأساسية و بلوغ العقارات المعدة للسكن أثمنة خيالية. كل ذلك علاوة على الخصاص الكبير في المرافق الاجتماعية و الثقافية و الفنية التي يمكن أن تشحذ وعي الأفراد و تمكنهم من تفجير طاقاتهم الإبداعية الخلاقة.
عندما بدأت الأزمة الاجتماعية تبرز واضحة للعيان في عقد الثمانينيات من القرن العشرين كان لا بد مرة أخرى من استدعاء "الليبرالية" إلى المشهد السياسي المغربي. و هكذا خرج الوزير الأول في ذلك الوقت، المعطي بوعبيد، ليعلن تأسيسه لحزب "الاتحاد الدستوري". و هذه المرة سيدعو الحزب الجديد إلى "ليبرالية مجتمعية". و في نفس السنة التي تأسس فيها، 1983، حصد الحزب أغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات طافحة بالتزوير و استعمال الأموال لشراء الأصوات و إقامة الولائم الدسمة في المناطق الشعبية و الفقيرة و ما عدا ذلك من ضروب الفساد الانتخابي. و كانت نتيجة هذه "الليبرالية المجتمعية" أن المغرب أصبح مهددا ب"السكتة القلبية" بتعبير الملك الحسن الثاني نفسه. أما قيادة "الاتحاد الدستوري" فكثير من أعضائها ثبت تورطهم في ملفات ضخمة للفساد المالي و منهم مَنْ يقبع الآن في سجون المغرب بسبب ذلك.
فشل دعاة "الليبرالية" في إقرارها على أرض الواقع المغربي لأنهم، ببساطة، لم يكونوا ليبراليين في ممارساتهم أبداً. و لذلك لم يكن أمامهم إلا أن يستنجدوا بالاشتراكيين من أجل إصلاح "الليبرالية"، فكانت حكومة عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998 أو "حكومة التناوب" كما توافق المغاربة على تسميتها. و مع إطلاق هذا المسلسل بدأت تتحسن أوضاع الحريات العامة، و تم إقرار حقوق لفائدة المرأة، و فتح المجال أمام التعدد الثقافي من خلال الانفتاح على الحركة الأمازيغية، كما أن الملك محمد السادس ـ مباشرة بعد توليه الحكم عقب وفاة الحسن الثاني في 23 يوليوز 1999 ـ دعا إلى "مفهوم جديد للسلطة" و إلى "مشروع ديموقراطي حداثي" مبدياً بعض الاهتمام بقضايا الشرائح الدنيا من المجتمع المغربي.
لكن هذه "المكاسب الليبرالية" تظل على درجة كبيرة من الهشاشة و يتم التراجع عنها بسهولة تحت ذرائع مختلفة مثل "مكافحة الإرهاب" أو "المس بالمقدسات" أو غير ذلك. هذا إضافة إلى الفراغ السياسي الكبير و تراجع الدور التأطيري للأحزاب اليسارية التي تتبنى أطروحات اشتراكية، إما لعدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي أعلنتها قبل مشاركتها في إدارة الشأن العام أو بسبب عوامل أخرى. أما الأحزاب الداعية إلى "الليبرالية" فدورها في المجتمع يكاد يكون منعدما نظرا لتحملها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من جهة أولاً، و باعتبار أنها لم تنبع من المجتمع بقدر ما صُنِعَتْ في كواليس وزارة الداخلية ثانياً. و النتيجة هي تفشي المد التيوقراطي سواء تمثل في التيارات الإسلامية الراديكالية أو تلك التي تنعت ب"المعتدلة". و قد كانت هذه النتائج واضحة في آخر استطلاع للرأي أجراه المعهد الجمهوري الدولي و الذي رشح الحزب الإسلامي (العدالة و التنمية) للفوز بأغلبية 47 بالمائة من الأصوات في الانتخابات المرتقبة في 2007 و 2009.
هكذا يغيب عن الساحة تماماً تيار ليبرالي نابع من صميم المجتمع المغربي و يتوفر على قاعدة جماهيرية واسعة رغم أن المغرب يبقى "ليبراليا" على مستوى النوايا المعلنة للدولة و بعض الأحزاب و رغم أن هناك حاجة ملحة لهذا التيار، و رغم أنه من المؤكد وجود نخب سياسية و ثقافية و فكرية تؤمن بالليبرالية كخيار ناجع لبناء الدولة المغربية الحديثة. و لعل أولى المقدمات التي ينبغي أن يتأسس عليها هذا التيار تتمثل في المساءلة النقدية البناءة للتجربة "الليبرالية" في المغرب المستقل على مدى نصف قرن و تدعيم نجاحاتها القليلة و معالجة هناتها و مواطن قصورها الكثيرة. و هذه بالتأكيد مهمة جيل جديد من الليبراليين المغاربة.



#عبد_الرحيم_الوالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب و الدواب
- تفجير الدار البيضاء الأخير: هل كان عملية عَرَضِيةً بالفعل؟
- شهادة من قلب الحدث: هذه بعض أسباب الإرهاب بالدار البيضاء


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحيم الوالي - التجربة -الليبرالية- بالمغرب: نحو مقاربة نقدية