التحرر من تحجر الذهنيه في مضمون الانتماء

سلام خماط

الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 13:04
المحور: الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2 : المصالحة والتعايش في مجتمعات الصراع العراق نموذجا
    

بعث الله الانبياء ليجيبوا الناس عن تساؤلاتهم عن اصل الوجود والغاية من خلقهم ولان الانسان وجد مفكرا فان الدين رافقه منذ البداية ، من هنا يقول الامام علي
عليه السلام بعث الله الانبياء للناس ليثيروا فيهم مكامن العقول ، الا ان بعض اتباع الانبياء كانوا يتبعون التحريف الذي طغى على حقيقة الدين ، فيقتضي ذلك ارسال نبي جديد يعيد الناس الى طريق الدين الصحيح حتى توالى ارسال الانبياء وذلك لسببين الاول يستلزم تطوير وتجديد انظمة الشرائع والثاني الحفاظ على جوهر العقيدة في كل الرسالات السماوية الا ان تشبث البعض بالنسخ المحرفة والمزيفة لاصل الرسالات وعدم اتباعهم للانبياء اللاحقين وهكذا تعددت الديانات ، من هنا لاينبغي للاختلاف الديني بين الناس ان يؤدي الى الصراع والنزاع لان الاصل في العلاقة بين الناس هو التعايش والانسجام والاحترام المتبادل . ان التنوع بين الناس كان سببا للصراع مما اوجد جهات تستغل حالة التنوع وذلك بتعميق الخلاف والعداء من اجل مصالحها الخاصة من هنا ظهرت نظريات تدعو للتفوق على الاخر ومنها نظرية التفوق العرقي الذي يجعل من الجنس اساسا لهذه النظرية التى تبناها الحزب النازي في المانيا ايام الدكتاتورية الهتلرية ، والتاريخ البشري ملئ بالحروب والصراعات التي نشبت على اساس التنوع العرقي او الديني او الطبقي او القبلي . ان اختيار الانسان لقناعاته وافكاره ومايقرره لنفسه من سلوك يكون السبب الرئيسي لاختلاف المدارس الفكرية وتنوع التوجهات لسياسية ، ولذلك لايحق لاحد ان يفرض اتجاها معينا على الناس ومن هنا يجب ان يكون الاقرار بحق الاراء والتوجهات المختلفة بغض النظر عن صوابها وصحتها . ان من الطبيعي ان تسعى كل جماعة بشرية لتعزيز موقفها وتاكيد ذاتها امام الجماعات الاخرى بشرط ان لايكون على حساب الاخرين واستلاب حقوقهم،وهنا يكون عندنا منهجان واسلوبان الاول هو اسلوب الصراع والنزاع والثاني هو طريق التنافس الايجابي ، ان ا سلوب التنافس السلبي الذي يمثل الصراع والنزاع يكلف المتنازعين الكثير من الضحايا والخسائر بدلا من ان تنصب جهود كل من الطرفين او الاطراف المتصارعة الى الاعمار والبناء والتقدم والازدهار ، ان التعايش السلمي لايمكن ان يتحقق بين الجميع الا اذا خضع الى بعض الشروط منها عدم تعرض طرف من الاطراف لانتهاك حقوقه او التعدي على مصالحه من قبل طرف اخر عندها لم تتوفر اجواء التعايش ، ان الظلم الذي تشعر به فئة او اقلية يمنعها من التفاعل الايجابي مع الفئة الظالمة لها مما يدفعها الى التفكير في الثار والانتقام ، ان الاحترام المتبادل بين الناس وان اختلفت اتجاهاتهم الفكرية والدينية هو اساس احترامهم لانسانيتهم وهم اخوة وان لم يكونوا في الدين فهم نظراء في الخلق كما يقول الامام علي عليه السلام. ان قيم الاسلام ومفاهيمه هي ذات افق انساني عالمي تستوعب كل الاعراق والقوميات ومن هنا فان الصفوة التي سبقت الى الايمان تظم عناصر من اعراق وقوميات مختلفة لبناء مجتمع اسلامي على اساس من التنوع العرقي والقومي وعندما سال الامام علي عليه السلام عن تعريف الاسلام قال: هو سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وعمار الحبشي . يجب ان لانستبعد تاثير الظروف الاجتماعية والسياسية على تكون الاراء واتشارها وبتعدد هذه الاراء والافكار تنوعت المدارس الفكرية والمدارس الفقهية في الاسلام فظهرت المدرسة الجبرية والمدرسة القدرية ، والمعتزلة والااشاعرة اما بالنسبة للمدارس الفقهية فقد ظهرت مدرسة اهل الحديث ومدرسة اهل الراي . الاختلافات الفكرة بدات مبكرة في حياة المسلمين الا ان التنوع الفكري والفقهي لم يكن ملازما للخلاف والفرقة بل كان ميدان لتلاقح الافكار لذلك توفرت للمسلمين ثروة فكرية واسعة بسبب تعدد المدارس والتيارات المختلفة. ان التاريخ العربي الاسلامي يثير الالم لما يعكسه من حالة التعصب وذلك لرفضه حالة التنوع ان اجواء الصراع السائد في العراق بين الانتماءات والتوجهات المختلفة سببه عدم الوصول الى النظام الاجتماعي العادل والقائم على الاعتراف بالاخر والقبول به والتعايش معه ومشاركته في بناء المجتمع والحياة الكريمة. ان خطر التعصب المذهبي الذي يقف ضد التوحد وجمع الشمل والذي يساعد على التمزق ويكرس الفرقة حيث تسود اجواء التشاحنات الطائفية بين ابناء الوطن الواحد والدين الواحد والقومية الواحدة فيقع الصراع والتنافر بسبب الاختلاف في المذاهب ولايعلم المتعصبون ان المذاهب على تعددها انما تستقي من ينبوع واحد الا هو كتاب الله وسنة نبيه وتتفق على اصول واحدة مشتركة هى الايمان بالله ونبيه والايما ن بالاخرة ويتجه ابنائها الى قبلة واحدة وكلهم يقيمون الصلاة وياتون الزكاة ويحجون بيت الله ويصومون شهر رمضان ، الا ان السبب الوحيد وراء التعصب المذهبي هو الجهل بتعاليم الدين والاخلاق السيئة التى نشات من الانانية والمصلحية وجهود اعداء الدين في الخارج والداخل التى تزرع الفتن وتبث الاختلاف.ان التعايش هو ان يعترف كل طرف بالاخر بحقه في التمسك بقناعته ومعتقدة وممارسة شعائره الدينية والعمل وفق اجتهاداته المذهبية وان يتعامل الجميع كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات من اجل تحقيق المصلحة العامة ومواجهة الاخطار المشتركة وهذا مايدعو اليه العقل والمنطق وتفرضه طبيعة الااشتراك ضمن الوطن الواحد والعمل على تطبيق شعار ( صلاح شا ن الناس التعايش)ان اهم اسباب التعايش بين الناس هو التنوع حتى يستفيد كل فرد بل وكل مجتمع من خدمات وتجارب وحضارة الغير ليقدم لهم بالمقابل خدماته وخبرته في منافع متبادلة لايمكن الاستغناء عنها كما ان الربط بين المصالحة والتعايش السلمي هما من اهم ركائز التقدم وان الحقيقة التى لاتخفى على احد ان سبب من الاسباب المهمة لتخلف المسلمين والعرب انما هو نابع من تجزئة قدراتهم اتجاه عدوهم المشترك فتحول الصراع من صراع عربي اسرائيلي الى حروب ونزاعات بين الدول العربية والاسلامية والى صراعات داخلية في اكثر من بلد عربي واسلامي . ان من اهم الخطوط التى يقوم عليها تاصيل التعايش واستيعاب التنوع في المجتمع الواحد هو التامل في ظاهرة قانون الاختلاف ومنها الاختلاف الطبيعي يبين مختلف الاديان داخل المجتمع . ان المتحاورين ينطلق كل منهما على اساس تقديم الفكرة كعنوان من العناوين التي يدور فيها الجدل وان مشكلتنا الاساسية هي اننا اصبحنا مجموعات بشرية تلتقي على ارض واحدة وتختلف وتتفرق في الخطوط الفكرية المتعددة فالكل يدعي حب الوطن والعمل من اجل تقدمه وازدهاره في الوقت الذي