أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الخطيب - ليلة بيضاء - قصة قصيرة














المزيد.....

ليلة بيضاء - قصة قصيرة


بسمة الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1841 - 2007 / 3 / 1 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


توسّط الرجل الثلاثيني شاشة التلفزيون. عيناه الرماديتان ساخطتان وكلماته متكسّرة. راح سؤاله يهزّ ميكروفون المراسل، "... كيف أطعم أولادي الخمسة؟" هو السؤال نفسه الذي ارتسم على وجوه زملائه، موظفي المرفأ، الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر.
إلا أن الكاميرا الباردة توقّفت عند وجهه هو، اقتربت من عينيه الرماديتين المبللتين. كانتا مذهلتين. هل تنقل الكاميرا ألوان العيون كما هي؟ هل عيناه حقاً بمثل هذا السحر؟ هل هما رماديتان إلى هذا الحدّ؟... لم تأبه الكاميرا لأسئلتي، غاصت في العينين بهدف اصطياد الدمعة المكابرة.

كنت قد توقفت منذ فترة عن البكاء تعاطفاً مع المقهورين والمعذّبين في الأرض، ولم تعد تؤرقني صور مجزرة أو مذبحة. لكن الدمعة قفزت من عيني. ثقيلة ولها رنة.
اختفت في نسيج ملابسي.
بحثت عنها وحدّقت بإمعان في قطبات الصوف ثم أغمضت عيني أمام ذكرى صوت الباص وتلاعب الهواء بضفيرتي التلميذة التي كنتها، والفتى الذي كان ينتظر الباص عند شرفة منزله كلّ صباح مهما انخفضت الحرارة واشتدّت الرياح... والذي فكّرت لدقائق بالانتحار لأجله.

لاحقاً أدركت أنني كنت سأنتحر لأجل انسان لم أخاطبه مرة.
لم نلتق أبداً، مجرد نظرة عابرة كل صباح، لم تخولني أن أرى وأحفظ تفاصيل وجهه. يمرّ الباص الذي يقلّني إلى المدرسة من تحت شرفته، تلتقي نظراتنا لثوان وينتهي كلّ شيء. تبادلنا الرسائل المعطرة، الكثير منها، لكنها راحت تقلّ، ثم خفت عطرها قبل أن تختفي تماماً.
في أحدى رسائله كتب لي إنه سينجب مني ستة أولاد جميعهم صبيان، حملتني الفكرة إلى أعلى سحابة تخيّلت وجودها، وما زالت تفعل إلى اليوم كلما تذكرت الكلمات المكتوبة بخطّ كبير وسعيد.
حين تزوج تمنّيت أن تنجب زوجته البنات فقط، ثم تفاقمت نقمتي عليهما وتمنّيت ألا ينجبا البتّة.
لم أعرف ماذا حصل معهما. منذ لحقت بأبناء عمي المهاجرين تحوّلت إلى ماكينة صامتة، أتحرّك بين البيت والسوق، أكتئب في المترو، أدمن نشرات الأخبار وأنام باكراً... وأسمن.

بقي الرقم ستة يتراءى لي، وبقيت أتساءل قبل أن أغفو وبينما وبينما أتحسس بقايا أوّل ألم في قلبي عن أمرين اثنين: عدد الأولاد الذين أنجبهم حبيبي الأول، ولون عينيه.

الآن عرفت، ولأول مرة رأيت وجهه لدقيقة كاملة، كأنه ما زال هناك عند الشرفة القديمة ينتظر مرور الباص...

عندما أقفلت التلفزيون ودفعت جسدي الثقيل بلحمه الوافر في الفراش لم أعرف أني سأعيش أول ليلة بيضاء في عمري. مرّ السحر وبعده الفجر من النافذة وأنا أحدّق فيهما.
كيف أنام وخمسة أطفال، كان يمكن أن يكونوا أطفالي وأكون حاملاً بسادسهم، ينامون جوعى، ويتفرّج العالم على عيني والدهما الرماديتين الجميلتين تختنقان بدموع عصيّة؟



#بسمة_الخطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات ذاكرة مثقوبة
- العرب القدامى كانوا أكثر استكشافاً (ارتياد الآفاق) مشروع أدب ...
- هل يأتي يوم يتفرغ فيه الكاتب لكتابته أم هو موعد لا يأتي أبدا ...
- ينقلون قصيدة من حلم أو يحلمون بلوحات وأزياء.. والفن نفسه حلم ...
- الإهداءات فن لا يملكه كل الكتاب.. لطف أم فعل حب أم كمبيالة م ...
- آخر أيام- الكاسيت- ... صار نوستالجيا والاسطوانة القديمة تعود ...
- البحث عن أقدام قوس القزح
- ثمة شيء أصفر... فوق أنفك...!
- أقلّ من الحبّ بكثير
- آدم ليس عائداً معي


المزيد.....




- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسمة الخطيب - ليلة بيضاء - قصة قصيرة