|
مستقبل الديمقراطية في فلسطين راهناً ودور قوى اليسار
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 1849 - 2007 / 3 / 9 - 13:58
المحور:
القضية الفلسطينية
محاضرة حول: مستقبل الديمقراطية في فلسطين راهناً ودور قوى اليسار يتعرض شعبنا في هذه المرحلة لأزمات و ضغوطات هائلة سيؤدي استمرار تراكماتها إلى مزيد من التفكك و الانحسار على الصعيدين الاجتماعي و السياسي، وقد تكون معظم هذه التداعيات والحصار والاقتتال أحد نتائج الديمقراطية الموجهة أو ثمناً لها، ورغم إدراكنا بأن الديمقراطية كانت دوماً مطلباً وطنياً فلسطينياً، لكن كل ما جرى لم يكن بعيداً عن المخطط الأمريكي الإسرائيلي والرباعية الأوروبية، يؤكد على ذلك ما تعرضت له صيغ وأفكار الثوابت الفلسطينية من مراجعات مع الولايات المتحدة وغيرها أثناء الحوار حول حكومة القطبين، فقد بات واضحاً للجميع أن الدور الأمريكي الأوروبي في فرض الديمقراطية كان هدفه المركزي – وما زال- تجسيد أو تكريس العملية السياسية وفق الشروط الإسرائيلية/ الأمريكية عبر أدوات و شرائح وشخوص فلسطينية لها مصلحة، في تمرير هذه العملية، وهنا تتقارب وتتقاطع أهداف الحصار مع أهداف ما يسمى بالإصلاح الديمقراطي الليبرالي. المسألة الأخرى التي أود الإشارة إليها في هذه الندوة، تتعلق باللحظة السياسية الراهنة أو ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وأقصد بذلك حالة الارتباك السائدة التي فرضت وستظل تفرض نفسها على طرفي المعادلة الفلسطينية : فتح و حماس ، فيما يخص تشكيل الحكومة الفلسطينية، و بعد تشكيلها، و ما التأخر في الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة سوى دليل على هذا الارتباك و التردد الذي ميز مواقف الطرفين طيلة الشهور القليلة الماضية ، فضلاً عن توتر العلاقات بين الطرفين ووصولها إلى أشد درجات الانحطاط حين استخدم كل فريق منهما السلاح ضد الآخر، بحيث بدت حكومة القطبين كما لو كانت المخرج الوحيد من الأزمة الداخلية وفق محددات "بيان مكة" الذي فرض صيرورة المحاصصة او الحتمية بعيداً عن صيرورة الديمقراطية والتعددية ووثيقة الوفاق الوطني والوحدة الوطنية، فقد بات من الواضح أن اتفاق مكة كان بمثابة محاصصة شاملة بين فتح و حماس لاقتسام المصالح و المراكز و الامتيازات، في السلطة والحكومة كما في م.ت.ف لاحقاً. ويبدو أن الحاجة تضاعفت إلى هذه الحكومة التي تستند إلى قاعدة الحد الأدنى من التفاهمات بين القطبين ليس لأنها يمكن أن تكون الحل السحري للأزمة الفلسطينية الداخلية (الاقتصادية والمجتمعية والأمنية) و لا لأزمة التسوية أو انعتاق الشعب الفلسطيني من الاحتلال، و لكن لكونها الخيار الوحيد الممكن لتجاوز مأزق الوضع الراهن بين فتح وحماس أو بين الحكومة والرئاسة تجاه الأوضاع الداخلية و العلاقات و الشروط الدولية و الإسرائيلية ، انها تجسيد واضح لمصالح قطبي "النظام السياسي الفلسطيني" وليست تجسيداً لمفهوم الوحدة الوطنية الذي بات غائباً قبل وبعد الاقتتال الدموي، بعد أن غاب أو تفكك المضمون الاجتماعي للوحدة الوطنية ومفهومها، على اثر تفكك المجتمع السياسي الفلسطيني منذ عام 2000 الى اليوم، فالوحدة الوطنية التي نتحدث عنها كثيراً، ليست شعاراً مصطنعاً يبتكره هذا السياسي أو ذاك، بل هي القواسم المشتركة التي تتحلق الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المتباينة حولها بشكل موضوعي، وبالتالي فان هذه الحكومة قد تكون حكومة هروب للقطبين على حساب المصالح الوطنية العليا، بحيث يستمر الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال و من الخلل المؤسسي و افتقاد البرنامج الموحد فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية التي ستحدد مستقبل هذه الحكومة، وخاصة ملف الدولة كاملة السيادة على أراضي 1967 , الاقتصاد و التمويل و البطالة و الفقر , و سيادة القانون أو ملف الأمن و الاستقرار و الإصلاح الإداري ووقف و محاسبة رموز و أدوات الفساد , و أخيراً كيفية التعاطي مع ملف م.ت.ف , ان مجمل هذه القضايا و عدم التوافق عليها , يعزز من احتمالات فشل حكومة القطبين بصورة جدية ، نتيجة عجزها عن حل إشكاليات الأزمة الداخلية بكل أبعادها و قضاياها السياسية و المطلبية التي أشرنا أليها من ناحية وعجزها عن فك الحصار أو إنهاءه إذا لم يتم تلبية شروط أولمرت من ناحية ثانية، وفي ظل هذا الاحتمال ستبقى الأهداف والثوابت الوطنية الفلسطينية مؤجلة، جنباً إلى جنب مع هدر المال والفساد المالي والإداري ومظاهر الفقر والمعاناة بهذه الدرجة أو النسبة في إطار القطبين الحاكمين . على أي حال الديمقراطية في الأحوال الطبيعية – من وجهة نظري- هي انعكاس لمفهوم الوحدة الوطنية وتطبيقاته أو تغلغله في النسيج السياسي الاجتماعي للمجتمع، وهي عملية أو معادلة لم تتكرس موضوعياً كحالة نوعية في تجربتنا الفلسطينية لأسباب كثيرة في مقدمتها موقف العدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى فرض شرعية المحتل الغاصب، إلى جانب طغيان مظاهر التخلف المجتمعي بكل محدداته وأدواته العشائرية والفلتان الأمني والفساد والفقر، التي تسهم في تفكيك المجتمع وفرض أشكال رثة من الاستبداد والخوف في أوساط الجماهير الشعبية المستضعفة في ظل تفكك السلطة والتراجع الحاد لدورها المركزي، بفعل الاستنزاف والانحطاط الداخلي والحصار الخارجي معاً، الأمر الذي أسهم في تراجع المفاهيم أو الأفكار التوحيدية الوطنية والمجتمعية، ومن ثم الانشغال بالمصالح الذاتية (الطبقية تحديداً) والصراعات لحساب الفصيل والأجهزة والجماعات المسلحة بمختلف تبايناتها عبر ارتباط وثيق بعصبية الحمولة والعائلة والقرية، المحكومة بالممارسات والأخلاق الرثة المرتبطة بتلك المصالح المادية، وهي مظاهر ناجمة عن الصورة الأشمل للانقسام المجتمعي بين ما يسمى بمجتمع الضفة من ناحية ومجتمع قطاع غزة من ناحية ثانية، ما يفسر وصول مجتمعنا الفلسطيني إلى هذه الحالة من الانحطاط التي لا يمكن معها الحديث عن الديمقراطية أو المجتمع المدني او الوحدة الوطنية او حتى الانتماء للوطن والمشروع الوطني كأفكار توحيدية ناظمة لأبناء شعبنا. في ضوء ما تقدم، فإن الحوار حول مفهوم الديمقراطية في النظرية و الممارسة بارتباطه بأوضاعنا الراهنة ، ليس حواراً موضوعياً مجرداً أو معزولاً و إنما هو –في جوهره- موقف طليعي يعبر عن الشعور بالمسؤولية لدى الطليعة اليسارية و مثقفيها، في هذه اللحظة بالذات، يفرض عليها أعباء ثقيلة في سياق مجابهتها لهذه الحالة من التفكك والانهيار الوطني والمجتمعي، خاصة وأن الانتشار المحدود للديمقراطية في بلادنا ، اقتصر فقط على النخبة ووقع تحت سيطرتها مما أدى إلى تحول الديمقراطية إلى شكل من أشكال الليبرالية الرثة بين فئات نخبوية متنافسة في إطار NGOS و إلى تزايد الشخصانية في كافة الأطر المهيمنة: الأحزاب والفصائل، المجموعات المسلحة، العشائر والعائلات، الأجهزة، والسياسة، ترافق ذلك مع هبوط حاد في الثقافة الديمقراطية الجماهيرية (خاصة بعد أن أصبحت الحالة الديمقراطية تعبيراً عن القرار الخارجي وليست تعبيراً عن الحاجة والتطور المجتمعي) . فالمعروف أن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات برلمانية و لا يجوز اختزالها إلى تلك فقط ، بل انها تنطوي أيضا على مجموعة من الحريات و الحقوق الأساسية المرتبطة بسيادة القانون وقوة النظام الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية . إن مهمة القوى اليسارية الديمقراطية في هذه المرحلة و المستقبل، تفعيل و فرض البعد الديمقراطي الغائب و دمجه مع البعدين الوطني و الاجتماعي، لكن يبدو أن معظم هذه القوى تتعرض لمزيد من التفكك أمام منعطف أو استحقاق بيان مكة ومشاركتها الهزيلة في حكومة القطبين، ما يعني انحيازها لحساب السياسات والأفكار النقيضة لرؤيتها ومبررات وجودها، وهو استنتاج لا يجافي الحقيقة أو الواقع، ولكن، بالرغم من قتامة هذه الصورة، فإن الحالة الديمقراطية ستظل حالة موضوعية وضرورية في المجتمع الفلسطيني عموماً، وطالما استمرت حالة الاستقطاب الثنائية القائمة (فتح وحماس) خصوصاً، وأيضاً طالما بقيت الطليعة اليسارية عاجزة عن بلورة مشروعها وبرنامجها الوطني والديمقراطي الذي يتوجب عليها أن تبلوره كبديل للبرنامج الكومبرادوري أو الرأسمالي الليبرالي المشوه الذي تمثله فتح و البرنامج الكومبرادوري الرأسمالي الشعبوي في شكله الديني المحافظ و الذي تمثله حركة حماس أو الإسلام السياسي . و المؤسف أن بعض قوى اليسار كانت تراهن على أن رصيدها التاريخي سوف يشفع لها أمام الجماهير ولكن نتيجة الانتخابات جاءت على عكس هذه المراهنة، ورغم ذلك، فان الفشل في الانتخابات لم يدفعها حتى اللحظة إلى وقفة جادة و مسئولة للخروج من حالة الترهل التنظيمي والفكري التي تعيشها منذ سنوات، بل أنها استمرت في العمل بوتائر شكلية وبطيئة دون تفعيل جاد للدافعية التنظيمية الجماعية، ودون أي خطوات ملموسة صوب إعادة ترتيب وتنظيم أوضاعها الداخلية صوب النهوض المطلوب لتنشيط دورها في أوساط جماهيرها المتعطشة لذلك الدور . في كل الأحوال تظل عملية بناء النظام السياسي الديمقراطي هدفاً وطنياً أساسياً – لكل قوى اليسار- لضمان وحدة وتكامل المجتمع الفلسطيني وخلق نظام يرسخ الهوية الفلسطينية والحدود الإقليمية الفلسطينية والأهداف الوطنية العامة والوسائل اللازمة لإشباع حاجات الشعب الفلسطيني. وتبرز مسألة السيادة والاستقلال السياسي كعنصر مهم في عملية البناء، ولعل هذا العنصر اضعف الجوانب في عملية البناء الوطني نتيجة لتجميد العملية السلمية على قاعدة الشرعية الدولية، فالدولة الفلسطينية في وضعها الحاضر هي دولة "السلطة الوطنية" إنها لا تملك أياً من المقومات الأساسية للدولة أو أركانها سوى الأفراد أو السكان أو الشعب، أما الأركان الأخرى الإقليم/ السلطة الفعلية/ السيادة فهي أركان مستلبة، غير متحققة حتى اللحظة، رغم الاعتراف الدولي الشكلي بها، وبالتالي فان "الدولة الفلسطينية" بشكلها الحاضر ليست دولة ولا يمكن أن تصبح دولة في ظل شروط شارون/ أولمرت أو اتفاقات أوسلو وما ترتب عليها حتى لو اعترفت بها إسرائيل وأمريكا، ذلك إن قيام دولة حقيقية يتطلب كخطوة أولى ثلاثة شروط أساسية: 1- الانسحاب الإسرائيلي التام. 2- إزالة المستوطنات. 3- السيطرة الفلسطينية على الأرض والسكان والموارد والحدود والمعابر والموانئ البحرية والجوية علاوة على الاعتراف الدولي الكامل بها في إطار ديمقراطي نيابي بما يؤكد ويرسخ مفهوم السيادة للدولة الفلسطينية. . ومعنى تمتعها بهذه الصفة أن تكون لها الكلمة العليا لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى . لذلك، علينا أن نتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح الوطنية والقومية الكبرى وليس من منطلق حماس أو فتح ، خاصة وان كلاهما يعيش ازمة خانقة او تحولات خطيرة، بعد أن بات المقرر الخارجي صاحب القرار الحاسم في حاضرنا ومستقبلنا.
اليسار والمستقبل: إننا ندرك أن كل ما يجري حولنا في اللحظة الراهنة، لا يدعو إلى التفاؤل، لكننا ندرك أيضاً الإمكانات الهائلة للتغيير الممكن في الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهي إمكانات كبرى، تنتظر من يقودها ويتفاعل معها بمصداقية ثورية عالية، تقوم على رفض أدوات ومحددات اللحظة المهزومة، صوب المستقبل الذي تتحقق فيه مصالح وأماني جماهير شعبنا في التحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، المهم أن نستطيع بلورة الأفكار الرئيسية للتيار الثالث اليساري الديمقراطي وإعادة بناء الحركة الماركسية في فلسطين والوطن العربي كمخرج استراتيجي وضرورة تاريخية تفرضها اللحظة الراهنة من الصراع . و من هنا فإن هذا يجب أن يشكل ضوء أحمر لطلائع اليسار الفلسطيني ان تتحلى بالمسؤلية العالية ، وان تشق طريقها، بما يمكنها من استعادة دورها و فعلها ووزنها و حضورها و تأثيرها في الشارع الفلسطيني ، و على أساس برنامج بديل ، يجب أن يتجذر و يتعمق – كضرورة تاريخية- في الوجدان الفلسطيني و أن تشكل طليعة وقيادة فعالة للجماهير الشعبية، و أن تولي العمل المجتمعي و الجماهيري الاهتمام الكافي ، المهم ان تأخذ الدروس والعبر من كل ما حصل، و توحد صفوفها و برامجها وهويتها. ذلك أنه، كان من الطبيعي، في مثل هذا التركيب الطبقي لأحزاب وفصائل اليسار، وضعف الوعي الفكري وضحالته وتراجعه بعد أن اخترقته الأفكار الليبرالية الرثة والأصولية الدينية، وما رافقها من مظاهر الفوضى والإرباك، والشللية والتكتلات الضارة، ان تتراكم وتتفاقم حالة الرخاوة التنظيمية والسياسية، التي ترافقت مع تراجع الهوية الفكرية أو التخلي عنها لدى البعض، وهي عوامل أفسحت المجال لتراكم وتفاقم الأزمات الداخلية، التي أدت إلى مزيد من إضعاف دور اليسار على الصعيدين الوطني التحرري، والديمقراطي والمطلبي الداخلي. وفي سياق هذه العملية أو هذا الوضع، علينا أن نلحظ إشكالية الوعي، الذي اتسم بالاختلال والهبوط باتجاه حالة من الليبرالية الرثة وجوهرها الانتهازي الذي أعاد إحياء بعض المفاهيم الشكلية المثالية بطابعها التوفيقي وذرائعها التي ارتبطت بإطار التخلف الاجتماعي والذاتي العام، والمتجدد. وبالتالي طغيان الرؤية القاصرة المشوشة التي دفعت بدورها إلى مزيد من العزلة والفشل لأحزاب وفصائل اليسار في أوساط الجماهير، والأسباب في ذلك كثيرة، نورد منها ما يلي: 1- غياب الوعي بالنظرية ومنهجها المرتبط بوعي الواقع المعاش، وانتشار الأزمة التنظيمية الداخلية بمختلف مظاهرها ومكوناتها وتنوعها. 2- فشل اليسار في تحويل أي قضية من القضايا التي يتبناها في برامجه وأدبياته إلى قضية عامة. 3- عجز قوى اليسار في تحويل الرفض الجماهيري لمظاهر الخلل في السلطة الوطنية، أو في م.ت.ف الى قوة جماهيرية في محيط هذه الفصائل والأحزاب. مما أدى إلى ما نشاهده اليوم من قبول بعض قوى اليسار المشاركة في حكومة القطبين. 4- الفشل في بلورة الفكرة المركزية الواضحة والمرشدة لبناء التيار الديمقراطي التقدمي أو الطريق الثالث اليساري الواضح في هويته الماركسية ونهجها الجدلي كطريق وحيد لوعي الواقع من جهة وتجاوزه وتغييره من جهة ثانية. 5- فشل اليسار في تفعيل دوره كحضور فعال في إطار الأطر النقابية العمالية والمهنية وغيرها من المؤسسات المجتمعية. 6- عجز قوى اليسار الفلسطيني، وكذلك العربي، عن تنظيم أو اكتشاف قيادات جديدة طبيعية، نابعة من بين الجماهير وتحويلها إلى كوادر حزبية تحظى بالاحترام في الأوساط الشعبية وتضمن التفافها حولها. 7- تزايد حالة الإرباك الفكري الداخلي بين صفوف قادة وكوادر وقواعد قوى اليسار، ويبدو أن هذا الإرباك أو اللبس قد أصاب مفهوم اليسار أيضاً،حيث لم يعد مدركاً بوضوح من هو اليسار اليوم؟ هل هو الماركسي أم الناصري أم القومي، أم الليبرالي؟ الأسئلة كثيرة ما يؤكد على اتساع الفجوة –بدرجة كبيرة- بين الهوية الفكرية اليسارية من ناحية وبين الغالبية من كوادر وأعضاء قوى اليسار من ناحية ثانية، وقد أدت هذه الحالة من غياب الوعي، إلى استمرار تغريب الواقع، حيث لم تعد أفكار وأهداف قوى اليسار، أهدافاً شخصية لأعضاء الحزب وكادراته، وغاب التلازم الجدلي والثوري بينهما بصورة مفجعة.
ما هي سبل استنهاض اليسار؟ في سياق إجابتي على هذا السؤال، سأحاول بداية، أن أؤكد على أهمية وضوح مفهوم اليسار، والى اي مدى ينطبق هذا المفهوم على الفصائل والأحزاب التي نتناولها بالتحليل او التشخيص أو بالنقد، لان هذه الإشكالية، إشكالية تحديد مفهوم اليسار ومن هو الحزب اليساري؟، لا بد من تفكيكها بكل جوانبها المعرفية والتنظيمية والسياسية، ومن ثم نعيد تركيبها بما يتفق ويتناسب مع سبل التغيير الديمقراطي المستقبلي الطويل الأمد نسبياً، للواقع المأزوم والمهزوم الراهن، بحكم هذا الاختلال العميق والهائل في موازين القوى بين قوى التقدم أو اليسار من ناحية وبين قوى التحالف الامبريالي الرأسمالي الصهيوني المعولم وأنظمة التبعية والتخلف والخضوع من ناحية ثانية، ما يجعل من هدف وآليات التغيير المطلوب لهذا الواقع، مسئولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق قوى اليسار في فلسطين وكل بلدان الوطن العربي على حد سواء. على ان هذا الهدف يحتاج بداية إلى تشخيص وتحليل ما يسمى ب"أزمة الماركسية" في ظل الانهيار الذي أصاب إطار اليسار العربي عموماً واليسار الفلسطيني خصوصاً، في ضوء المتغيرات النوعية المتسارعة في المرحلة الراهنة التي تتبدى فيها المظاهر الرئيسية للأزمة، التي نلخصها فيما يلي: 1- عدم قدرة الحركة الوطنية الفلسطينية على انجاز برنامج التحرر الوطني (عوامل موضوعية وقصور ذاتي وتراجع سياسي طبقي). 2- تمكن المشروع الصهيوني الامبريالي من تحقيق أهدافه. 3- رضوخ قيادة م.ت.ف للشروط الأمريكية الإسرائيلية. 4- عجز البديل الديمقراطي (اليسار) ومعاناته من أمراض وسلبيات تطال برنامجه وبنيانه التنظيمي وممارسته وعلاقته بالجماهير. وفي هذا السياق، فان من المفيد الإشارة إلى أشكال التناقض التي يعيشها النضال الفلسطيني في هذه المرحلة: التناقض الأول مع الاحتلال (هو تناقض تناحري). التناقض الثاني (تناقض سياسي) مع السلطة الطبقية ومواجهتها بالوسائل السياسية والأيدلوجية والجماهيرية. التناقض الثالث (هو تناقض رئيسي موضوعي) بين جماهير الفقراء وكل المضطهدين والمستغلين وبين ما يسمى بالرأسمالية الفلسطينية الكبيرة بكل تفريعاتها الكومبرادورية والعقارية والطفيلية والزراعية والبيروقراطية. - هذا هو تحليلنا... فما هي سبل المواجهة وكيف؟ باختصار الجواب يكمن في نجاحنا –كيسار طليعي- في ايجاد الترابط الفعال بين البرنامج الوطني التحرري، والبرنامج الديمقراطي الاجتماعي الاقتصادي... كشرط لتوفير عوامل الصمود وتحقيق أهداف النضال الوطني، وبالتالي الإجابة على السؤال الرئيسي المطروح أمامنا اليوم: وماذا بعد رفضنا المشاركة في حكومة القطبين؟؟ الجواب ببساطة هو الاستمرار في النضال لتحقيق أهدافنا الوطنية والديمقراطية وفق آليات عمل جماعية و اساليب تفكير ابداعية مملوءة بالنشاط و التجدد ... عبر الوعي العميق بكل جوانب واقعنا بما يمكننا من امتلاك أدوات المجابهة والتغيير المطلوبة... سواء على صعيد الصراع ضد العدو الإسرائيلي أم على صعيد وعي القضايا الداخلية لهذا الواقع (الاقتصاد والزراعة والصناعة والصحة والتعليم والقانون والمرأة والشباب... الخ) بالترابط مع هذه القضايا في الإطار القومي العربي من حولنا، بما يعزز صمود شعبنا ويكرس دورنا في أوساط الجماهير، وهذا يتطلب من رفاقنا الاستمرار والتواصل على طريق النضال الداخلي الديمقراطي وفق قواعد وأسس منطلقاتنا القومية والأممية، بما يضمن التخلص وطرد كل مظاهر وعناصر الأزمة التنظيمية والفكرية والسياسية، عبر خطط وقرارات وآليات عمل جماعية بروح عالية من الدافعية. ان استكمال هذه المهمة (الخروج من الأزمة) شرطاً أساسياً وأولياً لتفعيل دور اليسار عموماً، والجبهة الشعبية خصوصا،ً في مجابهة كل أدوات ومظاهر الهبوط السياسي والمجتمعي الراهن، ارتباطاً برسالة اليسار وأهدافه الوطنية والقومية الديمقراطية والتقدمية المستقبلية، وبالتالي المطلوب المزيد من تفعيل واستنهاض الطاقات عبر: 1- الالتزام بقواعد وأسس البرنامج السياسي والتنظيمي، وترسيخ الوعي الأيدلوجي بالنظرية الماركسية وبالواقع المحيط، والاستناد إلى الكفاءات العلمية والفكرية المناضلة في صفوفه. 2- تحرير العقل القيادي والكادري لقوى وأحزاب اليسار من كل أشكال التفكير النمطي والشللي والانتهازي والليبرالي، والنضال ضد الانحرافات الحزبية، وتعميق عناصر الهوية الفكرية والتجانس الفكري بصورة حاسمة. 3- تصفية واقع الاغتراب في العلاقة مع الجماهير عبر خطط وبرامج محددة لجميع المراتب الحزبية وفق أسس و منهجية البحث العلمي . 4- تخطيط وتنظيم وتفعيل نشاط المؤسسات الحزبية ذات العلاقة بالجمهور ( خاصة اللجان المجتمعية المتخصصة في الاقتصاد، التعليم، الصحة، الزراعة، القانون، العمال، الفلاحين، الشباب في الجامعات والمدارس، والمرأة، والموظفين والمهنيين)، عبر وضوح الخطة والأهداف وآليات العمل لكل لجنة من هذه اللجان من ناحية ومتابعة وتقييم نشاطها وتقاريرها من ناحية ثانية. 5- البدء بتطبيق خطة عمل في أوساط الجماهير للارتقاء بدور الطليعة اليسارية، عبر التفاعل الخلاق والمتصل معها، للتعلم منها، والإجابة على أسئلتها وإيجاد الحلول لمعاناتها وإشكالاتها الراهنة والمستقبلية. المهم ان نطرد عوامل الأزمة في أوساط قوى اليسار، ونعيد تنشيط عملية الوعي بالهوية الفكرية والدافعية الذاتية والروح الجماعية، واعتماد أساليب ومناهج العمل الإدارية الحديثة، وليس الانحناء لشروط اللحظة المذلة، او لعفوية الجماهير...انطلاقاً من إيماننا بدورنا المستقبلي بعيداً عن اللحظة الراهنة بهبوطها وتداعياتها الخطيرة على قضيتنا ومستقبل شعبنا ومشروعنا الوطني والقومي... لا خيار أمامنا ... اذ اننا وحدنا أصحاب هذا المشروع المستقبلي، فالأهداف الكبرى تستحق التضحيات العظيمة.
( ندوة مركز الدراسات الجماهيرية / غزة/ بتاريخ 7/3/2007 )
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول تبعية وتخلف المجتمع والاقتصاد العربي وسبل التجاوز والنهو
...
-
الأوضاع الاقتصادية والتنموية في فلسطين
-
المجتمع السياسي الفلسطيني ومشروعه الوطني إلى أين ..؟
-
واقع الصناعة والتجارة في الضفة الغربية وقطاع غزة
-
دراسة حول : البلديات والنقابات المهنية والعمالية في فلسطين
-
دراسة أولية حول : التعليم والتعليم العالي في فلسطين
-
دراسة أولية حول : الواقع الثقافي الفلسطيني
-
الاوضاع الصحية في فلسطين
-
المسالة الزراعية والمياه في الضفة الغربية وقطاع غزة
-
الوضع العربي الراهن وآفاق المستقبل
-
العولمة والعلاقات الدولية الراهنة
-
ورقة حول -الحصار وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية- مقدمة إل
...
-
مداخلة حول ورقة أ. تيسير محيسن - آفاق التحولات البنيوية في ا
...
-
ورقة أولية : حول فشل اليسار ... وسبل نهوضه - وجهة نظر للحوار
-
دراسة حول الخيارات والبدائل المتاحة للتشغيل بعد الانسحاب من
...
-
الاقتصاد الفلسطيني .. الواقع والآفاق
-
المفكر الفلسطيني غازي الصوراني ل -الخليج-: الأمة العربية قاد
...
-
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة في المجتمع الفلسطين
...
-
التحديات والمخاطر السياسية والاقتصادية -لخطة شارون- وسبل الم
...
-
دراسة حول/ المشروعات الصغيرة في فلسطين: واقع ورؤية نقدية
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|