اصبحوا فيه مختلفين الى حد الانفصال ، ان الناس احرار فيما يؤمنون او يعتقدون وعلى طريقتهم في الاعتقاد شرط ان لايلحقوا الاذى بغيرهم من البشر فليس من حق احد ان ينصب نفسه حاكما علىتصرفات الاخرين . ان المهمة الكبيرة والعظيمة التى جاء من اجلها الانبياء والعظماء هي الاقتراب من الفضيلة اما الوسيلة التى يستخدمونها من اجل ذلك فهم احرار باختيارها فحرية العقيدة الدينية حق من حقوق الناس وبما ان الحرية لاتتجزأ فان الانسان لايمكن ان يكون حرا من جانب ومقيدا من جانب اخر، فالمسلم اخو المسيحي، والمسلم اخو الصابئي ، والمسلم اخو اليهودي فالكل اخوة بمختلف اديانهم ومعتقداتهم مادام الانسان اخو الانسان شاء ام ابى . ان كل قول يدعي خدمة الانسان ولا يدعو الى السلم ويدفع الاحياء الى الموت ولاتتبعه الدعوة الى المؤاخاة والتعايش بين البشر فهو قول عاجز وراي سقيم ، والسلم هو الحالة الوحيدة التي تمكن ابناء الانسانية الواحدة من ان يستخدموا مواهبهم وطاقاتهم ليبلغوا امانيهم المشتركة، فما ابغض التناحر والاقتتال ومااجمل التعايش والتالف من اجل السلم ، مااقبح الحرب لان الحرب عدوان ولان في الحرب الويلات على الانسان المنتصر والمهزوم معا ، وفي الحرب امتهان لكرامة الانسان وفيها الخروج على العقل وقيمة الحياة في شخص الغالب وفيها المهانة والمذلة واراقة الدماء في شخص المغلوب وليس هنالك ماهو اشر من القتال وفي الحرب مضيعة للحق وتغطية للباطل . ان مشكلتنا اننا نعيش مايصنعه الاخرون بكل وسائلهم وخاصة الاعلامية السبب في ذلك اننا مجتمع استهلاكي حتى في مجال الفكرة وقمة التخلف هنا ان تستهلك فكر الاخرين دون ان تنتج فكرك هنا ستكون صورة اخرى لغيرك بالاضافة الى مساهمتك في طمس شخصيتك الا ان اكثر الكتاب والمفكرين والاحزاب السياسية والدينية اذا ماضطهدو ا فان المجتمع سوف يتعاطف معهم لانهم في نظره مظلومين حتى لو كان بعضم على باطل والسبب في ذلك انهم لم يمارسوا حريتهم في نشر افكارهم وهذا مالاحظناه بعد التغير في العراق بعض الاحزاب التي كانت محضورة ومحرومة من ممارسة حريتها العقائدية والفكرية والتي اخذت بعد سقوط النظام من ممارسة حريتها الكاملة وذلك من خلال فتح مقرات لها واصدار الصحف الا اننا لم نجد ذلك الاقبال الجماهيري الذي يتمناه القائمون على هذه الاحزاب ونادرا مانجد من يدخل الى هذه المقرات من عامة الناس. ان الدكتاتورية بكل انواعها وعلى امتداد التاريخ لن تنجح في منع الانسان من ممارسة حقه في ميدان الفكر والثقافة . ان حل المشكلات باسلوب الحوار والمصالحة ماهو الا تاكيد لحقيقة لايحس قيمتها الا الانسان المتحضر الا ان البعض الذي لايرى الا الاصرار على عدم المصالحة والحوار حينها ستكون الاساليب البديلة من الضرورات الاجتماعية والسياسية ان الحوار والمصالحة بين الجماعات المتخاصمة يجب ان تنتهي الى الوفاء بالعهود التي يقطعها كل فريق من الفرق المتصالحة تدعيما لاركان السلم بين المتنازعين ولافرق ان يكون الوفاء بالعهد بين ابناء المذهب الواحد او المذاهب المختلفة فلا مذهب ولاقومية تحول دون الالتزام بمبادئ المصالحة والحوار فمن ايجابيات المصالحة هو التقارب بين المختلفين والاطمئنان المشترك والعمل بالحرية التى يستشعرها الطرفان فيتمكن ممارستها في حدود هذا الاطمئنان . ان الديمقراطية جعلت الحركة الاجتماعية تبعث من داخل الحضارة حيث ظهرت فيها الاحزاب المتصارعة