أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض العيداني - حين تُدار الدولة على ظهر حصانٍ ميت














المزيد.....

حين تُدار الدولة على ظهر حصانٍ ميت


رياض العيداني

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاثنين 29/12/2025

.. المقدمة..
لا تُقيس السياسة إخفاقات الدول دائماً بمؤشرات النمو أو تقارير الموازنات ، بل أحياناً تكفي استعارة واحدة صادقة لتلخيص المشهد بأكمله ، ولعلّ ( نظرية الحصان الميت) من أكثر النظريات قدرةً على تشريح سلوك الدولة "المركزية" حين تواجه فشلاً واضحاً لكنها بالمقابل تصرّ على التعامل معه بوصفه لغزاً معقّداً لا حلاً بديهياً له .
تقول النظرية ببساطة موجعة إذا اكتشفت أنك راكب حصاناً ميتاً فالقرار العقلاني الوحيد هو النزول عنه ، غير أن الواقع السياسي يخبرنا أن ما يبدو بديهياً في المنطق يصبح محرّماً في الإدارة المركزية ، فبدلاً من النزول تبدأ سلسلة من الإجراءات العبثية (شراء سرجٍ جديد أو إطعام الحصان وكأنه ما زال حياً أو تغيير الفارس أو عقد اجتماعات مطوّلة لبحث "آليات زيادة سرعة الحصان") من ثم يتم تُشكَّل لجانٍ مختلفة وتُكلَّف فرق عمل وتُنجز دراسات تستغرق أشهراً من الجهد والبحث العلمي لتصل في النهاية إلى النتيجة نفسها("الحصان ميت"… لكن من دون إعلان ذلك) .
وفي الدولة المركزية الاعتراف بالفشل يُعدّ تهديداً لهيبة القرار لذلك يُستعاض عنه بالإنكار المنهجي ، تُقارن الإخفاقات بإخفاقات أسوأ وتُحمَّل المسؤولية للظروف أو للبيئة الدولية أو لسوء "التنفيذ" لا لسوء النموذج ذاته ، وحين يبلغ الإنكار ذروته يُعاد تعريف المفاهيم فلا يعود الفشل فشلاً ، بل (تحدياً) ولا يعود التوقف موتاً ، بل (مرحلة انتقالية) .

البصرة… الحصان الذي يجرّ الدولة ولا يُسمح له بالقيادة
في قلب هذا المشهد تبرز محافظة البصرة بوصفها المثال الأوضح للحصان الذي يجرّ العربة منذ عقود من دون أن يُسمح له بالجلوس فيها ، فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ما بعد الاحتلال البريطاني لم تُسنَّم البصرة موقع رئاسة الوزراء ولو مرة واحدة!! وكأن القيادة حكرٌ جغرافي لا "يُناقش" لا استحقاقاً وطنياً يُقاس بالكفاءة أو بالمساهمة الفعلية .
والمفارقة أن البصرة تساهم بما يُقدَّر بنحو (85% من الناتج المحلي الإجمالي) وتمثّل المصدر الأساس لتمويل الموازنة العامة بما فيها (مصدر معيشة لنحو 46 مليون نسمة) فضلاً عن تمويل مشاريع تنتهي عوائد الكثير منها في المكاتب الاقتصادية للأحزاب لا في حياة مواطنيها ، ومع ذلك تُعامل المحافظة وكأنها هامش خدمي لا مركز ثقل اقتصادي .
وتبلغ المفارقة ذروتها في "أزمة المياه" فمشروع تحلية مياه البحر بكلفة لا تتجاوز (ملياري دولار) أي ما يعادل تصدير النفط لأسبوع واحد أو أقل يُقدَّم دائماً بوصفه عبئاً مالياً كبيراً في حين تُهدر أضعاف هذا المبلغ على مشاريع بلا أثر تنموي واضح كالجسور التي وقعت قبل افتتاحها أو التي لم يستلم منفذوها من المقاولين مستحقاتهم المالية والبالغة (30 ترليون دينار عراقي) والنتيجة أن محافظة تُغذّي الدولة بالنفط لا تمتلك ماءً صالحاً للشرب بسبب شحّ المياه وارتفاع نسب الملوحة إلى مستويات غير صالحة للاستخدام البشري .
هنا يصبح السؤال سياسياً بامتياز (هل تفتقر البصرة إلى الكفاءات؟ أم أن المركزية اختزلت القرار والقيادة في محافظات بعينها؟ وهل يُعقل أن تُترك محافظة بهذا الثقل الاقتصادي خارج أولويات الإنقاذ؟)
إن هذا الغبن ليس خللاً عرضياً ، بل نتيجة مباشرة لنموذج مركزي يُعمّم الفشل ويُصادر القرار .
وهنا بالضبط ينتقل النقاش من توصيف الأزمة إلى البحث عن البديل .
فاللامركزية (إقليم البصرة) ليست شعاراً إدارياً ، بل (قراراً سياسياً شجاعاً بالنزول عن الحصان الميت) إنها الاعتراف بأن تركيز القرار في مركز واحد لم يُنتج عدالة ولا كفاءة وأن توزيع الصلاحيات يخفف كلفة الخطأ ويمنع تحوّله إلى كارثة وطنية شاملة ، في النظام اللامركزي تُدار الموارد حيث تُنتج وتُحلّ الأزمات حيث تقع ويُحاسَب الفشل محلياً قبل أن يتحول إلى سياسة عامة .
إن الدولة التي تصرّ على إدارة شؤونها من فوق حصان ميت ستظل تتقدم في الخطاب وتتأخر في الواقع ، أما الدولة التي تملك شجاعة الاعتراف وتغيير المسار وتبنّي اللامركزية بوصفها نظاماً لا منّة ، فهي وحدها القادرة على السير قدماً ، فالحكم الرشيد لا يُقاس بقدرة السلطة على إنكار الموت ، بل بقدرتها على اختيار حصانٍ حيّ .



#رياض_العيداني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البصرة بين مركزٍ يستنزفها واقليمٍ ينصفها
- حين يموت النهر ... وتنطفئ الحياة مأساة البيئة في العراق


المزيد.....




- ترامب يهدد بمقاضاة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ...
- بعد أكثر من عقد.. استئناف البحث عن الطائرة الماليزية المفقود ...
- السدود المائية، كيف تعمل وما هي فوائدها؟
- إطلاق الألعاب النارية ليلة رأس السنة.. ما المسموح والممنوع؟ ...
- كأس أمم أفريقيا في المغرب: رقص المنتخبات الأفريقية يحظى بإعج ...
- تركيا: -قناة إسطنبول-.. مشروع -جنوني- عملاق مثير للجدل والق ...
- إيران: طلاب الجامعات يلتحقون بالاحتجاجات ...والسلطات تعلن اس ...
- مباراة مرتقبة بين تونس وتنزانيا لافتكاك تأشيرة التأهل
- حرية الإعلام في 2025: عام التراجع القياسي
- نصّ بيان دولة الإمارات بشأن الأحداث الجارية في اليمن


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض العيداني - حين تُدار الدولة على ظهر حصانٍ ميت