وبذلك اخذ التفاعل السياسي والاجتماعي يجري في داخل هذه الحضارة الجديدة على اساس سلمي وهو يكاد يخلو من العنف الذي كان يتسم به المجتمع القديم وكان لانتشار الثقافة وتقليص الامية ومحاربتها اثر لايستهان به في هذا التحول واخذ الظلم الذي كان يعاني منه المجتمع يتقلص في اطار الوضع الجديد الذي حاول ويحاول من رفع المستوى المعاشي للناس. ان الفكر الانساني التقدمي قد توصل الى تذويب الاختلاف عن طريق الحوار والديمقراطية التي هي ضد الظلم والاستبداد وسبيلا صحيحا لمواجهة التعسف واستلاب حقوق الاخر ، هنالك سبب تاريخي وايديولوجي سياسي شغلت بمجموعها ذهينة عامة رافضة للاخر والاستماع اليه والحوار معه فضلا عن الاعتراف بحقوقه والعمل معه لبناء نظام سياسي وادارة العمل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي فالذهنية السائدة في هذا المجنمع هي ذهنية سباق صراعي لكسب مواقع النفوذ والسيطرة على الجهاز السلطوي والامساك بمواقع النفوذ السياسي والاقتصادي . ان الجهات التي تقف وراء اعمال العنف انما تقصد اشاعة الخوف والرعب في دوامة من ضياع الامن والاستقرار وان الهدف الرئيسي وراء ذلك هو خلط الاوراق حتى يقال فيما يقال من بعض السذج من الناس ومااكثرهم بان الاوضاع في زمن صدام افضل مما هي عليه الان هنا لا يمكن ان نتقدم خطوة واحده باتجاه المصالحه الا اذا استطعنا ان نتخلص من تحجر الذهنيه في مضمون الانتماء .، ان نبذ الاحتقان الطائفي والتعصب الاعمى والتحرر من قيود الماضي هو من مسؤولية المثقفين بمختلف انتماءاتهم المذهبية والقومية ان لم تكن من مسؤولية رجال الدين المرتبطين بالماضي ورجال السياسة المرتبطين بالمصالح والساعين الى مواقع النفوذ . ان الصراع ضد الظلم قد لازم الانسان على مدى تاريخه ولكن على وجوه واشكال عدة وقد تحمل اعبائه مجموعة من العظماء حتى كانت ايامهم عبارة عن حلقات متواصلة من الصراع المتوارث ، فتاريخ الانبياء عبارة عن ثورة ضد الظالمين من الارستقراطيين وعبيد الوثنية ومايقال عن الانبياء يقال في روسو وغاندي وغاليلو وغيرهم من العظماء وفي الجانب الاخر نرى الظالمين الذين تحول الظلم في نفوسهم الى مرض لايمكن علاجه امثال نيرون وفرانكو وعباقرة روما والسلاطين التافهين وفي سيرة الاوباش الاغبياء امثال الحجاج وهتلر هؤلاء القتلة الذين اذا اراد أي احد ان يثبت مظالمهم فلايكلفه ذلك أي جهد وابسط دليل على ذلك عندما سال القاضي المسؤول عن محاكمة الدكتاتور الايطالي موسليني : ماأسمك فاجاب الدكتاتور: اسمي موسليني وقال القاضي ان اسمك يدل على جرائمك هكذا عندما نذكر ونعدد اسماء الطغاة فان القائمة تطول ولاتكفي هذه الصفحات لذكر اسمائهم عبر التاريخ اذا لم نقل افعالهم القبيحة . قد يتعدى الصراع كونه صراع بين قوى ظالمة وقوى مظلومة الى كونه صراع بين القيم الانسانية العليا والقيم الانسانية السفلى مهما تلبس القوى المتحكمة تصرفاتها من اردية المنطق والعدالة والسياسة فانها في الواقع تنخر في كيان المجتمع البشري وتؤدي به الى الفناء .

لاقى الشعب العراقي صنوفا من الظغوط لم يلقها شعب اخر جيلا بعد جيل ، فكيف يكون بهذا الشعب المظلوم ان يهب لمساندة الحق . والخوف يقضي على كل كرامة وقد استطاع الارهاب ان يجعل من التعذيب والموت القوت اليومي لهذا الشعب المظلوم ...

#سلام_خماط (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات